الجمعة، مارس 11، 2011

بعد دخول احتلال العراق النفق المسدود


بعد دخول احتلال العراق النفق المسدود
هل يسحب أوباما ما تبقى من جنوده لحفظ ماء الوجه؟
عندما احتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق روَّجت وسائل إعلامها أنها لم تدخل إليه لتخرج منه، وكانت بذلك تعبِّر عن حقيقة المشروع الأميركي، لأن احتلاله، حسب استراتيجيتها، يفتح أمام إمبراطوريتها كل أبواب السيطرة على العالم. ولم يكن في حساباتها أن مقاومة عراقية سوف تحرمها من ذلك الحلم الكبير، وتحول دون أطماعها، ولكن ما لم تكن تضع حساباً له قد حصل ففاجأها. وكان من المفاجأة الأولى يتوالد مفاجآت، كيف لا يحصل ما دام الشعور بالكرامة والحق بتقرير المصير كان السلاح الأمضى من كل أنواع التكنولوجيا المتطورة؟
سقط جورج بوش مع استراتيجيته الحالمة، تحت ضربات المقاومين في العراق، وأسقطته ضربة الشارع الأميركي القاضية. وأتى أوباما بوعوده وعهوده للشعب الأميركي بأنه سيقوم بتصحيح أخطاء سلفه، ولكنه لحس تلك الوعود والعهود لأنَّ البعض من النظام الرأسمالي الأميركي قد زيَّن له إمكانية السيطرة على العراق عن طريق الخداع باستخدام وسائل الديبلوماسية والحوار، وكأنه كان يحلم بأن ينجح بالكلام المعسول ما عجز عنه جورج بوش بالصدمة والترويع. ولهذا تحول إلى كاذب آخر يتولى شؤون ولايات ناءت تحت عبء هائل من الخسائر، وبنى استراتيجية الحوار على عدد من الأسس والقواعد، ومن أهمها:
-أعلن إنهاء المهمات القتالية في العراق، وسحب الجزء الأكبر من قواته في أواخر آب من العام 2010، وأعدَّ نفسه لتأهيل جيش وقوى أمنية عراقية لكي يتمكنَّ عملاؤه من السيطرة على العراق، على أن يتم التجديد لفلول قواته التي وعد بسحبها في نهاية العام 2011.
-أعلن التعبئة العامة، أميركياً ودولياً وإقليمياً وعربياً، من أجل مساندة عملائه لإنجاح ما يسميه بالعملية السياسية. وفي حال نجاحها فإنه يضمن النجاح لاستراتيجية الحوار، ظناً منه أن بقاءه في العراق سيصبح مضمون النتائج، فيتابع ساعتئذٍ احتلاله بالواسطة التي تعفيه من الاستمرار في دفع الخسائر.
وهنا، علينا أن نجري حسابات بسيطة لما حصده أوباما حتى الآن على صعيد استراتيجية الحوار، لنرى إذا كان فيها ما يطمئنه، أم ما يدفعه إلى سحب ما تبقى من جنوده في العراق لحفظ ماء وجهه أمام الناخب الأميركي.
أولاً: حساب حقله لم يطابق حساب بيدره بالنسبة لتأهيل العملية السياسية:
مما لا يقبل الجدل أن العملية السياسية قادها منذ بداية الاحتلال، ولا يزال يقودها، عملاء المخابرات الأميركية والمخابرات الإيرانية. وقد كانوا يتقاسمون السلطة ويتداولونها من دون أية محاذير أو عوائق ما داموا يؤدون خدمتهم بإخلاص لمصلحة أولياء أمرهم. بينما الطرف الأميركي لم يكن يخشى جانب حليفه الإيراني طالما كان يحسب أن قراره في العراق قوياً لا يستطيع حليفه الإيراني الالتفاف عليه. ولكن بعد أن أصاب الضعف وجود الاحتلال أخذت المعادلات تتغير، بحيث كان كلما يضعف الاحتلال الأميركي تحت ضربات المقاومة كان الموقف الإيراني يزداد قوة، إلى أن بلغت حدها الأقصى من القوة بعد الانتخابات الأخيرة، وظهرت تداعيات الخلل في الموازين بين الاحتلالين عندما تعثر تشكيل الحكومة التي كان من الواجب أن يتولى رئاستها أياد علاوي المحسوب على الاحتلال الأميركي. ولكن عناد النظام الإيراني وخشيته من انفلات الأمور من بين يديه، دفعته إلى التعقيد وأصرَّ، خلافاً للدستور الذي أُقِرَّ بإرادة الاحتلالين، على أن يكون نوري المالكي هو رئيس الحكومة. لقد فرض الموقف الإيراني إرادته على الاحتلال الأميركي الذي لم يقاوم كثيراً فوافق على الأمر الواقع. وقد تكون موافقته مراهنة منه على نتائج حوارات تجري وراء الكواليس مع النظام الإيراني بتقاسم الحصص في العراق، ربما تكون إحدى نتائجها بقاء القوات الأميركية في العراق لحماية الحصة التي حصل عليها، على أن تستقر الأمور الى حين تتغير ظروف دولية وإقليمية يرتد فيها الاحتلال الأميركي على ما عقده من صفقات مع النظام الإيراني.
ولكن حتى النجاح المبتور الذي حصل عليه الاحتلال الأميركي يظل مهدداً بالسقوط في نهاية الأمر إذا لم يُكتب للعملية السياسية النجاح. ولكن نجاح هذه العملية يرتبط بعدد من الشروط والعوامل. فما هي تلك العوامل والشروط؟
هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية:
أولاً: العوامل الداخلية، ومن أهمها تأهيل قوى الجيش والأمن، وتوفير الحقوق المعيشية.
باستثناء كسب ولاء الميليشيات الطائفية، لم تستطع حكومة الاحتلال حتى الآن أن تضمن ولاء قوى الجيش والأمن لأن هناك عوائق وحواجز تحول دونها. ولعلَّ الشعور بالكرامة الوطنية، التي تُهان في كل لحظة على أيدي الاحتلال وعملائه، ستظل حافزاً يمنع المنخرطين في تلك القوى من إطاعة أوامر حكومة الاحتلال وتنفيذها. وبالتالي فليس هناك ما يشدها للإخلاص لحكومة تنفذ أوامر الاحتلال وتمكِّنه من تثبيت أقدامه، وهي تنتظر الفرصة والظرف المناسب لتنتفض ضدهما. ولكي لا تبقى استنتاجاتنا وكأنها نظرية يكفي أن نبرهن على واقعيتها بمرور ثماني سنوات على الاحتلال تم خلالها تجميع مئات الآلاف من العراقيين في مؤسستيْ الجيش والأمن، وظلَّتا ليس عاجزتين عن حفظ الأمن في العراق فحسب، بل إن شكوك أطراف العملية السياسية بولاء المؤسستين قائمة أيضاً. وهنا لا بُدَّ من السؤال: وهل يمكن لعملية سياسية أن تنجح إذا لم تحظَ بحماية أمنية متماسكة؟
أما عن توفير الحقوق المطلبية للشعب العراقي، فهو من أكثر الأمور استحالة. كيف لا تكون مستحيلة في ظل استشراء الفساد وانتشاره في كل مفاصل الحكومة، خاصة وأن من يتولى شؤون الناس هم زمرة من الخونة والفاسدين لم تتعامل مع الاحتلال إلاَّ طمعاً بسرقة من هنا أو هناك، أو طمعاً ليس بلقمة خبز تشبع جوعها بل طمعاً بتكديس الثروات على حساب الجائعين.
وحول هذا جاءت تقارير المؤسسات المدنية والإنسانية الدولية لتؤشر إلى أن العراق في ظل الاحتلال يحتل الدرجة الأولى بالفساد في العالم. وهذه الحقيقة تكفي أن تكون برهاناً ساطعاً يؤكد ليس عجز حكومة الاحتلال عن القيام بأي إصلاح فحسب، بل تؤكد أيضاً أنها لا تريد أن تقوم به، لأن أي إصلاح سيسلبها الكثير من امتيازاتها وهي لن تتنازل عنها. وبناءً عليه فهي لن تقدم عليها حتى ولو بعد مائة سنة وليس مائة يوم كما زعم نوري المالكي.
وهنا نجد أن العراقي المُهان وطنياً ويتم إذلاله كل يوم لن ينام على ضيم إلاَّ بالثأر لكرامته، وتزداد حميته وتستفحل المشكلة طالما ظلَّ مفتقداً الشعور بالأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وما الإجماع الذي نراه في الشارع العراقي منذ فترة من الزمن إلاَّ دليلاً على أن العراقيين أعلنوا وحدتهم الوطنية وراء المطالبة باستعادة كرامتهم المهدورة وثروتهم التي يسرقها شُذَّاذ الآفاق ممن باعوا كرامتهم الوطنية وإحساسهم الإنساني للاحتلال القادم من الخارج لقاء إطلاق أيديهم لتعبث بكرامة أبناء وطنهم ولقمة عيشهم.
وفي ظل فشل الاحتلال بتأسيس حكومة تحفظ الأمن الداخلي، ناهيك عن الأمن الخارجي. وفي ظل فشله بتأسيس حكومة تحفظ الأمن الاجتماعي للعراقيين. على ماذا يمكنه أن يراهن؟
ثانياً: العوامل الخارجية، ومن أهمها إقناع دول العالم والإقليم والأنظمة العربية بحماية عملية الاحتلال السياسية:
1-لقد أكَّدت المراحل السابقة أن دول العالم، حتى الصديقة لأميركا، أنها غير مستعدة أن تضحي بمالها وبجنودها وبمصالحها من أجل احتلال زائل.
2-كما أكَّدت أن دول الإقليم وفي المقدمة منها النظام الإيراني، والذي على الرغم من أنه شارك بكل جدية باحتلال العراق، إلاَّ أنه لما استأنس ضعفاً بالاحتلال الأميركي، صعَّد من طموحاته إلى أن وصلت حدود الاستفراد بالعراق. ويدلَّ على ذلك أنه، بعد الانسحاب الأميركي الأخير من العراق، عرف مدى حاجة هذا الاحتلال لمساعدته فأصبح كالحبيب الذي «عرف مكانته عند حبيبه فتدلَّلا».
وإذا حسبنا أن الجار التركي للعراق منحاز لجانب الحلف الأطلسي، وإنه قد يتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في إنجاح العملية السياسية، إلاَّ أنه أيضاً لن يتعاون بأقل من الحصول على حصة مجزية لمصالحه، ولكن على أساس أن يضمن هدوءاً وأمناً لحدوده الجنوبية من جانب الفيدرالية الكردية بكفالة أميركية. ولمعرفة الحكومة التركية مدى حاجة أميركا إليها فإنها بلا شك سترفع من سقف مصالحها.
وهنا لا يجوز القفز فوق هذا الواقع، لنتساءل: وهل يرضى أوباما بتقديم التضحيات من دم الشعب الأميركي، وأموال مكلفيه، من أجل حماية مصالح إيران وتركيا في العراق؟
3-كما تؤكد المتغيرات الأخيرة التي تجتاح الشارع العربي أن موقف النظام العربي الرسمي في هذه اللحظة أصبحت فيه العملية السياسية في العراق في آخر سُلَّم اهتمامات هذا النظام هذا إذا لم يتم إلغاؤها من أجندته. لقد راهن أوباما على فريق المعتدلين في الأنظمة العربية الرسمية، وكان يعوِّل عليه في إنقاذ عمليته السياسية في العراق، وظهر ذلك في آخر حلة لها بإقرار عقد مؤتمر القمة العربية هذا العام في بغداد. ولكن بكم يستطيع أوباما أن يصرف تلك الرهانات اليوم؟ وهو وإن كان يستند في رهاناته للنجاح في العراق على تلك الكيانات لتوفر له الغطاء الشكلي، فإن هذا الإطار نفسه قد ألغته المتغيرات الثورية في الوطن العربي. وهذه المتغيرات قد ألهته مع من بقي له من أنظمة هشَّة وأغرقت كل منهم بهمومه. وهم كما نحسب أصبحوا بحاجة إلى من يوفر الغطاء لهم، وهم لا يريدوا أن يخسروا أنفسهم، فهل يغرقون بملف إنقاذ العملية السياسية في العراق طالما أصبحوا هم من الغرقى بمشاكلهم؟
إنه مأزق جديد وقعت الإدارة الأميركية بحبائله. مأزق لم يخطر على بالها، وهو من أدنى مساوئه أنه أنهى دور النظام العربي الرسمي الذي اعتبرته تلك الإدارة أنه بمثابة القشة التي تسند خابية أوهامها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروع احتلالها للعراق.
طار صواب أوباما؟ نعم طار صوابه،
لأنه ليس لديه ورقة نظام عربي يعتبرها رابحة بعد أن جرف تسونامي الثورة العربية أهم نظامين يستند إليهما في تونس ومصر. وهو إن أراد أن يعوضهما فلن يستطيع، ولم يبق بعمر أوباما أكثر مما مضى ليراهن على سرقة نتائج الثورتين فيهما. كما أنه لن يستطيع المراهنة على ممالك الخليج وإماراته من دون حماية نظام شبيه بنظام حسني مبارك، ومهما بذل أوباما من جهود فإنه لن يستطيع أن يعوِّض عن خسارته الجسيمة في مصر.
أين المفر يا أوباما؟
عملية سياسية تحتضر في العراق خاصة أن العراقيين بكل أطيافهم السياسية والدينية، من شمال العراق إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، نزلوا إلى الشارع ليكتبوا آخر فصول مسرحية الاحتلال الأميركي، وسيجرفون معها كل أحلام النظام الإيراني بأن يكون الاحتلال البديل.
وتجارة خاسرة مع دول الإقليم المجاور للعراق.
وخسارة عوامل الدعم الرسمي العربي تبخرَّت في عزِّ برد يناير وفبراير في تونس ومصر.
ومن تبقى من ممالك الخليج وإماراته لن يُسمنوا من جوع، وهم يعتمدون على دعمكم، فهل من يحتاج إلى دعم يستطيع أن يوفره لكم؟
وقفة قصيرة نخاطب فيها أوباما، وعبره نخاطب كل مؤسسات الإدارة الأميركية التي أوهمته بأنه يمكن إنقاذ مشروعهم باحتلال العراق بواسطة قفازات الحرير.
وقفة قصيرة، وحسابات سريعة، نضعها أمامهم وهم الرأسماليون الشطار في حسابات الربح والخسارة، فندعوهم في اللحظات الأخيرة أن يلتقطوا الفرصة المناسبة ولو لمرة واحدة:
لقد تكاثر أنصار أميركا في سنوات الاحتلال، وقلَّ نصير المقاومة العراقية. وعلى الرغم من ذلك فقد اضمحلَّ أنصار أميركا إلى ما يقارب درجة الصفر بفضل نضالات المقاومين العراقيين. وأما النتائج الآن فستكون خروجاً ذليلاً لأميركا من العراق، ودخولاً مشرِّفاً للمقاومة العراقية التي ستعيد بناء نظام وطني نعتز به وبها.
أوباما، يا رئيس أكبر دولة في العالم قاطبة
هل لا تدري بأن الضعف يحاصرك من كل الاتجاهات؟
إن الضعف أمامك، ووراءك الضعف، فأين المفر؟
ما عليك إلاَّ أن تخرج الآن بماء الوجه، ولا تكابر. واترك العراق لأهله كما وعدت الأميركيين، فكن صادقاً مع شعبك ولو لمرة واحدة. وعليك أن تفاضل بين الخروج بماء الوجه بقرار ذاتي الآن قبل الغد، وبين الخروج الذليل غداً.
وإذا لم تقتنع حتى الآن، فاسأل المقاومة العراقية التي نحرت جنودك على أسوار بغداد فيأتيك الخبر اليقين.

ليست هناك تعليقات: