يعمل الخارج
على استعبادنا والسيطرة على عقولنا بأوبئة من الطائفية
جزء من الكلمة
التي ألقيت بمناسبة تأبين الرفيق عبد الكريم نورا بتاريخ 19 نيسان 2015.
تملأ قلوبنا هواجس ومخاوف
من شدة الهجمة التي تتعرض لها أمتنا العربية، تلك الهجمة التي بدأت في فلسطين ومرت
في لبنان قبل أن تنتقل إلى العراق، ومن العراق إلى معظم أقطار الوطن العربي، وقد
يخال للمرء الآن وهو ينظر إلى مشهد المآسي في كل تلك الأقطار وكأنه يعيش في عالم
غير معقول.
لا معقولية المشهد في أن
الأخ يقتل أخاه، والأخ يهجر أخاه. وقد وصلت بشاعة المشاهد إلى درجة أن الأيدي
الجانية أخذت تتفنن بوسائل البشاعة في القتل والسحل والاغتصاب، بحيث يتم ذلك إما
باسم الدين أو باسم الديموقراطية. وليس ذلك وحسب بل تُرتكب كل تلك الجرائم باسم
الطائفية الدينية.
لقد كانت جريمتنا الكبرى
أننا سلَّمنا قرارنا للخارج تحت حجة الفراغ الذي تركته أنظمتنا الرسمية عندما
تخلَّت عن وطنيتها وعروبتها، فعاث الخارج بنا ذبحاً وتقطيع أوصال، تارة باسم
الديموقراطية وتارة باسم حماية الدين أو المذهب، بينما أي تدخل خارجي في شؤوننا لا
علاقة له بحماية دين أو حماية مذهب. وتارة
أخرى باسم إسقاط الأنظمة الديكتاتورية واستيراد الديموقراطية، بينما أي تدخل خارجي
لا يهمه إسقاط ديكتاتور أو استيراد ديموقراطية. وتارة ثالثة في توفير ظروف العيش
الكريم للشعوب، بينما الغاية هي استعباد الشعوب وتجويعهم وجعلهم مرضى.
إن التدخل الأجنبي إذا لم
يكن على قواعد إنسانية ثابتة، وعلى أسس احترام حق الشعوب في تقرير مصائرها، فسيكون
تدخلاً مداناً ومرفوضاً، سواءٌ أكان مبنياً على أطماع إقتصادية، أم كان مبنياً على
أطماع أيديولوجية.
باسم الدين أو المذهب،
وباسم الديموقراطية ومحاربة الإرهاب، سطوا على عقولنا، وزادوا من حقنها بأوهام
الدفاع عن المذهب لدفعنا إلى التذابح والتقاتل وتهديم بنى دولنا المادية
والاجتماعية.
إن الخارج لا يريد لنا
خيراً، بل يعمل على استعبادنا والسيطرة على عقولنا بأوبئة من الطائفية. وراحوا
يدفعون بنا إلى هاوية التمييز بين من هو مؤمن ومن هو كافر، من هو متدين حقيقي ومن
هو متدين تكفيري. وقد زعموا أنهم يستمدون سلطتهم من الله بمحاسبة البشر، والله
منهم براء ومما يزعمون، خاصة وأنه أمر نبيه العربي قائلاً: (إنما عليك البلاغ
وعلينا الحساب).
كما أن الخارج لا يريد بنا
خيراً لأنه من خلال تدخله يريد أن يعزِّز في عقولنا عقيدة التبعية والولاء
لمصالحه، ليكون هو السيد المنتج، وأن نكون نحن التابعين لمناهجه الاقتصادية، أي أن
نكون مستهلكين لإنتاجه، نرهن ثرواتنا له يتصرف بها كيفما شاء وأنى شاء.
التمييز الطائفي والعرقي كفر
بحق الأوطان
كل من يستند إلى تمييز
طائفي أو عرقي بين مواطني دولة واحدة هو تكفيري بحق الأوطان. وأن الجو الطائفي
المذهبي الذي يلف شوارع المدن العربية جاء بأوامر خارجية مستفيداً من ثقافتنا
الطائفية ومن عجزنا عن فهم دورنا الوطني، واجبات وحقوق. أي عجزنا عن بناء دولة
مدنية تساوي في الحقوق والواجبات بين كل مواطني الدولة. لذا فإن كل ادعاء بحماية
الدين، أي دين، يسهم بالتفرقة والتمييز، ويصب في وسائل التدمير المجتمعي الوطني،
فالواجب الملقى على عاتقنا أن نحاربه بكل قوة.
إن نصرة الوطن أولاً هو
حماية لكل المذاهب والأديان. وانتصار الثقافة الوطنية والقومية تقوِّي أواصر
الوحدة، وأما بانتصار ثقافة الطائفية فهو انحدار بأمتنا إلى مهاوي التقسيم والاحتراب
الدائم.
إن الثقافة الوطنية
والقومية، وثقافة اجتثاث الطائفية، ونبذهما والتصدي لهما، والتحذير من مخاطرهما
على وحدة المجتمع الوطني، هو حماية للإيمان العميق بالدين كمصدر للتوحيد بين أبناء
الوطن الواحد.
كل تلك المبادئ تشكل خطراً
على المصالح غير المشروعة للخارج، لذا أصدر بول بريمر قانون اجتثاث البعث في
العراق، وكذلك قانون تقسيم العراق على أسس مذهبية وعرقية. لقد أصدر بريمر قانونيه،
ومن أيَّده من الدول المشاركة في العدوان والاحتلال، على أن يتم تطبيقه في غير
العراق في أوقات لاحقة، وهذا ما يجري تطبيقه الآن تحت مظلة ما يُسمَّى بـ(الربيع
العربي). إن تلك الجريمة تمثل رسالة لاجتثاث كل تفكير وطني أو قومي في كل أقطار
الوطن العربي من أجل تعميم ثقافة الطوائف والمذاهب، والتي بها وليس بغيرها يحكم
الخارج قبضته على إرادتنا وقرارنا، وبها وحدها تبقى مجتمعاتنا تتقاتل وتتحارب
وتتذابح.
انتشر الإرهاب بعد احتلال العراق
لم يجد الإرهاب مكاناً في
الوطن العربي قبل احتلال العراق، وقبل أن تمتد أيادي الخارج للعبث بالقرار العربي
ومصادرة الإرادة العربية. بل انتشر كالوباء في معظم مفاصل الحراك الشعبي وحرفه عن
أهدافه المشروعة. فأحرق العراق ودمَّر نسيجه الاجتماعي والجغرافي والسياسي تحت
أكذوبة الديموقراطية، فأقام بديلاً لها ديكتاتورية الطوائف التي تتذابح اليوم ولم
تسلم منها طائفة من القتل والتجويع والإذلال، وإنما الذي استفاد منها هم أولئك
الذين يزعمون أنهم حماة لطوائفهم ومذاهبهم.
غزوا ليبيا، وغزوا سورية،
وغيرهما من الأقطار العربية للخلاص من الديكتاتورية، كما يزعمون، فعمموا بديلاً
عنها ديكتاتورية الطائفية التي هي أشد فتكاً وأكثر دموية، وهم الآن يعبثون بأمن
شعبيهما الذي زعموا أنهم جاؤا للدفاع عن الديموقراطية فيهما، فهؤلاء هم الآن
يدمرون ما بقي صامداً من بنى الدولتين وتحويلهما إلى دويلات تتحارب فيما بينهما.
وما المظاهر التي ترد من العراق وليبيا وسورية وغيرها من الأقطار العربية إلاَّ
دليل واضح على تمزيق اللحمة الوطنية بين مجتمعات تلك الأقطار.
لقد وعد الأميركيون
العراقيين بالديموقراطية والرخاء. وهذا العراق اليوم غارق بالجريمة والفساد،
بالفقر والجوع والمرض، وشمل الفساد كل مكونات الشعب العراقي الدينية، بينما تمتلئ
خزائن وجيوب المسؤولين بالسرقات والأموال التي نهبوها من ثروات العراق الغني
بموارده.
وبالنتيجة لا يريد التدخل
الخارجي الأجنبي من كل ذلك إلا إنهاك بنية الدولة القطرية العربية لتهديم الأنظمة
المدنية فيها. وهم يعملون بكل قوة ليحولوا دون العرب باسترداد إرادتهم على صياغة
قرارهم، وجعل جماهير الأمة العربية تكفر بالوطن والأمة والعروبة.
سيبقى البعث مكافحاً كل
فكر طائفي
ومن أجل ذلك، يعيدون صياغة
الثقافة الشعبية بشكل عام باتجاه الطائفية، يفعلون ذلك تحت خديعة وفاة الفكرين
القومي والوطني لزرع اليأس في نفوس العرب، ولكن تلك الخديعة لن تمر أبداً طالما
بقي البعث حياً، وهو سيبقى حياً لسبب واحد هو أنه يؤمن بالفكر الوطني والقومي
وإعادة النضال من أجل أن تبقى الجماهير العربية منشدَّة لعروبتها ووحدة أقطار
العروبة. سيبقى البعث مكافحاً كل فكر طائفي، وسيبقى مدافعاً عن الفكر الوطني من
أجل أن تبقى القومية العربية حية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق