الجمعة، ديسمبر 03، 2010

إخترنا لكم من أرشيفنا الخاص

-->
اخترنا لك من كتاب (نحو تاريخ سياسي وفكري لشيعة لبنان)
لأن موضوع الشيعة في لبنان هو موضوع الساعة اقتطفنا لك قارئي الكريم ما يلقي الضوء حول بروز الشيعية السياسية في لبنان وتصاعد دورها.
ولأننا عالجنا الموضوع من زاوية وطنية وقومية، لعلَّ القارئ الكريم يجد في مقتطفاتنا التي ننشرها الآن ما يفيده في فهم تصاعد دور الشيعية السياسية في لبنان بشكل خاص، وتصاعد دور الطائفية السياسية في لبنان بشكل عام.
أما المقتطفات فهي مستلَّة من الجزء الثاني من كتابنا المنشور  منذ العام 2001، تحت عنوان (نحو تاريخ سياسي وفكري لشيعة لبنان)، ومن أراد التوسع أكثر يمكنه مراجعة الكتاب منشوراً في (مدونة العروبة).
ننشر في هذه الحلقة مقدمة الكتاب الثاني تمهيداً لنشر نتائج البحث في الحلقة الثانية
مع أجمل تحياتي
حسن خليل غريب

مقدمـــة الكتاب الثاني

واجهتني، قبل الدخول في البحث وبعده، عدة إشكاليات، من أهمها:
أولاً: يصطدم البحث عن ظاهرة معاصرة ومعيوشة بعدة من الثغرات:
1-الخوف من هواجس التحيز وغرضية الأهواء.
2-غياب المصادر، التي غالباً ما تكون وثائق سرية، أي إن ما يُعلَن يكون       في العادة جزءاً من المصادر فقط وليس كلها.
3-أن تكون فصول الظاهرة، موضوع البحث، غير مكتملة بعد، أي أنها لم تستقر عند حدود ثابتة يمكن الركون إليها في إعطاء استنتاجات تكون أقرب إلى الصواب.
لكن، على الرغم من ذلك، كان لا بُدَّ من الخوض في موضوع الظاهرة التي نقوم بدراستها، خاصة وإنها شكَّلت مفصلاً رئيساً في حياة لبنان المعاصر، بما لها من علاقة مع أهم أزمة تشغل بال العالم والمنطقة ولبنان، وهي أزمة الصراع العربي - الصهيوني. لذلك، حسبنا، قبل الإقدام على هذه الخطوة، من أن ننظر إليها وغرضنا من ذلك الإسهام في ورشة بحثية عملت، وتعمل، على دراستها. فعذرنا هو أننا نبذل الجهد الموضوعي في العرض والتفصيل والتقييم والاستنتاج، وهذا جانب إيجابي على الرغم من أنه محفوف بعدة من الإشكاليات التي ألمحنا إليها. وهو، بالتالي، قد يُقدِّم بعض الفائدة إلى الباحثين عنها في المستقبل، وأهمية العمل تكمن في أن باحثاً معاصراً يعيش الظاهرة في وقت نشأتها، فهو قد يستطيع أن يسلِّط الضوء على ما لا يمكن للباحثين في المستقبل أن يصلوا إليه بدون هذه البدايات.

ثانيـاً: من خلال حوارات، كنت حريصاً على إجرائها مع بعض الأصدقاء حول مسودات هذا الكتاب، استغرب البعض منهم أن تكون المقدمات القومية والوطنية لكل فصل أكبر حجماً بكثير من تاريخ الشيعة، وهو الموضوع الأساسي؛ وهذه لا تستقيم منهجياً مع بحث علمي.
لا شكَّ، ظاهرياً، بأن في الملاحظة الكثير من الصحة، ولكن ما  تجدر الإشارة إليه  أن  تاريخ المذاهب هو أقل حجماً من تاريخ الوطن، لأنها تشكِّل جزءاً منه. أما عندما يكون تاريخ الوطن خاضعاً لتاريخ المذاهب فيه فساعتئذٍ تصبح المقدمات الوطنية أقل حجماً من تاريخ المذاهب. أما إذا كان العكس هو الصحيح: أي تاريخ الوطن هو الأساس، فتصبح المقدمات الوطنية هي الأطول أما النتائج المذهبية فتصبح الأقصر.
لقد ملأ تاريخ الموارنة، ردحاً من الزمن، تاريخ لبنان. أما تاريخ الشيعة، منذ تأسيس لبنان وحتى أواسط الثمانينات، فقد كان قفراً، وكان غائباً عن تاريخ لبنان إلى حدٍّ كبير. فماذا يعني ذلك؟
عندما كان الموارنة يفرضون هيمنتهم السياسية على لبنان، ويستأثرون بالامتيازات من دون منازع، غطى تاريخهم على تاريخه. وعندما لم يكن لشيعة لبنان حقوق وامتيازات، بل حرمان وفقر، غطى تاريخ لبنان تاريخ الشيعة فيه.
كان الشيعة، شعوراً منهم بالحرمان، يتَّجهون سياسياً وفكرياً باتجاهات طبيعية وصحيحة وواقعية وصحية. فكيف كان يحصل ذلك؟
لم يجد الشيعة موقعاً في نادي الطوائف السياسية في لبنان؛ وكانوا يسيرون على طريق تأسيس مقعد لهم فيه. لكن هذا الأمر ترافق مع استقلال لبنان ومع تمظهر وتمأسس الاتجاهات الفكرية الوطنية والقومية. وكان الشيعة، في ظل الحرمان الذي كان يرهق عواتقهم، يفتِّشون عن السفينة التي تنقلهم من الظل إلى الضوء. ومن هنا أخذ الشباب الشيعي، في الوقت الذي كانت تتنعم فيه النخب الإقطاعية الشيعية بالسلطة والمال، ينخرطون في دائرة العمل الوطني والقومي. ولما كان الفكر الوطني والقومي يستند إلى مطلبين: نقد النظام الطائفي السياسي، والدعوة إلى استبداله بنظام وطني يؤمِّن حقوق جميع المواطنين من دون النظر إلى طوائفهم، حسب الشباب الشيعي أن تلك الدعوات هي سفينتهم المنتظرَة، فأخذوا ينخرطون في العمل الحزبي الوطني والقومي المنظم. فنبتت أولى بذور الشخصية الشيعية على طريقها الصحيح والصحي. ولكن…
في سباق زعماء الطوائف للمحافظة على امتيازاتهم الخاصة، وغرق اتباعهم ومناصريهم في آبار الطائفية السياسية، كانت القواعد الشعبية الشيعية هم الوحيدون الذين يسبحون عكس التيار. ولما لم تكن قيادة الواقع الشيعي معقودة اللواء للمنتسبين إلى الأحزاب، بل كانوا على الرغم من الكثافة التي التحقوا بها إلى صفوفها، يشكلون قلَّة بين الشيعة. ولم يصلوا إلى المستوى الذي يحدثون فيه تغييراً ما في الاتجاهات الصحيحة. فوقف في مواجهتهم أكثر من قوة من داخل الطائفة، وأكثر من قوة من خارجها. ولاحت في الأفق بوادر العمل من أجل تأسيس مقعد سياسي طائفي لشيعة لبنان في نادي الطوائف. ولا شك أن الغلبة، ضمن موازين القوى الثقافية والسياسية، كانت للتيارات التي أغرت الشيعة بأن يعملوا بشكل أساسي للحصول على ذلك المقعد؛ فانطلقت، منذ تلك اللحظة، بداية العد العكسي في التضييق الفعلي على الفكرين الوطني والقومي.
لقد جرَّت مغريات الطائفية السياسية عدداً من النخب الشيعية إلى دائرتها. وكانت القاعدة الواسعة من الشيعة منقادة، بحسها الثقافي والفكري، في هذا الاتجاه. فالمقياس بالتفضيل كان يقوم على أسس أي زعيم هو الأفضل من الآخر، وليس أي اتجاه فكري أو ثقافي هو الأصح الذي يوصل بالمجموعة الشيعية إلى شاطئ حقوقها الأمين. 
كان من الأفضل والأسلم، في داخل السياق التغييري للمجتمع اللبناني، أن تنساق الطوائف التي تمارس اللعبة السياسية الطائفية إلى الخروج من  دوائرها الطائفية المنغلقة على نفسها، ويتم الانتقال بها إلى خارج تلك الدوائر، أي إلى دوائر الفكر الوطني والقومي. لكن العكس هو الذي حصل، فقد ساقت القوى الطائفية السياسية قواعدها الشعبية إلى المزيد من الانغلاق، وجرفت معها الطائفة الشيعية إلى داخل  تلك الدائرة.
ومن خلال تطور الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية، حصلت متغيرات سريعة، وربما كانت خارج المألوف على صعيد التغيير في بنى الجماعات، عرف شيعة لبنان شبه انقلاب في موقعهم السياسي، والمتابع لهذا التغيير -وهذا واضح في الفصل الرابع من هذا الكتاب- سوف يرى وكأن تاريخ لبنان قد أصبح تاريخ الشيعة فيه.
ولأننا نبحث عن تاريخ الطوائف في لبنان من منظارين: وطني وقومي، سوف نرى مدى التأثيرات القومية والإقليمية، التي أوصلت شيعة  لبنان إلى انقلاب حقيقي في موقعهم. لكن…
وحتى لا يستكين شيعة لبنان وينامون على وسادة من الحرير، كما نام قبلهم الموارنة، ويحسبون أن التاريخ سوف يقف عند حدود ما حصل، أن يعيدوا النظر بموضوعية على قاعدة أن التاريخ يسير بحركة دائمة من المتغيرات. وأن يعوا أن ما أحرزوه من تقدم على صعيد دورهم لم يكن ليحصل بدون عوامل إسناد أُتيحت لهم من خارج. وليست عوامل الإسناد تلك إلاَّ مؤقتة وتكتيكية، حتى لو كانت ذات اتجاهات واستهدافات قومية. فالوضع في لبنان، على قاعدة النظام الطائفي السياسي، لن يُنتِج لأي طائفة سياسية سوى مكاسب مؤقتة. لكن المطلوب أن تكون عوامل الإسناد القومية جاهزة لإحداث التوازن بين مصالح الطوائف عن طريق إحداث نقلة نوعية تقوم على أساسها عوامل الإسناد القومي  على قاعدة التوازن الوطني والقومي، على الصعد الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي نحسب أنها وحدها الكفيلة بإزالة العوائق من أمام مسارات التطور إلى خارج قواعد اقتسام المغانم كما تتم اليوم في لبنان، والتي تنطلق من داخل نظام تسووي مؤقت يتم الخلاف فيه باستمرار على اقتسام جبنة الغنائم بين النخب السياسية لشتى الطوائف على حساب قواعدها الواسعة. وليس أمام تلك القواعد إلاَّ الاستناد إلى تغيير جذري في بنى النظام الطائفي السياسي.
وعلى الرغم من  أننا قدمنا تبريرات منهجية لاستخدامنا مقدمات قومية ووطنية طويلة نسبياً للدخول في موضوع الشيعة، إلاَّ أننا بسبب من خوفنا أن نُثقِل العبء على القارئ، وخشية من أن يضيق صدره بمقدمات طويلة قبل أن يجد غايته في الاطلاع على موضوع الكتاب، ارتأينا أن نوجز تلك المقدمات، على الرغم من اقتناعنا بأنها ضرورية، وهي ما يميِّز منهجنا عن المناهج الأخرى التي بُحث على أساسها تاريخ شيعة لبنان. لكننا استخدمنا إلى جانب الإيجاز هوامش كثيرة، نحسب أنها سوف تساعد من يريد الاطلاع على تفصيلات أكثر.

ثالثـاً: حيث إن شيعة لبنان ليسوا الظاهرة الطائفية - السياسية الوحيدة التي لعبت دوراً طبع تاريخ لبنان بتأثيراته؛ فقد سبقتها ظاهرة المارونية - السياسية إلى لعب مثل هذا الدور. فالإشكالية، هنا، كانت في عدم إمكانية المقارنة بين الظاهرتين، والسبب يتعلق بضيق مجال البحث الذي نقوم به. لكننا نرجو من الله أن يمنحنا من العمر والفرصة لإتمامه،وهذا ما أشرنا إليه في المقدمات المنهجية للجزء الأول من هذا الكتاب.
وأخيراً، وبعد أن نستميح العذر إذا كنا قد وقعنا بهفوات بذلنا جهداً موضوعياً لتجاوزها، نتوجه بالشكر إلى كل من شجَّعنا، ومن أسهم معنا في حوارات حول بعض مواد البحث، و إلى كل من أسهم في مراجعة مسودات الكتاب بالتصحيح والملاحظات القيمة.
حزيران / يونيـو 2001                                                    

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الى السيد غريب:

كان دخول الشيعة نادي الطوائف بلبنان هو اجهاض للتطور الهاديء للمجتمع اللبناني نحو التخلص من الطائفية نحو الدولة الوطنية ... على اكتاف الحركة الوطنية اللبنانية قبل الحرب الاهلية، وكان هذا النمو للوعي الوطني على حساب الطائفية مزعج جدا للجيران واهل الخليج والغرب الامبريالي ...فكانت وصفة الثورة الايرانية ومجيء خميني جسر للغرب لتفتيت العرب وتثبيت دول الطوائف من مكة الى القدس الى بيروت والى بغداد الرشيد وعلى راسهم الطائفية اليهودية ...

هذا كل ما في الامر واجهضت الحركة الوطنية بلبنان والوطن العربي.؟!

مراقب