السبت، فبراير 06، 2016

المشهد العراقي على ضوء المقابلة الصحفية مع الرفيق عزة ابراهيم



من المقاومة الوطنية العراقية إلى المقاومة القومية العربية
المشهد العراقي على ضوء المقابلة الصحفية مع الرفيق عزة ابراهيم


على خطى صدام حسين، رفيق دربه الطويل، يتابع الرفيق عزة ابراهيم مسيرة تحرير العراق الطويلة، مستلهماً ثوابت حزب البعث العربي الاشتراكي في التحرر والخلاص من براثن الاستعمار والصهيونية وكل من يشاركهما بيده أو لسانه أو حتى في قلبه.
عن ذلك، وبمراجعة الخط البياني الذي سلكته المقاومة الوطنية العراقية منذ الاحتلال الأميركي للعراق حتى الآن، لا نجد ما يتناقض مع خط مسيرتها الثورية. كيف لا طالما قادة البعث يستلهمون قراراتهم  من الاستراتيجية الثابتة لحزبهم، والقاضية بمكافحة كل ما يحول دون الأمة في تحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.

أولوية المقاومة العراقية الصراع ضد الاستعمار وليس مع الأنظمة العربية والإقليمية
فصدام حسين، بعد احتلال العراق، بقي أميناً لتلك المبادئ، وظلَّ يعتبر حتى آخر لحظة من حياته، أن الهدف من احتلال العراق ليس الوقوف عند حدوده الجغرافية، بل كانت عينه مصوَّبة على احتواء الأمة العربية قطراً فقطر. وهكذا، ولأنه اعتبر احتلال العراق حلقة أولى لاحتلال كل الوطن العربي، افقد أعطى لمعركة المقاومة في العراق بعداً قومياً، فقال في رسالته المؤرخة في 28/ 4/ 2003، محذراً ومنذراً كل تلك الأقطار من خطورة احتلال العراق على أمنها، وداعياً البعثيين إلى إعطاء مقاومة الاحتلال أولوية مطلقة، وبالتالي وضع كل إمكانياتهم في الدفاع عن كل قطر سيتعرَّض لاعتداء الاستعمار وأعوانه.
في رسالته تلك قال:  (أقول لكم إن كافة الدول المحيطة بكم ضد مقاومتكم، لكن الله معكم، لأنكم تقاتلون الكفر وتدافعون عن حقوقكم... فاجهروا برفضكم للمحتل من أجل العراق العظيم والأمة والإسلام والبشرية).
واستأنف دعوته المستندة إلى فهم قومي وإنساني عميق في رسالته المؤرخة في 7/ 5/ 2003، قائلاً: (كونوا لامتكم ... وإن رأيتم العدو يريد النيل من سورية أو الأردن أو السعودية أو إيران، فساعدوا في مقاومته، فهم ورغم الأنظمة إخوتكم في الدين أو العروبة. وساعدوا الكويت وبقية دول الخليج العربي ومصر والأردن وتركيا ليتخلصوا من العدو الأمريكي).

الثوابت القومية منبع لمواقف القائدين صدام حسين وعزة ابراهيم
ولأن خطاب صدام حسين ينبع من منطلق قومي أصيل، بعيداً عن الثأرية، فهو يستلهم مبادئ البعث، فقد استأنف الرفيق عزة ابراهيم التمسك بتلك المبادئ بعد ثلاثة عشر عاماً. وسلك الدرب ذاته. ففي لقائه الصحفي مع جريدة (الوطن) المصرية يخاطب العرب قاطبة، فقد قال: (لأن الجميع اعترفوا بخطأ السكوت عن ضرب العراق ثم غزوه واحتلاله وإخراجه من معادلة الصراع بين الأمة وأعدائها، ولأن الجميع يشعر اليوم بالحاجة الملحة للعراق المتحرر القوى للوقوف بوجه الاجتياح الإيرانى لعدد من أقطار الأمة وتهديد أقطار أخرى منها). (نقول لأشقائنا العرب: نحن اليوم فى العراق لسنا أسرى الماضى، بل نعمل من أجل حاضر ينهض بأمتنا ويوحد جهدها وطاقاتها للدفاع عنها وعن مستقبل أجيالها... ولذلك فنحن اليوم فى قيادة البعث وفى قيادة الجهاد والتحرير نتعامل مع قادة الأمة ملوكاً ورؤساء وأمراء بصدر واسع ورحب وبتفهم عالٍ وموضوعى وواعٍ).

ولماذا إيران الآن؟
عندما دعى صدام حسين، في رسالته أعلاه، للدفاع عن إيران إذا أراد أي عدو النيل منها، كان يوجه إليها دعوة للتكفير عن أخطائها بمشاركتها الولايات المتحدة الأميركية باحتلال العراق، داعياً نظامها الحاكم إلى اعتبار مقاومة الاستعمار والصهيونية التناقض الرئيسي. وفي رسالته ما يعبِّر عن ثوابت البعث في إعطاء الأنموذج الثوري في بناء علاقات حسن جوار قائمة على الجنوح للسلم معها. لكن إيران رفضت مصافحة إيدي السلام الممدودة لها من قبل البعث، وضربت بمبدأ حسن الجوار عرض الحائط، وتسلَّمت راية الاحتلال الأميركي للعراق عن سابق تصور وتصميم. ولهذا وضعَها حزب البعث في دائرة التناقض الرئيسي خاصة بعد أن تحوَّل وجودها في العراق إلى احتلال فعلي. وأعلن بوضوح أن اسراتيجية المقاومة الوطنية العراقية في هذه المرحلة هو تحرير العراق من الاحتلال الإيراني.

إيران تكشف عن أهدافها الشمولية
وعن هذه الحقيقة توقَّف الرفيق الأمين العام للحزب عند ظاهرة تطور الوعي العربي للمشروع الإيراني، الذي مرَّ عبر مرحلتين، وهما:
-المرحلة الأولى: الأهداف الإيرانية الحقيقية، وعنها قال: (إيران كشفت عن كامل أهدافها بعد زمن طويل من إخفائها والتستر عليها، خاصة بعد غياب العراق الذى كان يمثل السد المنيع بوجه الأطماع الفارسية فى الأمة).
 -المرحلة الثانية: الوعي العربي، وضرورة التصدي العملي، وهذا يتمثل بخطة الطريق التالية:
-إعلان العنجهية الفارسية كانت مصدراً لاستفزاز الشعور القومي العربي، إذ أنه: (وبعد أن استحوذت على العراق وبعد أن رأت الأمة فى حالة تخلّف وتأخر وتفكك وتمزق وتشتت فى المواقف والرؤى لدولها ولأنظمتها الرسمية حتى أصبحت تعتقد أن العرب غير قادرين على القيام بعمل جماعى للتصدى لها).
-ذلك الإعلان زرع الخوف في نفوس بعض الأنظمة، فتولَّد عندها الوعي الضروري لمواجهة ميدانية لذلك الخطر، وعنه قال: (بعض الأشقاء قد صوّب طريقه وحدد أهدافه بشكل دقيق وواضح، من أجل إنقاذ الأمة من الغزو الإيرانى الخطير لعدد من أقطار الأمة).
هذه المتغيرات في مواقف تلك الأنظمة كانت شديدة التأثير فيما لحقها من خطوات سياسية وعسكرية ميدانية، تتفاعل اليوم وتتصاعد وتأخذ طريقها للتنفيذ خطوة خطوة. فأضافت إلى قوة المقاومة العراقية بعداً قومياً لو كان حاضراً بشكل مبكر لكانت قد تغيَّرت معادلات عديدة على صعيد المحافظة على الأمن القومي العربي. ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً. وبهذا فقد أخذت المعركة وجهها القومي.

من استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية إلى المقاومة القومية العربية
كان تلاقي البعث مع دول الخليج العربي حول وعي خطورة الأهداف الإيرانية فعل السحر في إنتاج ظاهرة جديدة تبرز لأول مرة بعد احتلال العراق، وهي ظاهرة التعبئة الإعلامية والسياسية والعسكرية القومية لمواجهة الخطر الإيراني. وما إعلان بعض دول الخليج العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، عن البدء في التنفيذ في اليمن بهدف إحباط التسلل الإيراني، إلاَّ برهان على الجدية بالانتقال إلى مرحلة المواجهة الفعلية. وبذلك لم تبق المقاومة الوطنية العراقية وحيدة ويتيمة في ميادين المواجهة، بل أخذت المعركة وجهاً قومياً طالما افتقدته طوال سنين لاحتلال العراق.
ويبقى السؤال الذي يساور الكثيرين حول ضبابية النظر إلى ما يجري الآن، فقد انقسم المحللون للظاهرة الجديدة إلى أكثر من تيار تتراوح مواقفهم ما بين الشك واليقين، أو ما بين التشكيك وعدم التصديق، ما بين مبالغ في نتائج تلك الظاهرة أو مقلل من شأنها، فقد أعلن الرفيق الأمين العام من قلب الميدان موقف البعث بوضوح ليزيل ضبابية الرؤية عندهم، فأكَّد على تأييد القرار ومشاركة المقاومة بتنفيذه. وعن ذلك قال: (إننا نعوّل على أن عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية يجب أن تكون الشرارة الأولى لثورة العرب الكبرى لتحرير الأمة واستقلالها وردع العدوان الإيرانى الفارسى الذى طال عدداً من أقطار الأمة على غفلة من العرب ونظامهم الرسمى). وبإعلانه هذا انتقلت المقاومة من مرحلتها الوطنية القطرية إلى مرحلتها القومية العربية.
وختم موقفه الواضح، فقال: («عاصفة الحزم» كسرت حاجز الخوف والتردد والتقهقر فى الأمة وفى نظامها الرسمى بشكل خاص. «عاصفة الحزم» تمثل انعطافاً هائلاً فى حياة الأمة، «عاصفة الحزم» كسرت هاجس عدم الشعور بالمسئولية لبعض الحكام العرب تجاه الأمة، كما أنها أوقفت حالة التراجع فى الأمة والتقوقع والاعتماد على الآخر حتى لو كان معادياً للأمة، وأعادت زهو الثقة بقيمة العمل الجماعى القومى الوحدوى وتأثيره).

على ضوء مواقف الأمين العام للحزب
كيف نقرأ نحن مستقبل المشهد الراهن في العراق؟
إذا كنا قد أشرنا إلى الدور العربي الجديد وتأثيراته المستقبلية على الأمة العربية عامة، فماذا عن تأثيراته على الوضع العراقي الآن وفي المستقبل القريب؟
لقد طال انتظار المقاومة الوطنية العراقية لتأخذ قضية احتلال العراق وجهها القومي، وطال صبرها وشدة بأس رجالها الأشداء. فقد تخلى عنها العالم، ونأى الكثيرون بأنفسهم عنها خوفاً من فشلها لأنها كانت بزعمهم أضعف من أن تواجه عشرات الدول الشديدة القوة.
ولكنها صبرت لرؤيتها الاستراتيجية الثاقبة لنتائج المعركة. فكسرت قرون الغزاة واحداً تلو الآخر على الرغم من ظلم ذوي القربى. صبرت ولكنها لم تضق ذرعاً بظلم الكثيرين لها. لأنها كانت تراهن على أن قلة النصير لن تدوم، وكثرة العدو ليست قدراً منزلاً. فكم من قلة صغيرة حققت ما لم تحققه كثرة كثيرة، وهي في هذه المرحلة يصح القول فيها أنها صبرت وظفرت. وحتى لا يصمنا البعض بالرومانسية، سنسرد بعض أهم معالم ظفرها، وهي التالية:
-هزمت أربعين دولة شاركت الولايات المتحدة الأميركية بالاحتلال، وشاركتها بالاحتيال لشرعنة عملية سياسية لن تغسل لا شرعيتها آلاف أنواع المساحيق.
-هزمت أميركا أكبر دولة في العالم عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً.
-صبرت على جهل أشقائها العرب للمخططات التي كانت تحوكها لهم أميركا والصهيونية وإيران. وهم الآن قد عادوا إلى اكتشاف الحقيقة، واكتشاف مكامن الخطورة التي تجاهلوها، أو لم يدركوها، بموافقتهم على احتلال العراق.
-زلزلت الأرض تحت أقدام العملية السياسية المسخ، التي يكفيها أنها أحبطت آمال أولياء أمرها، الذين راحوا يغسلون أيديهم من كثرة ما ارتكبته من أخطاء وسرقة وفساد. وهي عملية ميتة تنتظر توقيت دفنها، في أول فرصة تنتفض فيها جماهير الشعب العراقي.
-وقفت بقوة وطول أناة في مواجهة المشروع الإيراني، وهي تضعه يوماً بعد آخر في مأزق تلو المأزق.
والحقيقة الماثلة الآن التي لا شك فيها، أن كل هؤلاء هم في وضع الهزيمة أو وضع الإنهاك، نتيجة شدة صمود المقاومة الوطنية العراقية.
ففي المشهد العراقي الراهن، دبَّ الضعف والهزال في جسد كل من تطاول على العراق في الوقت الذي كانت فيها المقاومة وحيدة يتيمة، أما الآن، وقد أحرزت العديد من المتغيرات على أكثر من صعيد، متغيرات على الصعيد العراقي والعربي والدولي، فإنها ستكون أسرع في حصاد النتائج الإيجابية. ولذلك سنشير إلى عناوين تلك المتغيرات بالتالي:
-فشل العملية السياسية في العراق على شتى الصعد، بحيث لن تجد عراقياً واحداً يدافع عنها، اللهم إلاَّ ممن يعتاش من الفساد والسرقة. هذا ناهيك عن استفزاز الشعور الوطني والقومي الذي يمارسه الاحتلال الإيراني كل لحظة مع العراقيين.
-حقيقة واقع الوعي القومي لدول الخليج العربي الذي طال غيابه، وهو الذي يمتلك إمكانيات كبيرة من المنطقي أنه سيضعها بين أيدي المقاومة الوطنية العراقية لمساعدتها على إقفال البوابة الشرقية في وجه نظام الملالي في طهران.
-حقيقة وجود متغيرات على الصعيد الدولي التي من أهمها بزوغ فجر بناء نظام عالمي جديد متعدد القطبيات. هذا النظام الذي يتكون حديثاً لن يكون مرتاحاً لبقاء العراق رهينة بين أيدي أميركا والصهيونية وإيران.


ليست هناك تعليقات: