الزناد ضد أفغانستان والعين على فلسطين والعراق
كُتِب هذا المقال بتاريخ 8/ 12/ 2001
تقود الولايات المتحدة الأميركية حرباً ضد ما يُسمّى الإرهاب على الأرض الأفغانية. وما يدعو للعجب والاستغراب أنها هي التي ساعدت وخلقت وأوجدت وربَّت واحتضنت الذين تحاربهم اليوم.
نحن أولاً نقف ضد هيمنة الولايات المتحدة على العالم واستعمارها له.
ونقف ثانياً ضد كل أنواع الأنظمة التي تتماثل مع نظام طالبان من حيث أنها ربيبة لأميركا من جهة، ومن حيث رجعيتها الفاقعة المغلَّفة برداءات أصولية لتستجلب عطف المسلمين من جهة أخرى.
ونقف ثالثاً ضد تحالف قوى الشمال الأفغانية التي تقاتل طالبان تحت غطاء عسكري أميركي، وهذا السبب يكفي ليبرِّر موقفنا هذا.
ونقف، أخيراً، ضد أي نظام سوف ينشأ من نتائج هكذا حرب، لأن أميركا لن ترضى بنظام أقل طواعية لها وامتثالاً لأوامرها. فهي قد شنَّت الحرب ضد نظام طالبان بعد أن استهلكته، وسوف تشن الحرب ضد أي نظام تصنعه بعد أن يصبح عاجزاً عن تنفيذ سياستها.
كل تلك المواقف لا تعني أننا نقف بحياد ضد الجرائم البشعة التي تُرتكب ضد الشعب الأفغاني، الذي يقف عاجزاً وضعيفاً ومظلوماً بين مطرقة النظام الذي يحكمه أو سيحكمه وبين سندان العدوان الأميركي - البريطاني اللاإنساني.
كان من الأهمية بمكان أن نحدد موقعنا وموقفنا من القوى التي تتقاتل على الأرض الأفغانية تحت ما يُسمى «الحرب ضد الإرهاب». فقد بدا للمراقب القصير النفس أن هناك حرب بين الإسلام والاستكبار، وهذا غير صحيح، فالحرب هي بين أبناء التحالف المتجانس، أميركا / الاستعمار وحلفائها السابقين / صنيعة أيديها. وأميركا تعمل جاهدة لكي يحل مكان الحليف الأفغاني السابق حليف أفغاني يكون مطواعاً لها كطاعة السوار للزند. ومن اللافت في الأمر أن كلاً من الحليفين يدعو إلى بناء دولة إسلامية، وإلى تطبيق الشرائع الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك نراهما من أكثر حلفاء أميركا صنعاً واستجابة.
أما ماذا تبغي أميركا من حربها ضد الحليف السابق ومع الحليف اللاحق؟
تريد أميركا أولاً أن تصنع نظاماً في أفغانستان يكون قاعدة لحماية مصالحها في الأرض العربية، وثانياً أن تُبعد خطر الاتحاد السوفياتي والصين لتحول دونهما والوصول إلى خيرات تلك الأرض. فكما كان الهدف من المشروع الصهيوني، المغروس في قلب الأمة العربية، أن يحرس مصالح الاستعمار في العالم العربي، فإن الهدف المركزي من المشروع الأفغاني - الأميركي، أيضاً، والمغروس في وسط آسيا، هو حماية مصالحه في المنطقة العربية.
إن الأهداف المركزية الأميركية، قبل أي شيء آخر، هي مصالحها الاقتصادية؛ وهذه المصالح موجودة، بشكل أساسي، في الأرض العربية. ولضمان استمرارها عليها أن تحتوي أية حركة عربية، سياسية أو فكرية أو عسكرية أو اجتماعية، تدعو أو تعمل، أو حتى تمتلك النية، إلى وعي مخاطر الهيمنة الأميركية. فكان المشروع الصهيوني هو العصا الغليظة، التي يهدد بها الاستعمار الأميركي، أية بوادر تمرد تلوح في الأفق العربي.
وهي عملت وتعمل جاهدة على إحاطة المنطقة العربية بدائرة من الخاضعين لأوامرها في سبيل تحقيق هدفين: تهديد حركة التحرر العربية أولاً، أما الهدف الثاني، فهو الحؤول دون تأثير الجوار الدولي، روسيا والصين، من الوصول إلى أرض العرب المعطاء: مادة أولية خاماً، وسوقاً استهلاكياً واسعاً.
فمن هي قوى التحرر العربية التي يطلب الأميركيون رأسها؟
يهدد الأميركيون بقطع رأس كل قوى حركة التحرر العربية بشكل مركزي. ولكن هناك الخطر فالأخطر. فالمرحلية في السياسة الأميركية، ولكي لا تخوض حرباً شاملة، تستدعي البدء بالأخطر، والخطرين الداهمين لها، مرحلياً، هما: العراق وفلسطين.
ففلسطين لأنها تمثل دائرة الاهتمام المركزية في المخطط الاستعماري القديم والحديث. والعراق لأنه يمثل دائرة التحدي الفكري - السياسي والتكنولوجي والعسكري…
فإن كان الاهتمام الأميركي منصبّاً، الآن، على أفغانستان، فلأن هدفها أن تشغل بال الأفغانيين بحرب طويلة يلتهون بها، ويستمرئون دماء بعضهم البعض، فيلتهون عن شغل بال أميركا بحده الأدنى، وهذا ما يجعلها متفرغة لمواجهة ما هو أخطر وأدهى: إنهاء انتفاضة فلسطين، وتدجين الشعب الفلسطيني بشتى الطرق والوسائل. وتهديد العراق بشكل دائم من خلال سلاح »النفط مقابل الغذاء«، ومناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب، وتحريض وتدعيم قوى من تسميهم »المعارضة العراقية«، والحجر على أموال العراق، وعلى قراره السياسي، ومنعه من استخدام عائدات نفطه بحرية واستقلالية…
تستند أميركا في تنفيذ ما تريد ضد انتفاضة فلسطين وتمرد العراق إلى كل وسائطها العرب والدوليين، وهي إن لم تفلح في ضربهما فإنها سوف تعمل بنفس طويل لإبقاء تكبيلهما بأكثر ما يمكن من القيود. وتعمل أميركا بنفس طويل طالما أن طريق النفط مفتوح امامها. ولا يمنعها عنصر الوقت من أن تتابع تنفيذ ما تريد، فيكفيها أن تُبقي انتفاضة فلسطين وثورة العراق مكبّلتين إلى الأبد. فهي تراهن على متغيرات من أهمها نضوب الثروة العربية وإعادة الأمة العربية إلى عصر البداوة والجمل.
لكن تبقى حقيقة على العرب أن لا ينسوها أبداً، أن عنصر الوقت هو ثمين بالنسبة لهم، أي أن عليهم أن يرفعوا هيمنة أميركا قبل نضوب ثرواتهم، وقبل أن يستثمروا عائداتها في تطوير بنى اقتصادهم لكي يكون بديلاً لما بعد عصر النفط.
وجلَّ ما نريد أن يصل إلى قلوب العرب وعقولهم، قبل آذانهم لأن آذان البعض أصبحت صمّاء لا تسمع أو على الأقل لا تعير السمع، أن لديهم الوسائل العديدة التي يمكنهم أن يستخدموها وسائل للنضال ضد مخططات الاستعمار الأميركي. إن عصا أميركا مرفوعة على العرب، حتى وإن لم تستخدمها الآن بشكل مباشر، وسوف تقوم باستخدامها مباشرة ما أن ترتب أوضاع أفغانستان.
فمن أجل ثرواتهم في المنطقة العربية أتى الأميركيون إلى أفغانستان. ولم تكن الضربة الموجهة إليه إلاَّ من أجل احتواء أية قوة عربية. فضرب إفغانستان هو ضربة موجهة للعرب وتحذير لهم واستعراض للقوة أمامهم. لأن توجيه ضربة للضعيف يرتعد لها قلب القوي هو ما تقصده أميركا أولاً، وبناء قواعد سياسية وعسكرية أميركية بشكل مباشر في منطقة النفط العربي وأسواقها ثانياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق