الجمعة، يونيو 03، 2011

معادلة الجمع بين ثورة الشعب والديكتاتورية والتدخل الأجنبي

-->
معادلة الجمع بين ثورة الشعب والديكتاتورية والتدخل الأجنبي
ينتج عن المصطلحات الثلاث معادلات لا يجوز تناسيها عند معالجة قضية الثورات والانتفاضات الجارية اليوم في أكثر من قطر عربي، ومن أهمها اثنتان:
وقبل الإشارة إليهما يمكن التذكير بمفهومين مهمين:
-أولهما إن مفهوم الدولة الحديثة يقوم على حكم الشعب لنفسه عبر حكومة منتخبة، إذن هناك عقد قائم بين الشعب والحكومة، بحيث تقوم الحكومة بضمان حقوق الشعب في شتى المجالات، وإذا قصَّرت الحكومة في وظيفتها يصبح من حق الشعب الانتفاض أو الثورة ضد الحكومة التي أخلَّت بوظيفتها.
-وثانيهما: وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ومن تدخل من أحد. وقد جاء في تعريف الحق بتقرير المصير ما يلي: حق تقرير المصير هو حق كل شعب في حكم نفسه بنفسه واختيار نظامه ومستقبله اختياراً حراً. وحق تقرير المصير هو الاساس والمنطلق للحق في الاستقلال والسيادة، وتتفرع عنه الحقوق الاخرى. وهذا التعريف ينص ضمناً على اعتبار التدخل الأجنبي عملاً يتنافى مع المبدأ العام. وإذا حصل التدخل يصبح من المشروع مقاومته.
وعن هذين المفهومين تتفرع معادلتان، وهما:
-ثنائية الصراع بين الشعب (الثورة الشعبية إذا أغفل الحاكم حقوق الشعب) والحكومة (إذا أساءت استخدام وظيفتها ومن أهم مظاهرها الحكم الفردي الديكتاتوري).
-ثنائية الصراع بين التدخل الخارجي (السطو على حق الشعوب في تقرير مصيرها) والدولة (مشروعية مقاومة مجموع الشعب والحكومة لأي تدخل خارجي).
أما في ثنائية الصراع بين الشعب والحكومة فلها أسسها وشروطها وسقوفها التي لا يجوز أن تتجاوز سقف تهديد الأمن الوطني بما يعني تهديد السلم الأهلي للمواطنين من جهة، وأن لا تجعل قدرة الدولة ضعيفة أمام أي تهديد خارجي.
ومن ثنائية الصراع بين الدولة الوطنية والتدخل الخارجي، سواءٌ أكان احتلالاً مباشراً أم كان تدخلاً إلى جانب أحد طرفيْ الصراع الداخلي، يُعتبر ليس حقاً مشروعاً فحسب بل يُعتبر أيضاً واجباً وطنياً على مجموع الحكومة والشعب أن يقوما بمقاومته لقطع دابر ذلك التدخل. وكل من يستقوي بالأجنبي ينطبق عليه مفهوم الخيانة العظمىز
جاء في تعريف (الخيانة العظمى) أنها جريمة سياسية تهدف إلى الإضرار بسلامة الوطن في الداخل والخارج ونظام الحكم فيه. وقد أشار الأمر الصادر بتشكيل محكمة الثورة في مصر العام 1953 إلى الأفعال التي تُعتبر خيانة للوطن وضد سلامته، وتشمل:
-الاتصال بجهات أجنبية لغرض الإضرار بنظام الحكم القائم ومصلحة البلاد العليا.
-تمكين الاستعمار بالبلاد، وتقديم ذخائر يترتب على استعمالها أضرار بالجيش في الميدان.
-أعمال التجسس لحساب دولة أجنبية.
-العلم بفتنة وعدم التبليغ عنها.
التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول المستقلة هو تدخل غير مشروع في كل المعاهدات الدولية. وهنا يجب التمييز بين مرحلة الإمبراطوريات التي تعني استخدام حق القوة بالاستيلاء على المزيد من الأراضي التي يمكن ضمها إلى الكيانات الإمبراطورية، وبين مفهوم الدولة الحديثة التي اعترفت التشريعات الأممية بحق في تقرير مصيرها. والحق بتقرير المصير هو أن هناك عقداً بين الشعب والحكومات الوطنية من أهم بنوده أن يحافظ الحاكم والمحكوم على حدود دولتهم ومقاومة كل اعتداء خارجي، وعلى الطرفين أن يقفا معاً ضد التدخل الأجنبي للمحافظة على الحق بتحديد المصير. وبذلك يتشكل طرفا الصراع بين احتلال أجنبي من جهة، ومقاومة يقوم بإعدادها الحاكم والمحكوم، وهذا يعني تدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وكما أنه من أهم بنود العقد بين الحاكم والمحكوم أن يقوم الحكم بالحكم باسم الشعب الذي عليه أن يقوم بتفويضه بالعمل على السهر على الدستور من جهة وتلبية حاجات المجتمع المحكوم على كل الصعد. وإذا اختلت المعادلة بامتناع الحاكم عن القيام بوظيفته الموكلة له من قبل الشعب من حق الشعب أن يثور ضد حاكمه. والثورة الشعبية حق من حقوق الشعب على أن يرفض الطرفان: الحاكم والمحكوم، بطلب الاستقواء بأية قوة من الخارج، ومن يستقوي به يرتكب جريمة الخيانة العظمى، والخيانة العظمى هو كل عمل يؤدي إلى الاستعانة بالخارج تحت أية ذريعة أو سبب.
من زاوية نظرنا المبدئية إلى ثلاثية الثورة الشعبية والديكتاتورية والتدخل الأجنبي، نستطيع أن نحدد موقفنا من الثورات المندلعة الآن في أكثر من قطر عربي، فنعترف بمشروعيتها طالما هي تجري بين الشعب وحكومته. وإذا استقوى النظام على شعبه بالأجنبي أو إذا استقوى الشعب على حكومته بالأجنبي يكون المستقوي كمن ارتكب الخيانة العظمى، ويصبح كمن يقف ضد المفاهيم السياسية والأساسية التي تحكم العلاقة بين الشعب وحكومته من جهة، والعلاقة التي تربط الدولة الوطنية المستقلة بالأجنبي.


ليست هناك تعليقات: