أصحاب مخطط الشرق الأوسط الجديد
يشربون من دماء أبناء الثورة العربية الشعبية
في 6/ 4/ 2011
من بديهيات المواقف الوطنية ليس أن تعلن القوى وقوفها إلى جانب مطالب الشعب العربي وحقه بالثورة ضد ظلم الأنظمة وتعسفها وتجويعها و...فحسب، بل أن تشارك الشعب بالنزول إلى الشارع للمطالبة بتلك الحقوق أيضاً.
إننا من الشعب المقهور والمقموع والمطارد والمُجوَّع والمنتهكة كل حقوقه، لذلك لسنا مع حقوق الشعب فحسب، بل إننا ننخرط في قلب حركته الثورية أيضاً حتى اقتلاع الأنظمة التي أكلت أبناءها قبل أن تأكل حقوقهم، وأفلتت حبل الفساد والمفسدين على غاربه، ولزَّمت حرياتهم لأجهزة القمع و«البلطجة». كما نعلن أننا لا نملك ما نستطيع أن ندافع به عنها نظاماً نظاماً ولن نستثني منهم أحداً.
ونعلنها أيضاً، إن وطننا الكبير يحتل رقعة الاهتمام الأول في مخططات الرأسمالية والصهيونية العالمية ومشاريعهم، وإنهم لم يتركوه منذ لحظة خلاصه من استعباد العهد العثماني. وإنهم لن يتركوه لا اليوم ولا غداً، ففيه ما يثير شهيتهم وما يملأ جيوبهم، وما ييسر لهم سبل الاستيلاء على العالم تحت قيادة الإمبراطورية الأميركية.
كما نعلن أننا من الذين يؤمنون إيماناً قاطعاً، لا لبس فيه، بأن أكثر الأنظمة السياسية في هذا الوطن الكبير مرتبطة بعجلة المخططات الرأسمالية والصهيونية، وهي ليست أكثر من أدوات وأحجار شطرنج تنقلها أنظمة الرأسمالية كما تشاء، ومتى تشاء، وكيفما تشاء. تستبدلها وتنتج غيرها أيضاً كما تشاء ومتى تشاء وكيفما تشاء.
وإننا من خلال هذا التصنيف نعلن حقيقتين أساسيتين، وهما:
1-إن تحالفاً وثيقاً يسيطر على قرار وطننا العربي ويرسم خرائطه في غرفه السرية والعلنية من أجل تيسير سبل السيطرة عليه ومنع وحدة أقطاره، ومنع مجتمعه من اكتساب سبل المعرفة بكل وجوهها، ومن الشعور بالشبع والأمان، وسبيلهم في ذلك تشكيل أنظمة سياسية عمادها من النخب التي تفكر عن شعوبها وتأكل عن شعوبها وتتاجر بالنيابة عنها. ومن الواضح أن هذا التحالف يضم الرأسمالية والصهيونية وهو يحكم بأقنعة أنظمة أسلست قيادتها وأعلنت ولاءها الكامل في مقابل حمايتها من غضب شعوبها.
2-إن تحالفاً مضاداً هو ما يجب أن يوازيه بحيث يتشكل من الطبقات الشعبية المقهورة بالتكامل مع الحركات والقوى والأحزاب ذات الإيديولوجيات التي تعلن انحيازها بالكامل إلى مصلحة الطبقات المقهورة والمقموعة والجائعة، لأن مصدر التركيب التنظيمي لتلك الأحزاب يتشكل من تلك الطبقات.
تدور الآن على أرض واقع الثورات والانتفاضات ثنائية الصراع بين تحالف الاستغلال والاستعمار طرفاً أول، وطبقات الشعب المقهورة وأحزابها طرفاً ثانياً. وأما الصراع الدائر الآن فلم تستقر نتائجه الأخيرة ما دامت حركة الصراع تدور. والنتيجة النهائية تؤكد أن الشعب سيحرز مكتسبات من دون شك، لكن السؤال الذي يدور في أذهاننا هو مقدار تلك المكتسبات وحجمها. كما سيحرز الاستعمار وحلفاؤه مكتسبات على قاعدة كم يستطيعون التقليل من خسائرهم بإسقاط بعض الأنظمة الدائرة في فلكهم، أو كم سيحصدون من إسقاط هذا النظام أو ذاك؟
استناداً إلى قواعد الصراع الدائر الآن، ليس هناك من يشك بأن الاستعمار وحلفاءه يبذلون أقصى الجهود للالتفاف حول الثورات وحرف مساراتها. بعضها دخل على مراكب تعوم على سواقي دموع الأنظمة الرأسمالية وأنهارها من كثرة بكائها على حقوق الشعب المهدورة. وبعضها الآخر يعوم على مراكب التدخل بـ«أحصنة طروادة» من العملاء المكشوفين منهم والمستورين، وبعضها الثالث يطير على أجنحة الـ«توماهوك» التي رُكِّبت على أرجل يزعمون أنها صُنِعَت واستُخدمت من أجل حماية المدنيين.
إن كل الداخلين على مسار الثورات والانتفاضات ركبوا موجتها، والبعض منهم تصدَّرها وهتف معها طالباً إسقاط الأنظمة وهم يعرفون أنه لن يكون لها ولأربابها نصيب فيها ما لم يُسقطوها. وهم أصبحوا كمثل من يبكي على الديموقراطية لا حباً لها، ويلعن الديكتاتورية ليس كرهاً لها. وإنما يفعلون ذلك لتطبيق الديموقراطية على طريقة الاحتلال الأميركي في العراق.
إن هذا الواقع بلا شك يؤكد لنا أن التمييز بين الثورة والثورة المضادة واجب وضرورة كي لا يُقال إن مبادئ الثورات لا تحمي الثوار الغافلين.
من كل ذلك، ومن حقنا أيضاً، بكوننا أصحاب مصلحة بانتصار ثورتنا العربية في كل مكان، أن لا نغفل عن رؤية ما يجري بمنظار الثائر الحريص على أن لا تؤكل ثورته ممن دخلوا إلى صفوفها، وهتفوا معها، وركبوا موجتها. كما أننا من الحريصين على أن لا نُسقط نظاماً ونأتي بأسوأ منه، أو أن نقدِّم الجرحى والشهداء من أجل أن تنتصر الثورة المضادة. وأن لا نحمي تحت خيمة ثورتنا من يقودها إلى شرق أوسط جديد.
ومما لا شك فيه أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية، بعد إفلاسها باحتلال العراق، الذي من بوابته كانت تخطط لنشر إيديولوجيا الشرق الأوسط الجديد وتنفيذها، فقد أخرجت من أدراج خزائنها السرية البدائل التنفيذية لذلك المشروع وذلك بنشر استراتيجية الفوضى الخلاقة عن طريق نشر المشاريع الطائفية والمذهبية والعرقية والجهوية وتعميق ثقافتها، وبالتالي التخطيط للحروب الأهلية التي يعملون على استمرارها حتى تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات هزيلة. وهذا ما بدأته بالفعل في أكثر من قطر عربي من خلال حروب أهلية فعلية، مستبقة ثورتيْ تونس ومصر. ولأنها فوجئت بسرعة حركة التونسية التونسية، ولما لم تلتقط أنفاسها بعد، أربكتها كثيراً ثورة الشارع المصري. وعلى وقع وسائل خداعها بتأييد الثورتين، كانت تخطط للاستفادة من تجربتهما من أجل العمل على استمرار الحروب الأهلية التي بدأت في بعض الأقطار العربية، ونشر رقعة الفوضى على ساحات عربية أخرى، مستفيدة من احتياطها من بعض المعارضين ممن تربوا في كواليس مخابراتها أولاً، ومستفيدة من شدة الاحتقان الشعبي العربي ضد الأنظمة الرسمية ثانياً، فتجسدت بعض وجوه الثورة المضادة بجسد مطلبي يحاكي حاجة الشعب الذي ثار والشعب الذي لا زال ينتظر الثورة.
إنها نعمة كبرى أن ينزل الشعب العربي إلى الشارع بعد طول انتظار.
ونعمة كبرى أن يتململ المارد العربي بعد طول نعاس أعماه عن الجرائم التي ترتكبها الأنظمة الرسمية وتحرمه من أدنى حقوقه بحقه بالعيش الكريم والكرامة الوطنية.
إنها نعمة كبرى، وأمل كبير كان يراودنا بأن الشعب وإن نام لفترة فإنه لن ينام إلى الأبد.
إنها الثورة الحقيقية عندما تشاهد وتتأكد من أنه «حتى الله لا يجرؤ أن يظهر أمام الجائع إلاَّ بصورة رغيف الخبز»، فكيف بالأحرى أن يكون نظاماً بشرياً؟
إنها الثورة الحقيقية في رؤية جائع يشهر سيفه في وجه من سرق رغيف خبزه.
إنها الثورة الحقيقية في رؤية مظلوم يشهر سيفه في وجه ظالمه.
لكن المارد والجائع والمظلوم لا يثق على الإطلاق، وعليه أن لا يثق، بأن حقوقه ستكون مصانة بدموع الكَذَبة والمحتالين، ولا تنطلي عليه أحابيلهم ودموعهم الكاذبة. أو أن الخير يمكن أن يأتي، أو يجوز أن يأتي، عن طريق الرأسمالية والاستعمار والصهيونية. ولهذا على الثوار أن يعدوا للمليون عندما تنهمر دموع هؤلاء، وعندما يعلنون تأييدهم لحقوق الشعب هنا أو هناك، وبشكل خاص عندما يعرضون المساعدة وخاصة عندما يقومون بتقديمها بالفعل.
إن ما نراه، في هذه المرحلة بالذات، ثورة مضادة تتسلل إلى داخل الثورات المندلعة الآن. وقد استنفرت كل قواها وأسلحتها ووسائل خداعها. وهي تتسلل تحت دخان الثورة المطلبية والوطنية في أكثر من قطر عربي، لتكتسب شرعيتها من إعلانها شعارات الثوار والمنتفضين كذباً وخداعاً، لعلَّ أكثرها وضوحاً ما يجري في ليبيا وسورية والبحرين واليمن. تُعلن تأييدها وتقدِّم مساعداتها، وتذرف دموعاً على حقوق الشعب المهدورة. وفي المقابل تغض الطرف عما يجري في فلسطين والعراق حيث تعمم وترتكب كل أنواع الجرائم والموبقات وكل أشكال الفساد وألوانه!!
تعلن تلك الأطراف، شرقية وغربية، مواقفها المؤيدة لإسقاط الأنظمة هنا وهناك، بينما تسكت في الوقت ذاته عن جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وعما تسميه العملية السياسية في العراق. وما كنا لنستغرب لو أن تلك الأطراف تستخدم مكيالاً عادلاً تزن به الأنظمة التي تريد أن تُسقطها، والتي نريد نحن إسقاطها أيضاً، كما تزن به تلك الكيانات التي تسكت عن إرهابها وديكتاتوريتها وعوامل اغتصابها للأرض والسلطة وارتكاب أشد الجرائم بحق الفلسطينيين من جهة والعراقيين من جهة أخرى.
ونحن، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ثرنا وسنثور ضد الأنظمة الرسمية بما يوفر لنا الحصول على كل حقوقنا في الأمن الاجتماعي والسياسي، لكن علينا أن تبقى عيوننا شاخصة على أمننا الوطني ضد أن تخترقه القوى المعادية لأمتنا العربية. والأخطر أيضاً أن تركب القوى المعادية لأمتنا العربية موجة بعض الثورات لتحويل مساراتها الإصلاحية لإغراقها في حرب أهلية لن تصب في النهاية إلاَّ في مشروع الشرق الأوسط الجديد.
واختصار، أن لا نسمح لأحد من الخارج أن يشرب من دماء جرحانا ويقتات من أرواح شهدائنا من أجل مصالحه الخاصة. كما أنه وإن ظلَّت أصابعنا ممسكة بزناد الثورة، فعلينا أن نمنع الثورة المضادة من أن تحقق اختراقاً ولو موضعياً بين صفوفنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق