الثلاثاء، ديسمبر 18، 2012

أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (4/ 5)


أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
(4/ 5)
الحلقة الرابعة:
حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام) لمؤلفه حسن خليل غريب، المنشور في العام 1999، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهما:
أولاً: التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات: 
-الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
-الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
-الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
ثانياً:  القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي:
-الحلقة الرابعة: حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
-الحلقة الخامسة:  إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة

III     - حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
إذا لم تكن الرؤى حول المقدَّس موحَّدَة، فهي لن تكون مُوحِّدَة. فالأولى بالمقدَّس أن يكون، بل يجب أن يكون، بعيداً عن تعدد الآراء. وإلا فالنتيجة أن يصبح المقدَّس تائهاً عن الحقيقة، فتضيع قدسيته.
إن ما يصح على الوضعي ليس بالضرورة أن يصح على المقدَّس. فالوضعي هو من صنع البشر الذين يخطئون؛ أما المقدَّس فهو من صنع الله المتعالي عن الخطأ. فأين يقف المسلمون من النص القرآني المقدَّس؟
«إذا استثنينا وحدة الرؤية النظرية الإيمانية في الجوانب الماورائية والأخلاقية، نرى أن التمزَّق والتجزئة في الرؤى السياسية للأنظمة والحركات الإسلامية هي السمة السائدة؛ وقد تكون هذه الثنائية -وحدة إيمانية وتفتيت سياسي- نابعة من سكونية الحركة في فكر بعض الأصوليين الإسلاميين عندما تشرنقوا في داخل الدوائر التي حسبوا فيها أنهم امتلكوا الحقيقة المطلقة دون غيرهم، فأغلقوا الأبواب في وجه عقيدتهم في ثنائيات لا تقبل الجدل والتفاعل».
يحول دون وحدة الدولة الإسلامية، أو قيام نظام سياسي إسلامي موَحَّد، عدد من الإشكاليات التي استعصت على الحل منذ بدء الخلاف الديني-السياسي في عهد الخلافة الراشدة حتى عصرنا الراهن. ويدل عدم إمكانية بناء دولة إسلامية واحدة ذات قواعد سياسية واحدة، مُتَّفَق عليها من مختلف التيارات والمذاهب الإسلامية-وعلى الرغم من النوايا الصادقة للكثير من علماء الدين المسلمين، وعلى الرغم من الخطاب السياسي الإسلامي المُعلَن المملوء بالأمل- على عمق التناقضات التي تحكم علاقة المذاهب والفرق الإسلامية فيما بينها.
إن حلمنا الجميل بالوحدة الإسلامية -دولة واحدة وقانوناً مُوَحَّداً- لم تُثبت فعاليته وإمكانية حصوله القرون المديدة من عمر الدعوة الإسلامية. ولما جاء القرن 19م =13هـ حمل معه آمالاً جديدة بالإحياء الإسلامي عبر اتجاهات جديدة لعدد من العلماء المسلمين، أرادوا منها الوصول لوحدة سياسية إسلامية تقي الأمة غوائل التخلف والقهر والتجزئة. وقد شهدت أوائل القرن20م ولادة تيارات إسلامية رفعت مبادئ، حسبت من خلالها أنها تحدد مساراً صالحاً لبناء نظام سياسي إسلامي يحقق الأحلام المنشودة-المفقودة. وعلى الرغم من كل ذلك، وبإضافة نوايا جديدة إلى تجربة طويلة لم تثبت نجاحها، لم يولّد حتى الآن أمل يؤشِّر على وجود نقاط اتفاق أو مسوَّدة مشروع اتفاق جدِّي تجمع شمل المسلمين بمذاهبهم الإسلامية المتشعِّبة؛ ويحول دون ذلك-كما نحسب-إشكاليات كثيرة سنحاول الإلمام بما نستطيع أن نُلِمَّ به منها:
1 - هل يمكن تأسيس مرجعية دينية إسلامية مركزيـة مُلزِمـة؟
تُعَدُّ من البديهيات أن أية دعوة تستهدف تنظيم شؤون المجتمعات وتوحيدها، ولكنها لا تمتلك مرجعية مركزية فكرية أو سياسية تشكِّل الحَكَم الفيصل في الخلافات والاجتهادات والآراء، سوف تُبنى على أساس مهتزٍّ تتقاذفه عوامل التمزق والتفتيت؛ ويصبح الأمر التنظيمي والتوحيدي أكثر صعوبة وأكثر استحالة، ومظاهر التفتيت والتجزئة أكثر بروزاً، إذا كانت تعددية الآراء مبنية على ما يسمى بالقاعدة القدسية فيتحول الأمر، بدلاً من الوحدة، إلى نصوص مقدَّسة أو مُلوَّنة بصبغة القداسة تواجه نصوصاً أخرى مقدّسة أو ملوَّنة بصبغة القداسة تتناقض معها إلى الحدود التي لن تتنازل فيها إحداهما عن قدسياتها للأخرى. فكيف يتم ذلك؟
أ لم يكن النص الديني الإسلامي واضحاً أو جامعاً أو مانعاً لكي يغني بذاته عن أي تفسير أو تأويل. لهذا كثُرَت الاجتهادات المستندة إليه؛ ولأنه يُعّدُّ نصاً مقدساً أسبغت كل فرقة إسلامية صفة القدسية على اجتهاداتها الخاصة؛ فغابت المرجعية المركزية، سواء منها النخبوية أو الشعبية، وحسب كل تيار اجتهادي أنه يمتلك الحقيقة المقدَّسة بمفرده. فارتفعت السدود بين التيارات، وتشكَّلت المذاهب، وأصبح كل مذهب يحسب نفسه أنه الفرقة الوحيدة الناجية من النار.
2 - هل يمكن الاتفاق حول هُوِّيَة النظام السياسي للدولة الإسلامية؟
لأن الخلاف التاريخي حول هوية النظام السياسي، بين شتى الفرق الإسلامية، ما زال قائماً حتى الآن، كان لا بُدَّ من أن نَعِدَّه من أهم الإشكاليات التي تُعِيقُ أية وحدة إسلامية. ولهذا رأينا أن نوليه أهمية خاصة في هذا البحث:
اتَّفق أهل السُنَّة والمرجئة والمعتزلة والشيعة والخوارج، ما عدا النجدات منهم، على وجوب الإمامة؛ وعلى الأمة فرض واجب الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله، ويسوس المسلمين بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله.
ثم اتَّفق هؤلاء على أنه لا يجوز مبايعة إمامين في وقت واحد، ولا تجوز إلا إمامة واحدة؛ واستندوا في ذلك على قول للرسول: «إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما».
يحدد الخوارج صلاح من تتوفر فيه شروط الإمامة، بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه. و«جوَّزوا أن تكون الإمامة في غير قريش؛ وكل من نصَّبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثَّلوا له من العدل واجتناب الجور كان إماماً… وجوَّزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلاً. وإن احتِيج إليه فيجوز أن يكون عبداً أو حراً أو نبطياً أو قرشياً».
4 - حديث الفرقة الناجية من النار أصل يقف عليه المسلمون-أنظمة وفرقاً وعلماء-طلباً للنجاة وحدهم.
يسود خطاب إسلامي مُعلَن-يصدر عن التيارات أو الفرق أو المفكرين أو العلماء أو الأنظمة- يدعو إلى بناء دولة الإسلام، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية -كأمر إلهي-وإلى توحيد الحركات الإسلامية في سبيل تحقيق هذا الأمر.
فإن اتَّفَق أصحاب هذا الخطاب على عمومية هذه الشعارات، فإنهم -عند الغوص في التفاصيل، أو في ما كان له علاقة بالخلاف التاريخي حول الإمامة/ الخلافة -يرون أنفسهم غارقين حتى الأذنين في بحر الخلافات.
يًعِدُّ البعض من الإسلاميين أن هذه الخلافات أنها تصب في مجرى التعددية في الآراء، وهو-كما يحسبون -أنها دليل صحة وعافية، وليست أبداً دليل مرض؛ ونحسب نحن أن الخلافات بين الإسلاميين لا يصب في مجرى التعددية لأن ما يُعطى من آراء واجتهادات فئوية أو مذهبية أو فرقية يُسبِغ عليها أصحابها الصفة القدسية والألوهية؛ وكل ما له صفة القدسي أو الإلهي يستند إلى نص مقدَّس، وفيه يحسب كل صاحب مذهب أنه أُعطِيَ دون غيره تأويل الوحي وتفسيره. ومن هنا تتوقف الحالة الحوارية-كإيجابية فكرية تعترف للآخر بحقه في إبداء الرأي-عند حائط مسدود يتراشق فيه أصحاب المذاهب الدينية بتهم التفسيق و التبديع والتكفير… وسنأخذ بعض النماذج عن بعض القضايا الأساسية لدراستها، ومقارنة المقدمات والنتائج:

أ - هل يلتقي نظامان إسلاميان في وحدة إسلامية سياسية وعقائدية؟

سنتناول، كعيِّنة للبحث، وضع نظامين إسلاميين: النظام الإسلامي في المملكة العربية السعودية (عقيدته المذهب الوهَّابي)، والنظام الإسلامي في الجمهورية الإيرانية و(عقيدته الشيعة الإمامية).
« المملكـة العربيـة السعوديـة: تأسست على قاعدة المذهب الوهابي الإسلامي، والملكي المتوارث، كقاعدة لنظام سياسي إسلامي. وهي على صلات مصيرية مع الولايات المتحدة منذ أواخر النصف الأول من القرن20م=أواخر القرن15هـ.
-ورد في المادة 6 من قانون المملكة الحجازية الأساسي، الصادر في العام (1926م =1344هـ)، ما يلي: «الأحكام تكون دواماً في المملكة الحجازية منطبقة على كتاب الله وسُنَّة رسولهr، وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح».
لا يعني استناد الأحكام في السعودية إلى الكتاب والسُنَّة أن النظام القائم على وفاق مع الفرق السُـنّيَّة الأخرى؛ بل يجري بين الطرفين: الوهابي والفرق السنية اتهامات واتهامات وصلت بالطرفين إلى حدود تكفير طرف للطرف الآخر.
يقول عبد الرحمن النجدي (من الوهابية): «على أن الحق لم يكن محصوراً في المذاهب الأربعة. ويقول عبد الله التركي (من الوهابية)عن الطائفة الناجية من النار أنها ليست سوى المملكة العربية السعودية، التي تبيَّن أنها «ليست في حاجة لأي فكر وافد، أو منهج من أي جماعة أو حزب، فقد أغناها الله بمنهج الإسلام وطريقة رسولهr عن أي منهج آخر». وهو لذلك ينصح شباب المملكة إلى أن يُؤهلوا أنفسهم لحمل الرسالة وفق ما تدين به وتسير عليه.
وفي المقابل يوجِّه عبد الله الهرري (من أهل السُنَّة والجماعة) انتقادات لاذعة للمذهب الوهابي، قائلاً في صاحب المذهب محمد بن عبد الوهاب، نقلاً عن والد محمد،إنه: «ليس من المبرِّزين بالفقه ولا بالحديث، إنما دعوته الشاذة شهرته، ثم أصحابه غلوا في محبته، فسموه شيخ الإسلام والمجدِّد، فتبَّاً لهم وله». ثم يتبع الهرري، في نهاية كتابه، بسردٍ عن ثلاثة وثمانين كتاباً، وهي بعض ما كُتِبَ في مثالب الوهابية وفي الرد عليها.
فإذا كانت الوهابية-المذهب الرسمي للملكة العربية السعودية-قد تعرضَّت إلى هجوم أهل السُنَّة، فإن مواقف الشيعة هو أوضح من أن يُذكَر.
-ورد في المادة 4 من مشروع دستور العام (1961م=1381هـ)، ما يلي: «عرش الدولة وراثي في ذرية المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، ويُنظِّم توارثه نظام خاص لا يجوز تعديله إلا بالطرق المقرَّرة لتعديل هذا النظام الأساسي».
كان الأمير عبد العزيز (ت في العام 1371هـ=1952م)، قد أحرز في العام (1345هـ=1926م) نصراً في الرياض، فأعلن منادٍ بأمر منه: «الله أكبر، الحكم لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعودي». وعلى إثرها أعلن والده عبد الرحمن تنازله عن الحكم لولده؛ فبايعه و تبعه الناس «فألقى على الأثر كلمة أكَّد فيها انه سيكون الحاكم المؤمن المخلص الذي يعمل لنشر كلمة التوحيد، ويقيم أحكام الدين، ويحارب البدع والخرافات».
« الجمهورية الإسلامية الإيرانية: تأسست في العام (1979م =1399هـ) على قاعدة نظام إسلامي إثني عشري؛ وجمهوري يستند إلى انتخاب رئيس للجمهورية بواسطة الشعب مباشرة؛ وإلى اختيار مرشد أعلى للجمهورية يُنتَخَب من مجلس يُسمَّى مجلس الخبراء. كما يقوم النظام-بشكل أساسي-على قاعدة عدائية مطلقة ضد أميركا بشكل خاص.
تطبِّق الجمهورية عقائد مذهب الشيعة الإثني عشرية، وركيزتها الكتاب والسُنَّة، لكن على قاعدة تفسير أئمة أهل بيت الرسول وتأويلهم لها.
يقول الخميني إنه لما امتنع المسلمون عن العمل بحديث الثقلين: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعثْرتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، وعندما عمدوا إلى إقصاء المفسرين الحقيقيين للقرآن، والمطَّلعين على «الحقائق، والآخذين جميع القرآن من النبي الأكرمr »، فإنهم «جعلوا من القرآن الكريم وسيلة (لإقامة) حكومات معادية للقرآن[و] أخرجوه من الساحة حتى كأنه قد فقد دوره في الهداية».
وإن هذه «الحكومات الخارجة على تعاليم الإسلام، المعلنة ارتباطها بالإسلام كذباً، عمدت من أجل محو القرآنإلى طبعه بخط أنيق وإرساله إلى الأطراف»، و«نرى أن الملك فهد [ملك المملكة العربية السعودية] ينفق سنوياً مبلغاً هائلاًلطبع القرآن الكريم،وللدعاية إلى المذهب المعادي للقرآن،ولنشر الوهابية،هذا المذهب المليء بالخزعبلات والخرافات».
يتابع الخميني، في إطار تحديد المذهب الذي على الجمهورية الإسلامية أن تتخذه: «نحن نفخر بأننا أتباع مذهب مؤسسه رسول الله بأمر من الله تعالى، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبنحن نفخر أن الأئمة المعصومينهم أئمتنا».
ثم يعلن عداءه الشديد «لأعداء الله تعالى والقرآن الكريم، والإسلام العزيزوعلى رأسهم أميركا». ويطلب من المسلمين أن يقتدوا بالأئمة، وأن «لا ينحرفوا قيد أنملة عن الفقه التقليدي الذي هو عطاء مدرسة الرسالة والإمامة سواء الأحكام الأولية منه أم الأحكام الثانويةوأن لا ]يسمعوا[ إلى أي وسواس خنَّاس معاند للحق والمذهب. وليعلموا أن أية خطوة منحرفة تشكل مقدمة لسقوط المذهب والأحكام الإسلامية، وحكومة العدل الإلهية».
لن يكتمل طريق الخلاص -في سبيل بناء الدولة الإسلامية- عبر تحديد وسائل بنائها، فحسب، وإنما وجوب كشف القناع عن الظالمين وعن الخارجين على الخط الصحيح يشكل الوجه الآخر للدعوة، أيضاً. وهنا يتابع الخميني قائلاً: «وتعلمون أن لعن بني أمية-لعنة الله عليهم-والحديث عن ظلمهم-مع أنهم انقرضوا وراحوا إلى جهنم-إنما هو صرخة بوجه ظَلَمة العالمومن اللازم أن تُذكَر في النياحة [في ذكرى عاشوراء] فجائع ظلم الظالمين في كل عصر وفي كل مصر. [ويأتي] في هذا العصرآل سعود خونة الحرم الإلهي- لعنة الله وملائكته ورسله عليهم- يجب أن يُذكَر ظلمهم بشكل قارع (مقرون) باللعن».
-أما شكل النظام السياسي لجمهورية إيران الإسلامية،فيستند إلى نظرية ولاية الفقيه -أي نائب الإمام المهدي المنتظر- في خلال الغيبة الكبرى.
ويحسب الخميني أن انتصار الثورة في إيران، وإقامة دولة إسلامية قد تحققت «بتأييد إلهي غيبي». وأن « الإسلام، والحكومة الإسلامية هي ظاهرة إلهية، يضمن تطبيقها سعادة الأفراد في الدنيا والآخرة على أعلى المستويات».
وإنه بالمقارنة بين نظامين إسلاميين، يستندان إلى الشريعة الإسلامية (الكتاب والسنة) كناظم وحيد لشؤونهما، فهل نرى أي منفذ نخلص منه للاستنتاج بإمكانية توحيدهما؟
يستند النظام السعودي إلى: الوهابية كمذهب إسلامي لا يمتلك قواسم مشتركة تذكر مع المذاهب الإسلامية الأخرى-ملك متوارث بين أفراد عائلة واحدة من الصعب تبديله- وإلى صداقة مع أميركا تصل إلى حد الرضوخ الكامل لإرادتها.
ويستند النظام الإيراني إلى: المذهب الشيعي الإثني عشري الذي لا يربطه مع المذهب الوهابي أدنى صلة مذهبية، وإلى خلافة قائمة على أساس نظرية الفقيه والتي تتناقض كلياً مع نهج الملكية المتوارثة في داخل عائلة واحدة- وإلى عداوة راسخة ضد أميركا.
ب - نصّ اجتهـادي يكـفِّر نصَّـاً اجتهاديـاً آخر.
لما كنا في فصول سابقة قد قمنا بمقارنات حول عقائد عدد من الفرق/ المذاهب الإسلامية -عبر التاريخ - وكانت نتائجها أن البعض يُكفِّر البعض الآخر، أو يصدر بحقه تهم التفسيق والتبديع. ولما كان لهذه المسألة علاقة مباشرة مع عصرنا الراهن، إننا نتساءل: هل استطاعت المذاهب أو التيارات العقائدية الإسلامية،في عصرنا الحالي،أن تتجاوز محنة التكفير/ الردة؟
ولأن موجة التمذهب واسعة شاسعة، اتِّساع رقعة المجتهدين/ العلماء، سنحاول-منهجياً- القيام بانتقاء بعض النماذج من الذين عبَّروا عن عقائد تياراتهم المذهبية، في ما له علاقة بتكفير أو تبديع عقائد المذاهب الأخرى في المنشورات المُعلَنة أو السرية. بعض تلك الكتابات نُشِرَ في العلن وبعضها وُزِّعَ في السر؛ والكثير الكثير منه ينتشر ثقافة شعبية بين منتسبي تلك المذاهب يقوم بتغذيتها فقهاء مجتهدون، أو معمَّمون ناقصو ثقافة ينقلون عن أسلافهم بدون وعي وتمحيص؛ أو متعصبون من العامة الناقصو وعي ومسؤولية، ويُحجِم القائمون بمثل هذا الدور عن نشر ما يتمُّ تداوله في الشارع المذهبي. ولن يستطيع أحد أن يسيطر على هذا الفلتان إذا لم يمتنع القائمون بأمر الحقن الثقافي، لعامة الشعب، عن إمداده بالتغذية المتواصلة.
لن يكون لنا من دور -في هذه الفقرة- غير أن ننقل بعض ما هو منشور في عدد من المصادر. وهذه بعضها:
« يكتب محمد التيجاني السماوي-كاتب مسلم معاصر كان سُنِّـيَّاً و تشيَّع-عن تجربته بين المذهبين، ويقول عن تجربته السابقة لتشيُّعِه: «نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة، وما عداها فليس من الإسلام في شيء». فقد «تعوَّدت على أن كلمة شيعة هي مسبَّة». وإن «الشيعة عندنا هم أشد على الإسلام من اليهود والنصارى، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى(ع)، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون علياً و يُقدِّسونه؛ ومنهم فرقة يعبدون الله، ولكنهم يُنزِلون علياً بمنزلة رسول الله؛ ورُوِيَت [عنهم] قصة جبريل كيف أنه خان الأمانة -حسب ما يقولون- وبدلاً من أداء الرسالة إلى علي أدَّاها إلى محمدr».
يقول السماوي إن علماء السعودية «خالفوا إجماع المسلمين بمذهبهم الجديد الذي ظهر في هذا القرن [20م]، وقد فتنوا المسلمين بهذا الاعتقاد، وكفَّروهم وأباحوا دماءهم». وقد «وجدت عندهم حقداً على الشيعة أكثر مما عندنا في تونس». وإنهم لا يوفِّرون من التكفير المذاهب الأخرى، وهنا يقول أحد مشايخ الوهابية عن احمد التيجاني -شيخ الطريقة الصوفية في تونس- الذي يقلِّدُه أعداد غفيرة من المسلمين في تونس إنه: «عميل للاستعمار الفرنسي».
وبعد أن أصبح السماوي شيعياً، على يدي المرجع الشيعي في النجف بحضور بعض الصبيان الشيعة، يقول: «تصورت أن عقول هؤلاء الصبيان أكبر من عقول أولئك المشايخ الذين قابلتهم في الأزهر، وأكبر من عقول علمائنـا الذين عرفتهم في تونس».
« سـعيد حـوَّى (عضو المكتب السياسي لأحد تيارات الإخوان المسلمين في سوريا) يقول في معرض انتقاده للخمينية: على عكس ما ادَّعى الخميني أن الثورة الإيرانية هي ثورة إسلامية «فإذا بالخميني هذا يتبنَّى كل العقائد الشاذة للتشيع عبر التاريخ؛ وإذا بالمواقف الخائنة للشذوذ الشيعي تظهر بالخميني وبالخمينية، فكانت نكسة كبيرة، وخيبة أمل خطيرة».
يتابع سعيد حوَّى: «جاءت الخمينية المارقة تحذو حذو أسلافها من حركات الغلّو والزندقة فتتظاهر بالإسلام قولاً، و تُبطِنُ جملة الشذوذ العقيدي والحركي [ويعيد] إلى واقع المسلمين كل نزعات الشر والدمار، التي جسَّدتها تلك الحركات المشبوهة الساقطة في شرك الكفر والزندقة والعصيانوهي تدق صباح مساء إسفيناً بعد إسفين في أركان الأمة الواحدةوتقيم فلسفتها جملة وتفصيلاً على قراءة منحرفة، قوامها التلفيق والتدليس لكل تاريخ المسلمين، فتأتي على رموزه وأكابر مؤسسيه هدماً وتشويهاً وتمويهاً».
« عبد الله الهرري المعروف بالحبشي -فقيه إسلامي معاصر- وُلِد في مدينة هرر الحبشية في العام 1920م= 1338هـ؛ أخذ بالفقه الشافعي، وأخذ الإجازة بالطريقة الصوفية الرفاعية، وبالطريقة الصوفية القادرية.
يقول الهرري -في كتيب له منشور- حول حزب التحرير الإسلامي -من أصحاب أهل السُنَّة والجماعة- ما يلي: «فقد ظهرت جماعة من الناس يُسَمَّون (حزب التحرير) يحرفون دين الله، وينشرون الأباطيلوقد أسَّس هذا الحزب رجلأدَّعى الاجتهاد وخاض في الدين بجهل، فوقع في التحريف والتكذيب لكتاب الله وسُنَّة رسولهr ». يقع هذا الحزب في التحريف -كما يحسب الهرري- بسبب ما قال به عن مسألة القضاء والقدر، وهنا ينقل الهرري نص القول الذي يذهب إليه الحزب: «وهذه الأفعال -أي أفعال الإنسان- لا دخل لها بالقضاءلأن الإنسان قام بها بإرادته واختيارهفتعليق المثوبة أو العقوبة بالهدى والضلال يدل على أن الهداية والضلال هما من فعل العبد وليسا من الله». فيقول الهرري ردَّاً على دعوى الحزب إن هذا الكلام مخالف للقرآن والحديث الصريح. ويتابع ردَّه قائلاً إنه رُوِيَ عن ابن عباس(ر) أنه قال: «إن كلام القدرية كفر»؛ وعن عمر بن عبد العزيز، والإمام مالك بن أنس، والأوزاعي: «إنهم يُستتابون فإن تابوا، وإلا قُتِلوا».
« يُسأَلُ شكـري مصطـفى (أمير جماعة التكفير والهجرة من الإخوان المسلمين): إن دعوت إنساناً بعينه إلى فكرك ومذهبك، ولم يدخل في ما دخلت فيه، هل تعطيه الحق في أن يستقل برأيه ليحاسبه الله على نيَّته واجتهاده، أم تحكم عليه بالكفر لهذا السبب وحده؟ فيُجيب: «بل أحكم عليه بالكفر لهذا السبب وحده، بل لا يوجد عندنا سبب للكفر غيره، وهو تكذيبه بآيات الله وسُنَّة رسوله القاطعة، والتي سقناها له آية تلو آية ودليلاً بعد دليل، والتي مضمونها حجة الله على عباده».


ليست هناك تعليقات: