الخميس، أبريل 28، 2011

إخترنا لكم من أرشيفنا الخاص/ المشهد اللبناني يتكرر،

-->
المشهد اللبناني يتكرر، ولذلك:
أنا في المعارضة معارض، وفي الموالاة معارض
في 31/ 3/ 2005م
يسمونه البعض تياراً ثالثاً، ويحلو للبعض الآخر أن يتمايز عن المعارضة والموالاة معاً. أما الحقيقة فهو أنه لا تمييز بين المعارضة والموالاة. والسبب يعود إلى خصائص يتميَّز بها المجتمع السياسي في لبنان، ومن أهم تلك الخصائص أن النظام السياسي يحكم على أساس الطائفية السياسية بحيث تبقى فيه التجمعات السياسية مشدودة إلى مصلحة الطائفة على حساب مصلحة الوطن. وعلى تلك المحاصصة تُولد تحالفات وتغيب تحالفات، فليست لدى أي تجمع برامج سياسية وطنية تجمع، بل في مشاريعها ما يفرق وما يفتت. وإن ما نراه يطفو على السطح مما يوحي بأنه يجمع لا يتم إلاَّ على قاعدة التوافق على شعارات مرحلية قصيرة النفس يتفق حولها المتحالفون على منع ضرر مشترك، أو بغية الحصول على مكاسب فئوية، ومن بعدها تتفكك التحالفات فتتقاطع الخنادق مرة أخرى.
من يكون في الحكم، والطوائف التي تؤيده على قاعدة استفادة النخب فيها من مغانمه تقف في صف الموالاة، ومن هي مغبونة في الاستفادة من مغانمه تقف في صف المعارضة. وهكذا تنبني التحالفات وتتفسَّخ في متوالية هندسية لا قواعد لها ولا أسس. ومنها نستنتج بأن النظام الديموقراطي في لبنان ليس أكثر من ديموقراطية للطوائف، ولأن الطوائف تدين بالولاء والتأييد للنخب العائلية فيها أولاً، أو المالية والاقتصادية ثانياً، والأكثر ذكاء من بينها من الذين يجيدون التمثيل فيظهرون أنفسهم على أنهم حماة الطائفة والرادين الغوائل عنها- ثالثاً، يكون النظام الديموقراطي في لبنان هو ديموقراطية النخب الطائفية.
واستناداً إلى هذه المقدمة سنقوم بتفسير ما يدور على الساحة اللبنانية الآن. وهنا نتساءل:
هل ما يدور الآن على ساحة لبنان له علاقة بمسألة الحريات الديموقراطية؟
وهل له علاقة بمطالب تطال المصالح الشعبية الجائعة؟
وهل تتميَّز المعارضة عن الموالاة ببرنامج سياسي واقتصادي وإصلاحي متقدم على ما تمارسه السلطة الآن، وقبل الآن، وقبل ما قبله؟
وهل الذين يقفون في جانب الموالاة هم من الذين يدافعون عن برنامج إصلاحي سياسي واقتصادي واجتماعي؟
وهل الخلاف بين الإثنين هو خلاف على ظلم ورقابة شديدة تمارسها أجهزة أمنية؟
وهل المعارضة، إذا وصلت إلى سدة الحكم، ستقوم بإصلاحات أمنية تدعم الحياة الديموقراطية؟
وهل كانت معارضة اليوم محرومة من مغانم الحكم؟ وهل لا جذور لها في إرساء دعائم حكم المخابرات، والتبذير والسرقات، وقمع الشعب وتسييره على الريموت كونترول؟
هل كان بعض المعارضين بعيدين عن استقدام حماية خارجية في مراحل الحرب الأهلية في لبنان؟
وهل عجين الحكم إلاَّ من طحين المعارضين والموالين معاً؟
هل تبدَّلت الوجوه الحاكمة والمعارضة طوال عشرات السنين؟ وهل تناسى الذين كانوا في الحكم، وهم اليوم في الصف المعارض، أن المواطن في لبنان كان يئن من شدة الألم من وطأتين: وطأة لقمة العيش، ووطأة حرياته الديموقراطية؟
كلهم يتحملون المسؤولية، وكلهم موالاة بالمعنى الواقعي، أي الموالاة لمصلحة الطبقات التي ينتمون إليها، فهم يتصارعون عندما تنتقص جبنة طرف منهم، ويتفقون على الشعب كلما عدلوا في توزيع الجبنة على طبقاتهم.
عندما يتم توزيع الجبنة بينهم، يتباهون بديموقراطية الوفاق. ويتغنون بالنظام الديموقراطي الفريد من نوعه. وعندما يختلفون ويصعب عليهم التوافق يستدرجون الخارج، أو إن الخارج يكون جاهزاً للتدخل خاصة وأن لكل مصالحه وهو بحاجة إلى ركائز لبنانية، فيوكِّلونه حَكَماً، وإذا بالحَكَم يأكل الجبنة كلها ولا يترك لأحد منهم شيئاً.
تلك حكاية الصراعات في لبنان التي لا تنتهي. أما هل يتعلَّم اللبنانيون من الدروس؟
فهم فئتان: طبقة من النخب العائلية والمالية والذكية، وطبقة العامة من الشعب. أما أبناء النخب فهم في واد ومصالح الشعب في واد آخر. وإذا كان هذا ليس من المستغرب، فسُلَّم الطبقات موجود في كل عصر وكل مصر، أما المستغرب فهو أن عامة الشعب تلحس المبرد تحت وقع خطابات النخب الحاكمة، وتسير هاتفة بحياة حماة المذهب والطائفة. وليس هذا فحسب، بل إنها تعيد انتخابهم حتى ولو وصلوا إلى حافة القبر، إذ أن ديموقراطية القدر ساعتئذِ- هي التي تعفي الشعب من القيام بمسؤوليته.
وحتى لا نكون من الواهمين وممن يقفزون فوق واقعية الواقع، نعتقد بأن إعادة إنتاج الزعامات التي أثبتت أنها لا تكترث بمصالح العامة من الناس، يكون واقعياً ولا يصدم مضمون الديموقراطية التي نعتقد بها، فيما لو كانت تلك الزعامات من النوع الذي يمتلك برنامجاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لا تلهوه عن متابعة النضال من أجله أية مغريات طبقية أو شخصية. لكن ولأن العكس هو الذي يحصل هو ما يدفعنا إلى الاستغراب. فنحن من مفاهيمنا الإصلاحية المرحلية- لا نحسد من وُلِد وفي فمه «ملعقة من ذهب» أن يُورِّث أبناءه تلك الملعقة، لكن على أساس أن لا يطمع الوارث بتكبيرها على حساب «ملعقة الخشب» الشعبية، هذا إن وُجدت.
على قاعدة مظاهر الصراع الدائر في لبنان اليوم، هذا إذا أجَّلنا الكلام عن المخفي منه وهو أعظم، نسجل التحليل التالي:
أولاً: مظاهر الصراع وأسبابه الداخلية:
خلافاً لما يظهر للعلن من تداخل للخنادق والتحالفات، بما يوحي بأن تداخل الخنادق الطائفية هو صورة مشرقة للتلاحم الوطني، ندعو من كل قلبنا أن يكون المقياس الوطني هو ما ألهم زعماء التحالفات إلى نسج الحلم الوطني الذي ننشده.
فالكل يحمل علم لبنان ويدعو إلى استقلاله وسيادته وحريته.
والكل يُنشِد النشيد الوطني اللبناني.
والكل يتغنى بطلب الحرية والديموقراطية حبيبة قلوبنا وتاج رؤوسنا وحلمنا الكبير منذ الصغر. حرية الطبقات الفقيرة وحقوقها، حرية الجماهير الواسعة. تلك الجماهير ويا للأسف-لا تشعر بحريتها إلاَّ عندما يقتضي أمر مصالح النخب فيها أن تنزل إلى الشوارع هاتفة تغني نشيد الوطن، وتنزل إلى الشارع هاتفة تنشد نشيد الطائفة.
ومن غرائب الأمور أن النخب السياسية في بلدنا، و«آخ يا بلدي»، لا تقبِّل أيادي مرجعياتها الطائفية إلاَّ عندما تريد أن تحقن أتباعها بمزيد من الحُقَن السحرية، لزيادة مفاعيل تسارعها إلى الشارع لتحدث المزيد من التأثير.
لطالما أُهملت المرجعيات الطائفية، ولطالما هُمِّشت، ولطالما وُضعت على كراسي النسيان. ولطالما نُصحت بأن لا تتدخل في شؤون الدنيا لأن لتلك الشؤون أسيادها. ولكن عندما يحتاج الأمر إلى تهييج وتهييج مضاد، تدفع النخب السياسية والاقتصادية بتلك المرجعيات إلى الواجهة لتستقوي بخطابها، وتدعِّم مواقفها. وتلك مسألة طالما عرفتها علاقات رجال الدين برجال السياسة على مستوى كل الطوائف في لبنان ومذاهبه. ولمن لا يصدق فليرجع إلى التاريخ وهو خير الشواهد.
لطالما أُهمِلت مصالح عامة الشعب، وضُرِبت عرض الحائط، ولكن عندما يحتاج الأمر إلى استعراض عضلات النخب، تأمر مواليها بالنزول إلى الشارع. أليست تلك الوسائل هي التي رسمها السلف للخلف. وإذا كانت تلك الحقائق كاذبة فليجيبنا أولي الأمر من النخب كيف كانت حروب الطوائف تجري على طول إمارات جبل عامل وجبل لبنان وكسروان وعكا؟
ألم تكن حشود الموالين من عامة الطوائف، من المنتمين للمذاهب، تدفع الثمن من دمها وأرزاقها وحياتها؟ ألم تكن البطولات تدخل سجل التاريخ لصالح الزعامات والأمراء والمشايخ؟
بلى، كان التاريخ يغفل تلك التضحيات والبطولات من سجل العامة لكي تسطو عليها الزعامات وتسجلها لنفسها.
ألم تكن متصرفية جبل لبنان، في العام 1860م، إلاَّ أنموذج واضح؟ ألم تكن إلاَّ وصمة في تاريخ الطوائف؟ ألم تكن إلاَّ تسوية بين أمراء الطوائف على حساب دماء العامة من الشعب؟ ألم تسبقها دماء غزيرة دفعها الأبرياء من الطوائف كافة؟ وهل كان هذا الأنموذج ثابتاً؟ وهل يحقق مصالح البشر في عصر الشعوب الوطني والقومي؟
سواء تجاهل البعض أو أغفل تلك المحطة التاريخية، تظهر أدوات الصراع في لبنان واضحة الآن بما لا يميزها عن تلك التي سبقتها حتى وإن لبس البعض أزياء الحداثة والعصرنة: لم تتغيَّر هوية المتصارعين وأهدافهم، كما لم تتغيَّر وسائل استقوائهم بالخارج. وما تغيَّر هو أن الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحصل تحت سقف نظامها السياسي الصراعات التاريخية أصبحت تُعرف اليوم ب«السلطات اللبنانية»، أما اللاعبون المحليون فلم ينالوا من التغيير إلاَّ القشور الحضارية التي قلَّدوا فيها الحضارة السياسية الغربية. تلك الحضارة التي انبنت على أنقاض المفاهيم السابقة وانقلبت عليها، أما نحن فأخذنا تلك الوسائل من دون أن ننقلب على مفاهيمنا السابقة. فأدوات المعرفة عند النخبة لم تتغيَّر وكذلك طرق معالجة مشاكلنا المعاصرة. ونحن نرى أن نتائج ما يحصل من صراعات في لبنان ستصب في النتائج ذاتها التي يدلنا التاريخ عليها.
ولهذا نقول: ما أشبه اليوم بالبارحة. تحالفات تقوم على أساس:
-مظاهر وحدوية وطنية، وباطنها إعادة توزيع الغنائم بين النخب العائلية والاقتصادية.
-مظاهر ديموقراطية ولكن على أساس ديموقراطية توزيع الحصص بين الطوائف.
-تغليب الاستقواء بالخارج على الحوار الداخلي.
شارك الكثيرون من أطراف المعارضة أطراف الموالاة في مغانم الحكم. وأسهم الكثيرون بالكثير من الصمت حول انتهاك الحريات الديموقراطية، ولحسن الحظ لم يمر بعد وقت طويل لننسى قانون الطوارئ الذي منع قيام تظاهرات واحتجاجات. ولن ننسى أن ذلك القانون كان بمباركة ممن هم الآن في كراسي المعارضة. فلم يكن قانون الطوارئ مرفوضاً لأن الكراسي في الموالاة كانت ثابتة، وكانت حصصهم غير منقوصة. فحق الحريات للجماهير مرتبط بمصالح النخب العائلية والاقتصادية والمالية. أما وأن الحصص قد تناقصت فهذا ما يثير النخب ويدفعها إلى صفوف المعارضة. وهذا ما يوجب حقن الجماهير واستثارتها، تلك الجماهير التي كانت تُعتَقل وتُسجن، ويتم تسليمها بتواطؤ من الكثيرين الذين يتباكون اليوم على ضياع الحريات الديموقراطية ويهاجمون سلطة المخابرات-إلى أجهزة المخابرات. ولم يجرؤ أيٌّ منهم على القول بأنه يرفض ليس ما يجري فحسب، بل وأن يمارس هو دور المخابرات والبوليس الذي يعتقل ويسلم من يعتقل إلى تلك الأجهزة.
فهل إذا عاد هؤلاء إلى كراسيهم، التي فقدوها عندما تناقضت مصالح أجهزة المخابرات العليا مع مصالحهم، سيعودون إلينا بنعيم الديموقراطية؟
إننا نشك بذلك، لأننا لن نتوهم أن يأتوا إلينا بها، وإنما نحن واثقون بأنهم سيأتون على دبابات ديموقراطية السلطة التي يعملون للجلوس على كراسيها. وساعتئذٍ ليتجرأ أحد ويرشقها بحجر.
ويدور الدولاب، كما تدور عجلة التاريخ، ويبقى الوضع ثابتاً والعراك مستمراً بين «موالاة ديكتاتورية» و«معارضة ديموقراطية». ويتناوب أبناء العائلات وأصحاب المصارف والرساميل المكدَّسة الأدوار. فيمثِّل بعضها المطرقة والبعض الآخر السندان، ويبقى المواطن أسيراً بينهما مادة جامدة تتحمل ضربات المطرقة فيتلقاها السندان بحنانه المعروف. ألم يكن المواطن وقوداً لنزوات أولياء الأمر طوال عهود الأمراء والمشايخ والإقطاعيين؟ وهل تغير وضعه في عهود «الديموقراطية والديموقراطيين» الجدد؟
أنا لن أكون موالياً لسلطة سياسية، ولن أكون معارضاً في صفوف المعارضة. فثنائية السلطة والمعارضة ثنائية التقاتل من أجل التناوب على الأدوار. فالسلطة لا تعمل على تطبيق برنامج سياسي يهتم بمشاكل المواطنين وهمومهم، وكذلك المعارضة. إن طرفيْ الثنائية غائبان عن هموم المواطنين. فأنا مع معارضة تمتلك ذلك البرنامج على أن يكون واضحاً بما فيه الكفاية. وأنا ضد السلطة طالما هي غائبة عن ذلك الهم.
وإذا كان هناك من النماذج التي يمكنني أن أقارنها مع ما يجري في لبنان الآن، فلن أجد أفضل من أنموذج الصراع الذي يدور بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة الأميركية. ففي ذلك الصراع يتبنى الحزبان إيديولوجيا رأس المال، وكلاهما متفقان على استغلال الشعب الأميركي. فمن يصل منهما-إلى السلطة لن يتجاوز عمله تعزيز دور الشركات الكبرى التي كلَّفته بدور المحامي عن حقوقها. وهكذا نعتبر ديموقراطية الحزبين الأميركيين ديموقراطية حق الشركات في نهب ثروات الشعب الأميركي ومقدراته. أليست «ديموقراطية اقتصاد السوق» إلاَّ تعبيراً عن حق الشركات في المنافسة؟ أليست خصخصة القطاع العام إلاَّ وسيلة من وسائل النهب المنظَّم؟ أليست خصخصة «قطاع الوظيفة العامة» إلاَّ فسح في المجال للحزبين المتنافسين بتبديل وتغيير الموظفين لتعيين من هم أكثر ولاء للحزب الحاكم؟
أما هل لتلك الطريقة في إدارة الديموقراطية على الطريقة الأميركية ما يشبهها في الحالة اللبنانية؟
بلى هناك ما يشبهها، على الأقل في ما يدور حول قطاع أجهزة المخابرات. فنحن لسنا من السذاجة لتجذبنا شعارات المعارضة ومطالبتها بإقالة أجهزة مخابرات السلطة السابقة. لأن المعارضة لن تلغي هذا الجهاز، وإنما ستأتي بجهاز آخر يكون موالياً لها، ومدافعاً عن ديموقراطيتها. أما التجديد فيه فلن يكون أكثر من «خصخصته»، بالتعيين ممن يثقون بأنه سيحميهم، وليس المطلوب أن يحمي الوطن. فنحن مع شعارات المعارضة أن أجهزة المخابرات قد أساءت، وإساءتها جاءت على قاعدة وظيفتها التي حددتها لها تيارات السلطة الحاكمة، بمن فيهم بعض أمراء المعارضة ومشايخها. ووظيفتها، بدلاً من أن تكون حماية للأمن الوطني، كانت حماية لأمن النظام في وجه معارضيه. وهنا نحن نؤيد المعارضة في التعديل والتبديل ليس في مواقع الأشخاص، بل في تحديد واجب الأجهزة في حماية أمن الوطن والمواطنين.
وعلى قاعدة تحديد وظيفة أجهزة الأمن نتحول إلى معارضين أو موالين. لكننا لن نتوهم بأن يستفيق طرفا «الموالاة - المعارضة» على مصلحة الوطن لأن طبيعة النظام اللبناني تغلِّب مصلحة النظام على مصلحة الوطن، ولأن عجين النظام «السلطة» هي من طحين النظام الطائفي السياسي، أي طحين مصالح «أمراء الطوائف» من عائلات وبيوتات مالية.
لذا فنحن لسنا مع «الموالاة - المعارضة» بتركيبتها الهشَّة القائمة على التسويات، لأن التسوية لن تكون لحسابنا، وإنما ستقطفها «معارضة اليوم» لأنها ستكون «سلطة الغد» كنسخة «طبق الأصل» لكل السلطات التي تناوبت على الحكم في لبنان منذ العام 1943م ولا تزال. وقد تستمر إلى أن نستبدل «نظام المحاصصة بين الطوائف» إلى نظام «كلنا للوطن» و«الوطن للجميع». وقد تستمر إلى أن نستبدل «نظام أعلام الطوائف» بـ«العلم اللبناني» مضموناً وروحاً، إيماناً وعقيدة، وليس شكلاً تكتيكياً على الطريقة التي يتبارى بواسطتها كل «المتجاملين»، وكل «الذين يقبِّلون بعضهم بعضاً» أمام عدسات وسائل الإعلام.
فتعالوا أيها اللبنانيون لنخطو معاً الخطوة الصحيحة الأولى تجاه بناء أطر سليمة لنظام ديموقراطي لبناني. من دون أن نكون قطريين منغلقين تتجاذبنا عوامل الخارج فتغرينا بآخر الأزياء الجديدة، كما تتجاذبنا تزاويق «الماكياج» التي لو تعرَّضت لنور الشمس فيظهر الوجه القبيح، وفيه ما يخيف وما يجعلنا ننام داخل دوامة من الكوابيس والرؤى التي تقشعر لها الأبدان.
وتعالوا أيها اللبنانيون لنقدِّم حصاداً من تجربتنا للأجيال الشابة التي، فيما لو أخذنا بيدها تجاه بناء وطن لبناني مرتبط بمحيطه العربي، لأعطتنا كل ما لديها من حيوية ووعي وطاقات فيها ما يدهشكم ويدهشنا.
أما جانب الاعتراض عندنا حول امتناعنا للانخراط في الموالاة والمعارضة، مما له علاقة بالتجاذبات «العربية» و«الدولية» على الساحة اللبنانية، ففيه من المبدئية القومية أكثر بكثير من «المصلحية السياسية» المرحلية التي تقصِّر عن رؤية الصورة بشكل واضح. وإلى أن نتناول ذلك الجانب بمقال آخر، لا يمكننا إلاَّ أن نعلن محذرين من خطورة اجتياح أميركي جديد للأمة العربية من البوابة اللبنانية. وعلى «أهل بيزنطية» أن لا يضيعوا الوقت بالجدال حول «جنس الديموقراطية» بحماية الاجتياح الأميركي، لأن العدو سيجتاح بيزنطية بما فيها. فلا ينفع أهلها ساعتئذٍ- أن يكون جنسها «ذكراً أو أنثى».

ليست هناك تعليقات: