في الذكرى الثامنة لاستشهاده
صدام حسين: ما قتلوك وما صلبوك، ولكن شُبِّه لهم
لم يُخلِّد التاريخ إنساناً بجسده، وإنما مصير
الجسد الفناء، بل خلَّد التاريخ الإنسان الذي أبدع بعمل أو بفكر أو نضال، ومصير
الإبداع الخلود طالما ظلَّت البشرية مستمرة.
وعندما قتلوا صدام حسين ليس لأنه جسد بل لأنه
استمرار لفكر كانوا يخشون منه. اعتنق فكراً قومياً وأبدع فيه أيما إبداع. ومن سمات
الفكر الذي حمله وأبدع فيه كانت الوحدوية والثورية. فالوحدوية هي الأساس النظري
لوحدة الأمة العربية، والثورية هي النظرية الرائدة لمكافحة الاستعمار والصهيونية
والدعوات الأخرى المشبوهة التي تمس بسيادة هذه الأمة مجتمعة أو ممثَّلة بقطر من
أقطارها.
وعندما استوى صدام حسين على عرش مقصلة الموت الذي
أرادوه له، كان بشجاعة نادرة ينظر إلى البعيد وكأنه كان يتطلع إلى لاشيء، ولكنه في
حقيقة الأمر كان يرى بعين مطمئنة أنه لن يموت. كان يدري أن الجسد الذي يحمله سيموت
في أي وقت، إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن غداً فبعد غد.
كان يؤمن بأن هذا الجسد سيموت بالمقصلة أو
بغيرها، وكان يؤمن بالحقيقة القائلة: (تعددت الأسباب والموت واحد).
أقدم على الموت بالمقصلة، ولكنه كان واثقاً أن
الفكر الذي يحمله لن يموت، فصدام حسين كان يقرأ سر الخلود من تاريخ العظماء في
التاريخ. والقراءة لم تكن نرجسية لأنها حقيقة تمثَّلها كل من سبقوه إلى سفر الخلود
في التاريخ.
احتفل قاتلوه في واشنطن وطهران وحسبوا أنهم
تخلصوا ممن كان يؤرق مضاجعهم، ويحول دون تمرير مخططاتهم. فناموا على وسائد من
حرير، وما حسبوا أن تلك الوسائد مزروعة بالأشواك والإبر والمسامير التي لن تدعهم
يهنأون بنومهم طويلاً.
تلذذوا بأضغاث أحلامهم واعتبروا أنهم بقتل صدام
حسين سيميتون الروح في الشعب العراقي، وسيدفنون الحزب الذي أنجبه. فعلوا ذلك وهم
لايفقهون أن فكر الحزب لن يموت طالما هناك بعثيون تشربوا بروح الثورة ضد
الاستعمار، وإن مات بعثي فسيأتي من يماثله. فالبعثيون تمثلوا الثورة من مبادئ
حزبهم لذلك هزأوا ممن راهن على موت المقاومة البعثية إذا مات صدام حسين. ولكن
البعثيين، بقيادة عزت ابراهيم، تابعوا المسيرة غير آبهين بالموت، لأن حول كل قائد
منهم يلتف العشرات بل المئات ممن يتميزون بالمقدرة والإرادة على متابعة خطى من
سبقهم من القادة.
إحتفلت واشنطن وطهران، وكل من يماثلهما بالحقد
على العروبة، لأنهم حسبوا أنه بموت صدام حسين سيقبرون في المهد الدعوة للمقاومة
التي قادها. وما حسبوا أن الفكر الوحدوي الثوري التحرري الذي حمله صدام حسين كان
مُلكاً ليمين رفاقه. وذُهلوا عندما استمرت المقاومة ولم ترتاح إلاَّ باقتلاع جذور
واشنطن من العراق، فاقتلعتها وانسحبت كسيرة ذليلة.
وظلت طهران تراهن على أنها أمسكت برقاب العراق
والعراقيين، وأطلَّ كسرى من قبره، وكأنه يقول: (ها قد عدنا يا صدام حسين). ولكن
طهران لم تتعلم من الدرس الذي أذاق واشنطن كل أنواع المرارة متوهِّمة أنها ثأرت من
صدام حسين، وبثأرها منه صفا الجو لها، وهي لم تحسب أنه إذا مات صدام حسين فسيبقى
فكره بوصلة يهتدي بها رفاقه.
في ذكرى اغتياله الثامنة، ما تزال المقاومة
متَّقدة، والثورة التي اندلعت ينتشر لهيبها ليحرق ما تبقى من أوهام واشنطن وطهران.
وكما تنبأ صدام حسين، ونبؤته ليست إلهاماً يستند
إلى الغيب، بل هو حدس علمي سليم يستند إلى قراءة واعية لعاملين مهمين، وهما:
-إيمانه بفكر الحزب المقاوم.
-وقيادة الإعداد الفعلي لتطبيق هذا الفكر في
الميدان.
ولهذا قال: (ستنتحر أميركا على أبواب بغداد).
وهي قد انتحرت بجنودها واقتصادها بفعل إرادة المقاومين العراقيين.
وقال أيضاً: (ستحترق أيادي دول الإقليم التي
تتدخل في العراق)، وتلك أيادي إيران شبَّ فيها الحريق، وستحترق بالكامل بفعل
الثورة الشعبية العارمة المتواصلة بفعلها وأصبحت على بوابات بغداد.
ومن بعد كل ذلك،
من قال: إن صدام حسين قد مات، فإن فكره حيٌّ لن
يموت. وما صلبوه، وما قتلوه، وإنما شُبِّه لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق