ثرثرة على أسوار كامب ديفيد
الخليجي
مفاعل (تصدير الثورة) أكثر
خطورة من المفاعل النووي الإيراني
خوفاً من أن تُغرق إدارة أوباما لقاءه المرتقب مع
مسؤولين من دول الخليج العربي بتطمينات سرابية بمحاولات إزالة مخاوفهم من الاتفاق
النووي الأميركي –
الإيراني، يجب أن تكون الحقيقة الثابتة ماثلة أمامهم على الطاولة، وتلك الحقيقة هي
أن الملف النووي الإيراني فرع من فروع تصدير الثورة الفارسية، وإقفاله لن يزيل
الخطر على الأمن القومي العربي، بل ما يزيلها هو التراجع عن استراتيجية تصدير
الثورة الإيرانية إلى الوطن العربي انطلاقاً من العراق.
لقد عوَّدتنا الإدارات الأميركية المتعاقبة على أساليب
الخداع والمراوغة في علاقتها مع دول العالم، ولن نستثني إدارة أوباما الحالية. ومن
المعروف أن تلك الإدارات ليست أكثر من ناطق رسمي لحكومة أميركية تقبع في الظل،
وتوحي إلى رؤوساء الإدارة بما عليهم أن ينفذوه، وما عليهم أن يجتنبوه. وإذا كانت
الحكومة الخفية قد أوحت لإدارة جورج بوش أن تستخدم أسلوب الصدمة والترويع باحتلال
العراق، فإنها أوحت لإدارة أوباما أن تستخدم أسلوب ما أطلقت عليه الحوار الدبلوماسي
بديلاً لأسلوب القوة العسكرية. ولذلك تعتبر أن الحوار مع الإدارة الإيرانية هو
أجدى لها طالما تصب ممارسات تلك الإدارة في مصالح الولايات المتحدة الأميركية،
وخاصة أنهما يتقاطعان في احتلال العراق، ولا ضير إذا اختلفا حول ملفات أخرى، فتلك
الملفات ثانوية عندهما يمكنهما تأجيل البت فيها إلى ما بعد تثبيت مصالحهما في
العراق لأنه أهم وأدسم.
لماذا العراق؟
بالنسبة لأميركا يُعتبر العراق بوابة وحقل تجارب لتطبيق
مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وبالنسبة لإيران يُعتبر بوابة التواصل المباشر من أجل
تصدير الثورة الفارسية.
ولهذا كله أسَّست الإدارتان لعلاقة ثابتة في العراق،
واستكمالاً لصياغة استراتيجية الحوار الدائم بينهما قاما بتفكيك لغم المشروع
النووي الإيراني، على قاعدة ما تعتبره إدارة أوباما تطميناً لأصدقائها سواء أكان في
دول مجلس التعاون الخليجي أم كان تطميناً لربيتها (إسرائيل).
وراحت إدارة أوباما تستغفل العقول عندما حصرت مخاوف
الخليجيين بإقفال الملف النووي، ولكنها تناست أن هناك ملفاً أكثر خطورة منه، وهو
الملف النووي الكامن في مفاعل مبدأ (تصدير الثورة)، وهو الملف الأكثر خطورة،
والأدهى من المصائب مجتمعة. فالملف الثاني هو الذي دفع دول الخليج إلى المساعدة في
إقفال بوابة تصديرها العراقية في حرب السنوات الثمانية.
ولأن إدارة أوباما تستخدم كسابقاتها أسلوب المراوغة
فإنها وجَّهت لدول الخليج العربي عدة رسائل للتطمين، نرى من المفيد التذكير بها.
ومن أهمها:
-القول بأن ما يهدد دول الخليج ليس الاتفاق النووي
الإيراني، بل قال إن الخطر الذي يواجه تلك الدول هو الخطر الداخلي في تلك الدول،
وقد حضَّها حينذاك على القيام بإصلاحات داخلية لإقفال الأبواب في وجه العواصف التي
قد تتعرَّض لها.
-وأما الرسالة الثانية فكانت الطلب من حليفها الإيراني
إبعاد صور قاسم سليماني عن ميدان المعارك في الأنبار وصلاح الدين، وحصل ذلك لتطمين
دول الخليج العربي، ولكن لن يخفى على المدركين، أن ملائكة سليماني بقيت حاضرة في
كل جريمة ترتكبها حكومة العبادي في تلك المحافظات.
-وأما الرسالة الثالثة والأخيرة، حتى الآن، فكان تقديم
إغراءات لها بتقديم السلاح لـ(السنة) في العراق. وكذلك للأكراد. وبسذاجة وغباء
جاءت الرسالة الثالثة وكأنها جائزة ترضية لما يحسبونه تقوية السنة (المظلومين) في
مواجهة الشيعة (الظالمين). وتلك الرسالة لا تخرج عن كونها رسالة تعبر تمام التعبير
عن استراتيجية تقسيم العراق الذي شرَّعه قانون بايدن سيء الذكر.
متناسياً حقيقة الاستراتيجية الإيرانية، أن اقتطاع حصة
النظام الإيراني من العراق في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، أن في تقسيم العراق
أكثر ضمان له ولمصالحه. وإذا كان مشروع إدارة أوباما الجديد والطازج رسالة تطمين موجهة
لدول الخليج العربي بحماية (أمن السنة) في العراق ليكون قوياً في وجه (الأمن الشيعي)،
فعليه أن لا ينسى بأن هذا المشروع قديم يقدمه الآن بنسخة شكلية جديدة، وإنه لم يحل
سابقاً مشكلة التوازن بالقوة بين مكونات العراق الطائفية. وما عليه إلا أن يسأل
أولياء الأمر في الحزب الإسلامي العراقي. وهل طارق الهاشمي بعيد عن متناول أيدي
المخابرات الأميركية؟
إنه نتيجة للتفكير الاستراتيجي الأميركي، المدعوم من
التفكير الاسترتراتيجي الإيراني، القائم على توفير الحماية الأمنية لمكونات العراق
الطائفية، لهو تفكير مشبوه وخطير، لأن أمن المكونات الطائفية لا يمكن أن يكون مضموناً
سوى عبر توفير الأمن الوطني والقومي، وهذا لن يكون موفوراً في العراق إلا باستعادة
وحدته على أراضيه كاملة غير منقوصة. وإن كل وسيلة تعمل على توفير أمن العراق
بتوفير الأمن الذاتي لكل مكون طائفي فيه، تصب في غير مصلحة العراق أولاً، وإنها
تصب في غير مصلحة أمن دول الخليج العربي ثانياً.
لم تحل تلك الوسيلة مشكلة أمن دول الخليج العربي، لأنها
عزَّزت مواقع نظام (تصدير الثورة) الإيراني. وتلك الدول تدرك تمام الإدراك أنه بعد
سنوات من احتلال العراق بمشاركة إيرانية، تدرك أن الكاسب الأكبر من احتلال العراق
كان النظام الإيراني، بينما الخاسر الأكبر كانت الولايات المتحدة الأميركية، وإن
الاحتلال قرَّب مراكز الشر إلى حدود الخليج العربي الجغرافية بعد أن ألغت المسافات
الفاصلة بين إيران وتلك الدول، عندما استوطن النفوذ الإيراني في جنوب العراق بشكل
خاص. وهنا، ألا يُلفت النظر أن تصريحات المسؤولين الإيرانية تؤكد هيمنة النظام
الإيراني على أربع عواصم عربية؟ وهل قبل احتلال العراق كان النظام الإيراني يمتلك
كل تلك القوة؟
فانتظاراً لبدء اللقاء بين أوباما ومسؤولين خليجيين في
كامب ديفيد كان لا بد من نشر بعض الثرثرة لعلَّها تكون في محلها المناسب من
التذكير والتحذير. ولعلَّ من سيلتقي بهم أوباما يدركون أن مفاعل (تصدير الثورة)
أكثر خطورة من المفاعل النووي الإيراني. وإن من يدرك الحقيقة تلك أن يطلب إبعاد
إيران عن العراق إلى داخل حدودها الجغرافية كبادرة حسن نية، وليس بغيرها تطمئن
قلوب الخليجيين وتهدأ مخاوفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق