المساومات الأميركية مع النظام الإيراني وحكومة
الاحتلال في العراق
عمليات تجميل للوجه الأكثر بشاعة لاحتواء
الثورة الشعبية العراقية
هربت
جيوش الولايات المتحدة الأميركية، وجيوش حليفاتها، من العراق تحت ضغط عائلات
الجنود الأميركيين بعد أن سحقهم الموت والجراح والأمراض النفسية، تحت ضربات المقاومة
العراقية، والتي ألحقت الدمار القاتل بميزانية أميركا. وعلى الرغم من ذلك، ظلَّت
عيون إدارة الرأسماليين، جمهوريين وديموقراطيين، شاخصة تجاه موقع العراق الاقتصادي
والجغرافي. وتأكَّد أن إدارة أوباما خرجت مهزومة من (بوابات العراق) لتعود إلى
التسلل من (شبابيكه).
وبعد
أن تسلل رجال (بازار النظام الإيراني) إلى العراق من بوابته الشرقية مستفيدين من
مظلة (الشيطان الأكبر) العسكرية، وأَنِسوا في أنفسهم قوة وهمية بعد هروب الجيوش
الأميركية، فامتلكوا أوراق قوة في العراق لم يكونوا ليحلموا بها على الإطلاق،
ولكنهم مارسوا أساليب (تاجر البازار الشاطر) فركبوا سفينة القراصنة الأميركيين
ليحققوا ما عجزوا عن تحقيقه بجيوش أحلامهم (الإلهية) في الحرب التي انتهت بهزيمتهم
في العام 1988. ومن بعد رواج تجارتهم، راحوا يمارسون الابتزاز على القرصان
الأميركي، بعد هروبه، ليجنوا أرباحاً أكثر. وهؤلاء هم تجار البازار فرضوا على
الأميركيين أسلوب المساومة، وكل همهم أن يتشبثوا بالوجود الأميركي في العراق، لأن
بقاء الأميركيين يعفيهم من مواجهة المقاومة العراقية منفردين. وهكذا يفعل الاحتلال
الأميركي، إذ راح بمرحلة ضعفه يتكئ على الوجود الإيراني لعلَّهم بذلك يستعيدون
حلماً ضائعاً تحطم تحت ضربات المقاومة العراقية.
وعن
ذلك فقد اتكأ قرصان على كتف قرصان، وقد أضمر كلٌّ منهما الخديعة لصاحبه، إذ أضمرت
الولايات المتحدة الأميركية الخديعة للنظام الإيراني، أثناء الإعداد لاحتلال
العراق، عندما دعته للمشاركة باحتلاله تحت ضغط حاجتها العسكرية إليه، على أن تعطي
للنظام المذكور ثمن مشاركته من ثروات العراقيين على أساس أن تقوم هي بتحديد الحصص.
وفي المقابل أضمر النظام الإيراني الخديعة أيضاً، وشارك بكل صفاقة باحتلال العراق،
على أساس اقتناص أية ثغرة ضعف في جسد الاحتلال الأميركي لكي يستفرد بغنائم العراق،
أو على الأقل أن يقوم بتحديد الحصص. ولما ألحقت المقاومة العراقية الهزيمة
بالاحتلال الأميركي، استمرأ النظام الإيراني طعم الربح، فراح يبتز أميركا
ويساومها. وهذا ما حصل، وهو ما يوجز وضع المشهد العراقي في هذه المرحلة.
ولما
كان كلٌّ منهما قد أضمر الخديعة لصاحبه، مستفيداً من خدمات الآخر، ابتلي العراق
بشرِّهما معاً، فدفع ثمناً باهظاً، فأعادوه إلى عصر ما قبل الصناعة، وأعادوه إلى
ما قبل (الدولة القطرية) أي إلى مرحلة (الدويلات الطائفية والعرقية المتناحرة)،
وكل منهما يمارس القرصنة على وفق مفاهيمه الإيديولوجية.
استناداً
إلى ذلك، يظهر المشهد العراقي اليوم من خلال عدسة كاميرا غول رأسمالي شديد العطش
لامتصاص دم العراق، حتى بعد هزيمته الشنيعة. وغول غيبي يجهد النفس لبناء دولة، يزعم
أولو الأمر فيه أنها إسلامية، يتسابقون على امتصاص دم شعوبها تحت ذريعة تطبيق
(الوعود الإلهية). ولكن مشهد الشد والجذب بين المشروعين، الرأسمالي والإسلامي
السياسي، يُحاك بأصابع ديبلوماسية تمنع الاحتكام للسلاح بينهما. فالطرف الأميركي
مُنهك وضعيف وعليل وسقيم، والطرف الإيراني منتفخ الأوداج حالماً بأنه يمتلك (القوة
الإلهية) و(الوعد الإلهي)، وهو ليس بقوي إلاَّ بمقدار ما لحق الضعف بالجسد الأميركي.
فلا هذا يجرؤ على استخدام السلاح بوجه شريكه لشدة ضعفه الداخلي والدولي، ولا ذاك
له المقدرة على خوض معركة بالسلاح لغياب عامل التوازن بالقوى بينهما. وبهذا يبقى
العراق ضحية الإثنين معاً، يجمعهما هدف المحافظة على استمرار (العملية السياسية)
التي هي عملية من صنعهما لتدرأ عنهما الاتهام بـ(جريمة الاحتلال)، ولأن من يتولون
شأن العملية السياسية، من خونة وفاسدين، غارقون بالأخطاء والخطايا حتى آذانهم،
تفتق عقلا الشريكين الأميركي والإيراني على إعادة تجميل وجه (العملية السياسية).
وقد تأكد وجود هذه الخطة من خلال بعض الوقائع ومن أهمها التالية:
-نتائج
زيارة المالكي رئيس حكومة الاحتلالين إلى أميركا.
-مشروع
الاتفاق الأميركي –
الإيراني حول ملف إيران النووي.
أما
بالنسبة لزيارة المالكي، وعلى الرغم من كل التقارير التي أشارت إلى برودة
الاستقبال الأميركي له، فقد حملت عدداً من النتائج الإيجابية لصالح حكومة المالكي
والتي تلخَّصت بضرورة إعادة تجميل أداء الحكومة على أكثر من صعيد:
-ترقيع
داخلي مطلبي، وترقيع العلاقات بين أطراف العملية السياسية.
-إعادة
العلاقات المتوترة بين حكومة المالكي وبعض الأنظمة العربية.
-رفع درجة الحرارة في علاقة حكومة الاحتلال مع بعض دول الإقليم.
وفور
عودة المالكي من أميركا، يظهر أن الخطة المتفق عليها بينه وبين أوباما، أخذت
طريقها نحو التطبيق. وإن كنا سنستعرضها، إلاَّ أننا نؤكد فشل هذه الخطة، لأن
الفجوات على كل تلك الصعد أصبحت كبيرة وواسعة ولا يتسع الوقت لردمها، هذا إذا
تغيَّرت نفوس اللصوص، وهي لن تتغير، وانتقلوا من ضفة عقيدة الفساد والخيانة إلى
ضفة الشرفاء.
وبعد
عودة المالكي من واشنطن بدأت حملة تضليل إعلامي واسعة تبشر بإصلاحات لمصلحة الشعب
العراقي، ومنها الكهرباء ورواتب المتقاعدين وتخفيض رواتب النواب وإعادة النظر
برواتبهم التقاعدية، وفتح صفحات الحوار مع قادة الثورة, و.. .، و...، ورافق ذلك،
البدء بإعادة النظر في علاقات أطراف العملية السياسية لرأب الصدع بين القادة
الطائفيين استجابة لإلحاح بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، ويأتي على رأسها رفع الغبن
عن الطائفة السنية، ظناً منهم:
-أن استبعاد بعض زعمائهم، كما حصل مع طارق الهاشمي، كان
السبب الذي فجَّر الثورة في المحافظات الستة، هذا في الوقت الذي تدل فيه كل
الوقائع أن الثورة التي تشمل العراق بكل محافظاته وطوائفه في هذه المرحلة هي ثورة
وطنية ضد الاحتلال وكل إفرازاته ونتائجه.
-أو كأنهم بذلك يريدون استرضاء السعودية لأسباب مذهبية،
بينما تجاهلوا سبب الخوف السعودي الأساسي. ومردُّ هذا الخوف يعود إلى خشية النظام
السعودي وخوفه من الدور الإيراني وخطورته على الوضع الأمني في دول الخليج
ودويلاته.
وأما
عن إعادة إصلاح ما انفتق من علاقات مع بعض الأنظمة العربية، فقد أعلنت أوساط
المالكي عن زيارة مرتقبة للسعودية. فهل ينجح الجراح الأميركي بتهدئة مخاوف
السعودية من الخطر الإيراني؟
وعن
إعادة إصلاح العلاقات العراقية – التركية، فقد أكدته التقارير بعد أن برز إلى العلن من خلال تصريحات
المسؤولين الأتراك بأنه قد آن الأوان لإعادة تلك العلاقات من المستوى المتوتر إلى
سابق عهدها من الهدوء والتفاهم. ولا نحسب بدورنا أن المخاوف التركية سوف تزول من
مخاطر الحالة الانفصالية الكردية من دون ضمانات أميركية، ولعلَّ زيارة البارازاني
إلى تركيا إلاَّ نوع من التطمين للمسؤولين الأتراك.
العراق
هو الملف الأهم لأميركا وإيران:
ومن
أجل كل ذلك، فقد اشترط النظام الإيراني على الأميركيين أن تدفع أميركا ثمن الاتفاق
الصفقة بالتخفيف عن دول الخليج العربي وإماراته من مخاوف ملف إيران النووي من جانب
ولإعادة النظر بالملف السوري وموقف أميركا الإعلامي الخادع منه. وأما مشروع
الاتفاق الأميركي –
الإيراني حول الملف النووي، فقد جاء مكملاً للاتفاق حول تدمير الأسلحة الكيماوية
السورية. وكلاهما جاءا نتيجة الصفقة الروسية الأميركية لإعادة التوازن في المصالح
بينهما. كما جاءت محاولة إغلاق تلك الملفات نتيجة ورشة المساومة التي تدور بين
إدارة أوباما والنظام الإيراني. وهذه الورشة جاءت أيضاً لإعادة الإمساك بالعراق،
خاصة أن العراق هو الساحة الأساسية التي لن يفرطا بها لما لها من تأثيرات كثيرة
على وضع المصالح الأميركية والإيرانية.
إن
إقفال أكثر من ملف خلافي بين النظام الإيراني وإدارة أوباما يشكل نتيجة أساسية لحاجتهما
بإبقاء الإمساك بالملف العراقي، الذي تشكل خسارته نكسة كبرى لكل منهما، ولهذا مهما
تكاثرت ملفات الخلاف بينهما فسيبقى الملف العراقي الأكثر أهمية لهما، وسيبقى
الإمساك به أولوية لهما معاً.
وهكذا
كان الملف العراقي أساسياً في مشاريع الأميركيين والإيرانيين منذ البداية، وعتمت
عليه ظروف ما يُسمى بـ(الربيع العربي)، إذ كان الأميركيون يراهنون على العودة إلى
دخولهم للعراق من بوابة ذلك (الربيع) بعد أن يضعوا الإيرانيين أمام وقائع جديدة، إذ
كانوا يراهنون على متغيرات إيجابية تصب لمصلحتهم، ولما غرقت جنازير دباباتهم في
دهاليزه، عادوا مستغفرين النظام الإيراني وطالبين النجدة منه، طالبين التفاوض
والمساومة معه للتقليل من خسائرهم في العراق.
لن
ينتفي الخطر الإيراني على دول الخليج من دون إقفال البوابة الشرقية:
وإن
كانت المساومات والتفاهمات بين الأميركيين والإيرانيين لم تنقطع منذ ما قبل احتلال
العراق، وهي لا تشكل مفاجأة لنا، فإن (الزعل السعودي) من نتائج المساومات الأخيرة
يشكل المشهد اللافت في هذه المرحلة، ولنا وقفة أساسية أمامه للتأمل فيه وتفسير
أسبابه.
إن
عودة الأميركيين إلى العراق من بوابة المساومة مع النظام الإيراني، زرع القلق
والخوف الشديديْن من جديد في نفوس المسؤولين في النظام السعودي. النظام الذي أراد
الدخول إلى قضية العراق من البوابة السورية، وهدفه الرئيسي طرد الإيرانيين من تلك
الساحة، متناسياً أن هذا الهدف لن يتحقق بشكل فعَّال إلاَّ عبر إقفال البوابة
الشرقية نهائياً، وطرد الإيرانيين من العراق، لأنهم بإقفالها يمنعون الخطر المحدق
بهم في وجه التدخل الإيراني، وهذا لن يتحقق إلاَّ بتقديم كل العون للمقاومة
العراقية وحسب استراتيجيتها الوطنية في التحرير، وليس بناء على استراتيجية التقسيم
الطائفي، تلك الاستراتيجية التي وإن أعادت (السنة) إلى العراق عبر استراتيجية
الأقاليم، فإن ذلك سيبرر للوجود الإيراني البقاء عبر (الإقليم الشيعي). وإعادة
تجريب حل المحاصصة بين الطوائف لهو تجربة عبثية لن تصل بالأمن القومي العربي إلى
شاطئ الأمان، ويأتي (أمن دول الخليج وإماراته) في المقدمة، وذلك أن مشاركة (الحزب
الإسلامي العراقي) بالعملية السياسية كان يقوم على قاعدة الاعتراف بالوجود
الإيراني وليس العكس.
ولهذا
نرى أن وقت تصحيح الاستراتيجية السعودية، بشكل خاص والاستراتيجية الخليجية بشكل
عام، لم يفت بعد، بل ما يزال الأفق متَّسِعاً للتصحيح خاصة وأن الخروج من نفق
الاستراتيجية الأميركية مناسباً لأن أميركا اليوم ضعيفة أكثر من أي وقت مضى، والدليل
على ذلك أن أميركا أنجزت العديد من التفاهمات وراء الكواليس مع النظام الإيراني،
ضاربة عرض الحائط مصالح السعودية ودول الخليج وإماراته. وعلى النظام السعودي الحالي
أن يعيد استذكار خطوة المرحوم الملك فيصل التاريخية بقطع البترول عن الدول
المساندة لـ(إسرائيل) لم تمح من الذاكرة بعد.
فهل
نجد في النظام السعودي اليوم (فيصلاً) آخر يقطع البترول عن كل دولة لا تتراجع عن
استراتيجية تقسيم العراق باعتبارها مدخلاً أساسياً لتوطين الدور الإيراني فيه؟
وهل
نجد من يقتنع بالإقلاع عن حلول طائفية وتقسيمية في العراق؟
وإذا
كانت الأماني التي ننتظرها صعبة وبعيدة التطبيق، إلاَّ أننا نعلن التحذير مما يُعدُّه
التحالف الأميركي –
الإيراني للوطن العربي من مشاريع يبدأ من الاحتواء ولن يتوقف عند حدود التقسيم
والتفتيت، وإعادة الوطن العربي إلى مرحلة ما قبل (الدولة القطرية) من خلال تأهيل
الأرض العربية وتطويع الشعب العربي لمرحلة (الدويلات الطائفية) التي تتحكم بحدودها
حروب الطوائف في الوقت الذي يتلهى به (الفرس والروم) معاً بسرقة ثرواتنا والتلاعب
بمصيرنا.
هناك تعليق واحد:
لا تنتظروا شيء من دول الخليج لانها محتلة عسكريا وسكانياً ؟!
بل يجب ان ننتظر النهوض من شعب العراق وان يثور ضد بقايا الاحتلالات،،
وكذلك شعب سوريا وشعب لبنان بان يتحرروا من كابوس الحروب الاهلية ويبنوا الدولة المدنية التي تحرر الشعب من عبوديته للطوائف الحاكمة ؟!
متابع
إرسال تعليق