العدوان
الإيراني المباشر والمكشوف في الأنبار
يضع
أميركا وإيران في أزمة تنذر بتحولات تهدد دوريهما
لقد ابتدأت رحلة
الأوهام في مسار النظام الإيراني منذ أن أعلن عن «مبدأ
تصدير الثورة» بعد سقوط نظام الشاه في أواخر العام 1979. وراح يعمل على تطبيقه منذ ذلك
الحين، حينما أعلن بدء التصدير للعراق في بدايات العام 1980. ولم تثنه عن المبدأ
نتائج عدوانه على العراق عندما وافق على هزيمته في 8/ 8/ 1988. بل بيَّت في نفسه
الاستمرار بالتصدير عندما تحين له الفرصة المناسبة. وقد حانت الفرصة المناسبة
عندما قرَّرت الإدارة الأميركية تصدير مشروعها الإمبراطوري، وبيَّتت العدوان على
العراق، ومن ثم احتلاله في العام 2003.
مشروعان شاذان
يلتقيان بالأهداف
قبل العدوان التقت
أهداف النظام الإيراني بتصدير ما زعمت أنه «ثورة
إسلامية»، مع أهداف الإدارة الأميركية بتصدير ما زعمت أنه «قرن
أميركي جديد»، فوُلِد على نغماته تحالف بين إيران وأميركا هدفه إسقاط النظام الوطني في
العراق كمدخل لمبدأ التصدير على الرغم من أن المبدأين متناقضان تماماً: أحدهما
يقوم على مزاعم «إسلامية»،
يسمي أميركا بـ«الشيطان الأكبر»؛ والآخر يقوم على مزاعم «حضارية» تقول بأن التاريخ انتهى عند مبادئها في الديموقراطية. وبناء على تلك
المزاعم يندرج مضمون التحالف على أسس شاذة. وما يجمع بين الإثنين وسائل التمويه
والخداع، إذ يعتبر كل منهما أن عليه أن يستفيد من خدمات الآخر لتحقيق مآربه
المرحلية، ولن تطول مرحلة التحالف بعد تحقيق الأهداف المشتركة حتى ينقلب أحدهما
على الآخر.
لم يحسب المتحالفان
أن التحالفات الشاذة لن تصمد كثيراً أمام حقائق التاريخ، بل إن أي تحالف يقوم على
أساس تحقيق مصالح غير مشروعة، سيكون مصيره الصدام بين المتحالفين على توزيع الحصص.
وفي هذا الصدد بدأت قصة التحالف الشاذ بين أميركا وإيران منذ اتَّخذ جورج بوش قرار
احتلال العراق. في حينها بدا النظام الإيراني ضالعاً في مؤامرة الاحتلال جنباً إلى
جنب مع الإدارة الأميركية.
حينذاك لم يتسنَّ
للكثيرين إداراك خطورة الدور الإيراني في احتلال العراق، بل كانوا منبهرين بمصطلح «الشيطان الأكبر»، الذي أطلقه الخميني،
مؤسس الثورة، مصحوباً بشعار «الموت لأمريكا». وأعمتهم تلك المصطلحات عن رؤية حقيقة الدور الإيراني، وحقيقة علاقته مع «الشيطان الأكبر» خاصة بالتواطؤ على العراق
واحتلاله، فأغفلوا تلك الحقيقة. وزاغت أبصارهم عن رؤية التحالف بين النظام
الإيراني وذلك الشيطان. وعلى الرغم من زعمه أنه مناهض لأميركا إلى حدود إعلان
الموت لها، صدر إعلان صريح لأكثر من مسؤول في ذلك النظام، عن تحالف إيران مع
الشيطان نفسه. وهنا يحق لنا القول بأن هناك تحالفاً شاذاً جرى التوقيع عليه بين «الشيطان» و«أعدائه». وهو تحالف كان كل طرف من طرفيه يُضمر الخديعة لصاحبه، أي أن كل طرف أجاد
استخدام تحالفه مع الطرف الآخر لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تصب لصالحه.
في بدايات الاحتلال
كانت القوة تميل إلى جانب الاحتلال الأميركي، فكان يمثل المحور الرئيسي الآمر
والناهي، بينما كان النظام الإيراني يمثل دور الممثل الثانوي يتلقى الأوامر فينفذ،
وكان مرضياً عنه أميركياً طالما ظلَّ منخرطاً في تنفيذ ترتيب وضع العراق على
المقاييس الأميركية في مخطط التقسيم. وظل النظام الإيراني أميناً لتعهداته طالما أعطته
سلطات الاحتلال حرية ترتيب أوراقه الداخلية في العراق المحتل، ومن أهمها مسألتان،
وهما:
-تشكيل مراكز ميليشياوية وأحزاب شيعية
من جهة، ومشاركة في سلطات العملية السياسية من جهة أخرى.
-تنفيذ ترتيبات تقسيمية طائفية في
العراق يستولى أنصاره على الحصة المخصصة للشيعة لتبقى موطئ قدم يستند إليه النظام
الإيراني على المدى الاستراتيجي.
المقاومة
العراقية تشلُّ قوى الاحتلال الأقوى،
والاحتلال
الأميركي يقوِّي الاحتلال الإيراني الأضعف
لم يكن في حسابات
الإدارة الأميركية أنها ستخرج من العراق لكنها فوجئت، كما أكدت التقارير منذ بداية
الاحتلال، بظهور مقاومة عراقية لم تحسب الإدارة لها الحسابات الكافية. فتكفي
الإشارة إلى أن تلك المقاومة أرغمت الإدارة الأميركية على الانسحاب من العراق. وقد
تركت جزءاً رمزياً منها تحت وصاية النظام الإيراني وحمايته، انتظاراً لحصول
متغيرات جديدة تسمح لتلك الإدارة باستعادة عافيتها والعودة لحكم العراق بشكل
مباشر.
وفي الوقت ذاته لم
يكن النظام الإيراني قد حسب بشكل كافٍ أن تلك المقاومة ستحرز تلك الإنجازات، خاصة
بعد أن شارك بفعالية بملاحقة المقاومين وقتلهم أو اعتقالهم أو اغتيالهم. وبنتائج
عمل المقاومة في إضعاف الاحتلال الأميركي وإلحاق الهزيمة بجنوده، استقوى ذلك
النظام ليصبح دوره نداً للدور الأميركي، هذا إذا لم يضع ذلك الدور تحت سقف
الابتزاز. وتلك كانت حسابات النظام الإيراني حتى هذا التاريخ.
بالضعف الذي وصل
إليه الدور الأميركي بعد خروج الجيش الأميركي من العراق، أتاح الفرصة لظهور دور
إيراني مؤثر، ليس في العراق فحسب، بل في أكثر من ساحة عربية تمتد من سورية ولبنان
لتتصل مع البحرين وشرقي السعودية، وتصل تأثيراتها إلى اليمن. هذا التمدد الإيراني،
وإن كان نتيجة لغياب الدور العربي الملتحق بالقوى الخارجية والمؤتمر بأوامرها،
فإنه كأن أيضاً نتيجة للهزال الذي أصاب الوجود الأميركي بعد هزيمته تحت ضربات
المقاومة العراقية. فأصبح النظام الإيراني ممسكاً بأكثر من ورقة قوة، أربكت
الإدارة الأميركية، وأصبحت معها أسيرة لمراكز القوة التي امتلكتها إيران. وقد
انعكست إلحاحاً من إدارة أوباما على إنهاء الملف النووي الإيراني تقديراً منها أنه
لا بُدَّ من دور إيراني في الوصول لحلول عدد من القضايا على أكثر من صعيد. يصر
أوباما على إنهاء ذلك الملف على الرغم من ظهور مخاوف أطراف كثيرة، عربية ودولية
وإقليمية من تنامي الدور الإيراني، وكذلك مخاوف في الكونغرس الأميركي نفسه.
ولهذا، وبعد تنامي
وتصاعد الدور الإيراني في العراق والوطن العربي، خاصة بعد أن تكشِّف للجميع انخراط
القوات الإيرانية النظامية في معارك الأنبار وصلاح الدين، أي فيما عُرف بالحملة
العسكرية لاستعادة مدينة تكريت، يمكننا تسجيل بعض الملاحظات، التي تؤشر على حصول
بعض المتغيرات المرتقبة على المشهد العراقي، والملاحظات هي:
أولاً: تضخم الدور
الإيراني ليس دليل صحة وعافية، بل هو دليل يؤشر إلى بداية النهاية لهذا الدور.
إن النظام الإيراني
اليوم يعاني من حالات استنزاف مالية وسياسية وأمنية، دولياً وعربياً وداخلياً.
1-الاستنزاف
المالي:
لقد انتدب النظام نفسه
لعملية تصدير ما يسميه ثورة إسلامية إلى أقطار الوطن العربي، وعملية التصدير تحتاج
إلى إنفاق مالي سخي، وهي عملية ضخمة سوف تستنزف إمكانيات إيران المالية الهزيلة
قياساً إلى إمكانيات أميركا وحلفائها. وعن هذا الجانب أنه، وباستثناء العراق الذي
يتكئ إليه لتعزيز اقتصاده من خلال أكثر من مصدر وذلك بسرقة نفطه وإغراقه باتفاقيات
تجارية، كما أنه يستنزف ميزانية العراق لتمويل دوره العسكري، فإن الساحات الأخرى
كمثل لبنان وسورية واليمن والبحرين، والكثير من تحالفاته على ساحات الوطن العربي
الأخرى، تمثل مصادر استنزاف مالي تضع الميزانية الإيرانية في مواقع حرجة، لا بُدَّ
من أن تبدأ بالظهور تباعاً في المراحل اللاحقة.
لقد أجاد النظام
الإيراني لعب دوره في وسائل توفير الدعم المالي والتسليحي لحلفائه خارج العراق،
وهو الآن يموِّل حربه في العراق من النفط العراقي ذاته. وإن سهولة توفير هذا التمويل
بأكثر من وسيلة، أغرته حتى الآن ودفعت به لنسيان أن إدارة جورج بوش قد خططت لتمويل
حربها ضد العراق من نفط العراق ذاته. وتناسى النظام أيضاً أن تلك الإدارة لم تستطع
تنفيذ ما قامت بالتخطيط له، وقد خرجت من العراق واقتصادها محطم ومنهار وما زالت
تعاني من أزمتها حتى الآن.
ولكن على الرغم من
ذلك، لن تدع الإدارة الأميركية إيران تصل إلى حد الإفلاس فتخسر حليفاً يتقاطع معها
في ملفين استراتيجيين كبيرين: ملف العراق وملف مشروع الشرق الأوسط الجديد. ولكنها تعمل
على استنزافه بالحصار والعقوبات، وتخفيض مفتعل لأسعار النفط، وهو جاد في إضعافه
وليس إنهاكه، ليعود للتظلل بالخيمة الأميركية كما كان في بداية احتلال العراق.
وإنه وإن كانت الإدارة الأميركية تتعامل معه على طريقة الاحتواء والتطبيع، فلأنها
بحاجة إليه أولاً، لاحتواء الملف العراقي بشكل أساسي، لإعادة تدعيم قواعد العملية
السياسية التي تنهار وتكاد تتقوَّض، وثانياً لأنها بحاجة لمساعدته على إيجاد حلول
لبعض الملفات. وبالإجمال نحسب أن الصراع الأميركي – الإيراني حالياً يصب في دائرة أن كليهما بحاجة للآخر
خاصة في العراق كهدف استراتيجي، ولن يفرِّط أيٌّ منهما بصاحبه لحاجته إليه في
ترسيم حدود المصالح في مشروع الشرق الأوسط الجديد.
2-الاستنزاف
السياسي
وعن هذا الجانب،
وبعد الظهور العلني للدور الإيراني المباشر في العمليات العسكرية التي تجري في
الأنبار وصلاح الدين، فقد أخذت تتصاعد دعوات عربية خاصة في بعض دول الخليج للوقوف
في مواجهة التمدد الإيراني بعد أن فقدت التطمينات الأميركية فعلها في تهدئة مخاوفها.
إن الدور الإيراني في العراق الآن، يتشكل بقيادة حشدين اثنين، وهما:
أ-الحشد العسكري الإيراني المباشر في
العراق.
بـ-الحشد الشعبي، وهو غلاف يغطي الهوية
الطائفية المتطرفة لمن استجابوا لنداء السيستاني الذي دعا للدفاع عن العتبات
المقدسة في مواجهة من اعتبرهم متطرفين.
وفوق هذا وذاك،
يخضع الحشدان لقيادة قاسم سليماني المباشرة، تاركاً دوراً شكلياً لحكومة حيدر
العبادي، ووزير دفاعه. وهذا التحول الكبير لم يعد يجد مبرراً لسكوت دول الخليج
العربي.
وإذا أضيف لانكشاف
خطورة الدور الإيراني في العراق بعد ظهور القوات الإيرانية في المشهد، التحول
الآخر على الضفة الغربية للسعودية، والذي يتمثل بالتمدد الحوثي في صنعاء، بعد
احتلالها، قد أثار مخاوف مصر، والسعودية معاً، فيعني ذلك أن كرة تهدئة المخاوف
أصبحت في ملعب الإدارة الأميركية، وهذا يعني أن تلك الإدارة راحت تعيش أزمة ثقة
حتى مع حلفائها. تلك الأزمة وضعت إدارة أوباما في مواقف حرجة عليها أن تختار بين
خسارة تحالفها مع النظام الإيراني في الملف العراقي، أو خسارة تحالفها مع السعودية
أو في أقلِّه زعزعة تلك الثقة وإبقائها مهتزَّة.
وحول هذا، فقد
تصاعدت إعلامياً حدة الحركة الإعلامية من قبل أصوات ارتفعت في دول الخليج، ومن أهم
تلك المخاوف المعلنة لدول الخليج وإماراته بعد زيارة جون كيري، وزير خارجية
أميركا للرياض في 5/ 3/ 2015.
-قال آل خليفة في تغريدة علي تويتر:
الايرانيون في تكريت يحاولون الثأر من ابطال حرب الثمانية اعوام ضدهم والعرب للأسف
لم يفهموا الخطة التي حيكت، وهم يشاركون تحالفاً يخدم ايران.
-ومن جهته صرَّح سعود الفيصل، وزير الخارجية
السعودي، قائلاً: إن إيران تقوم بالاستيلاء على العراق. وإن تكريت
مثال ساطع على ما يقلقنا.
حيال ذلك فقد زار
جون كيري السعودية زاعماً أنه جاء لاطلاع وزراء خارجية دول الخليج على ما وصلت إليه
المفاوضات مع إيران. وصرَّح في زيارته قائلاً: «وإن
كنا نخوض هذه المحادثات مع إيران حول هذا البرنامج، فلن نتغاضى عن أعمال إيران
التي تسبب زعزعة للاستقرار في مناطق مثل سورية ولبنان والعراق والجزيرة العربية
وخصوصا اليمن». وإذا كانت غاية زيارته إعادة الاطمئنان
إلى نفوس حلفائه، فكأنه لم يفعل شيئاً لأنه لم يستطع أن يقتلع مخاوفهم. وهذا ما
زاد في أزمة أميركا وإرباكها.
مأزوم
يصر على التنسيق مع مأزوم،
ولكل ذلك فإن الإدارة
الأميركية المأزومة تصر على التنسيق مع نظام إيراني مأزوم. ومفهومنا للأزمة هنا،
هو أن إدارة أوباما تبدو مرتبكة لتعارض حركتها تجاه إيران مع الداخل الأميركي،
والإقليمي، والعربي ممن يعتبرون من حلفاء أميركا الرئيسيين. وأما أن النظام
الإيراني فواقع في أزمات على الرغم من أنه يمسك بأوراق قوة عديدة، فلأن تلك
الأوراق تثير حوله أكثر من زوبعة ستؤدي إلى إضعاف دوره شيئاً فشيئاً.
بداية، لقد أثار
الدور الإيراني، العسكري المباشر بواسطة فيلق القدس والحشد الشعبي العراقي الطائفي،
حفيظة الأميركيين ممن هم خارج كراسي الإدارة، لأنهم يعتبرون أنه يشكل خطراً كبيراً على المجتمع الدولي، كما أكد النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية مايكل موريل في
لقاء مع محطة السي بي أس الأميركية.
وهذا أيضاً ناقشه الكونغرس الأميركي في جلسات سابقة من شهر شباط، وأكد من تكلموا
فيه، أنه إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يشكل خطراً على الأمن الدولي فإن الدور
الإيراني بوجهيه يشكل خطراً مماثلاً. كما كشفت
أوساط إياد علاوي عن أن مساعي طهران في استغلال ميليشيا الحشد هو لفرض
استراتيجيتها العسكرية على حساب الاستراتيجية الأمريكية.. وفي السياق ذاته نقلت
صحيفة السياسة الكويتية عن قيادي كردي في بغداد قوله إن واشنطن ليست مرتاحة لحجم
الدور العسكري الإيراني في تكريت الذي وافقت عليه الحكومة العراقية.
ولكن الإدارة
الأميركية لم تكترث بما يصدر من ردات فعل أميركية، بل تعتبر أن التدخل الإيراني هو
فعل إيجابي، وهذا ما أكده رئيس الأركان الأمريكي
مارتن ديمبسي في 3/ 5/ 2015، أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، وعن ذلك قال: إن التدخل الإيراني في العراق هو الأوضح منذ عام 2004 وقد
يكون إيجابياً.
في ظل حالة الإرباك
التي تعاني منها إدارة أوباما، كما في ظل حالة التراكم السلبي الذي يصب في خارج
مصلحة النظام الإيراني، تطفو على السطح مجموعة من المتغيرات التي يُؤمل منها أن تحدث
هزة ما على سطح بحيرة المنطقة. وتلك الهزة قد تؤدي إلى ولادة أحلاف جديدة لا تقطع
علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية، بل ستكون عبارة عن مرحلة تتمايز بها عن
واقع الالتحاق الكلي بالإدارة الأميركية، وستكون من قبيل تنويع الخيارات السياسية التي
قد تؤدي إلى متغيرات ما على صعيد المشهد الجامد الذي ساد في السنوات الثلاث
الماضية. ونعتقد أنه سيكون لها فعالية على صعيد العراق، وعلى صعيد أكثر من ملف عربي
آخر. ومن أهم الأسباب والمظاهر التي نحسب أنها ستلعب دوراً في بناء تحالفات جديدة،
هي التالية:
أ-المخاوف الخليجية من التمدد
الإيراني، والتي كما نحسب أنها تجاوزت التطمينات الأميركية ولم تعد تثق بها، خاصة أنها
تجد نفسها مطوقة بالخطر الإيراني من الجهات الأربعة. فهناك الإمساك الإيراني بالجبهة
الشمالية والشرقية للسعودية من العراق والبحرين. والدخول الجديد من غربي السعودية وجنوبها
في اليمن.
بـ-المخاوف المصرية من محاصرتها
إيرانياً في اليمن الحوثي الذي يهدد ممرات مصر البحرية، ومحاصرتها من الغرب بواسطة
الفوضى العارمة في ليبيا.
جـ-تمدد الحركة الروسية باتجاه مصر
بشكل خاص، واستثمار الخلافات السعودية – الأميركية.
إن هذه المظاهر،
كمتغيرات في الحركة السياسية العربية خاصة، والحركة الروسية بشكل عام، لا بًدَّ من
أنها تنتظر انبثاق عوامل جديدة، لعلَّ أهمها أنها جمعت من جديد دولتين عربيتين
نافذتين، متضررتين من التمدد الإيراني من جانب ومن خطورة النيران المندلعة
لـ(الربيع العربي) من جانب آخر، وهذا يعني أن هناك بداية عودة للتأثير العربي حتى
ولو كانت مظاهره جزئية، إلاَّ أنها ستعيد العامل العربي إلى لعب دور ما في المراحل
القادمة.
إن من أهم تأثيراته
حتى الآن هو أنها وضعت إدارة أوباما في أزمة الاختيار بين إدامة العلاقة مع النظام
الإيراني على الصعيد العراقي، وبين العلاقة مع قوتين عربيتين وازنتين. والأخطر من
كل ذلك، في حسابات تلك الإدارة، أنها فتحت بوابة أخرى غير البوابة السورية للحركة
الروسية تجاه المياه الدافئة. وهي قد تعيد إلى الأذهان علاقة الاتحاد السوفياتي مع
بعض أقطار الوطن العربي ولكن تحت عباءة روسية.
وأما من تأثيراته
على الدور الإيراني، فسوف تكون في وضع النظام على أول درجات سُلَّم الانحدار، وهذا
يعني وفق حساباتنا الخاصة أن البالون الإيراني المنتفخ بدأ مرحلة الضمور. وسيكون لاستمرار
الثورة الشعبية العراقية وصمودها في مواجهة الهجمة العسكرية الإيرانية الدور
الأبرز في الضغط على التحالف الأميركي - الإيراني، ذلك التحالف الذي توافق طرفاه
على حسم المعركة الدائرة في الأنبار وصلاح الدين بسرعة، لمنعها من أن تبقى عامل توتر
وتخويف لدول الخليج العربي من جهة، ولكي لا تتحول إلى حرب استنزاف قاسية للنظام
الإيراني مادياً وبشرياً من جهة أخرى.
أما إدارة أوباما،
فلن يكون بمصلحتها أن تطول الحرب الإيرانية في الأنبار وصلاح الدين، لأنها طالما ظلت
تزرع الخوف عند دول الخليج العربي، فستتحول إلى عامل استنزاف سياسي لتك الإدارة.
والأرجح أنها لن تصبر طويلاً على إبقاء جرحها السياسي نازفاً في مناطق المعارك
التي يخوضها الإيرانيون بشكل علني ومباشر.
وبين هذه النتائج
وتلك، فقد وقع النظام الإيراني في الفخ لأنه ندب نفسه لأهداف تفوق إمكانياته. كما
وقع في فخ الوهم الذي ساور قادته، رجال دين وسياسين وعسكريين. وحلموا أن تأثيرهم
المنفوخ فتح لهم بوابة (تصدير ثورتهم) على مصراعيها.
كما أن أميركا
المهزومة استغلَّت إيران لحراسة مصالحها في العراق، وهي اليوم مأزومة مع حليفها
الاستراتيجيي، فهل ستغرق أميركا حليفها في اللحظة الحرجة؟
في النتائج
استشراف
للمتغيرات
على قاعدة صمود
المقاومة العراقية في مواجهة الهجوم الإيراني الكبير في محافظة الأنبار وصلاح
الدين، تشهد الساحة العربية بداية تشكيل محاور عربية ودولية تناهض الإدارة الأميركية
لأسباب إيرانية، وهي ستنعكس إيجاباً على مسار المقاومة في العراق بشكل خاص، وعلى
صعيد البدء بالعد التنازلي للدور الإيراني في بعض الساحات العربية بشكل عام، وهذا
ما يدفعنا للتساؤل:
-هل هناك تحولات
على صعيد القضية العراقية؟ وما هو مآل التدخل الإيراني المكشوف؟
-هل ستساعد إيران، بطلب
أميركي، على حل للقضية اليمنية لتطمين مصر والسعودية ؟
قد تكون إدارة
أوباما مرغمة على اتخاذ قرارات جزئية قاسية عليها بصدد العلاقة مع النظام
الإيراني، لإراحة بعض الأجواء العربية المحتقنة ضدها. وتلك القرارات قد تمس الشكل
وليس الجوهر في تلك العلاقة. لذا نخشى من سوء استخدام هذا التراجع من قبل بعض دول
الخليج العربي، للقبول بتغييرات شكلية تعرضها عليها إدارة أوباما في الوقت الذي
تضمر فيه الانقلاب عليها حينما تحين الفرصة المناسبة. ومن أهم الأسباب هو أنه ليس
في الوصول لاتفاق حول الملف النووي إنهاء للنفوذ الإيراني، وليس بإنهائه وحده تزول
مخاوف دول الخليج العربي كما يروِّج له جون كيري وزير الخارجية الأميركية. وأما
السبب فهو أن مخاوف دول الخليج من الدور الإيراني كانت سابقة للملف النووي. ويزيلها
إقفال البوابة الشرقية في وجه الأطماع الإيرانية، وليس غير ذلك. ولن يكون الحل
بإعادة التوازنات الطائفية في العراق لأنه لن يُبعد الخطر الإيراني، بل يبقيه
ويقوم بتشريعه وتثبيته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق