الأحد، يناير 08، 2012

كلمة في تأبين الرفيق محمد ابراهيم حجازي

-->
كلمة في تأبين الرفيق محمد ابراهيم حجازي
أيها الحفل الكريم
عائلة أبي ابراهيم ومحبيه وأصدقاءه ورفاقه
لقد اجتمعنا في هذا اليوم لوداع الراحل الحبيب، اجتمعنا لنودعه بما يليق بموقعه في قلوبنا.
أيها الكرام
باستثناء دمعة الوفاء لرحيله، تلك الدمعة التي تنهمر من دون استئذان، إننا نودعه في هذا اليوم بالبسمة، والبسمة كانت رفيقته الدائمة عندما يستقبلنا أو يودعنا.
أيها الراحل الحبيب
أنت يا أبا ابراهيم، يا أخاً لم تلده أمي، كنت لي شخصياً الرفيق والأخ والصديق، وأنا أؤمن بأن من أهم صفات الرفاقية أن تتكامل مع الأخوة والصداقة.
لقد تركت لنا ذخراً من الذكريات والمواقف التي تبقيك حياً بيننا، لا تغيب عن أنظارنا أو ذاكرتنا. لقد تركت لنا الشيء الكثير على الصعيد الاجتماعي والسياسي والوطني.
على الصعيد الاجتماعي كنت أنموذجاً بعلاقاتك مع كل الناس، تعاني مع من يعانون، وتتألم مع من يتألمون، وتفرح مع من يفرحون، وتكون سعيداً كلما ازداد أعداد السعداء من حولك. كنت معنا بأفراحنا وأتراحنا. ولم يفتك واجب إلاَّ ولبيت، وإذا فاتك فلسبب قاهر. كنت حركة دائمة يشهد لك فيها كل من عرفك.
وأما على الصعيد السياسي فكنت في حرارة انتمائك لحزب البعث العربي الاشتراكي أنموذجاً. كنت تدافع عن رأيك بحرارة الانتماء وليس من منظار التعصب، ولكن لم تفتك في لحظة ما أن للآخرين آراء ومواقف كنت تحترمها. ففي مفهومك كانت مقاييس الانتماء تُختَصر بثوابت المصلحة العامة، وثوابت الوطنية والانتماء الوطني.
لم تتوان في موقف من المواقف عن مناقشة ما يتعارض مع تلك الثوابت حتى ولو صدرت من أقرب المقرَّبين إليك، وفي الوقت ذاته كنت لا تخفي إعجابك برأي أو موقف صائب كان يبديه من لا تتفق معه بأكثر من رأي أو موقف.
إننا أيها الراحل الحبيب لفي حاجة ماسة لمواصفات تلامس سقف مميزاتك. لم تتأثر بمواقفك من موقع شخصي أو طائفي أو قطري، بل كانت ثوابتك الوطنية والقومية والإنسانية هي التي تحدد هذا الموقف أو ذاك. وهنا لا بُدَّ لي من أتذكر حركتك اللولبية التي رافقت مرحلة الاحتلال الصهيوني لمنطقتنا بحيث أبديت كل تجرد شخصي أو طائفي أو مناطقي، فكنت حريصاً على أمن كل اللبنانيين الخاضعين لسلطة الاحتلال الغاشم، وأكدت حرصك هذا منذ بداية الاحتلال بحيث كنت تعتبر أن إفراغ الأرض خطأ كبير وإن البديل يتمثل بصمود الجميع في أرضهم وكانت المحافظة على كرامتهم من أولويات اهتمامك.
وأما على الصعيد الوطني والقومي فقد اعتنقت العروبة مبدأ ترى أنه لا خلاص للعرب بكل أديانهم وطوائفهم إلاَّ بها، فهي التي ترتفع فوق حساسيات الطوائف والأقطار، وهي التي توفر الضمان لحقوق الطبقات، وهي التي تلغي الحدود بين الأقطار التي تتصارع، وتوفر القوة والمنعة ضد أي احتلال سواءٌ أكان مباشراً أم كان بالواسطة.
لقد آمنت بالمقاومة الشعبية طريقاً استراتيجياً لتحرير كل شبر ليس من أرض لبنان فحسب بل من كل شبر من الأرض العربية أيضاً. فأسهمت ببناء المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي. فعلت هذا يا أبا ابراهيم في الوقت الذي حملت فيه السلاح دفاعاً عن المقاومة الفلسطينية التي كانت تتعرض لأشرس حملات الاجتثاث. كنت تحمل السلاح وتسهم في توزيعه في أكثر الظروف حدة عندما كانت أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية تتعرض لمضايقات وملاحقات المكتب الثاني. وتلال منطقتنا وتضاريسها تشهد كم كان يكلف تمرير قطعة واحدة من عناء المناضلين ومشقاتهم.
لقد بقيت أميناً على استمرار المقاومة اللبنانية ومؤيداً لها حتى تكحلت عيونك بيوم التحرير، يوم العشرين من أيار من العام 2000. وكم كان الاعتزاز يملأ قلبك عندما دُحر عدوان تموز من العام 2006. ففي تموز من العام 2006، أثناء العدوان الصهيوني على لبنان، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عشية وصولها إلى بيروت، وذلك قبل أن تُمنى إسرائيل بالهزيمة، وبنبرة لا تخلو من الابتهاج، أعلنت قائلة: «هذه آلام المخاض.. الآن يولد شرق أوسط جديد».
ابتهجت أنت أيها الراحل الحبيب لأن تفاؤل كونداليزا كان سراباً. وحصدت كوندا وإدارتها الفشل بفعل تضحيات أبطال المقاومة اللبنانية. وابتهجت أيضاً بهروب جيش الاحتلال الأميركي من العراق بفعل تضحيات المقاومة العراقية، لكنك كنت ما تزال تنتظر اجتثاث مشروع تقسيم العراق بعد تحريره، حتى يُدفن مشروع الشرق الأوسط الجديد بشكل لا يرى الحياة بعدها.
الآن وفي هذه اللحظة التاريخية، ولكي يعيد حلف الأطلسي الحياة لمشروعه الذي هُزم في لبنان، والذي ما يزال يعد نفسه بإحيائه في العراق، ومن بعد ذلك تعميمه في الوطن العربي، ركب الحلف الأطلسي الموجة المطلبية المشروعة للحراك الشعبي العربي، ركب الموجة بشعارات الحراك ذاته، لكي يحرفه عن أهدافه وسرقة نتائجه وتجييرها لحساب مصالحه.
إننا الآن، وبعد أن انكشفت الأقنعة عن خديعة الأطلسي، نرى أن الأولوية للمعركة الوطنية باتت مطلوبة، وقطع يد التدخل الأجنبي ومنعه من تحريف الشعارات الشعبية باتت مهمة وطنية، لأنه طالما ظلَّت الوقائع تسير كما هي الآن فسوف تصب نتائج الحراك في طواحين الغرب، والغرب لا يريد لا إصلاحاً ولا ديموقراطية، بل كل همه أن يقطع رأس الدولة وتفتيتها. وإذا كان الإصلاح تجميلاً للدولة فماذا ينفع التجميل لرأس الدولة المقطوع؟
أيها الحفل الكريم
حذار من خطورة نتائج المرحلة القادمة إذا نجح الأطلسي بالالتفاف على مطالب الشعب العربي. إن مشروع حدود الدم قادم مسرعاً. وحدود الدم تعني بالمفهوم الأطلسي إعادة تقسيم الوطن العربي إلى دويلات وإمارات مذهبية ودينية وعرقية، وديدن تلك الإمارات هو مشروع دائم لحروب دائمة فيما بينها. وباستمرار الحروب بين تلك الإمارات هو استمرار لإغراق العرب بأنهار من الدماء يتلهون فيها باقتتال الأخوة فيما بينهم، فترسم ساعتئذٍ أنهار الدم الحدود بين دويلات وإمارات مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أشارت إليه كونداليزا رايس.
وإذا كنا لم نتعلَّم حتى الآن، فلا يجوز أن نغفل الحروب الطائفية الدائرة في العراق بعد الاحتلال الأميركي. وهل ينقذ العراق إلاَّ إعادة توحيده وإعادته إلى طريق العروبة؟
على قلَّة نصيرها، وإذا كانت المقاومة العراقية كفيلة بإنجاز هذه المهمة التاريخية، فإن المطلوب من الثوار العرب أن يقوموا بقطع يد التدخل الأجنبي أولاً حتى لا يستفيقوا على تقسيم جديد لقطر عربي آخر. وكلما لحق تقسيم بقطر عربي يصبح التقسيم في لبنان أمراً واقعاً. وهنا لا نخفي مدى الخطورة من رؤية لبنان مقسماً. إنه والله لمشهد مخيف أن نرى الخنادق بين حدود الطوائف يملؤها الدم الغزير، يقتل فيه الأخ أخاه، ويستبيح دمه وعرضه وكرامته. وهل في هذا المشهد ما يتعظ به الحاقنون بنار الطائفية؟
أيها الراحل الحبيب
ونحن نودعك نتقدم من عائلتك ومن محبيك وأصدقائك ورفاقك بأحر التعازي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بعد هذا الكلام الرائع من العم الحبيب ابو حسان لا يوجد كلام اخر سوى الدعاءوالابتهال الى الله سبحانه وتعالى ان يرحمه ويرحم المؤمنين والشهداء اجمعين.

فؤاد غريب

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)
صدق الله العظيم


عزاؤنا كبير الى اهل الفقيد ورفاقه بالمرحوم الرفيق محمد ابراهيم حجازي
ودعاؤنا الى العلي القدير ان يرحمه و يجعل مثواه الجنة الى جانب الشهداء والمناضلين والمكافحين من ابناء هذه الامة والبشرية جمعاء ، من اجل حرية الانسان وكرامته وان يلهم الاهل والرفاق والاصحاب الصبر والسلوان والمثابرة على خطى المناضلين من اجل تحرير الارض والانسان من العبودية والاغتصاب... وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

المهندس محمد حسين الحاج حسن ..,.. بعلبك -- لبنان