بعد أن حصدت المقاومة العراقية رأسه
حسن خليل غريب في 9/ 2/ 2011
من نافل القول أن الاحتلال الأميركي للعراق قد تهاوى، ولم تعد تنفع معه كل مساحيق التجميل، ولا كل أدوية مصانع مخابرات الإدارة الأميركية لتعالج جروحه وكسوره وعاهاته، كما لم تعد تنفع معه كل الاستراتيجيات البديلة، بدءاً من الصدمة والترويع البوشية وانتهاء بطاولات أوباما الحوارية، ولا كل دعائم الأنظمة العربية الرسمية التي هي بالأصل أصيبت بالتسوس وهي تتهاوى واحدة بعد الأخرى، فكيف لدعائم نخرها السوس تستطيع أن تُشيد بيت الاحتلال الأميركي الذي تهاوى تحت ضربات المقاومة العراقية ولا تزال.
لم يبق من دعامة إسناد للاحتلال الأميركي في العراق إلاَّ ما يسمونه عملية سياسية يقوم بأودها ويحاول إنجاحها كل من جاء ليسرق ثروات العراق ويمتص روح الحياة من شعبه، من جعفري ومالكي وعلاوي وطالباني... ناهيك بكل أنواع الجواسيس والخونة الذين مُنعوا من الفساد والإفساد في النظام الوطني للعراق فهربوا منه ولكنهم عادوا إليه ليسرقوه بحماية طائرات أميركا وصواريخها وأقمارها الاصطناعية.
احتلال أميركي يتهاوى ويترنح، وبعض أنظمة عربية رسمية يهرب رؤوساؤها واحداً تلو الآخر، وعصابة من الخونة والفاسدين يتحفزون للهروب ليحموا ما سرقوه وأودعوه المصارف الغربية.
إنه منظر يدعو إلى السخرية عندما ترى، من كان يشكل تحالفاً نجح باحتلال العراق، يهربون لكي يخلص كل منهم رأسه، فهل في هذا المشهد إلاَّ ما يثير الضحك، ويثير السؤال: من منهم يستطيع أن يحمي من؟ ومن منهم يستطيع أن يركِّب أرجلاً للآخر وهو بحاجة ماسة إليها؟
على الرغم من التعتيم الإعلامي على ما يجري في العراق إلاَّ أن وسائل الاتصال الألكترونية كشفت المستور، وهي لا تزال تكشف، كشفت أن الشارع العراقي يتحرك من جهة، وأجهزة الأمن والجيش الحكومي التابع للمالكي تتحرك من جهة أخرى. وهناك ما يُنذِر إذا لم يكن النذير قد أصبح حقيقة ملموسة، بأن ثورة الذين أكلهم الجوع والبطالة وهضمهم أولياء الفساد واللصوصية، قد بدأت في الشارع العراقي.
لا غرابة في ذلك، لأن ما يستطيع بعض وسائل الإعلام الثورية تسريبه كان محسوباً ومرسوماً لأن الشعب الذي جاع وعطش ومرض لن يرى، كما قال غاندي، الله إلاَّ بصورة رغيف الخبز. خاصة وأنه قد كفر بكل رموز الفساد والخيانة واللصوصية وبعد أن تم خداعهم طويلاً بجنة ديموقراطية الاحتلال وعملائه ونعيمها.
لا جدال في أن ما يحصل في العراق الآن هو صحيح تماماً، ولكننا مصابون بالفضول لمعرفة حجمه. كما أنه مما لاشك فيه أن حركة الجياع ليست ذات هوية طائفية ولا عرقية ولا جغرافية، فهي الحركة التي تشكل هماً وطنياً من شمال العراق إلى جنوبه، كما تشكل هماً عربياً وكردياً وآشورياً وكلدانياً وتركمانياً. وهو هم إسلامي ومسيحي، سني وشيعي. فالرغيف لا هوية له إلاَّ الهوية الطبقية والطبقية تُعتبر هماً وطنياً.
وإنه مما لاشك فيه أن الرأسمالية كانت السبب في إفقار شعب العراق منذ انتهاء الحرب العدوانية الإيرانية على العراق، مروراً بحصار العراق لثلاثة عشر عاماً، وانتهاء باحتلاله في العام 2003. كما لا شك فيه أن الخونة ممن كانوا يحملون الهوية العراقية أسهموا وشاركوا الرأسمالية في تدمير بلدهم ونهب خيراته. لذا ولكي يستعيد الشعب العراقي كرامته وثرواته، ولكي يعود العراق إلى العراقيين، ولكي تعود ثرواته للشعب العراقي، لا بُدَّ من أن تتكامل الثورتان العسكرية والشعبية معاً.
لقد أنجزت المقاومة العسكرية الجزء الأكبر من واجبها عندما قطَّعت جسم الأفعى وأرغمتها على التراجع فالرحيل، جاء دور الثورة الشعبية لتقطِّع من يدير العملية السياسية إرباً إرباً. وإذا تكامل دور الشارع العراقي في الثورة على رؤوس الفساد والخيانة مع ما أنجزته الثورة المسلحة، فلن تبقى للاحتلال ولا لعملائه أرجل يقفون عليها، فكيف إذا كانت هذه الأرجل من خشب ينخرها السوس، فهي ستتهاوى بسرعة أكثر مما نتصور.
يا شعبنا الشريف في العراق
إذا كانت المقاومة الوطنية العراقية، بجناحها العسكري، قد واجهت اليتم بفضل أكثرية النظام العربي، وبعض الشارع العربي الذي كان مقموعاً، ولكنها انتصرت. فثورتكم الآن تأتي بظروف خالية من أنظمة قمعية، وبظروف حبلى بمدد شعبي عربي بانت طلائعه في ثورة تونس التاريخية، وظهرت واضحة بثورة مصر البطلة، وهي تتمدد بسرعة كبيرة أذهلت العالم بأسره، وأربكت كل أنظمة الرأسمالية في الغرب والشرق معاً.
يكفيكم فخراً وعوناً أن رفاقاً لكم، وأصدقاء لكم، وإخوة لكم، ممن يحملون بنادق المقاومة سوف يحمونكم ضد كل أدوات القمع الحكومي وضد كل من تسول له نفسه مما بقي من فلول الاحتلال بالنزول إلى الشارع. لا تخشوا رجل أمن أو جندياً حكومياً فهما سيقفان إلى جنب حركتكم لأنهم ليسوا أقل منكم جوعاً ومرضاً.
إن المقاومة الوطنية العراقية المسلَّحة حصدت رأس الاحتلال، فاحصدوا أنتم رؤوس عملائه لأنها أينعت، وإن أصحابها على قاب قوسين أو أدنى من الهروب بكل الوسائل والسبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق