لا تذهبوا بعيداً في مكافحة
الإرهاب
بل شكلوا تحالفاً عربياً
لمكافحة مبدأ (الفوضى المنظَّمة) الأميركية الصنع
وإنه من قبيل التكرار المفيد أن نعيد التذكير بأن غياب
نظام القطبيتين كان بداية الإعلان عن فتح بوابات الحلم الأميركي على مصراعيه. ذلك
الحلم الذي ابتدأ العمل به منذ أن بدأ غياب الاتحاد السوفياتي عن المسرح الدولي،
فكان العدوان الثلاثيني على العراق في أوائل العام 1991، واستمر فصولاً بفرض
المزيد من القيود على العراق. ولما استكملت الإدارة الأميركية مرحلة تمزيق الاتحاد
السوفياتي في أواخر القرن الماضي، وذلك بتفتيت يوغوسلافيا، اتجهت أنظار تلك
الإدارة نحو مناطق أخرى، فكان احتلال أفغانستان تمهيداً لاحتلال العراق. وكانت
الإدارة الأميركية تعمل على تطويق روسيا من كل جانب، حتى إنها عملت على غزوها من
داخلها بما سُمِّي بقضية الشيشان وغيرها بقصد إشغالها وقتل أي حلم لها في العودة
إلى مسرح التأثير الدولي.
لم يكن للإرهاب مكان في العالم عندما احتلَّ الأميركيون
أفغانستان، لأن تنظيم (القاعدة) كان ابتكاراً أميركياً وضعوه قيد التنفيذ في
صراعهم مع الاتحاد السوفياتي حينذاك.
ولم يكن للإرهاب مكان في العراق عندما احتلوه وعبثوا
بوحدة الدولة العراقية جغرافياً وبشرياً. ومع أن اتهام النظام الوطني بالتعاون مع
القاعدة أثبت كذبه بشهادات أميركية، فقد ظهر للعلن مشهد الإرهاب واضحاً في زنازين
سجن (أبو غريب)، كما ظهر في أجلى صوره في جرائم مرتزقة (الشركات الأمنية)، حيث عاث
المرتزقة جنباً إلى جنب ساديِّي الجنود الأميركيين قتلاً واغتصاباً وخطفاً وذبحاً
بشيوخ الشعب العراقي وماجداته وأطفاله. وكان أبطاله جنرالات أميركيون يتلذَّذون
بتعذيب السجناء العراقيين ويبتكرون وسائله الوحشية.
ولم يكن الإرهاب موجوداً في تونس ومصر وليبيا وسورية
واليمن، ولكنه انتشر بمثل سرعة انتشار الطاعون في تلك الدول ناقلين إليها جرثومة
الجريمة الأميركية المنظمة. وهذا ما يثير التساؤل فالاستنتاج بأن ظاهرة الإرهاب
كانت صناعة أميركية، ويؤكد ذلك بأن ما يحصده الوطن العربي الآن من نتائج كارثية
على بناه السياسية والمجتمعية كان مترافقاً مع بروز الحلم الأميركي بالسيطرة على
العالم انطلاقاً من إعادة تفتيت الوطن العربي على قواعد جديدة، أي قواعد الدويلات
الطائفية المتحاربة، وليس أقدر على تنفيذ هذا الحلم من اختلاق الإرهاب ولصقه
بالإسلام.
لم يكن للإرهاب وجود في وطننا العربي الكبير، إلى أن
أعلن عشاق مشروع (نحو قرن أميركي جديد) عن أخطر المشاريع التي سموها بـ(الفوضى
الخلاقة). ذلك المبدأ الذي ما كان ليظهر إلى الوجود لولا أن خطط له أصحاب (القرن
الأميركي) المشؤوم. وما كان ذلك الإطلاق عبثياً بل كان كان مخططاً له عن سابق وعي
وتصميم. وما كان ليُعلَن عنه لو لم تتوفر له كل وسائل النجاح. ومن أطلق مبدأ الفوضى
الخلاقة الذي هو عبارة عن (فوضى منظمة) هم صقور الرأسمالية الأميركية، وهم الذين
أعدَّوا له كل موجبات تنفيذه ونجاحه. وليس من الغريب أن يُطلق هذا المشروع لولا أن
الإدارة الأميركية قد أعلنت عن ضرورة الانقلاب على أنظمة سايكس – بيكو لأنها لم تستطع أن تمنع
العرب من المطالبة بالوحدة العربية التي جاءت سايكس – بيكو القديمة لتلغي هذا الحلم من الوعي العربي.
إننا، وكما أكَّدت التقارير التي كانت تتسرب، وهذا ما
يستند إلى التحاليل الموضوعية التي توصَّل إليها معظم الباحثين من أن الإدارة
الأميركية لكي تضمن النجاح لمخططاتها في الوطن العربي، هي بحاجة إلى نظام إقليمي
يحيط بالمنطقة العربية يستجيب لمضامين مشروع الشرق الأوسط الجديد، لذلك لم يكن من
الميسور تنفيذ المشروع المذكور من دون ضمان وجود مشاريع إقليمية تتماشى مع
أهدافها.
من أجل ذلك وجدت الإدارة الأميركية أن المشروعين
الإيراني والتركي مؤهلان للمشاركة به لتقاطع أهدافهما معه. ويكفي للدلالة على ذلك
أن المذهبية الدينية في المجتمع العربي يمكنها أن تستجيب للإيديولوجيا الإيرانية
والإيديولوجيا التركية. وكلاهما يمكنهما الحصول على حصة من الوطن العربي باقتطاع
حصتهما المذهبية المؤيدة لهما. ولهذا يُعتبر مشروع الشرق الأوسط الجديد مشروعاً
يستجيب للمصالح الأميركية الصهيونية من جانب، وللمصالح الإيرانية والتركية من جانب
آخر. كل ذلك لن يمر، بمنظار السياسة الأميركية، من دون أن يتظلل النظامان
الإقليميان المذكوران تحت سقف الخيمة الأميركية.
ولما أعلن صقور الإدارة عن مبدأ (الفوضى الخلاقة)، بعد
احتلال العراق مباشرة، فلأنه يمهد الساحة العربية، لخلق الفتن والحروب الأهلية،
التي حسب الصقور أنه من شدة قساوتها ستدفع بالجميع للقبول بأيسر الحلول من أجل
اتقاء نارها الكاوية، وبهذا يأتي الرضى القسري العربي بالتقسيم على قاعدة الدويلات
الطائفية.
وإذا ما عدنا إلى رسم المشاهد التي تصدر عن معظم تلك
الساحات العربية المشتعلة، سنجد أن الشعب العربي حيثما وجدت الفوضى الخلاقة لها
ممراً يعاني من أقسى أنواع المشاكل التي تطول قائمتها، والتي من أهمها: طوابير
القتلى، وطوابير التهجير، وطوابير الجرحى، ومشاهد الدمار الهائل في البنى التحتية
من مؤسسات حكومية، ومباني سكنية، ومرافق الخدمات على شتى الصعد الاجتماعية والصحية
والكهرباء والمياه والطرقات، حتى كادت مناظر الدمار والتخريب لا يمكن أن تدرك مسافاتها
ومساحاتها الأبصار.
وأما عن دور دول الأقليم في تغذية الصراعات الداخلية المذهبية،
وهو ما كنا نصاب بالحرج عندما كنا نريد أن نسميها، فأصبح الصراع السني – الشيعي من أسهل الأمور
على التسمية في الإعلام.
وعن هذا، فلنطل على مشاهد عامة مما ترتكبه الدولتين
الإقليميتين، إيران وتركيا، ومن أهمها:
-من
البوابات التركية تتسلل إلى قلب الأراضي السورية مجموعات وأفراد وحركات من المذهب
السني لمحاربة ما يزعمون أنه نظام علوي من جانب، وما يزعمون أنه مد شيعي يأتمر
بأوامر إيرانية من جانب آخر. وما كان للدولة التركية أن تفتح تلك البوابات لولا
الرضى الأميركي.
-من
البوابات الإيرانية تدخل بشكل علني عشرات الألوف من الإيرانيين من المكلفين بمهمات
أمنية وعسكرية إلى العراق. وتقوم مقام الحكومة العرقية، التي على الرغم من أنها
تأتمر بأوامر إيرانية، لكنها ليست موثوقة منها. ولذلك تستخدم بشكل علني وصارخ
الميليشيات المذهبية من العراقيين المغرر ببعضهم، ومن بعض الذين يشاركون بأكثر
الأعمال الإرهابية فظاعة. وتمارس إيران نفوذها على قاعدة تهجير وقتل واعتقال ممن
هم من مقاومي مخططاتها سواء أكانوا من السُنَّة أم كانوا من الشيعة، ويجري كل ذلك
على قاعدة محاربة الإرهاب الذي تزعم أن مقاتليه من السُنَّة. ولن نقول أن إيران لا
تفعل ذلك لولا الرضى الأميركي، بل نقولها بكل موضوعية أنها تفعل ذلك برضى وقبول
أميركيين، خاصة أن أساليب الإيرانيين لا تختلف بفظاعتها ووحشيتها عن الأساليب التي
استخدمها الجيش الأميركي ومرتزقته من الشركات الأمنية.
من
كل ذلك ماذا نستنتج؟
1-الإرهاب
صناعة أميركية، وهو ضرورة غرستها الإدارة الأميركية من أجل تمهيد الساحات العربية
لانتشار مبدأ (الفوضى الخلاقة)، وهو ما نرى أنه (الفوضى المنظمة) التي وضعت أسسها
وضوابطها ووسائلها مؤسسات استخبارية أميركية من أجل تسويغ مشروع الشرق الأوسط
الجديد وتمهيد الطريق لتنفيذه. ومن أجل ذلك ولموقعيهما الإيديولوجيين سمحت أميركا
للتدخل الإيراني والتركي في وقائع الحراك الشعبي العربي.
2-لولا
أميركا ما كانت إيران لتتمكن من دخول العراق وتأسيس دور فيه.
3-ما
كانت الدولتان الإقليميتان، إيران وتركيا، لتجرآ على لعب دور في تغذية الإرهاب
واحتضانه لولا القبول الأميركي ومباركته وتشجيعه.
وأما
الحل في رأينا، فهو يقوم على الخطوات التالية:
1-على
الأنظمة العربية التي ما يزال وضعها الداخلي مستقراً أو شبه مستقر، أو من استطاعت
حتى الآن أن تمسك بضوابط لعبة الإرهاب والسيطرة عليه، أن تعي واجباتها ليس لشيء
إلاَّ دفاعاً عن نفسها، أن تشكل تحالفاً يقف في مواجهةأميركا نفسها لأنها الراعية
للإرهاب.
2-على
كل عربي مخلص لأمته العربية، من أحزاب وحركات وشخصيات اعتبارية، أن يعي أنه لولا
أميركا، ولولا استجابة الدولتين الإقليميتين، إيران وتركيا، لما حصل في الوطن
العربي ما يحصل الآن. لذلك نرى أنه من واجب هذه الشريحة أن تتنادى لتشكيل جبهات
متماسكة في رؤيتها لواقع الحال. وذلك بأن ترفع الصوت عالياً لتحمل مسؤولية ما يجري
لتحالف الشر الأميركي – الإيراني –
التركي.
3-على
كل من له تأثير في حدود فعله أن ينشط في مجال تعريف مخاطر الطائفية والمذهبية،
وذلك بأن يقتطع جزءاً من وقته لتبصير البسطاء ممن ينجرفون في تيار التعبئة
المذهبية من جانب، ومن جانب آخر استنهاض من لديهم حصانة ضد الوباء الطائفي لكي لا
يضعفوا أمام السيل المذهبي الديني الهادر.
ولكن، وانتظاراً لأن تطل بارقة أمل فعلية في توسيع دائرة
الرافضين لتحالف الشر الثلاثي، الأميركي – الإيراني – التركي، يبقى الأمل معقوداً على المقاومة العراقية، وعلى الوطنيين
العراقيين لأنهم يتصدون بكل وعي وكفاءة لمواجهة مشاريع ذلك التحالف. وعلى جميع
الذين سيأخذون أدوارهم أن لا يخرجوا عن دائرة مشروع المقاومة العراقية الواضح في
أبعاده السياسية وقيادته الوطنية. وإنه وإن بدأ تنفيذ المشروع الخبيث في العراق
سيواجه حتفه على أرضه مهما طال الزمن. وستكون النتيجة الحاسمة في طرد الفرس والروم
من أرض العرب، وستبقى الأرض العربية تحت حراسة الحراب العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق