-->
غنائية
للأسير العراقي الصامد
وبكائية
على الضمير الذي أشاح بوجهه خجلاً منهم
أقانوناً أحكي قصة الأسير العراقي، أم أحكيها تشريعاً
وأحكاما؟
أأبكي مأساته أم أعتزُّ بصموده؟
أأرثيه شهيداً وهو القابع في الزنازين حيَّاً يُرزق؟
أأبكيه وهو رابط الجأش يتحدى جلاديه وراء القضبان؟
أأروي لنفسي حكايته التي ملأت التاريخ؟
أأشدُّ من أزره وهو الذي علمني كيف يُشدُّ أزر
المناضلين؟
قصتي مع الأسير العراقي قصة من يتعلَّم، وليست قصة الذي
يُعلِّم.
لن أرويها قانوناً ولا تشريعاً وأحكاماً، لأن القانون قد
مات من كثرة ما رددنا بنوده وفقراته. فالقانون أسير آخر من أسرى الاحتلال وعملاء
الاحتلال.
ولكني سأرويها ليسجلها التاريخ من أجل أطفال أمتي الذين
ولدوا ولم يسمعوا عنها شيئاً. وسأرويها لأطفال أمتي الذين لم يُولدوا كي يرووها
لأطفالهم كل يوم.
سأرويها لأطفال أمتي، ليرووها لأطفالهم كلما عاث مستهتر
بقوانين العالم وتشريعاته فساداً ودوساً للقيم الإنسانية. بلى سأرويها لهم لأقول
إن الأسير العراقي ظلَّ ضميرنا الحي الذي أبى أن تُداس كرامة أمته. بلى ظلَّ
ضميرنا بعد أن مات الضمير عند الكثيرين. ظلَّ ضميرنا الحي الذي أراد الكثيرون من
أبناء جلدتنا أن يميتوه ليستر على صمتهم وخنوعهم.
لن أبكي مأساة الأسير العراقي، بل سأغني صموده، وأغني
إباءه في وقت عزَّ فيه الأباة. سأغني للأسير العراقي، لتسمع أغنيتي كل البواكي
والنادبات أننا قوم لم نولد لنبكي، بل وُلدنا لنغني الكرامة والعنفوان، نغني من
أجل الكرامة حتى ولو كنا خلف قضبان تحجب النور عن عيوننا.
ولكنني سأبكي من هم خارج القضبان، فالمأساة تكمن فيهم،
لأن ضميرهم قد مات.
سأبكي من هم خارج القضبان لأنهم لم يتجاهلوا كرامتهم
التي داسها أعتى المجرمين في التاريخ الحديث والمعاصر فحسب، بل لأنهم أيضاً أشاحوا
بضمائرهم وأعينهم وأقفلوا آذانهم لكي لا يروا ولا يسمعوا أن في سجون الاحتلال
الأميركي، ووريثه الاحتلال الفارسي، أسرى من الأباة والجبابرة من الذين رفضوا أن
يبيعوا وطنهم ليبقيهم خارج القضبان. رفضوا لأنهم يعرفون أن خارج القضبان سجن آخر،
يُهانون فيه وهم في مخادع نومهم، وفي الشارع الذين يسلكونه كل يوم، وفي مراكز
أعمالهم، حيث هنا أو هناك تكمم أفواههم وتُلجم ألسنتهم وتُغطى عيونهم، ويُؤمَرون
فيطيعوا، ويُهانون فيُطأطئوا الرؤوس خانعين.
لذا، سأغني للأسير العراقي القابع وراء قضبان السجون
رافضاً الخضوع والخنوع والسكوت عن الاحتلال وعملائه الذين يدوسون كرامته الوطنية
والشخصية.
ولذا، سأبكي من أجل من أماتوا الضمير فيهم وأغمضوا
العيون ولجموا الألسنة وأقفلوا القلوب وخافوا حتى من إضمار (كلمة حق تُقالُ) في
وجه محتل مخاتل آثم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق