الأحد، مايو 25، 2014

ثورة العراق تقفز خطوة نوعية إلى الأمام



من الفلوجة التي دحرت جيش الميليشيات الغوغائية
إلى اليوسفية التي تحولت إلى فلوجة أخرى
ثورة العراق تقفز خطوة نوعية إلى الأمام

عندما شمَّر نوري المالكي رئيس حكومة عملية الاحتلال الأميركي - الإيراني عن ساعديه، في أواخر شهر نيسان، وأطلق حملة ما أسماها (تصفية الحساب)، أعلن أنه سيؤدب الفلوجة المتحررة من سلطة ميليشياته لإعادتها إلى بيت الطاعة صاغرة؛ وسيستعيد من بعدها المناطق التي حرَّرها الثوار في الرمادي، ويلقِّن الثوار في أرجاء العراق قاطبة، درساً لن ينسوه. وبهذا فقد اعتبر حركة الاحتجاج السلمية في الأنبار (فقاعة) سيتم القضاء عليها. وقد أعدَّ لذلك جيشاً من الميليشيات التي تعرف كيف تقبض ثمن خدماتها بضعة نقود مجبولة بالذل، ولكنها لا تعرف كيف تقاتل، كما أنها لا تعرف لماذا تقاتل. وما عزَّز ثقة المالكي بنفسه وبميليشياته أنه كان يعتمد على بعض زعماء الـ(صحوات)، أولئك الذين أتقنوا فن خيانة شعبهم بعد أن أتخمهم الأميركيون ببعض ما يسرقونه من ثروات العراق، وهؤلاء هم من بعض الذين باعوا ذممهم بـ(ثلاثين من الفضة).
أميركا وإيران تواجهان الثورة العراقية بأبناء العراق المضللين:
لم يمر شهران أو أكثر على وصفه حركة الاحتجاج السلمي في الأنبار بـ(الفقاعات)، حتى استكملها بتهديداته العنترية (تصفية الحساب)، مسنداً ظهره لوعود أوباما والنظام الإيراني، اللذين أوكلاه بحماية مصالحهم على أن لا يدفعا أي قطرة دم من دماء جنودهم، بل الشعب العراقي هو الذي سيدفع الثمن من أرواح أبنائه ودمائهم، ومن مخزون ثروات العراق المادية. كما أنه ما همَّ شركاء المالكي ممن ينسبون أنفسهم للعراق، طالما أن أولادهم يتمتعون في الخارج بما سرقه آباؤهم، وما زالوا يسرقونه، من ثروات العراق، وجهد أبنائه.
بين وعد هذا، ووعيد ذاك، راهن المالكي على ميليشياته. تلك الميليشيات التي يصح وصف البعض من أفرادها بـ(غوغاء الطائفية)، ممن غسل فقهاؤهم أدمغتَهم بمزاعمِ الدفاع عن المذهب؛ أو من أبناء الصحوات الذين غسل لهم زعماؤهم أدمغتهم بأنهم يدافعون عن (شرف عشائرهم). وما درى هؤلاء وأولئك أنهم ضحية خداع من أحبوا المال على حساب الشرف الوطني.
وإذا كان أفراد (الجيش الحكومي) من دون قضية تتقدَّم على الدفاع عن الراتب الشهري، فإن قادتهم أيضاً هم من دون قضية تتقدم على أطماعهم بتعليق نجوم أكثر على أكتافهم، على أن تشكل تلك النجوم بوابة للسرقة والتشبيح والحيازة على الامتيازات.
إن الفرد الذي يدافع عن الراتب الشهري، أو القائد الذي يقاتل من أجل السرقة، كلاهما يقاتلان من أجل منافعَ تساعدهم على تحسين أوضاعهم المعاشية ،للبقاء على بعض الحياة، ولكنهما لن يموتا من أجلها ليخسرا الحياة كلها.
إن هذه الحقيقة تمَّ تفسيرها بعدد من الوقائع والمظاهر التي أبرزتها الحرب الدائرة على الفلوجة والرمادي بشكل خاص. فمن بين تلك المظاهر، التي تفاقم انتشارها بين جنود الجيش الحكومي وضباطه، كانت وقائع الهروب والاستسلام ورفض تنفيذ الأوامر العسكرية، تلك الوقائع التي حصلت في كل حملة عسكرية من عشرات الحملات التي شنَّتها قوات المالكي على الفلوجة لوحدها. وهل إعلان المالكي في أواخر شهر أيار الماضي، بإيقاف الحرب على الفلوجة، والدعوة للتفاوض إلاَّ نتيجة إفلاس ما سماها القوات التي ستنفذ حملة (تصفية الحساب)؟؟
المالكي يغامر بالهجوم على الفلوجة وعينه على تجديد ولايته مرة ثالثة:
لقد استخدم المالكي، بأمر من قاسم سليماني وبإشرافه، أسلوب الموجات البشرية عندما زجَّ بعشرات الآلاف من الميليشيات من أجل إخضاع الفلوجة، ولكنه وصل إلى الحائط المسدود، فأعلن إفلاسه بإيقاف الهجوم على الفلوجة؛ بينما تحولت قواته في الرمادي إلى مواقع الدفاع عن النفس؛ وتتعرض قواته في العديد من المدن والأرياف إلى هجمات مستمرة من الثوار لتنزل بها المزيد من الخسائر في الأفراد والمعدات. ولكي يخرج بماء الوجه أعلن مرغماً أنه سيتبع وسائل التفاوض السياسي مع أبناء الفلوجة. ولكن من هو الساذج الذي يصدِّق وعوده؟ فقد نقض تلك الوعود في أكثرَ من مرة، وكان آخرها تلك الخاصة بالفلوجة، إذ لم يجف حبر كلامه حتى بدأ هجوماً آخر في الأسبوع الأخير من شهر أيار.
فعل ذلك هذه المرة بناء على أوامر حملها من طهران كشرط لإعادة تجديد ولايته للمرة الثالثة، وبناء لأوامر وفد عسكري أميركي رفيع المستوى وصل في أواخر الشهر إلى (المنطقة الخضراء). وقد عزَّز الإيرانيون تهديداتهم له بوعودهم له بتقديم المزيد من الدعم البشري المباشر، ومن أهمها مجموعات من الخبراء العسكريين الملمّين بفنون الحرب الشعبية. كما عزَّز الأميركيون دعمهم بإعلان أوباما تجديد حالة (الطوارئ في العراق).
الجيش الحكومي الميليشياوي يقاتل من دون قضية تمس مصالحه:
لا شكَّ بأنَّ معنويات المالكي انهارت بانهيار ميليشياته، تلك الميليشيات التي هي بدون قضية ما عدا كونها مجموعات لسرقة محتويات البيوت الخالية في مناطق سيطرتها، فقد جاء إعلان باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بتمديد (حالة الطواريء الوطنية الاستثنائية حول العراق)، لكي يرفع ما انهار من معنويات الماكي وعملاء أميركا. ولكن أوباما تناسى أن جورج بوش ما خسر الحرب ضد العراق لو كان لجنود الولايات المتحدة قضية يقاتلون من أجلها. وعندما اكتشف الجندي الأميركي أنه يقاتل من أجل حيتان الرأسمالية تداعت معنوياته وانهار لكي لا يقدم قطرة من دمه لأجل قطرة بترول تملأ جيوب أولئك الحيتان.
وعلى مثال ما حصل بجنود الولايات المتحدة الأميركية سيكون مآل أفراد الميليشيات التي جنَّدها المالكي، وهم سيكتشفون كما اكتشف من هرب منهم أنهم يقدمون من دمائهم ثمناً لبقاء اللصوص من الكبار الذين يستفيدون من (العملية السياسية) لملء جيوبهم من ثروات العراق حتى التخمة.
نتائج الحرب على الفلوجة ترسم مسارات الثورة في المرحلة القادمة:
وإذا كانت مرحلة شهر أيار وأواخر نيسان تحمل طابع تعزيز ثقة نوري المالكي بنفسه، فإن قوى الثورة العراقية كانت تهدم في كل مرة كل ما أعدَّه المالكي من أسباب القوة، كما تهدم كل ما قدَّمه الأميركيون والإيرانيون من مساعدات عسكرية ودعم سياسي وإعلامي لكي يبقى واقفاً على رجليه. خاصة وأنهما معاً يلعبان الورقة الأخيرة واليائسة من أجل الحؤول دون انهيار أعمدة خيمة (العملية السياسية) التي تحمي مصالحهما في العراق المحتل. وإن صمود الفلوجة يعني الشيء الكثير لهما معاً، لأنها ستشكل الرمز الثوري الذي سيقلده كل من يساند الثورة أو سينضم للمشاركة فيها.
في صمود الفلوجة دلالات أكثر من دلالات النصر العسكري، ففي هذا الصمود دفعٌ معنويٌّ ونفسيٌّ جديدٌ للثورة في مناطق أخرى غير الفلوجة خاصة للعراقيين الذين يراقبون الوضع العسكري في المناطق الثائرة قبل أن ينخرطوا في صفوف الثورة. فعلى النتائج السلبية أو الإيجابية للمعركة في الفلوجة والرمادي خاصة، تترتب تداعيات على (العملية السياسية) وعلى مسار الثورة أيضاً. فصمود الثورة فيهما، له انعكاسات سلبية على الأولى إذ تعمل على تسريع انهيارها والتفسخ بين صفوف داعميها، وإيجابية على الثانية إذ تعمل على تسريع مساراتها وتوسيع انتشارها بين العراقيين خاصة المترددين منهم الذين يراقبون وينتظرون نتائجها ليحسموا مواقفهم. هذا ناهيك عن أن الخلايا الثورية النائمة في محافظات جنوب بغداد، التي تصل نيران الثورة إليها، ستملأ حلقات الفراغ الثوري في تلك المحافظات.
وعن ذلك يعرف علماء النفس والاجتماع الذين يقدمون النصيحة لعسكريي (البنتاغون الأميركي) وسياسيي الإدارة الأميركية تأثيراتها وتداعياتها، خاصة أنهم اختبروها على جنودهم الذين شاركوا في العدوان على العراق واحتلاله. حينذاك دخل الجندي الأميركي العراق مقلِّداً (رامبو) الذي لا يُقهر، وخرج منه في النعش محمولاً، أو على عكازات أو على عربات المعاقين، أو داخلاً مستشفيات الأمراض العقلية. كما كانت عائلات أولئك الجنود غير مكترثة للعدوان أو للاحتلال، ولكن العامل الذي جعلها تتحرك هو هول مشاهد عودة أبنائها في التوابيت، أو مدوية عندما أرغمت عائلات الجنود إدارة جورج بوش على الخروج من العراق بانتخابها أوباما على شرط أن (يترك العراق للعراقيين)، وسوف تتهاوى إدارة أوباما لأنها نكثت بوعودها. وما المشهد في الشارع الأميركي حينذاك ببعيد عن مصير الشارع العراقي الذي ستمثله عائلات أفراد ميليشيات المالكي التي تخوض حرباً بدأت معالم خسارتها واضحة في توابيت الآلاف منهم وما يفوق العشرة آلاف مفقود.
ألسنة نيران الثورة في الأنبار تندلع شرقاً وجنوباً
 ولكي لا تبقى الفلوجة هدفاً وحيداً، أخذت رياح الثورة تجتاح مناطق جنوب بغداد، على خطى هدفين: أحدهما مرحلي، والآخر استراتيجي:
-أما الهدف المرحلي فهو تخفيف الضغط عن الفلوجة وتشتيت قوى ميليشيات المالكي من جانب ، والاستفادة من إمكانيات الثوار في المناطق الأخرى من جانب آخر.
-وأما الهدف الاستراتيجي فهو توسيع دائرة الثورة كونها المسار الرئيسي لاقتلاع ما تبقى من أوتاد خيمة (العملية السياسية).
وبهذا المعنى تشكل المعارك الكبرى في منطقة جرف الصخر واليوسفية نقلة نوعية جاءت في أعقاب فتح المعارك في محافظة ديالى، والمناطق المحيطة ببغداد من الشرق كمعارك أبو غريب وعشائر زوبع.
فلمنطقة جرف الصخر أهمية استراتيجية جغرافياً ونفسياً. فإن وقوعها جنوب بغداد، تُعتبر بوابة للدخول إلى محافظات الجنوب انطلاقاً من كربلاء من جانب وتشكل جدار العزل الاستراتيجي لبغداد عن الجنوب من جانب آخر. وهي تُعتبر عاملاً استراتيجياً نفسياً، يحمل رسالة للنظام الإيراني مفادها أن الثورة اقتربت من البيئة البشرية التي يزعمون أنها موالية لهم. وسوف يجدون في نهاية الأمر أن العراقي لن يبيع وطنيته من أجل مشروع إمبراطوري فارسي غلَّف نفسه برداء المذهبية الدينية. وهل هناك أكثر دلالة على الغرور الكسروي مما جاء في تصريح الجنرال رحيم صفوي في 3/5/2014، والذي قال فيه: "حدودنا الغربية ليست في الشلامچة على الحدود الشرقية للعراق، قرب البصرة، بل في جنوب لبنان على البحر".
 إن وصول الثورة العراقية إلى جرف الصخر وديالى، بوابتا جنوب العراق وشرقه، لها مغازٍ ودلالات يأتي في المقدمة منها ذلك الرد على رحيم صفوي ليقول له أبناء العراق: إن الشلامجة ستكون الحدود النهائية للعراق والوطن العربي، وستقفل بوابتها في وجه كل معتدٍ إيراني أثيم، وتقول له أيضاً: لن يظل العراق ممراً لعبور كسرى مرة أخرى تجاه البحر الأبيض المتوسط، لأنه لن يتيسر لهم رئيسٌ أميركيٌّ أرعن بعد تجربة احتلال العراق المرَّة، ليفتح لجيش الفرس ممراً تجاه العراق، ليس بـ(الصدمة والترويع) وحسب، بل ولا بغيرها أيضاً. ولن يجد رحيم صفوي منبراً يتفاخر فيه بعد الآن قائلاً: إنه لولا طهران لما استطاعت واشنطن أن تحتل كابول أو بغداد.


ليست هناك تعليقات: