حسن خليل غريب
من
ثوابتنا:
منحازون
للشعب ضد الأنظمة الديكتاتورية
ومنحازون
للدولة ضد التدخلات الأجنبية
خشية
من التباسات قد تحصل، وهي تحصل فعلاً، هنا لا بُدَّ من الإشارة إلى حقيقة لا يجب
إغفالها أيضاً، هو أن المتحاورين يختزلون الحوار بين الأسود والأبيض، وهذا خطأ لا
يؤشر على وجود ثقافة ديموقراطية عند من يطالبون بإسقاط الأنظمة الديكتاتورية، ويصح
بهم القول: مثقف يداوي الناس بالديموقراطية وهو عليل. وعلى قاعدة (إن موقفي صواب
حتى يثبت خطؤه، ورأيك خطأ حتى يثبت صوابه)، يعني وجوب الانطلاق بالحوار من مبدأ
ديموقراطي سليم يقول: إن الرأي والرأي الآخر يحتملان الصواب والخطأ. ومن هذا
المنطلق وعلى مبادئه سيكون إسهامي في تحليل مسألة (الحراك الشعبي العربي) لعلَّه
يضيف جهداً فكرياً مطلوباً تعميقه باستمرار يساعد على بناء رؤية نظرية لثقافة عربية
مستقبلية.
عود
على بدء السجال الدائر بين مجموعات من الكُتَّاب والقوى والأحزاب والحركات
السياسية، نعيد تصنيف المواقف المتضاربة عن مستقبل الحراك الشعبي، نتائجه وآفاقه،
على الشكل التالي:
-فريق يعتبره حراكاً مطلبياً وإصلاحياً تدور فصوله بين الشعب
والنظام، بين الديموقراطية والديكتاتورية، وهذا الفريق يؤيد استمرار الحراك حتى
يبلغ نتائجه بإسقاط الأنظمة، مهما كانت المبررات والنتائج بحيث يعتبر أن الأنظمة
هي التي أعطت المبررات لأي تدخل.
-فريق يُطالب بإيقافه إلى حين، لكشف الغطاء عن الأدوات المضادة
للثورة، تحديداً منها تلك التي تسلَّلت بدعم من قوى أجنبية، لأن التدخل الأجنبي
أصبح اللاعب الأساسي في قيادة هذا الحراك، وهو يقطف نتائجه شيئاً فشيئاً. وبحساب
الخسائر والأرباح يرى هذا الفريق أن الرابح الأكبر من الحراك سيكون الأجنبي الذي
يفصِّل مفاهيم الديموقراطية والديكتاتورية على مقاييس مصالحه، وهو سيعيد إنتاج
أنظمة ديكتاتورية جديدة مغلَّفة بقشور ديموقراطية تستجيب لمصالحه وإملاءاته.
-فريق يقف في الوسط يؤيد استمرار هذا الحراك طالما ظلَّت وسائله
قائمة على قواعد المواجهة الداخلية. لكنه ينتظر البراهين على حصول تدخل أجنبي،
ومتى ثبت الأمر يعلن أنه سيقف ضد هذا التدخل. ولكنه لا يحدد الوسيلة التي سيواجهه
بها. وربما تظلُّ مواقفه مُكبَّلة باللون الرمادي.
أما
الفريق الأول، متناسياً أن للتدخل الأجنبي (قرص في كل عرس عربي)، وهو لا يفوِّت
فرصة للتدخل حتى يقطف حصته إذا لم يستأثر بالحصة كلها. فقد اعتبر هذا الفريق أن
الصراع نظيف من أي تلوث تلحقه به عوامل الثورة المضادة، وخاصة تلك العوامل التي هي
من صنع الأجنبي وإعداده. وبمثل هذا الموقف يكون هذا الفريق قد أسر نفسه في أسباب
منقوصة، وبمثله ستكون النتائج منقوصة أيضاً، بل ستكون أقل بكثير من المطلوب هذا
إذا لم تستولي عوامل الثورة المضادة الأجنبية على كل محاصيل الحراك الشعبي ولن
تترك منها للشعب إلاَّ القشور التي وإن حققت بعض المكاسب فإنها لن تغني من جوع،
ولن تروي من عطش، ولن تعالج من مرض، ولن تضيء شمعة تكسح العتمة.... وباختصار ستعيد
إنتاج ديكتاتوريات جديدة، كما حصل في العراق وليبيا، وكما هو منتظر حصوله في تونس
ومصر واليمن.
وكما
نحسب نحن، نعتبر أن موقف هذا الفريق نابع من دافعين:
-دافع الرؤية القطرية التي لا ترى الصراع إلاَّ بعين
المصلحة القطرية التي تعني أن الحراك الشعبي لا يرى أكثر من نتائج تعود عليه ببعض
المكاسب حتى ولو قطفت منها أي جهة ما يحلو لها ويطيب.
-ودافع الخلاص من عنت الديكتاتورية وظلمها وجرائمها. هذا
الدافع الذي لا يرى من نتائج أكثر من أنه قطف هدف إسقاط الديكتاتور غافلاً عن أن
التدخل الأجنبي سيُنتج ديكتاتوريات أخرى يغلِّفها بقشور ديموقراطية شكلية.
وأما
الفريق الذي يقف في الوسط، الذي أعلن أنه ضد التدخل الأجنبي، لكن إذا ثبتت لديه
رؤية هلاله. ويبدو من مراقبة المتغيرات أنَّ بعض الواقفين في الوسط أخذوا يتلمسون
بعض مظاهر التدخل ولكن لم تثبت لديهم رؤيته بشكل واضح. لذلك ظلَّت مواقفهم رمادية
اللون، بمعنى أنهم أبقوا رجلاً في حقل رفض الديكتاتورية لأنها غلت في قمعها وقهرها
وسرقاتها، ورجلاً أخرى في حقل تأييد الحراك الشعبي لأحقية مطالبه، إلاَّ أنهم
أغفلوا حتى الآن مبدأ (إن الثورة بنتائجها). ونتائج الثورة يجب أن تصب في مصلحة
الشعب، ومتى أخذت طريقها للسرقة من قبل قوى (الثورة المضادة) فيعني ذلك أنها أصبحت
بمثابة (الثورة المسروقة). وهنا يقع التساؤل التالي: عندما يتأكَّد للمراقب أو
المشارك الموضوعي أن تضحيات الشعب يتم توظيفها لغير مصلحة الشعب، ماذا يبقى من
شروط ومبادئ الثورة؟
كل
هذا يعني أن هناك خللاً ما في فهم ما يجري؟ وهذا الخلل تعود أسبابه إلى عدم الوضوح
في رؤية المتغيرات على سطح الأحداث وفي جوهرها. والخلل في الرؤية تعود أسبابه إلى
جهل أو تجاهل إلى حجم الثقل الذي وضعته قوى الثورة المضادة لسرقة تلك الثورات،
خاصة أن تلك القوى تسللت تحت شعارات وأهداف شعبية، الأمر الذي ضلَّل الكثيرين
ودفعهم إلى تأييد استمرار الحراك الشعبي لأنها كما يحسبون فرصة لن تتكرر كل يوم.
وأما
السبب الذي يجعل من ألوان هذا الموقف رمادية، وإذا كانت قد اقتربت من تغليب ثنائية
الصراع بين (الدولة والتدخل الأجنبي)، فيعود إلاَّ أنها لم ترتق إلى مستوى الحدث.
وأما
الفريق، الذي تحققت لديه رؤية هلال التدخل الأجنبي، فيرى أن نتائج الحراك الشعبي
في بعض الأقطار لم تتجاوز حدود إسقاط الأشخاص بينما نهج الأنظمة الساقطة ظلَّ
مستمراً بأشكال وألوان أخرى، بل جُدِّد لها بوسائل عديدة من التمويه. وإن قطفت
الجماهير في بعض الأقطار بعض نتائج الحراك، كانتزاع عدد من المكاسب الديموقراطية،
إلاَّ أن نتائج الحراك في أقطار أخرى استبدلت ديكتاتورية الأنظمة بديكتاتورية
البدائل، زائدة إمساكاً أجنبياً شديداً للمؤسسات في الأنظمة الجديدة.
وبعد
أن نستثني من دعوتنا للحوار كل الذين حددوا مواقفهم مما يجري على قواعد قطرية
وثأرية؛ ربما، بعد مرور أكثر من سنة على بدء الحراك، نستطيع القول إن ما يفصل بين
الموقفين الآخرين هو ثبوت رؤية هلال التدخل الأجنبي أم عدم ثبوتها. ومن أجل متابعة
الحوار على تلك القاعدة سنحاول بما نستطيع أن نوحد مصطلح (ماذا نعني بالتدخل
الأجنبي). وسنعرض معالمه ووسائله وأهدافه ونتائجه، على أن يبقى تعريفنا لهذا
المصطلح مفتوحاً لكل إضافة ممن سيقومون ببذل الجهد في سبيل هذه المهمة الفكرية.
التدخل
الأجنبي بمفهومه التقليدي كان ينقسم إلى مظهرين:
-الاحتلال العسكري: كما حصل في فلسطين
والعراق.
-الاحتواء السياسي: أي أن يحكم الأجنبي من
خلال وسائط محلية تطبق مناهجه في الهيمنة على القرارات السيادية للدولة، وفي
المقابل توفر القوى الأجنبية حماية للوسائط طالما ظلَّت مُذعِنَة لإملاءاتها.
وتختزن تلك القوى بدائل داخلية لتلك الوسائط لتكون جاهزة للحلول مكان سابقاتها في
ظروف ولأسباب تحددها. وهذا ما هو حاصل في ممالك وإمارات الخليج العربي التي يظهر
أنها ما تزال أمينة بإذعانها. وهذا ما حصل لنظامي بن علي وحسني مبارك في كل من
تونس ومصر.
باستثناء
مرحلة الحكم بقطبية واحدة، التي ملأت الفراغ الأمني بعد انهيار الحكم السوفياتي،
لم يكن هناك أي تدخل أجنبي في الوطن العربي بشكل مباشر. وعندما كانت تتضارب مصالح
القطبيتين السوفياتية والأميركية بالتسابق على حيازة مناطق النفوذ، كانت تسود
مرحلة الحروب بالواسطة، تجنباً لمخاطر نزاع دولي لن تكون أدواته أقل من الصواريخ
العابرة للقارات المحملة برؤوس نووية.
بدا
في مرحلة القطبية الواحدة وكأن حكم العالم أصبح في متناول الولايات المتحدة
الأميركية، فقامت بسلسلة من الخطوات العسكرية التي كان من أهدافها منع تكوين كتلة
دولية من التشكل من جديد، وكان من أهمها الحرب في أفغانستان، وافتعال حروب البلقان
وتقسيمه، وأخيراً كان احتلال العراق. والتعاطف مع ثورتيْ تونس ومصر من أجل الحد من
أهداف الثورتين، وإيقافها عند حدود تبديل أشخاص بأشخاص، ولكي تضمن ذلك كان لا
بُدَّ من ملء الفراغ الجغرافي الليبي الفاصل بين القطرين التونسي والمصري، وذلك
باحتلاله بالواسطة، ليبيا التي إذا بقيت محكومة بمزاجية رجل كالقذافي ستبقى أرضية
المحافظة على (نهج حكم) بن علي ومبارك مهتزة، وقد تتعرض لإرباكات يعتبر الغرب أنه
بغنى عنها. فكان لا بُدَّ من سد الفراغ بالاستيلاء على ليبيا عبرإسقاط نظام
القذافي. فنفَّذت خطتها تحت سقف قرارات دولية، كانت روسيا ممن أسهمت فيها. وكان
قناعها ممن زعموا أنهم من المعارضة الليبية.
وسائل
أخرى للتدخل الأجنبي غير القوة العسكرية:
لقد
كان التدخل الأجنبي غير التقليدي ماثلاً في الأنموذج الليبي، ولهذا الأنموذج في
التدخل أصول في الاستراتيجية الأميركية، تلك الأصول التي بدأ الكشف عنها مباشرة
بعد احتلال بغداد، وأخذت طريقها للعلن تحت سؤال استراتيجي: (ماذا بعد العراق؟).
كان
مخطط احتلال العراق يُعتبر بمثابة كسح الألغام أمام إتمام المشروع الاستراتيجي في
حكم العالم بقطبية أميركية واحدة، خاصة أن النظام الوطني في العراق كان يُعتبر آخر
حصون الحركة العربية الثورية، ويؤدي إسقاطه،
كما يعتبر واضعو المخطط، إلى موجة تغييرات ديموقراطية في الشرق الاوسط. وعن ذلك أشارت التقارير الصحفية، بتاريخ 12/
4/ 2003، إلى أن خبراء الاستراتيجيا الأميركيين يرون أن تغيير النظام في بغداد ينبغي أن يفسح
لعملية «اعادة ترتيب» في هذه المنطقة، تمزج ما بين إحلال الديموقراطية والتحديث الاجتماعي واستئصال الارهاب ودعم المصالح
الاميركية وضمان أمن (إسرائيل).
وبحسب نظرية معروفة بنظرية «الدومينو الديموقراطي» أشار مساعد وزير الدفاع
الأميركي بول ولفوويتز ومساعد وزير الخارجية جون بولتن، وهما من المنظرين لهذه
العقيدة، بشكل واضح أخيراً إلى أن طموحات واشنطن لن تتوقف عند بغداد، وإن كان
استخدام القوة المسلحة غير
مطروح بالضرورة بالنسبة لدول أخرى.
لم تكد
الولايات المتحدة الأميركية تنجز احتلال بغداد في التاسع من نيسان 2003، حتى راح
المسؤولون فيها يكشفون أوراقهم، وكانت تلك الأوراق تشير إلى ما يشبه التبشير
بـ(ربيع عربي)، تحت مسمى عملية «إعادة ترتيب» المنطقة بأهداف (تمزج ما بين إحلال الديموقراطية والتحديث
الاجتماعي)... وبوسائل ليست بالضرورة عسكرية كما أشار بول وولفويتز. ووقائع تلك الإعلانات
المتواصلة التي تسابق رجالات البيت الأبيض للتصريح بها، كانت تمهيداً واضحاً لاستئناف
(الربيع الأميركي في العراق) وتعميمه على أقطار عربية أخرى، ولكن استكمال هذا
(الربيع) غير قائم على وسيلة «الصدمة والترويع» العسكرية، بل بوسائل أخرى لم يكشف
عنها المسؤولون بوضوح، فتُركت إلى استنتاج (اللبيب) الذي من الإشارة يفهم.
والإعلان
المبكر عن تنفيذ (الربيع العربي) القائم على تعميم مبادئ الديموقراطية في الوطن
العربي بعد احتلال العراق، كان مرسوماً له أن يأخذ طريقه للتنفيذ مباشرة، لولا
المقاومة العراقية التي أعاقت استكمال احتلال العراق، وأغرقت جنازيرها في رماله،
السبب الذي أرغم الإدارة الأميركية على تأجيل نشر مشروعها، ولكن التأجيل عندها لا
يعني إلغاءه.
واضح
أن ما يقصده المشروع الأميركي من «الدومينو الديموقراطي» هو إخضاع الوطن العربي
للهيمنة الأميركية تحت شعارات برَّاقة تجذب الإنسان العربي (المعذَّب). وتحت
شعارات هذه النظرية تم احتلال العراق بالقوة العسكرية. وإذا كان احتلال العراق
بالشكل الهمجي الذي تم فيه يشكِّل فزَّاعة لأقطار الأمة العربية، وإعلانه عن
استكمال مشروع الإخضاع والاستيلاء على أقطار عربية أخرى بوسائل غير عسكرية، يعني
أن الأهداف واحدة ولكن الوسائل متنوعة، أي أن من لم يخضع بالحوار فالسيف سيكون دواءه.
وتلك
النظرية تؤكد أن التدخل الأجنبي في شؤون الأقطار العربية مسألة مخطط لها، وهي ليست
تخميناً أو استنتاجاً. وإن شعاراته ليست تخميناً أيضاً، بل هي غاية في الوضوح.
وإذا كان قد مضى عشر سنوات تقريباً على إعلانها تحت مسمى «الدومينو الديموقراطي»
فعلى ذاكرة المثقف والمفكر أن لا تنسى. وخلاصة نرى أنه لا يجوز تحليل واقع الحراك
العربي الراهن من دون الحقائق التالية:
-إن التدخل الأجنبي حقيقة نظرية واضحة وليست محلاً للجدل.
-وشعاراته الشعبية الجاذبة في الديموقراطية والتحديث الاجتماعي واضحة
أيضاً.
-ووسائله تتراوح بين التدخل العسكري المباشر مروراً بالتدخل
العسكري غير المباشر انتهاء بوسائل الاحتواء السياسي. ولكل حالة وسيلتها.
أننا
في كل مرة نسهم في الإضاءة على الحراك العربي نتذكر ثابتين اثنين، لكي لا يُساء
فهمنا، وهما: الانحياز للشعب ضد الأنظمة الديكتاتورية. والانحياز للدولة ضد
التدخلات الأجنبية. وإنه حيثما تصب نتائج الحراك الشعبي في مصلحة التدخل الأجنبي
نرى أن مواجهة هذا التدخل لها أولوية تسبق أي مواجهة أخرى.
وبناء
عليه، وقبل تحديد وسائل التدخل الأجنبي، نرى أنه من الواجب التمييز بين التدخل
لأغراض إنسانية والتدخل لأغراض سياسية:
أولاً:
التدخل لأغراض سياسية:
حذَّرت
العلاقات الدولية من استخدام مبدأين يمسان بسيادة الدول، وهما:
1-مبدأ
عدم
التدخل في شؤون الدول الداخلية، وهو مشتق من مبدأ السيادة الذي يمنع تدخل دولة في
الشؤون الداخلية لدولة
أخرى، ويعد انتهاكاً لسيادتها، ويمس باستقرار النظام الدولي. وقد تضمن ميثاق الأمم
المتحدة هذا المبدأ، حيث تنص
المادة
02 فقرة 7 منه على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يسمح للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي
تكون من صميم السلطات الداخلية لدولة ما».
2-مبدأ
حظر استخدام القوة
في العلاقات الدولية، والذي أشارت إليه المادة 2 فقرة 4 من الميثاق الاممي : «...
يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو
الاستقلال السياسي لأية
دولة».
ثانياً:
التدخل لأغراض إنسانية:
هناك مفهومان للتدخل الانساني:
1-بمفهومه
الضيق يشير إلى كل تدخل يستلزم تنفيذه استخدام القوة المسلحة.
2-في حين يعني المفهوم الأوسع
التدخل باستعمال وسائل أخرى غير القوة المسلحة، مثل استخدام الوسائل السياسية (كالضغط السياسي) أو الوسائل
الاقتصادية (كالحصار الاقتصادي) والوسائل الدبلوماسية (تجميد العلاقات الدبلوماسية صراحة أو ضمنياً).
وإذا
كانت مبادئ الأمم المتحدة قد أجازت التدخل لأسباب إنسانية، فعلى أساس أن تكون
الجهة التي تستخدم هذه الإجازة غير منحازة لأغراض سياسية.
التدخل
الأجنبي في الحراك الشعبي العربي الراهن: وسائل ووقائع:
بداية
نرى أن أي تدخل غير عربي فهو أجنبي، والتدخل الأجنبي يشمل كل تدخل عربي يشكل واجهة
لأهداف ووسائل أجنبية. ومن الخطأ الشائع أن نبرر تدخلاً آتياً من الشرق بحجة
مواجهة التدخل الآتي من الغرب، والعكس صحيح أيضاً.
إذا
كان «مشروع الشرق الأوسط الجديد» حقيقة استراتيجية يعمل الغرب، بقيادة الولايات
المتحدة الأميركية، على تنفيذها.
وإذا
كان مشروع «الدومينو الديموقراطي» الذي شقَّ طريقه إلى العلن بعد احتلال العراق
مباشرة.
وإذا
كانت مظاهر الإثنين معاً بارزة فوق الطاولة وليس تحتها، وتبرز في أهم الوقائع
التالية:
1-تعميم الحروب الأهلية.
2-شعارات نشر الديموقراطية تلقى رواجاً واسعاً في
كل تصريحات المسؤولين الغربيين، وهي تحاكي تماماً نظرية «الدومينو الديموقراطي».
3-تقديم المساعدات والدعم المالي والعسكري
والإعلامي للقوى والشخصيات التي أثبتت ولاءها للغرب قائم على قدم وساق، وتحتل
واجهة أي حراك شعبي في أي قطر عربي، و... و...
4-استخدام وسائل الحصار الاقتصادي والسياسي
والدبلوماسي، كوسيلة سياسية تحت غطاء «التدخل الإنساني».
5-استخدام الأنظمة المسكوت عن ديكتاتوريتها داعية
لنشر الديموقراطية في الأنظمة التي لا تفوقها في مستوى القمع والتجويع.
وإذا
كان التدخل الأجنبي تحت مبدأ إنساني، تزعم الدول الأجنبية أنه تدخل لـ(حماية
المدنيين) أصبح سمة بارزة، وصفة مرافقة لكل قرارتهم الصادرة عن مجلس الأمن الدولي،
أفلا يدعونا إلى التساؤل والشك بأهداف تقديم كل أنواع الدعم واعتبارها مشبوهة، ليس
لأي سبب إلاَّ لأن مصدرها مشبوه النوايا والأهداف؟
هل
يبقى هناك مجال للشك في أن تدخلاً أجنبياً قائماً على قدم وساق هو واقع حقيقي؟
وإذا
كانت الأنظمة الرسمية تستخدم (فزَّاعة المؤامرة) وسيلة لاتهام المعارضة بـ(اللا وطنية)، فهل تلغي
حقيقة وجود (المؤامرة)؟
وهل
يُعتبر الإتيان ببراهين أكثر على وجود تدخل أجنبي مشبوه مُداناً بتهمة الوقوف ضد
إرادة الشعب، وإرادة الجماهير الثائرة؟
وهل
يُعتبر التحذير من سرقة الثورات ممالأة للأنظمة الرسمية؟
وهل
ربط ضرورة وجود الربان للحفاظ على سلامة اتجاهات السفينة هو استخفاف بالشعب
والجماهير؟
كلها
أسئلة وهواجس، إذا لم تكن أجوبتها الموضوعية ماثلة، على الأقل، في أذهان المفكرين
والمثقفين، والأحزاب السياسية العقيدية، فعبثاً نستفيد من دروس الحاضر والماضي من
أجل بناء أنظومة فكرية نظرية تسهم في بناء معرفي قومي عربي يرفد الأجيال القادمة
بأسس معرفية، كما يسهم في رفد المعرفة الإنسانية التي قد تتعرض شعوبها لتجربة مماثلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق