الأربعاء، مارس 14، 2012

إخترنا لكم من أرشيفنا الخاص/ مقابلة مع مجلة المشاهد السياسي

-->
-->
مقابلة مع مجلة المشاهد السياسي
حسن خليل غريب:
هل من الديموقراطية أن يستعين المواطن بالأجنبي في سبيل إسقاط نظام سياسي؟
وعلى الثقافة العربية الانتقال من تكديس المعارف إلى إنتاجها
المشاهد السياسي: العدد (452)، تاريخ (7 13/ تشرين الثاني 2004م).
يسعى الباحث والمفكر اللبناني حسن خليل غريب، في بنية أبحاثه الهادفة إلى قراءة معاصرة وصحيحة لإشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، إلى تحقيق وحدة الفكر والبناء السياسي الداخلي للأمة العربية في مواجهة العدوان الخارجي. كما يشدد على ضرورة انتهاج الباحثين القوميين والإسلاميين والأمميين على السواء، منهج البحث الأكاديمي في سبيل تحديد هوية للأمة العربية لكي لا تصبح مشرذمة مقسمة، ولكي تتفاعل مع القوميات الأخرى.
أبحاثه تعدَّت الثمانية، وتحدثت عن العروبة والإسلام، والردة في الإسلام، وعن الماركسية والأممية، وعن التفاعل بين القومية العربية والقوميات الأخرى. ومؤخراً صدر له كتابان عن المقاومة الوطنية العراقية، تحدَّث فيهما، ومن رؤيته، عن الدور الفاعل الذي تقوم به هذه المقاومة لدحر الاحتلال الأميركي، ولرسم صورة جديدة لخارطة العالم العربي.
التقته مجلة «المشاهد السياسي» في بيروت، وكان الحوار التالي:

* تعددت أبحاثك العلمية وتنوعت بين المذهبية والإسلامية والقومية والماركسية؟ لماذا هذا التنوع؟ وأين تجد نفسك؟ وما هو الأقرب للتعبير عن تطلعاتك؟
-تنوَّعت العناوين ولكن وحَّدتها الرؤية والزاوية الفكرية التي أستند إليها. ومن الضروري أن تتقارب تلك التنوعات والتعدديات من خلال حركة حوارية جدية بينها. فإذا كانت التعدديات دليل عافية وصحة، فإنها تتحول إلى عبء وحاجز إذا لم تتفق حول مشروع سياسي يكون الجامع بينها، والمعبِّر عن مصالحها،  وينظِّم حركتها نحو الوحدة. فالتيار القومي سيتحول إلى عبثية نظرية إذا لم يمتلك رؤية سياسية. وإذا لم ترق بدورها إلى مشروع يوحد بين شتى أطياف المجتمع ستصاب بالانقراض. ولأن التيارات الفكرية على الساحتين الوطنية والقومية متعددة، وينتج عن تعدديتها الفكرية تعددية بمشاريعها السياسية،  وإذا أصر كل تيار فكري على مشروعه السياسي، يعني أن على المجتمع الوطني أو القومي سيتشرذم إلى دويلات فكرية سياسية متنافرة. وهذا ما يتناقض مع بناء مجتمع وطني على قاعدة وحدوية. وهذا ما سوف يقود الأمة إلى عدة من الكيانات السياسية، فنسترجع بها عصر الدويلات المتناحرة التي عرفها العصر العباسي، لكل دويلة بناء ديني أو مذهبي أو عرقي، ومنها تسللت القوى الخارجية للقضاء على ما كان يُعرَف بالإمبراطورية العربية - الإسلامية. وفي رأينا، أن مقياس مصداقية الوحدوية عند أي تيار فكري، ديني، أو مذهبي، أو سياسي هو مدى صدقه في العمل من أجل توجيه كل التعدديات الفكرية إلى مشروع توحيد سياسي على المستوى القطري وعلى المستوى القومي العربي.
أما الطريق إلى ذلك فلن يكون ميسوراً ما لم تكن الحركة الفكرية العربية، بشتى تنوعاتها وأطيافها، جادة في الانخراط بورشة حوارية موضوعية وواقعية وهادفة. ولا يمكن للحوار أن يكون هادفاً إذا لم يستند إلى رؤية نقدية. من هذا المنطلق كانت أبحاثي متَّجهة نحو نقد كل المشاريع السياسية الأممية والقطرية: دينية وغير دينية، كتعميق لحركة نقدية عربية تسير بخطى بطيئة، ومن أهم عوامل بطئها أنها إما تسلك طريق التوفيق والمجاملات من جهة، أو أنها تخشى سلوك هذا الطريق باعتباره وعراً من جهة أخرى.
*هل تجد نفسك مقيَّداً في أبحاثك؟ أي هل تجد صعوبات تحول دون التعبير عن آرائك، الفكرية والسياسية؟ وما هي مساحة الحرية التي تتحرك فيها، من حيث الحريات التي يسمح بها النظام العربي الرسمي الآن؟
كثيرة هي العوائق التي تقف في مواجهة الفكر الوحدوي، منها الدينية، والمذهبية، والسياسية، ومشاريع العولمة والهيمنة على المستوى العالمي، ويأتي على رأس كل هؤلاء النظام العربي الرسمي الذي هو نسيج يجمع واحداً أو أكثر من تلك المشاريع التي أشرت إليها. وليس النظام الرسمي العربي بأجهزته القمعية- هو المذنب الوحيد. وهو إن كان يتحمَّل الجزء الأكبر من المسؤولية، فهو يمثِّل واحداً أو أكثر من التيارات الفكرية والسياسية. ونحن نتناسى أن التيارات الفكرية والسياسية تقمع بعضها البعض الآخر بشتى الوسائل والأساليب، ولا يعني أن وسائلها تتميز بالديموقراطية لأنها لا تستخدم البوليس أو أجهزة المخابرات، فليس البوليس والمخابرات الوسيلة الوحيدة في القمع. فللقمع أوجه أخرى، وهذا ما يطرح على الحركة الفكرية العربية أن تعمِّق وتوحِّد مفاهيمها للديموقراطية. وفي هذا المجال أطرح جملة من الإشكاليات، ومنها:
-هل من الديموقراطية في شيء أن نعتبر الاختلاف بين المواطن والسلطة، على قاعدة الأهداف الأممية، الدينية والمذهبية، وجهة نظر ديموقراطية يمتلك أصحابها الحق في سلوك طريق التعاون مع قوى الاحتلال؟
-وهل من الديموقراطية في شيء أن يستعين المواطن، إلى أي دين أو تيار سياسي انتمى، بالأجنبي في سبيل إسقاط نظام سياسي يدَّعي أنه لم يشارك في اختياره، أو لأن هذا النظام قد أنزل الظلم به؟
-هل من الديموقراطية في شيء أن تهيمن الطبقات والنخب، ذات المصلحة في تجميد وضع الأمة، على شتى وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي؟ وأين هي المساحة التي تركتها تلك النخب لقوى التغيير؟ من أين تأتي قوى التغيير بمنبرها الإعلامي؟ من أين تحصل على الإمكانيات التي تؤهلها لامتلاك تلك الوسائل؟
ليس دفاعاً عن وسائل القمع التي يمارسها النظام العربي الرسمي، نقول: ليست مظاهر القمع البوليسي أو المخابراتي النظامية، هي القامع الوحيد على ساحتنا القطرية والقومية، بل تشارك كل التيارات الفكرية والسياسية بوسائل القمع عندما تنغلق على ذاتها وتتصرف على قاعدة امتلاكها لوحدها الحقيقة المطلقة.  وهنا تتحمَّل الحركة القومية الفكرية العربية مسؤولية كبرى، خاصة تلك القائمة على بناء فكر فلسفي عربي لا يتأثر بالإيديولوجيات المتعصبة. فهي قد أغلقت على نفسها في أسار أكاديمي صارم، وامتنعت عن التفاعل مع الإيديولوجيات ونقدها.
*هل توجِّه خطابك الفكري إلى الجميع؟ ومن تخاطب أولاً؟
-إنني أحسب أن أجوبتي على السؤالين السابقين تحدد كثيراً من جوانب الإجابة حول هذا السؤال. ولذا أضيف: إن خطابي يتوجَّه أولاً للمفكرين العرب، ولا سيما إلى أولئك الأكاديميين، أن يقوموا بدورهم وهو أساسي- من دون خوف أو لومة لائم.
وثانياً أتوجه بخطابي إلى كل الحركات الفكرية السياسية، هيئات وقوى وأحزاباً، إلى تعميق فكرها العام، وفكرها السياسي الخاص، وتخرج من بعض عوائق التعصب الإيديولوجي. لأنه ما لم ترتق إلى هذا المستوى، فهي حتماً- سوف تنتج مؤيدين يتَّصفون بالتعصب والتشرنق والجمود. وتكون النتيجة إنتاج ثقافة شعبية عاجزة عن مواكبة التغيير، وعاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من التوجه الوحدوي السليم. وساعتئذٍ سوف تبقى ثقافة كل شريحة شعبية تنادي بوحدويتها على طريقتها الخاصة. وعندما تتشرذم الرؤى التوحيدية على المستوى الشعبي، سوف نبقى في حالة من التخبط والعشوائية التي هي الأساس في أن تسقط بيزنطية كل يوم والبيزنطيون غارقون في خلافاتهم وعصبياتهم وأوهامهم، ويوجِّهون الشتيمة إلى قوى الاستعمار والاستغلال، متهمينها بأنها تحول بينها وبين التقدم والرقي والحضارة!!!

*كيف تنظر إلى العلاقة بين واقع الثقافة العربية والعولمة؟ وما هي أسباب القصور في الثقافة العربية التي تحول دون مخاطبة العالم الغربي؟
-إن الثقافة العربية هي كعك من عجين المنهج المعرفي الذي تستند إليه. وللعبور إلى المنهج المعرفي الصحيح لا بُدَّ من تأسيس حركة نقدية فكرية على شتى المستويات. وهي الانتقال من تكديس المعارف إلى إنتاجها. فالحركة الثقافية العربية، هي حالة من التكديس الثقافي؛ ولم ترتق حتى الآن- إلى مؤسسة فكرية إنتاجية لها خصوصيات قومية تستفيد من مناهج الآخرين.
إن الثقافة العربية حركة مستهلكة، سواء من الموروث أو من المستورد. وهي لم تتجرأ حتى الآن- على نقد الموروث إما لعجزها عن النقد أو لخوفها ممن صنَّموه؛ وهي قاصرة عن نقد المستورد لانبهارها بنتائجه على حركة المجتمعات التي أنتجته قبل تصديره. والاستناد إلى حركة نقدية للموروث، والحضارة العربية مليئة بالموروث الذي نعتز به، كما هي مليئة بالموروث الواجب نقده والخروج من أسره، مسألة أساسية في حركة بناء معرفي سليم، لأن ما لا تنقده سيبقى ذا تأثير على الثقافة المتداولة.
لقد تفاعلت معظم الحركة الثقافية العربية بالبنى المعرفية العالمية ذات الاتجاهات في العولمة السائدة، كما بناها خدَّام العولمة بمضامينها الاقتصادية، وراحوا يبثُّون تلك الثقافة من خلال امتلاكهم لمعظم وسائل الإعلام والتثقيف. بينما بقيت الأقلية، التي تنشد التغيير، قاصرة -وفي أكثر الأحيان- لأسباب موضوعية، عن مواجهة ضخامة القوى التي تنشر فكر العولمة الاقتصادية وتروِّج له.
بيروت المشاهد السياسي
***

ليست هناك تعليقات: