الثلاثاء، أبريل 21، 2015

حيدر العبادي أداة وسيطة لتوصيل رسائل تطمين خادعة لدول الخليج العربي


عندما تستنزف المقاومة العراقية قوى العملاء وأسيادهم
حيدر العبادي أداة وسيطة لتوصيل رسائل تطمين خادعة لدول الخليج العربي


قبل اندلاع الثورة العراقية، في أوائل العام 2014، كان الاحتلال الأميركي في قمة ضعفه بينما الاحتلال الإيراني كان في أوج قوته في العراق. وبينما كانت الولايات المتحدة الأميركية تتلطى تحت حماية إيران، تقابلها عنجهية إيرانية تزعم فيها أنها أمسكت برقاب البلاد والعباد، توافقت الدولتان على بذل كل ما يمكنهما من جهود ووسائل قوة لتدعيم بنيان عمليتهما السياسية التي كانت تتهاوى أمام إصرار الشعب العراقي على استرداد حقوقه بالتحرر من الاحتلال الأجنبي.

في تلك المرحلة المنصرمة كانت الدولتان المحتلتان في موقع الهجوم، وكانتا واثقتين أن باستطاعتهما إنقاذ حكومة نوري المالكي، فقدما معاً حبل إنقاذ له في اواخر العام 2014. وبدلاً من إنقاذه تهاوى بسرعة لم يكن أحد يتوقعها. وكان المالكي في أقصى درجات نشوته بأنه يشكل رقماً صعباً في معادلة القوى في العراق، واعتبر حينذاك أن معارضيه بقية من الفلول التي لن تصمد أمام قراره بالقضاء على الثورة، وقدَّم أسياده، إيرانياً وأميركياً، كل المساعدة لاجتياح ساحات الاعتصام بالقوة. ولذلك خاطب المعتصمين، والإشفاق عليهم كان ماثلاً في تهديداته حينما قال مخاطباً المعتصمين: (أين ستفرون؟). وكانت النتيجة أن المالكي هو الذي راح يفتش عن ملاذ آمن له، ولم تنقذه إلاَّ وسيلة الإسعاف بتعيين حيدر العبادي خلفاً له، واعترافاً بعمالته فقد تمت ترقيته إلى موقع أعلى لحمايته من المحاكمة. وكانت النتيجة أن من أنقذ المالكي، لم يعلم أنه أوقع العبادي بالفخ ذاته.

لقد انهزم عنترة المالكي أمام الفلول كما كان يزعم، وانبرى عنترة العبادي لحمل العبء الثقيل. وزجَّت إيران بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية والمخابراتية، مدعومة بأميركا، وكلَّفت قاسم سليماني بأن يكون الحاكم الفعلي للعراق.

أخذ قاسم سليماني كامل فرصته لإعادة ترميم العملية السياسية، فاستباح أرض العراق طولاً وعرضاً، وبدأ حملة عسكرية موبوءة بكل وسائل القمع والإرهاب تحت ذريعة (حماية العتبات المقدسة). وساعدته أميركا وتحالفها من الجو، كما مدَّت له يد العون على الأرض، وأعادت تدريب قواته النظامية. وزجَّ العبادي قوات (الحشد الشعبي) الذي تشكَّل مما أطلق عليه علي السيستاني (الجهاد الكفائي) لحماية تلك العتبات.

وبذلك تعاونت قوى الشيطان الأكبر مع القوى الإيرانية لإعادة ترميم العملية السياسية. وأعلن تحالف القوى الغربية أنه يحارب الإرهاب، وهو الذي خلقه. كما أعلن النظام الإيراني أنه يحارب التكفيريين، وهو أحد طرفيه. حدث كل ذلك، وأكَّدت وقائع الأحداث أن هناك أهدافاً أساسية بضرب قوى المقاومة والثورة الشعبية من أجل تثبيت الاحتلال الاستيطاني الإيراني. وهذا يعني لأميركا وتحالفها أن الاحتلال الاستيطاني هو أفضل الحلول في القضاء على كل دعوة يراد منها استعادة وحدة العراق، وإعادة العراق إلى حاضنته العربية.

وكان من الواضح أن قيادة سليماني ليست لحماية تلك العتبات لأنها كانت محمية لمئات السنين ممن اعتبرهم النظام الإيراني عدواً تكفيرياً يهدف لتدميرها. وإذا كانت الأهداف المعلنة مجرد أكاذيب لجر العامة من الجهلة، فإن الحقيقة كانت واضحة لعيان الذين يستقرئون حقائق الأمور، بأن أهداف المعارك التي كان يقودها قاسم سليماني، كانت موجهة بعقيدة الاحتلال الاستيطاني وذلك باستبدال هوية العراق العربية بهوية فارسية تُقاد بشرائع (الولي الفقيه). وكانت وقائع تلك العملية بالفعل، بعد انتشار جرائم التطهير المذهبي في المدن والقرى التي زعم الإيرانيون أنهم قاموا بتحريرها. كل ذلك كان يؤكد أن عملية التغيير الديموغرافي المذهبي سائرة على قدم وساق على طريق التنفيذ، وذلك بتغليب مذهب ليحل مكان مذهب آخر، وهذا ما يحسبه التحالف الأميركي الإيراني ضماناً لولاء سكاني لإيران في عملية الاستيطان الفارسية، وعملية تغيير ديموغرافي قومي لمصلحة القومية الفارسية على حساب مصلحة القومية العربية، وكانوا قد مهدوا لها بتوطين مئات الآلاف من العوائل الفارسية.

لم يفهم النظام الإيراني أن الصراع في العراق إذا حمل هوية مذهبية سيعمل على شق مذهبي عامودي في كل أصقاع الأرض ليقف كل طرف منهما إلى جانب نصرة المذهب المتضرر. وإن حجة الدفاع عن مذهب سيجر المذاهب الأخرى للدفاع عن نفسها. وأما النتيجة فستكون الدخول في دائرة جهنمية لن يستطيع أن يخترقها بحل. وأما حلها فسيكون الخروج من متاهات الدفاع عن المذهب خاصة إذا اخترقته مجموعات من الجهلة والمتعصبين. وحيث إن نظام ولاية الفقيه الإيراني قد دخل من تلك البوابة في الصراع على الساحة العراقية، وعقَّدت هتافات (الحشد المذهبي) الواضحة الأهداف، سبل الحلول وأصبح من الواضح أن الخروج منها مسألة في غاية من الأهمية.

إن تعقيد المعركة في العراق شكَّلت مأزقاً كبيراً للنظام الإيراني الذي كان يتوقع أنه سيعزز نفوذه وسيلقى تأييد مناصريه، المضلَّل منهم والقابل به على حد سواء، وأنه سيضع حليفه الأميركي في مأزق مماثل. وهكذا بدأت إدارة أوباما تحصد المأزق تلو المأزق، وهذا ما دلَّت عليه وقائع الأمور في المعارك الأخيرة، أي بشكل أساسي معركة ما أطلقوا عليه (معركة تحرير تكريت). ولما تأخر حسم المعركة على الطريقة الإيرانية، التي كانت تتم برضى أميركي، أخذت بوادر متغيرات جديدة في العلاقات بين الحليفين الأميركي والإيراني تتصاعد لأنها أوقعت خلافاً بين إدارة أوباما وأنظمة دول الخليج العربي.

ولكن الخلاف بينهما كان على شكل الإخراج وليس على نوعه، وكان المطلوب تعتيماً على الدور الإيراني لأنه كان يشكل استفزازاً لدول الخليج العربي من جهة، ويزيدها مخاوف من جهة أخرى. لذلك توافق قطبا التحالف على التعتيم على الدور الإيراني، الذي كانت جولات سليماني العلنية على أرض المعركة أحد أهم أسبابه، وكان الزج بموجات من (الحشد الشعبي المذهبي) يشكل السبب الآخر. وكان اختفاء إسم قاسم سليماني عن مسرح العمليات العسكرية بعد أن ملأها استعراضاً وعنتريات دونكيشوتية، من أهم مظاهر التعتيم الشكلي على الدور الإيراني. ويليه إعلان منع مشاركة (الحشد المذهبي) في معارك ما بعد تكريت.

كان تغييب اسم سليماني عن المشهد شكلياً، للتخفيف من حدة استفزاز أنظمة الدول الخليجية، بينما الدور الإيراني بقي ثابتاً على الأرض يتظلل بخيمة حكومة العبادي. وأتى الدليل على المأزق الأميركي على لسان حيدر العبادي بعد لقائه مع أوباما في أواسط شهر نيسان 2015، عندما وصف ظهور قاسم سليماني على أرض المعركة بـ(أنها فكرة سيئة). وفي مثل تلك الحالة ليس المهم إبعاد قاسم سليماني عن ملف العراق، بل الأهم أن لا يستمر النهج الذي كان سليماني يقوم بتطبيقه. والنهج يشكل الخطورة الكبرى على العراق وعلى أمن دول الخليج العربي، أليس تحويل الاحتلال الإيراني إلى احتلال استيطاني هو تغيير للبنية المجتمعية للعراق؟ وأليس تغيير تلك البنية من بنية عربية إلى بنية فارسية يمثل أقسى أشكال الخطورة على بنية المجتمعات القطرية العربية؟ وأليس التغيير الديموغرافي في العراق يمثل الخطورة القصوى على مجتمعات دول الخليج العربي؟

إن القليلين هم الذين لفتت أنظارهم تلك المتغيرات الشكلية، في المواقف الإعلامية المضلِّلَة لكل من الإدارة الأميركية ورئيس حكومة العمالة في العراق. إلى أن ظهرت بشكل علني في اللقاء الأخير الذي حصل بين أوباما وحيدر العبادي. وفي اللقاء أعلن أوباما استياءه من دور ميليشيات الحشد الشعبي من جهة، والدور الإيراني من جهة أخرى. وتقاطع إعلان أوباما مع تسويق العبادي موقفاً ناقداً للدور الإيراني. ويهدف التصريحان إلى تطمين كاذب للخليجيين. فهل تُخدع دول الخليج بمظاهر التصريحات أم أنها ستصر على اتخاذ قرارات حازمة حدها الأدنى تطهير العراق من الوجود الإيراني في العراق سياسياً وعسكرياً وأمنياً؟

لا شك بأن اللقاء المذكور قد كشف عن مجموعة من المتغيرات التي من المفيد الإشارة إليها، وتلك المتغيرات كانت من نتائج الصمود الذي سطرته فصائل المقاومة العراقية في معارك صلاح الدين. وإنه لولا ذلك الصمود لكانت الأوضاع تسير على الخطى التي رسمها الاتفاق الأميركي الإيراني، الذي كان هدفه القضاء على المقاومة العراقية تحت مسميات سادها الكذب والخداع والتضليل، وهو (محاربة الإرهاب) الذي ألصقوه بما يسمى بـ(الدولة الإسلامية).

لقد أدى صمود المقاومة في معارك صلاح الدين إلى مجموعة من ردود الفعل خاصة في منظومة دول الخليج العربي، التي عبَّر عنها بوضوح تصريح سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، مستبقاً قرار (عاصفة الحزم)، عندما حذر من خطورة طائفية المعركة التي كانت تدور في تكريت، كما حذر من خطورة الدور الإيراني في تلك المعارك.

إن ذلك الإعلان لم يكن ذات دلالات ظرفية، كما نحسب وكما نتمنى، بل إنه يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة استشعر فيها الخليجيون بأن الخطر الإيراني سينتقل إلى مرحلة أشد خطورة من المراحل السابقة. وقد تعززت تلك المخاوف بعد إعلان أكثر من مسؤول إيراني أن إيران قد سيطرت على أربع عواصم عربية كانت آخرها صنعاء، عاصمة القطر اليمني. وإن المخاوف لم تكن ظرفية ولم تكن إعلامية، بل كان فيها خطاباً ناقداً للإدارة الأميركية فيه من الجدية أكثر مما فيه من الظرفية الإعلامية. والدليل على هذا الاستنتاج هو أن صداها قد وصل إلى مسامع الإدارة الأميركية، ولذلك أخذتها إدارة أوباما على محمل الجد، فاستدعت حيدر العبادي لترسل من خلاله رسائل تطمين إلى دول الخليج العربي، لتكون تلك الرسالة مدخلاً للقاءات ستجريها الإدارة مع مسؤولين في دول الخليج في شهر أيار القادم.

ولكي تصبح تلك المتغيرات أمراً جدياً، ولكي لا تكون بمثابة رسالة تطمين خادعة قد تمررها إدارة أوباما على دول الخليج، يجب أن تترافق مع خطوات عملية تصب في مصلحة الأمن القومي العربي انطلاقاً من تحرير العراق من أي نفوذ أجنبي وخاصة الإيراني منه.

وإلى أن يتم لقاء أوباما مع وفد مسؤول يمثل دول الخليج العربي، تبقى اتجاهاتنا في الاستنتاج محكومة بالتمنى بأن يكون الموقف العربي جدياً واستراتيجياً، وذلك لأن حالة الإرباك الأميركي والإيراني الراهنة قد لا تتكرر مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات: