خذ أسرار مخططات الدول الكبرى من
ألسنة مخابراتهم:
(الشرق الأوسط الذي نعرفه
انتهى، وأشك بأن يعود مجدداً)
تتواتر المعلومات والتقارير
التي تؤكد أن الزلزال الكبير الذي يلف أقطار الوطن العربي لم يكن زوبعة في فنجان «الربيع العربي». كما أن ما يجري لا يمت بصلة
أبداً لـ«نظرية
المؤامرة)، بل هو مؤامرة بالفعل. وكلها تؤكد بأن الحراك الشعبي العربي قد سُرِق وأصبح
في (خبر كان).
وإن آخر التقارير جاءت هذه
المرة على لسان مدراء المخابرات المركزية في كل من الولايات المتحدة الأميركية،
والجمهورية الفرنسية. وقراءة ما يعلن عنه مدراء المخابرات ليس فيه غشٌّ أو تضليل،
لأنهم يملكون من الأسرار ما لا يملكه رؤساء الدول والأنظمة.
إن الجدير بالمراقبة والتحليل
أن ينعقد في هذا الوقت «مؤتمر
حول الاستخبارات»،
وأن يتم نشر نتائجه على العلن. وأما المؤتمر فقد انعقد بتاريخ 27/ 10/ 2015، كانت
قد نظمته جامعة جورج واشنطن. وأما الذي أعلن عن نتائجه، فهما: مدير الاستخبارات
الفرنسية (برنار باجوليه)، ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية (جون برينان). حيث
أدلى كل منهما بتصريح يتطابق مع تصريح الآخر، أو بما يكمِّل أحدهما الآخر.
أعلن المديران خطة طريق لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». وإذا أعدنا تركيب التصريحين لاكتشفنا أن جدول
أعمال المؤتمر كان منقسماً إلى ثلاثة محاور، وهي:
-المحور الأول: التأكيد على أن
مشروع الشرق الأوسط الجديد هو ما يتم تنفيذه الآن:
هنا علينا أن نثبت مجموعة من
الوقاع - الحقائق التي تؤكد أن شعارات ما تمت تسميته بـ(الحراك الشعبي العربي)، قد
سرقتها قوى الثورة المضادة، لكي تشكِّل غطاء لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ومن متابعة تصريحيْ مديريْ المخابرات المذكورين نقرأ ما يلي:
1-جاء تجاهل تصريحي مديريْ المخابرات الأميريكية والفرنسية لأهداف إسقاط
الديكتاتورية والمطالبة بالديموقراطية تأكيداً لاعتبارها أهدافاً روَّجت لها وسائل
إعلام الدول الغربية كقنابل دخانية للتمويه على الأهداف الحقيقية لها عندما بادرت
لإسناد بعض فصائل الحراك الشعبي العربي، لا بل قامت بتوليد فصائل نسبتها إلى ذلك
الحراك.
2-أن يحصر التصريحان اهتمامهما بما يجري على الساحة العربية بشكل
إجمالي، دون الاهتمام ببحث ما حصل ويحصل في كل قطر عربي بشكل منفصل عما حدث في
القطر الآخر، يدل على شمولية المشروع الذي يجري تنفيذه.
3-الكلام عن محور واحد هو محور الشرق الأوسط، له دلالات تؤكد شمولية
المشروع وشمولية أهدافه. وهذا ما دلَّ عليه التركيز على تسميتين، كما جاء في تصريح
مدير المخابرات الفرنسية، وهما: «الشرق
الأوسط الذي نعرفه، (أي القديم) انتهى إلى غير رجعة». إذن نستنتج بدورنا أن هناك شرق أوسط جديد كما أوضح
مدير المخابرات الفرنسية، أن حدوده ستكون «مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية
الثانية». وهذا ما
أكَّده مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» جون برينان، قائلاً: إن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى وأشكُّ بأن يعود
مجدداً».
-المحور الثاني: تحديد نتائج ما
تم تنفيذه من مشروع الشرق الأوسط الجديد حتى الآن.
اتفق المديران المخابراتيان على
إعلان وفاة الشرق الأوسط بطبعة اتفاقية (سايكس –
بيكو)، وأعلنا ولادة اتفاقية جديدة سوف نطلق عليها حتى الآن اتفاقية (باجوليه – برينان) حتى تأمر الإدارتان الأميركية والفرنسية وزيريْ خارجية
بلديهما بتوقيعها لكي يعطوها إسمها الثابت الذي سيسجله التاريخ.
وأما المحور الثاني الذي بحثه
المؤتمر، وأعلن المديران عن نتائج بحثهما، فهو تقييم حصاد تنفيذ المشروع في مرحلته
الراهنة، وجاءت نتائج التقييم كالتالي:
-جاء على لسان مدير الاستخبارات
الفرنسية: «العراق وسوريا
لن تستعيدا حدودهما السابقة أبداً». وجاء
على لسان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» جون برينان: «نحن نرى أن سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر
إلا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها داعش». وأكد أن «الأمر نفسه ينطبق على العراق»، مضيفاً «لا أعتقد أن هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق». وقال برينان «عندما أنظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق
واليمن، يصعب علي أن أتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة
أو سلطة على هذه الحدود التي
رسمت بعد الحرب العالمية الثانية».
بالعودة إلى نص التصريحين نقرأ علامات الرضى
بادية في تأكيدهما أن المشروع الذي بدأت أميركا بتفيذه على نار «الصدمة والترويع» في العراق،
منذ العام 2003، قد اتَّسع ليشمل سوريا وليبيا واليمن على وقع نشر «الفوضى الخلاقة». وهكذا صدقت
توقعات من تساءلوا، منذ 11 نيسان 2003، عمن
سيكون المقبل على لائحة المستهدفين بعد سقوط حكومة الرئيس العراقي صدام حسين؟ وعن
ذلك جاء الجواب في التاريخ نفسه على لسان مساعد وزير الدفاع الأميركي بول ولفوويتز
ومساعد وزير الخارجية جون بولتن، حيث أكَّدا أن طموحات واشنطن لن تتوقف عند بغداد،
وان كان استخدام القوة المسلحة غير مطروح بالضرورة بالنسبة لدول
أخرى.
-المحور الثالث: خريطة طريق
للمراحل القادمة من أجل استكمال المشروع:
إنها فريسة كبرى وقعت بين شدقيْ
أفعى مشروع الشرق الأوسط الجديد، بل أربع فرائس دسمة بحجم الدول الأربعة، العراق
وسورية وليبيا واليمن. لقد التهمتهم الأفعى، وتلك هي تعمل جاهدة للالتفاف حول جذع
شجرة لكي تتمكن من هضم فرائسها. وهذا ما أكدته المقاطع القليلة والسريعة لمديريْ
المخابرات. إذ لو أنه أصبح من الصعب العودة إلى الوضع السابق في الدول الأربعة،
كما أكَّد المديران، ومع أن إدارتيهما لن تكونا سعيدتان بعودة الوضع فيها إلى
السابق، فإن باجوليه الفرنسي أعرب عن «ثقته» بأن «المنطقة
ستستقر مجدداً في المستقبل».
ولكنه يسأل نفسه: «ولكن
وفق أية خطوط»؟ ليجيب عن
سؤاله، قائلاً: «في
مطلق الأحوال ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية».
أما رينان، المسؤول الأمريكي فكان
أكثر وضوحاً، في وضع خارطة طريق للمرحلة القادمة، إذ رسم خطوطها الرئيسية برشاقة
وتكثيف شديد، فكانت الحصيلة التالية:
1-أعلن أن «الحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول».
2-واعتبر أنه من الخطأ الذهاب
مباشرة باتجاه البحث عن «تسوية
نهائية» في الوقت
الراهن.
3-اعتمادا إستراتيجية الخطوات
الصغيرة عبر السعي:
أ-«خفض
درجة الحرارة».
بـ-«خفض
حدة النزاع».
جـ-«بناء
بعض الثقة بين الأطراف الموجودين هناك والراغبين فعلا بالتوصل إلى تسوية سلمية».
إنه
من خريطة الطريق هذه، ستبدأ مرحلة آلام أخرى أمام الشعب العربي. فالشعب الذي يكتوي
بكل النيران المشتعلة، تلك النيران التي لن نستطيع وصفها، أو إذا قمنا بذلك فإننا
لن نضيف شيئاً جديداً أمام القارئ، لأن تلك الآلام يلمسها العالم كله من أقصاه إلى
أقصاه. ولكننا هنا نتساءل عن سر هذا الهدوء الذي يرسم فيه مدير المخابرات المركزية
الأميركية مصير شعوب تجوع وتمرض وتموت و... و...
إنها
استراتيجية الذي لن، ولم يكترث بمصائر الشعوب. إنه الأفعى الذي عليه أن يأخذ فسحة
من الزمن لكي يستطيع هضم الفرائس الأربعة التي ابتلعها. فهو بغير عجلة من أمره ما
دام أنه استطاع أن يعطب العمود الفقري للوطن العربي عندما ينشر الفوضى والقتل بين
أبناء الوطن الواحد في أربعة من الدول العربية ذات الوزن والتأثير.
إنه
ليس في عجلة من أمره، فسورية مقسَّمة فعلياً، والأمر نفسه ينطبق على العراق،
وليبيا في أسوأ حال، والحبل على جرار لبنان لأنه كان مؤهلاً للتقسيم قبل الآخرين،
ولكن المخطط سيتركه كخاتمة لأنه لن يتم تقسيمه فعلياً قبل أن يتم تقسيم من يشكلون
العمود الفقري للوطن العربي...!!؟؟
وأخيراً،
ولأن الحديث عن المأساة العربية الراهنة واسع، وكثير التعقيد، لا يسعنا إلاَّ أن
نحذِّر أنفسنا، وفي الطليعة فينا كل الأحزاب والفصائل والحركات الثورية، أننا
قادمون على مرحلة الوعود بحلول سياسية لن تنتهي إلى نتيجة، لأن القوى الساهرة على
تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد ليست بعجلة من أمرها ما دامت طاحونة الموت لن تمس
شعرة من أجنبي دخل كاللص إلى ديارنا، وساعد على تأجيج نار الفتن الداخلية.
من
كل ذلك، لن ننحدر إلى مستوى اليأس والقنوط فأبواب الأمل كثيرة لا يجوز الكلام عنها
بعجالة من مقال. ولكننا نتمنى لو عاد كل من حمل السلاح إلى ضميره ليرفع الشعار
المركزي الأول: دعونا نمنع مرور مشروع الشرق الأوسط الجديد. دعونا نحبط قطع رأس
الدولة في الأقطار العربية، ونعطيه أولوية على أي مطلب آخر. فمنع التقسيم هو الهدف
الاستراتيجي الذي إذا ما تم تمريره فلن ينفعنا مال ولا بنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق