الأربعاء، أبريل 08، 2015

رسالة أوباما إلى دول الخليج العربي


رسالة أوباما إلى دول الخليج العربي

وعد بتطمينات سرابية ووعيد بـ(ربيع خليجي)


بداية لا بُدَّ لنا من الإشارة إلى أن أوباما كان مأزوماً في المقابلة التلفزيونية، في 6/ 4/ 2015، التي أجراها معه الصحافي اليهودي توماس فريدمان، وحيث قال أوباما إنه سيجري حواراً صعباً مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لتسويق اتفاق الملف النووي الإيراني. وقال في المقابلة إنه سيعد القادة الخليجيين بتقديم دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين، لكنه سيقول لهم إنه يتعين عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية.

وإذا كان الوعد الأول تفي به الإدارات الأميركية منذ زمن طويل، ليس حباً بالأنظمة بل هو حاجة وضرورة أميركية من أجل المحافظة على (أمن النفط)، وحرص الأميركيين عليه له الأولوية المطلقة، فإن النصحية لهم بأن يبادروا ألى معالجة التحديات الداخلية، التي سيسديها أوباما لهم، هي مربط الفرس في تحليل أبعادها التي يرمي إليها الرئيس الأميركي، والجواب على السؤال: لماذا راح أوباما يسدي النصح لتلك الأنظمة في هذا الوقت بالذات. ولمعرفة هل هي نصيحة أم تهديد؟

يعلم أوباما، وتعلم الإدارات الأميركية المتعاقبة، أن هناك الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تواجه تلك الأنظمة منذ تأسيسها حتى الآن. حتى إنها لم تقم بمعالجتها على الرغم من موجات الحراك الشعبي العربي، التي اجتاحت ساحات أكثر من قطر عربي تصدرتها الجماهير الشعبية في كل قطر مطالبة بمعالجة تلك التحديات.

ولأن الإدارات الأميركية كانت رائدة في سرقة الشعارات الجماهيرية، وكانت تحض عليها وتقدم المساعدات لكل من سرقوا جهد الجماهير ونضالاتها، ولكنها لم تفكر يوماً أن تشير بالإصبع إلى أن هناك تحديات تواجه كل النظام العربي الرسمي، ومنها أنظمة دول الخليج العربي. وعلى قاعدة ازدواجية المعايير راحت الإدارة الأميركية تتناسى أخطاء أنظمة وتبعدها عن الأضواء، وتنتقي أخطاء أنظمة أخرى لتضعها أمام المجهر وتحرض ضدها.

وكانت أنظمة الخليج العربي من تلك الأنظمة التي تم استثناؤها من النقد الأميركي، لذا أبعدتها وسائل الإعلام الأميركية عن دوائر التعبئة والتحريض، وأما السبب فهو معروف ومن أهمها أنها تريد أن تنأى بمناطق النفط العربي عن التفجير والفوضى. وهنا في تصريح أوباما ما يثير التساؤل التالي: لماذا جاءت الإشارة إلى تحديات دول الخليج الداخلية في هذا الظرف بالذات؟

وفي محاولة لتفسير الأسباب والإضاءة على ما تضمره إدارة أوباما لتلك الدول احتمالان، إما أن يكونا مترابطين أو منفصلين، وهما:

-الاحتمال الأول: تهديد ظرفي، أي توجيه رسالة تهديد لتلك الدول، وذلك من أجل تليين عريكتها وإعلان القبول بنتائج الاتفاق النووي بعد أن أعلنت رفضها له لأنه يهدد أمنها الوطني. وإنه يقصد من رسالته أن تستجيب تلك الدول لعامل التهديد، ولإن في استجابتها توفير حرب على إدارة أوباما، وفي الإصرار على رفضها، فاتحة للبدء بتطبيق التهديد الاستراتيجي، أي البدء بتنفيذ الشق الخليجي من مشروع الشرق الأوسط الجديد. وهو الاحتمال الثاني الذي سنتكلم عنه توَّاً.

-الاحتمال الثاني: تهديد استراتيجي، أي التعجيل بفتح ملف تقسيم السعودية المتضمن في مشروع الشرق الأوسط الجديد. ولأن السعودية وغيرها من الأنظمة أخذ يدرك أن ما سُمي بـ(الربيع العربي)، بدأ برفع شعارات إصلاحية داخلية، وهي ما يسميها أوباما بإيجاد حلول للتحديات السياسية الداخلية. فهل يريد أوباما من وعيده إعلان البدء بتنفيذ مرحلة (الربيع الخليجي)؟

وعن الربيع الخليجي لا بد من إعادة استحضار الجزء المتعلق بمصير السعودية كما رسمها ذلك المشروع، وهو التالي: باختلاف خرائط تقسيمها زيادة في هذا القسم أو إنقاصاً في مساحة القسم الآخر، يبقى مخطط تقسيم السعودية واقعاً مخططاً له. ومن تلك الخرائط الملحوظة يتم تقسيم السعودية لثلاث دويلات، وهي فصل المنطقة التى تجمع بين مكة والمدينة فيما يطلق عليه )الدولة الإسلامية المقدسة(، فيما يتم تقسيم بقيه مساحة المملكة بين اليمن وبين ما يطلق عليه )دولة الشيعة العرب التى تم رسم حدودها لتحاذى الخليج العربى، وتحصر البقية الباقية من مساحة المملكة داخل شبه الجزيرة العربية لتصبح عبارة عما يطلق عليه (إقليم الدولة السعودية المستقلة).

بين رضوخ دول الخليج العربي لتهديد أوباما، الرئيس الأميركي، أو التمرد عليه مساحة من الأمل السياسي في الخلاص مما يهدد أمنها الاستراتيجي، لأن الوعود الأميركية، كما صرَّح أوباما ووعد بأنه سيدافع عن أمن الخليج إذا ما تعرَّض لعدوان خارجي، لن تجعل تلك الدول في مأمن طالما ظل العراق تحت سقف الهيمنة الإيرانية، إذ سوف تتعمق تلك الهيمنة بعد أن توصل الأميركيون والإيرانيون إلى اتفاق يحفظ مصالحهما في العراق أولاً، ولذلك لن تحتفظ إيران بمصالحها، كما تخطط لذلك، إذا فقدت التأثير على الساحة العراقية أو إذا ضعف دورها فيه.

وإن كان الأمر على ما قمنا بوصفه، فمن غير السهل على دول الخليج أن يتراجعوا عن القرار الذي اتخذوه باستعادة دورهم في حل مشاكلهم بأنفسهم، لأنهم بدأوا يدركون أن تلزيم حل قضاياهم للخارج سيحول دون ضمان المصلحة العربية، كما سيُبقي أمنهم مكشوفاً أمام الاجتياح الإيراني الراهن.

في هذه المرحلة التي يتظاهر فيه كل من الإدارة الأميركية والنظام الإيراني بأنهما قويان، فنحسب أنهما واقعان في أزمة جديدة يواجهان فيها مشاكل يصعب عليهما حلها في أوقات قصيرة، وما كان اتفاقهما إلاَّ لرأب الصدع في الخروقات التي أوقعتهما في مأزقين حادين. فالنظام الإيراني يعاني من مرحلة تضخيم دوره بما يتطلب منه جهوداً جبارة مالية وسياسية وعسكرية لتركيز تلك الأعباء وإدارتها. كما أن الحياة السياسية في أميركا اليوم تمر بمرحلة انتقالية، فهم على أبواب انتخابات برلمانية ورئاسية. وفي الوقت ذاته يقع على عاتق الإدارة الحالية حل العديد من القضايا ومنها الملفات التي أخذت تخرج عن إرادتها، أي تلك التي أثارت مخاوف حلفائها قبل خصومها، ولعلَّ أهمها ملف الأمن القومي في منطقة الخليج ومصر. وإضافة إلى كل ذلك يرادوها الخوف الحقيقي من متغيرات تظهر على السطح ذات علاقة بولادة نظام عالمي جديد سيسلبها كل المكتسبات التي حازت عليها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

في مواجهة التحالف الأميركي الإيراني بوابات من الأمل ستزيد من مآزقهما، ومن أهمها أن المرحلة الجديدة التي يمر بها الوطن العربي بعد تلاقي نظامين عربيين كبيرين بإمكاناتهما، وهما مصر والسعودية، نستنتج بأنه لا تراجع عن قرارهم بالدفاع عن أمنهما القومي خطوة واحدة إلى الوراء لأن أمنهما أصبح على المحك، لا بل يجب أن يتعمق تحالفهما على الأسس التي تم إعلانها. وما تهديد أوباما لدول الخليج إلاَّ عض على أصابع تلك الأنظمة، فمن الخطأ الفادح أن يصرخوا أولاً، بل بإمكانها أن تدفع إدارة أوباما للصراخ، فهي الآن بحاجة إليهم لتمرير مرحلة جديدة بدأت تظهر على السطح العالمي، التي هي بداية مرحلة بناء نظام عالمي جديد محكوم بأكثر من قطبية واحدة.

وهنا، وعن ذلك علينا أن نولي اهتمامنا بما قد يتبادر إلى الذهن: ما هو موقف روسيا من كل ما يجري؟

وجواباً على ذلك، لروسيا مصالح في المياه العربية الدافئة إذا ما فاتت من يدها يصبح أمنها الاستراتيجي مكشوفاً. وهذا الانكشاف سيؤدي إلى تعريض أمنها للخطر، ويصبح سهل التدمير بواسطة الآلة السياسية والعسكرية الأميركية. ولذلك نحسب أن من أهم الملفات التي تحرص روسيا على عدم التفريط بها وهو ما يجري العمل عليه من قبل أميركا بشكل خاص، إقفال البوابة السورية في وجهها بما يعني إقصاؤها كلياً عن المنطقة وعزلها من التأثير فيها وبالتالي حرمانها من ضمان مصالحها الاستراتيجية. والملف الآخر، والذي لا يقل خطورة عن الملف السوري هو انتصار المشروع الإسلامي السياسي.

وإذا كانت مصالح روسيا تتقاطع مع مصالح النظام الإيراني في سورية، لكن تجب الإشارة إلى أن لكل منهما أسبابه المختلفة عن أسباب الآخر. فروسيا حريصة على بقاء نظام سوري يحترم اتفاقياته الأمنية والعسكرية معها أولاً على أنها ترفض قيام نظام ديني سياسي يشكل ظهيراً ومحرِّضاً لحركة الإسلام السياسي في بعض دويلات الاتحاد الروسي. بينما النظام الإيراني يعمل على الاحتفاظ بمصالحه مع سورية موحدة ترتبط معها بعلاقات استراتيجية، وإذا فلت الأمر من يدها فإنها بالتالي ترضى بجزء من سورية كدويلة طائفية ترتبط معها باتفاقيات ثابتة. وهنا، ولاستشراف موقف روسي في حالة تغيير النظام القائم فإنها لا تشعر بالاطمئنان لأي بديل ديني إسلامي، وهذه من نقاط الافتراق المختلف عليها استراتيجياً مع النظام الإيراني. وهذا الأمر الذي يصح على مستقبل سورية يصح على مستقبل العراق. وباختصار نحسب أن مصلحة روسيا تكون أكثر أماناً مع أنظمة مدنية، وتكون في أقصى خطورتها عندما تكون مع أنظمة دينية سياسية.

أما عن موقفها في اليمن، وإذا كان من الظاهر أن الحركة الحوثية الحاكمة حليفاً لإيران. وإذا كانت إيران حليفاً لروسيا، فهذا يعني بالاستنتاج النظري أن اليمن الحوثي سيكون حليفاً لروسيا بشكل غير مباشر. ولكن تأسيس نظام يمني يسيطر عليه الحوثيون، سيشكل خطراً على كل من الأمن المصري والأمن الخليجي، وإذا كان نظرياً يصب في مصلحة روسيا لأنه سيدين بالولاء لحليفها النظام الإيراني، فهل سيكون موقف روسيا مؤيداً لذلك النظام في ظل تناقض وجوده مع أمن مصر؟ وهل ستقطع روسيا الأمل كلياً بعلاقة ما مع دول الخليج العربي في ظل حالة التوتر الأميركي - الخليجي؟ أم أن الموقف الروسي سوف يتساوق مع مصالحه بالمحافظة على علاقاته مع مصر من جهة، والمراهنة على علاقة إيجابية مع دول الخليج في ظل معطيات هذه المرحلة؟

لهذا، وللمعطيات التي سقناها، نحسب أن عوامل التقاطع الروسي الإيراني ليست قاعدة دائمة تقود إلى تطابق كامل بين الموقفين بل هناك تمايز بينهما بشكل أو بآخر. ومن الأفضل أن يتم الفصل بين الموقفين، لأن ما تعتبره إيران (حقاً إلهياً) لها في بناء إمبرطورية دينية مذهبية، لا تعتبره روسيا كذلك، بل من مصلحتها أن تبني مواقف متوازنة مع كل الأنظمة في الوطن العربي. وهذا لن يكون ميسوراً لها في منظومة من الدويلات الطائفية.

إن ما ينطبق على الموقف من روسيا، سيجد صداه بشكل أوسع مع مجموعة دول (البراكس) وفي طليعتها الصين. وهذا الواقع في البنية الدولية يصب بشكل إيجابي في مرحلة عض الأصابع بين الإدارة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي زائداً جمهورية مصر العربية. وإذا ما تعمَّق التلاقي العربي بين دولتي السعودية ومصر حول معركة المصير العربي ضد مشروع الاستيطان الإيراني في الوطن العربي المدعوم أميركياً، سيجد الاستجابة والترحيب من قبل مجموعة من القوى الدولية والعربية، ومن أهمها:

-منظومة دول البراكس.

-(كل الأحزاب والحركات والمنظمات والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية إلى التوحد والوقوف مع الموقف الجديد للنظام العربي) كما جاء في خطاب الرفيق عزة ابراهيم، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي وجَّهه لأبناء الأمة العربية في الذكرى الثامنة والستين لتأسيس الحزب.

-وكما جاء في الخطاب المذكور أيضاً: (لأن المعركة الأساسية لشعبنا وقواه الثائرة وفي طليعتها حزبنا يكون ضد الاستعمار الجديد الذي يغزو عدداً من أقطار الأمة ويحتل أرضها ويدمر حياتها ويستعبد شعبها وينهب خيراتها ويقطع أوصالها)، سيلقى قرار التصدي للمشاريع الاستعمارية تأييد (كل الأحزاب والحركات والمنظمات والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية، إلى التوحد والوقوف مع الموقف الجديد للنظام العربي إن حصل).

ولكل ذلك، فإن مصير الوطن العربي إذا كان مهدداً كما هو حاصل الآن، فسيكون هدف حمايته ذي أولوية مطلقة عند كل العرب، ويجب أن لا يسبقه أي هدف آخر، سواء أكان مطلبياً أم إصلاحياً.

وإذا ثبت أن أهداف (عاصفة الحزم) شمولية وليست انتقائية وموضعية،

وإذا كانت الاستجابة لها وتأييدها شاملة قوى دولية وعربية،

فلا شك، كما أشار الرفيق عزة ابراهيم، بأن (أميركا ستتراجع وتتقهقر) أمام ذلك الإجماع.

وأخيراً، نتساءل:

هل سيشيع تهديد أوباما الخوف لدى دول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية، أم أن تلك الدول ستصمد أمام تهديدات أميركا التي أصبحت منزوعة الأنياب في هذه المرحلة؟

إن تفصيلنا لوجود متغيرات في المواقف الخليجية والمصرية ذات علاقة بالخوف من التفاهمات الأميركية والإيرانية على مستقبل الأمن القومي العربي، وهذا يقود إلى وجوب الاستفادة من المتغيرات التي طرأت على المستوى الدولي ونظام حكم العالم الجديد.

وإذا أضفنا إلى ذلك المتغيرات على الصعيد العربي التي فرضتها مرحلة الصراع بين مشروعين اثنين، تتلخص بالمفاضلة بين المحافظة على وحدة الدولة القطرية أو الانزلاق إلى متاهات تفكيك تلك الوحدة لمصلحة تأسيس أنظمة جديدة تكون عبارة عن دويلات طائفية.

وبسبب من وجود تلك المتغيرات، هل يُكتب للقرار الخليجي المصري أن يقف عند مرحلة ما وتنغرز جنازير دباباته في رمال المشاريع المشبوهة، أم أنه سيستمر مستفيداً من إيجابية تلك المتغيرات؟

وإذا كانت تطورات المرحلة القريبة القادمة تشكل معياراً نقيس به مصداقية التوقعات أم عدم صدقها، فنستنتج التالي:

لا نحسب أن مشروع تفتيت مصر ودول الخليج لم يصل إلى أسماع حكامها،

ولا نحسب أن تلك الدول تجهل خطورة الدور الإيراني في مشاريع التفتيت والتقسيم،

كما لا نحسب أنها ستطمئن إلى وعود إدارة أميركية مهزومة في العراق، تعتمد على إيران في حماية مصالحها هناك، وتسكت عن جرائمها التي يندى لها جبين الأخلاق والإنسانية.

كما لا نحسب أنها لا تضع نصب أعينها أن المخاطر ستظل قائمة طالما ظل لإيران دور كبير في تقرير مصير الوطن العربي.

لكل ذلك نتوقع أن يستمر مشروع (عاصفة الحزم) المعلن، ليلقى أصداءه في كل مكان لإيران فيه دور فاعل. ويأتي على رأس كل تلك الأدوار بقاء (البوابة الشرقية) مشرعة أمام النظام الإيراني. ولذلك فإن إقفال تلك البوابة يأتي أولوية مطلقة، وهذا ما يمكن إرساله بوضوح إلى أوباما قبل أي لقاء مرتقب معه.

 

ليست هناك تعليقات: