المقاومة الوطنية العراقية
(معركة الحسم ضد الفرسنة)
(الحلقة الثامنة والأخيرة)
خامساً: المرحلة
الخامسة
المتغيرات على
الصعيد العربي لمواجهة الخطر الإيراني
وعلى الصعيد الدولي
لمواجهة القطبية الأميركية
(أواسط العام 2015
- ؟؟؟)
مقدمة
لقد ظلَّت المقاومة العراقية طوال سنوات
الاحتلال الأميركي للعراق الوحيدة التي أدركت خطورة الاحتلال وإفرازاته على الأمن
القومي العربي، ولذلك سُمَّيت بالمقاومة اليتيمة في العالم. كما أنها وعت خطورة
التسلل الإيراني إلى العراق تحت حماية الاحتلال الأميركي وأدركت أبعاده وأهدافه،
بينما صمَّت الكثير من الأنظمة العربية آذانها عن ذلك. ومصداقاً لهذه المقدمة فقد
نص المنهج الاستراتيجي للمقاومة العراقية، الذي نشر في 9/ 9/ 2003، على (كشف مداخلات دول الجوار الأجنبية وترتيبات تعاونها مع الاحتلال بما يخدم
مصالحها الوطنية على حساب مصلحة العراق ووحدته الوطنية).
لقد حكم مواقف عدد
من الأنظمة العربية من الاحتلال الأميركي عامل اللامبالاة حتى بداية استحقاق
الهزيمة الأميركية في أواخر العام 2011، وكان المتغير الأبرز فيها أن الإدارة
الأميركية على الرغم من سحب القسم الأكبر من قواتها من العراق فإن عينها ظلَّت
شاخصة على الحفاظ على مصالحها فيه، بحيث خططت لإبقاء الاحتلال السياسي والأمني
مستمراً كوجه آخر من وجوه الاحتلال، وكانت قد خططت لوسائل نجاحها اعتماداً على
وسيلتين، وهما: تركيب وشرعنة حكومة عميلة لها، وتسليم العراق لإيران كمحتل مقنَّع
تتخفى الإدارة الأميركية تحت عباءته.
كان الانسحاب
الأميركي متغيِّراً أفرز متغيرات أخرى، ومن أهمها التقاط النظام الإيراني فرصة
تاريخية جاءت وكأنها هبة من السماء، كما يتوهم ملالي طهران، ليعمل على تحويلها
لمصلحته، فأحكم الطوق على حكومة العملية السياسية من شتى النواحي وعلى كل الأصعدة،
إلى الحد الذي تحول فيه العراق إلى إقليم إيراني تأتمر حكومته بتعاليم وفتاوى
وإملاءات المرشد الأعلى للنظام الإيراني. ولم تتوقف الحالة عند حدود العراق، بل إن
الفريسة العراقية أغرت حكام إيران بالتقاط الفرصة التاريخية من أجل البدء بتنفيذ
استراتيجية ولاية الفقيه المشهورة باستراتيجية تصدير الثورة في الوطن العربي.
وبذلك ازداد منسوب التأثير الإيراني في أكثر من قطر عربي عبر سنوات قليلة، ووصلت
حدود التأثير في إعلان نظام الملالي في طهران قيام الإمبرطورية الفارسية، وعاصمتها
بغداد، بعد أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، وهي بيروت ودمشق وصنعاء.
تأصيل تاريخية
المتغيرات في المواقف الخليجية:
كانت نهاية
الاحتلال العسكري الأميركي وتسليم العراق لإيران، بداية لتصاعد المخاوف الخليجية،
التي وصلت إلى حدود الصدام مع الأميركيين، الذي بدوره كان يتصاعد تدريجياً إلى أن
بلغ ذروته بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران وأميركا في أواسط العام 2015.
لا شك هنا، أن حصول
تلك المتغيرات قد أخذت تؤسس لمرحلة جديدة، كان عنوانها الأبرز تلاقي استراتيجية
دول الخليج العربي مع استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية، وعنوانها الأوحد
والأبرز، هو مقاومة الخطر الإيراني. وكانت البداية العملية، ترجمة للموقف الخليجي،
في إعلان البدء بعملية عسكرية عُرفت بـ(عاصفة الحزم)، التي انطلقت رصاصاتها الأولى
في 26 آذار من العام 2015، انطلاقاً من اليمن لمواجهة التمدد الإيراني عبر حليفهم
الحوثي الذي يعمل تحت اسم (أنصار الله).
وإذا كنا نسجل هذا التاريخ، فلأنه كان
البداية الفعلية الذي أكَّد مصداقية القرار الخليجي في مواجهة الخطر الإيراني.
ولكن هذا التاريخ كان نتيجة لتحولات سياسية سبقته في العلاقات بين دول الخليج
والولايات المتحدة الأميركية. وهنا نرى من المفيد الاطلاع عليها قبل استئناف
التحليل لمعطيات المرحلة الخامسة في تاريخ المقاومة الوطنية العراقية بعد الهزيمة
الأميركية.
-بداية الافتراق في العلاقات الخليجية -
الأميركية
في أوائل العام 2015، وقبل توقيع الاتفاق
النووي مع إيران بفترة وجيزة، أخذت سحب الدخان الكثيفة تغطي سماء العلاقات
الخليجية – الأميركية.
وبعد أن كان دخان الخلافات، التي بدأت بعد الانسحاب الأميركي من العراق وتسليمه
لإيران، تتصاعد تدريجياً، وعلى الرغم من إعلان تلك الدول عن مخاوفها أمام أسماع
المسؤولين الأميركيين، ولأنها لم تلق آذاناً صاغية من الإدارة الأميركية، كان لا
بُدَّ أمام دول الخليج من أن تحسم أمرها واستعادة قرارها المستقل بالعمل بالضد من
سياسات أميركا، وبما يتناسب مع مصلحة الأمن القومي العربي. وتلاحقت الخطوات
العملية ترجمة لقرارها ذاك.
كانت الإدارة الأميركية تقابل المتغيرات في
السياسة الخليجية بدون مبالاة، وكأنها كانت واثقة من عدم جدية تلك المتغيرات. وكان
الدليل الأكبر على ذلك هو تصريح أدلى به أوباما، الرئيس الأميركي، في مقابلة
تلفزيونية، بتاريخ 6/ 4/ 2015، مع توماس فريدمان، الصحافي الصهيوني. وكانت
المقابلة قبل اجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذي كان مقرراً في أيار
من العام ذاته. ونشير إلى أن توقفنا عند هذا الخبر إنما كان لأهميته في تحديد
مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات الخليجية – الأميركية،
ولأنه يشكل بداية لافتراق حقيقي دفع بدول مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ خطوة
سترسم معالم مرحلة جديدة في تاريخ المقاومة العراقية بشكل خاص، وكذلك معالم جديدة
في تاريخ الصراع الإيراني – العربي. وكان تأثير
المرحلة الجديدة، هو أنه لأول مرة منذ احتلال العراق، وجدت المقاومة من يقتنع معها
بخطورة الدور الإيراني على أمن العراق وأمن الوطن العربي. وليس ذلك فحسب، بل إن
تلك القناعة أخذت ترجمتها على شتى المستويات، وكان العمل العسكري تأكيداً لكل ذلك.
في تلك المقابلة،
قال أوباما إنه سيجري حواراً صعباً مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لتسويق
اتفاق الملف النووي الإيراني. وقال في المقابلة إنه سيعد القادة الخليجيين بتقديم
دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين، لكنه سيقول لهم إنه يتعين عليهم معالجة
التحديات السياسية الداخلية.
جاء تصريح أوباما بعد البدء بالعملية العسكرية (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين
في اليمن، وقبل لقائه مع قادة مجلس التعاون، وكأنه يحمل معالم الوعد والوعيد، وفيه
من الاستفزاز الشيء الكثير لدول الخليج، واللامبالاة الشيء الأكثر. وبدلاً من
مناقشتهم عن أسباب مخاوفهم وطرق علاجها، وتحديد الدور الأميركي في العلاج، فإن
الوعيد جاء في العبارة الأخيرة، بأنه يهددهم بأنهم إذا لم يلتزموا الإملاءات
الأميركية، فلن تدخر الإدارة الأميركية جهداً في تحريك ملفات الخليجيين الداخلية،
وكأنها رسالة موجَّهة لهم بأن مصير أنظمتهم لن يكون أفضل من مصائر الأنظمة العربية
التي طالتها يد انتفاضات (الربيع العربي).
إن النصحية لهم بأن يبادروا ألى معالجة التحديات الداخلية، التي تمنَّن بها
أوباما عليهم، هي مربط الفرس في تحليل أبعادها التي يرمي إليها الرئيس الأميركي،
والجواب على السؤال: لماذا راح أوباما يسدي النصح لتلك الأنظمة في هذا الوقت
بالذات. ولمعرفة هل هي نصيحة أم تهديد؟
يعلم أوباما، وتعلم الإدارات الأميركية المتعاقبة، أن هناك الكثير من
التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تواجه تلك الأنظمة منذ تأسيسها حتى
الآن. حتى إنها لم تقم بمعالجتها على الرغم من موجات الحراك الشعبي العربي، التي
اجتاحت ساحات أكثر من قطر عربي تصدرتها الجماهير الشعبية في كل قطر مطالبة بمعالجة
تلك التحديات.
ولأن الإدارات الأميركية كانت رائدة في سرقة الشعارات الجماهيرية، وكانت
تحض عليها وتقدم المساعدات لكل من سرقوا جهد الجماهير ونضالاتها، ولكنها لم تفكر
يوماً أن تشير بالإصبع إلى أن هناك تحديات تواجه كل النظام العربي الرسمي، ومنها
أنظمة دول الخليج العربي. وعلى قاعدة ازدواجية المعايير راحت الإدارة الأميركية
تتناسى أخطاء أنظمة وتبعدها عن الأضواء، وتنتقي أخطاء أنظمة أخرى لتضعها أمام
المجهر وتحرض ضدها.
وكانت أنظمة الخليج العربي من تلك الأنظمة التي تم استثناؤها من النقد
الأميركي، لذا أبعدتها وسائل الإعلام الأميركية عن دوائر التعبئة والتحريض، وأما
السبب فهو معروف ومن أهمها أنها تريد أن تنأى بمناطق النفط العربي عن التفجير
والفوضى. وهنا في تصريح أوباما ما يثير التساؤل التالي: لماذا جاءت الإشارة إلى
تحديات دول الخليج الداخلية في ذلك الظرف بالذات؟
وفي محاولة لتفسير الأسباب والإضاءة على ما تضمره إدارة أوباما لتلك الدول
احتمالان، إما أن يكونا مترابطين أو منفصلين، وهما:
-الاحتمال الأول: تهديد ظرفي، أي توجيه رسالة تهديد لتلك الدول،
وذلك من أجل تليين عريكتها وإعلان القبول بنتائج الاتفاق النووي بعد أن أعلنت
رفضها له. وإنه يقصد من رسالته أن تستجيب تلك الدول لعامل التهديد، ولأن في
استجابتها توفير حرب على إدارة أوباما. وأما في الإصرار على رفضها، فسيكون فاتحة
للبدء بتطبيق التهديد الاستراتيجي، أي البدء بتنفيذ الشق الخليجي من مشروع الشرق
الأوسط الجديد. وهو الاحتمال الثاني الذي سنتكلم عنه توَّاً.
-الاحتمال الثاني: تهديد استراتيجي، أي التعجيل بفتح ملف تقسيم
السعودية المتضمن في مشروع الشرق الأوسط الجديد. ولأن السعودية وغيرها من الأنظمة
أخذ يدرك أن ما سُمي بـ(الربيع العربي)، بدأ برفع شعارات إصلاحية داخلية، وهي ما
يسميها أوباما بإيجاد حلول للتحديات السياسية الداخلية. فهل يريد أوباما من وعيده
إعلان البدء بتنفيذ مرحلة (الربيع الخليجي)؟
وعن الربيع الخليجي لا بد من إعادة استحضار الجزء المتعلق بمصير السعودية
كما رسمها ذلك المشروع، وهو التالي: باختلاف خرائط تقسيمها زيادة في هذا القسم أو
إنقاصاً في مساحة القسم الآخر، يبقى مخطط تقسيم السعودية واقعاً مخططاً له. ومن
تلك الخرائط الملحوظة يتم تقسيم السعودية لثلاث دويلات، وهي فصل المنطقة
التى تجمع بين مكة والمدينة فيما يطلق عليه )الدولة الإسلامية المقدسة(، فيما يتم تقسيم بقيه مساحة المملكة بين اليمن وبين ما يطلق
عليه )دولة الشيعة العرب)، التى تم رسم
حدودها لتحاذى الخليج العربى، وتحصر البقية الباقية من
مساحة المملكة داخل شبه الجزيرة العربية لتصبح عبارة عما يطلق عليه (إقليم
الدولة السعودية المستقلة).
بين رضوخ دول الخليج العربي لتهديد أوباما، الرئيس الأميركي، أو التمرد
عليه مساحة من الأمل السياسي في الخلاص مما يهدد أمنها الاستراتيجي، لأن الوعود
الأميركية، كما صرَّح أوباما ووعد بأنه سيدافع عن أمن الخليج إذا ما تعرَّض لعدوان
خارجي، لن تجعل تلك الدول في مأمن طالما ظل العراق تحت سقف الهيمنة الإيرانية، إذ
سوف تتعمق تلك الهيمنة بعد أن توصل الأميركيون والإيرانيون إلى اتفاق يحفظ
مصالحهما في العراق أولاً، ولذلك لن تحتفظ إيران بمصالحها، كما تخطط لذلك، إذا
فقدت التأثير على الساحة العراقية أو إذا ضعف دورها فيه.
-الإصرار الخليجي على استعادة قرارهم في الحماية من الخطر الإيراني:
وإن كان الأمر على ما قمنا بوصفه، فمن غير السهل على دول الخليج أن يتراجعوا
عن القرار الذي اتخذوه باستعادة دورهم في حل مشاكلهم بأنفسهم، لأنهم بدأوا يدركون
أن تلزيم حل قضاياهم للخارج سيحول دون ضمان المصلحة العربية، كما سيُبقي أمنهم
مكشوفاً أمام الاجتياح الإيراني.
في تلك المرحلة التي كان يتظاهر فيه كل من الإدارة الأميركية والنظام
الإيراني بأنهما قويان، إلاَّ أنهما واقعان في أزمة جديدة يواجهان فيها مشاكل يصعب
عليهما حلها في أوقات قصيرة. فالنظام الإيراني كان يعاني من مرحلة تضخيم دوره بما
يتطلب منه جهوداً جبارة مالية وسياسية وعسكرية لتركيز تلك الأعباء وإدارتها. كما
أن الحياة السياسية في أميركا كانت تمر بمرحلة انتقالية، فهم على أبواب انتخابات
برلمانية ورئاسية. وفي الوقت ذاته يقع على عاتق إدارة أوباما حل العديد من القضايا
ومنها الملفات التي أخذت تخرج عن إرادتها، أي تلك التي أثارت مخاوف حلفائها قبل
خصومها، ولعلَّ أهمها ملف الأمن القومي في منطقة الخليج ومصر. وإضافة إلى كل ذلك
كان يرادوها الخوف الحقيقي من متغيرات تظهر على السطح ذات علاقة بولادة نظام عالمي
جديد سيسلبها كل المكتسبات التي حازت عليها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
في مواجهة التحالف الأميركي – الإيراني كانت تظهر إلى العلن بوابات من الأمل ستزيد من مآزقهما، ومن
أهمها تلاقي نظامين عربيين كبيرين بإمكاناتهما، وهما مصر والسعودية، مما كان يدعو
إلى الاستنتاج بأنه لا تراجع عن قراريهما بالدفاع عن أمنهما القومي خطوة واحدة إلى
الوراء لأن أمنهما أصبح على المحك، لا بل يجب أن يتعمق تحالفهما على الأسس التي تم
إعلانها. وما تهديد أوباما لدول الخليج إلاَّ عض على أصابع تلك الأنظمة، فمن الخطأ
الفادح أن يصرخوا أولاً، بل بإمكانها أن تدفع إدارة أوباما للصراخ، لأنها كانت
بحاجة إليهم لتمرير مرحلة جديدة بدأت تظهر على السطح العالمي، التي هي بداية مرحلة
بناء نظام عالمي جديد محكوم بأكثر من قطبية واحدة.
-استشراف للدور الروسي من متغيرات المرحلة:
وهنا، وعن ذلك كان يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما هو موقف روسيا من كل
ما يجري؟
وجواباً على ذلك، لروسيا مصالح في المياه العربية الدافئة إذا ما فاتت من
يدها يصبح أمنها الاستراتيجي مكشوفاً. وهذا الانكشاف سيؤدي إلى تعريض أمنها للخطر،
ويصبح سهل التدمير بواسطة الآلة السياسية والعسكرية الأميركية. ولذلك كان يمكن
الاستنتاج أيضاً، أن من أهم الملفات التي كانت روسيا تحرص على عدم التفريط بها، هي
التالية:
-منع
إقفال البوابة السورية في وجهها بما يعني إقصاؤها كلياً عن المنطقة وعزلها من
التأثير فيها وبالتالي حرمانها من ضمان مصالحها الاستراتيجية.
-والملف
الآخر، والذي لا يقل خطورة عن الملف السوري كان انتصار المشروع الإسلامي السياسي
في كل من مصر وتونس، في المراحل الأولى للعام 2011، وحينها كانت تراود روسيا مخاوف
من امتداد المشروع إلى سورية، مما يعني طرداً محتماً لأي تواجد روسي في الوطن
العربي، وبالتالي تطويقها بشكل كامل، وتهديد أمنها العسكري خارجياً وداخلياً.
وإذا كانت مصالح روسيا تتوافق مع مصالح النظام الإيراني في سورية، لكن تجب
الإشارة إلى أن لكل منهما أسبابه المختلفة عن أسباب الآخر. فروسيا حريصة على بقاء نظام سوري يحترم اتفاقياته الأمنية والعسكرية معها أولاً
على أنها ترفض قيام نظام ديني سياسي يشكل ظهيراً ومحرِّضاً لحركة الإسلام السياسي
في بعض دويلات الاتحاد الروسي. بينما النظام الإيراني يعمل على الاحتفاظ بمصالحه
مع سورية موحدة ترتبط معها بعلاقات استراتيجية، وإذا فلت الأمر من يدها فإنها
بالتالي ترضى بجزء من سورية كدويلة طائفية ترتبط معها باتفاقيات ثابتة.
وهنا، ولاستشراف
موقف روسي في حالة تغيير النظام القائم في سورية، فإنها لا تشعر بالاطمئنان لأي
بديل ديني إسلامي، وهذه من نقاط الافتراق المختلف عليها استراتيجياً مع النظام
الإيراني. وهذا الأمر الذي يصح على مستقبل سورية يصح على مستقبل العراق. وباختصار
كان يمكن الاستنتاج أن مصلحة روسيا تكون أكثر أماناً مع أنظمة مدنية، وتكون في
أقصى خطورتها عندما تكون مع أنظمة دينية سياسية.
أما عن موقفها في
اليمن، وإذا كان من الظاهر أن الحركة الحوثية الحاكمة حليف لإيران. وإذا كانت
إيران حليفاً لروسيا، فهذا يعني بالاستنتاج النظري أن اليمن الحوثي سيكون حليفاً
لروسيا بشكل غير مباشر. ولكن تأسيس نظام يمني يسيطر عليه الحوثيون، سيشكل خطراً
على كل من الأمن المصري والأمن الخليجي، وإذا كان نظرياً يصب في مصلحة روسيا لأنه
سيدين بالولاء لحليفها النظام الإيراني، فهل سيكون موقف روسيا مؤيداً لذلك النظام
في ظل تناقضه مع أمن مصر؟ وكان السؤال هو التالي: هل ستقطع روسيا الأمل كلياً
بعلاقة ما مع دول الخليج العربي في ظل حالة التوتر الأميركي - الخليجي؟ أم أن
الموقف الروسي سوف يتساوق مع مصالحه بالمحافظة على علاقاته مع مصر من جهة،
والمراهنة على علاقة إيجابية مع دول الخليج في ظل معطيات تلك المرحلة؟
لهذا، وللمعطيات
التي سقناها، نحسب أن عوامل التقاطع الروسي – الإيراني ليست قاعدة دائمة تقود إلى تطابق كامل بين
الموقفين، بل هناك تمايز بينهما بشكل أو بآخر. ومن الأفضل أن يتم الفصل بين
الموقفين، لأن ما تعتبره إيران (حقاً إلهياً) لها في بناء إمبرطورية دينية مذهبية،
لا تعتبره روسيا كذلك، بل من مصلحتها أن تبني مواقف متوازنة مع كل الأنظمة في
الوطن العربي. وهذا لن يكون ميسوراً لها في منظومة من الدويلات الطائفية.
إن ما ينطبق على
الموقف الاستراتيجي الروسي، سيجد صداه بشكل أوسع مع مجموعة دول (البراكس) وفي
طليعتها الصين. وهذا الواقع في البنية الدولية يصب بشكل إيجابي في مرحلة عض
الأصابع بين الإدارة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي زائداً جمهورية مصر
العربية. وإذا ما تعمَّق التلاقي العربي بين دولتي السعودية ومصر حول معركة المصير
العربي ضد مشروع الاستيطان الإيراني في الوطن العربي المدعوم أميركياً، سيجد
الاستجابة والترحيب من قبل مجموعة من القوى الدولية والعربية، ومن أهمها:
-منظومة دول البراكس.
-الأحزاب والحركات
والمنظمات والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية.
-موقف حزب البعث والمقاومة
العراقية من المتغيرات:
-دعا الأمين العام لحزب
البعث العربي الاشتراكي (كل الأحزاب والحركات والمنظمات والتيارات الوطنية
والقومية والإسلامية إلى التوحد والوقوف مع الموقف الجديد للنظام العربي)، كما جاء
في خطاب الرفيق عزة ابراهيم، الذي وجَّهه لأبناء الأمة العربية في 7 نيسان من
العام 2015، الذكرى الثامنة والستين لتأسيس الحزب.
-وكما جاء في الخطاب المذكور أيضاً: (لأن المعركة
الأساسية لشعبنا وقواه الثائرة وفي طليعتها حزبنا يكون ضد الاستعمار الجديد الذي
يغزو عدداً من أقطار الأمة ويحتل أرضها ويدمر حياتها ويستعبد شعبها وينهب خيراتها
ويقطع أوصالها)، سيلقى قرار التصدي للمشاريع الاستعمارية تأييد (كل الأحزاب
والحركات والمنظمات والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية، إلى التوحد والوقوف مع
الموقف الجديد للنظام العربي إن حصل).
ولكل ذلك، وكما كان استشراف آفاق المرحلة
الأقرب للتأكيد، فإن مصير الوطن العربي إذا كان مهدداً، فسيكون هدف حمايته ذي
أولوية مطلقة عند كل العرب، ويجب أن لا يسبقه أي هدف آخر، سواء أكان مطلبياً أم
إصلاحياً.
وإذا ثبت أن أهداف (عاصفة الحزم) شمولية
وليست انتقائية وموضعية،
وإذا كانت الاستجابة لها وتأييدها شاملة قوى
دولية وعربية،
فلا شك، كما أشار الرفيق عزة ابراهيم، بأن
(أميركا ستتراجع وتتقهقر) أمام ذلك الإجماع.
وأخيراً، كان التساؤل الذي يفرض نفسه في تلك
المرحلة هو: هل سيشيع تهديد أوباما الخوف لدى دول الخليج العربي وجمهورية مصر
العربية، أم أن تلك الدول ستصمد أمام تهديدات أميركا؟
-المقاومة العراقية تقرأ اتجاهات متغيرات
المرحلة قراءة إيجابية:
إن تفصيلنا لوجود
متغيرات في المواقف الخليجية والمصرية ذات علاقة بالخوف من التفاهمات الأميركية
والإيرانية على مستقبل الأمن القومي العربي، وهذا يقود إلى وجوب الاستفادة من
المتغيرات التي طرأت على المستوى الدولي ونظام حكم العالم الجديد.
وإذا أضفنا إلى ذلك
المتغيرات على الصعيد العربي التي فرضتها مرحلة الصراع بين مشروعين اثنين، تتلخص
بالمفاضلة بين المحافظة على وحدة الدولة القطرية أو الانزلاق إلى متاهات تفكيك تلك
الوحدة لمصلحة تأسيس أنظمة جديدة تكون عبارة عن دويلات طائفية.
وبسبب من وجود تلك
المتغيرات، هل يُكتب للقرار الخليجي – المصري أن يقف عند مرحلة ما وتنغرز جنازير دباباته في رمال المشاريع
المشبوهة، أم أنه سيستمر مستفيداً من إيجابية تلك المتغيرات؟
وإذا كانت تطورات
المرحلة القادمة تشكل معياراً نقيس به مصداقية التوقعات أم عدم صدقها، فنستنتج
التالي:
لا نحسب أن مشروع
تفتيت مصر ودول الخليج لم يصل إلى أسماع حكامها،
ولا نحسب أن تلك
الدول تجهل خطورة الدور الإيراني في مشاريع التفتيت والتقسيم،
كما لا نحسب أنها
ستطمئن إلى وعود إدارة أميركية مهزومة في العراق، تعتمد على إيران في حماية
مصالحها هناك، وتسكت عن جرائمها التي يندى لها جبين الأخلاق والإنسانية.
كما لا نحسب أنها
لا تضع نصب أعينها أن المخاطر ستظل قائمة طالما ظل لإيران دور كبير في تقرير مصير
الوطن العربي.
لكل ذلك كان من المتوقع
أن يستمر مشروع (عاصفة الحزم) المعلن، ليلقى أصداءه في كل مكان لإيران فيه دور
فاعل. ويأتي على رأس كل تلك الأدوار إقفال (البوابة الشرقية) للوطن العربي، كي لا
تبقى مشرعة أمام النظام الإيراني. ولذلك فإن إقفال تلك البوابة كان كان لها أولوية
مطلقة.
-عاصفة الحزم كانت الخطوة الأولى على طريق
تحرير القرار العربي،
وعن عاصفة الحزم،
خاطب الرفيق الأمين العام دول الخليج، قائلاً: (أحيي عاصفة الحزم وأحيي قائد
عاصفة الحزم الملك سلمان بن عبد العزيز رغم ان موقفهم جميعاً...
لا يساوي واحداً بالمئة مما نقدمه نحن للمملكة ولدول الخليج وللأمة في دورنا الجهادي
في العراق. على امتداد اثني عشر عاماً، نتصدى للمشروع الصفوي الذي
...يزحف نحوهم. ...وكان مطلوب أي (عاصفة
الحزم) قبل هذا الوقت.).
وشرح أسباب وقوف
الحزب إلى جانبها، قائلاً: (لأن دولة اليمن وثروات اليمن وجيش اليمن وسلاح جيش
اليمن كله سقط في أحضان إيران). ولكنه قال أيضاً: (رغم تقديرنا
العالي لعاصفة الحزم وتأييدنا المطلق لها، فإن معركة الأمة مع الفرس ليست في
اليمن، معركة الأمة ضد الهيمنة الفارسية الصفوية، .. في العراق).
وقال إنه (على كل العرب وفي طليعتهم أطراف عاصفة الحزم
أن يقوموا بعاصفة حزم أخرى في العراق،).
وعن المشككين في
مصداقية الأنظمة قال: (رغم أننا لا نعول كثيراً على الأنظمة الرسمية، لكن
علينا أن نعترف ... أن الأنظمة الرسمية تملك
جوهر قوة الأمة. فالثروة في يدها، جيوش الأمة في يدها، وسلاح الأمة في يدها،
واقتصاد الأمة في يدها، شعب الأمة محكوم من قبلها. لذلك علينا ...
أن ندفع باستمرار باتجاه استثمار طاقات الأمة من خلال أنظمتها ...
وأن نؤجل كل نضالاتنا وكفاحاتنا ضد هذه الأنظمة إن
وقفت ضد الاستعمار .. بشكل مباشر كما في حال
عاصفة الحزم. وأدعو كل المناضلين في الأمة والمجاهدين في حزبنا وخارج حزبنا
للوقوف إلى جانب عاصفة الحزم، وتشجيع أطرافها لإنجاز مهمتها...).
-وأما لماذا انطلقت
عاصفة الحزم من اليمن، وليس من العراق؟
منذ أن أخذ
الحوثيون يتمددون في أنحاء اليمن بعد أن سيطروا على العاصمة صنعاء، ولأن التمدد
الحوثي أخذ يصب في مصلحة الهيمنة الإيرانية، عندما أعلن بعض القادة الإيرانيين،
قيام الإمبراطورية الفارسية، وأخذوا يبنون الأمجاد على وقع أنغام التمدد الحوثي،
واعتبروا أن الطوق العسكري الأمني حول دول الخليج العربي قد اكتمل فأعلنوا بغداد
عاصمة لإمبراطوريتهم.
عن تلك التطورات في
اليمن أصاب الهلع أنظمة الخليج، وراحوا يحسبون لخطورة القوة الإيرانية ألف حساب.
ولما تأكد لتلك الأنظمة أن الوعود الأميركية بحمايتها بعد احتلال العراق كانت
كاذبة خاصة بعد أن وكَّلوا النظام الإيراني بالملف العراقي، وبدأت كرة الهواجس
الخليجية تظهر إلى العلن تباعاً. ولم تنفع حينذاك التطمينات الأميركية لدول الخليج
لأن التقارير التي تسربت أكدت أن أميركا تكذب مرة أخرى. ولقد أثبت قرار دول الخليج
العربي ، الذي سبق القمة العربية، في أواخر شهر آذار من العام 2015، بأيام
معدودات، أن دول الخليج لم تأبه بالتطمينات الأميركية ولم تصدقها، بل اتخذت قرارها
ووضعت الإدارة الأميركية أمام موقف حرج.
من مقدمات القرار
وأسبابه كان من الممكن قراءة أهدافه من حيث إن تلك الدول بدأت بتنفيذ عملية (عاصفة
الحزم)، من أجل قطع بعض أذرع الأخطبوط الإيراني من الالتفاف حول رقبة أمن دول
الخليج. فكان القرار، في خلفياته الاستراتيجية ليس من أجل عملية موضعية في اليمن،
بل من أجل ضرب المتغيرات الاستراتيجية التي كان لا بُدَّ من أن يستثمرها النظام
الإيراني لتصب في مصلحة تمدده في الوطن العربي.
إن القرار الجريء
الذي اتخذته دول الخليج، في ظل تصاعد الأحلام الإيرانية، سيكون ذا آثار سلبية كبرى
على تلك الأحلام. كما سيكون ذا آثار إيجابية على حركة التحرر العربية وفي طليعتها
المقاومة العراقية وثورة الشعب العراقي، هذا إذا كانت أهدافه لن تقف عند حدود
اليمن.
ولكن للاطمئنان على
مصداقية الأهداف الاستراتيجية لذلك
القرار، لا بُدَّ من توفر شروط وضوابط، ومن أهمها أن لا يكون هدف القرار مرحلياً
وموضعياً، بل للتأكد من جديته ومصداقيته هو أن يكون قرارا شمولياً يتولى مهمة قطع
رأس الأخطبوط الإيراني. ولن يكون القرار شمولياً واسترتيجياً إذا لم يشمل تطبيقه
في العراق. ففي تحرير العراق من الاحتلال الإيراني ضربة قاتلة لرأس الأخطبوط. وفي
تحريره إقفال للبوابة الشرقية أمام التغلغل الإيراني. وفي إبقائه تحت الهيمنة
الإيرانية حياة جديدة لأذرعه التي تمددت في أكثر من مكان في الوطن العربي.
وهل تشمل حملة
(عاصفة الحزم) استئصال رأس الأفعى الإيرانية في العراق؟
-لقاء كامب ديفيد محاولة أميركية لتطمينات خادعة،
لأن مفاعل (تصدير الثورة) الإيراني أكثر خطورة من المفاعل
النووي:
كان توقيع الاتفاق
مع إيران حول مفاعلها النووي بادرة حسن نية من إدارة أوباما، لأن المشروع المشترك
الأوسع بينهما له الأولوية الاستراتيجية عند كل منهما، الذي يحمل أهداف تقسيم
الوطن العربي إلى دويلات طائفية تريح الاستعمار الأميركي لعشرات السنين، لأن تلك
الدويلات كفيلة بإنهاء حلم الوحدة العربية من جهة، وستكون حدودها (حدود الدم)
لأنها ستبقى موقداً لحروب طائفية ودينية دائمة. بحيث تتلهى تلك الدويلات بحروب
فيما بينها، بينما يستمر الاستعمار بسرقة ثرواتها. وهو المشروع ذاته الذي يوفر
لنظام ولاية الفقيه في إيران أن يحقق حلمه في بناء حكومة عالمية ذات طابع مذهبي.
-المتغيرات على
الصعيد العربي والدولي تصب في مصلحة تحرير العراق
لا شك بأن مرحلة ما
بعد الهزيمة الأميركية في العراق في أواخر العام 2011، والكشف عن مخطط البدء
بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بتعاون وثيق بين الولايات المتحدة الأميركية.
ولأن البدء بتنفيذه كشف عن مخاطر جمَّة على المستويين الدولي والعربي، أي بشكل
أدق، أن تلك المخاطر ستطول بشكل أخص كلاً من المصالح الروسية والمصالح الخليجية،
كانت توحي بحصول متغيرات تهزَّ جمود الوضع الذي كان راكداً قبل الهزيمة الأميركية.
ولذلك حصلت متغيرات كبيرة على المستويين معاً. ومن الضروري أن يتم استعراضهما
لأنهما يساعدان على استشراف وضع العراق فيما بعدهما، وكذلك استشراف مستقبل الوضعين
العربي والدولي.
-المتغير الأول على الصعيد
العربي لإعادة التوازن في مواجهة الخطر الإيراني
أجمعت كل المواقف
على أن المرحلة السابقة شهدت فراغاً كبيراً في دور المؤسسات القومية، رسمياً
وشعبياً،. ومن مسامات ذلك الفراغ تسلَّلت كل أنواع التدخل، استفادت منه الولايات
المتحدة الأميركية والعدو الصهيوني والنظام الإيراني بشكل رئيسي، وقوى إقليمية
أخرى بشكل جزئي، بحيث تحولت مؤسسات جامعة الدول العربية وعلى رأسها مجلسها إلى
مؤسسات تابعة وناطقة باسم القوى التي تلهث لاحتلال موطئ قدم على الأرض العربية.
كان الاحتلال
الأميركي للعراق، في العام 2003، يشكل الخطوة الأخيرة في استكمال إسقاط القرار
السيادي العربي. وخُيِّل للكثيرين أن العصر الأميركي أصبح واقعاً لا مردَّ له، ولا
رادع يمكنه مواجهته، ليس على القرار السيادي للدول فحسب، بل وإنه لا مرد لغوائله
عن الوطن العربي أيضاً. ولهذا ارتفعت رايات الاستسلام الدولي والعربي لمشيئة
الإرادة الأميركية. ولكن باستثناء من كان يرى النتائج، التي يمكن أن تترتَّب على
انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية، بعين استراتيجية.
وبالفعل فقد خاب
فأل من أصابه الغرور، وفأل من أصابه اليأس، فإذا بالمقاومة الوطنية العراقية تنجز
أهم انتصار في التاريخ العالمي عندما أرغمت قوات الاحتلال الأميركي على الانسحاب
من العراق. ومن بعد تلك اللحظة أخذت نقاط الضوء في آخر النفق تتسع وتكبر.
ليست النتائج التي
حققتها المقاومة العراقية كانت من النتائج المنظورة والمحسوسة عند الكثيرين، بل لم
تكن ظاهرة إلا في خلفية المسرح الذي تلعب عليه المقاومة العراقية، وذلك بسبب
التعتيم الإعلامي الكبير على تأثيرها. ولكن على الرغم من أن النتائج كانت أكثر من
ثقيلة على دولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية إلاَّ أنها لم تعترف بها، وكانت
تعمل على تجهيلها حفاظاً على معنويات شعبها من جهة، ولكي لا تصبح مكسر عصا أمام
الدول الأخرى التي توازيها قوة، أو تلك التي تحتل مرتبة أدنى في سلَّم تصنيف
درجاتها على مقاييس القوة.
وإذا كان تجهيل
الوقائع هو من ديدن وواجبات الإعلام الأميركي المعادي، إلاَّ أن واقع الحال الذي
تسرَّب خارج تلك الوسائل، أخذ يكشف عن مظاهر الضعف الذي أخذ ينخر في أسس وقواعد
بناء الإمبراطورية الكبرى. وكان من أهم تلك المظاهر هو أنه بخروج العمود الفقري
للقوات الأميركية من العراق، جاءت حركة الانتعاش في مجرى الدور الإيراني ليفضح
مواطن الضعف في بنية القوة الأميركية، وهي القوة التي حسب الكثيرون أنها لن تُقهر،
فقد سلَّمت قيادة العملية السياسية والميدانية في العراق للنظام الإيراني. ونقطة
الضعف هنا، هو أن الإدارة الأميركية التي كانت تعتبر النظام الإيراني أحد
مرتكزاتها الإقليمية في احتلال العراق، كانت تخطط أنها لن تسمح له بأن يلعب أكثر
من دور التابع الذي يمكنه الاستفادة جزئياً من احتلال العراق، وبالمقدار الذي تسمح
له به. وإذا بها تتخلى له عن العراق كله ليلعب دور الآمر، بحيث بدت فيه أميركا في
العراق وكأنها التابع وليس السيد الآمر الناهي.
وبمثل تلك النتيجة كان النظام الإيراني هو أكثر
من استفاد من الهزيمة الأميركية، وباستيلائه على العراق كبرت أحلامه وتضخَّمت،
فكانت تلك الفرصة السانحة له للبدء في تنفيذ ما يعتبره مشروعاً إلهياً في تأسيس
دولة ولاية الفقيه الأممية الأبعاد. وببسط سطانه على ما اعتبره (العتبات الشيعية
المقدَّسة)، كشرط ضروري وأساسي لتنفيذ مشروعه المذهبي، توهَّم أن الأبواب العربية
التي كانت مُوصَدَة في وجهه ستنفتح أمامه بيسر وسهولة، فيمَّم وجهه باتجاه ساحات
أخرى، غير الساحات الثلاث اللبنانية والسورية والعراقية، فكانت دول الخليج العربي
تمثل الساحة التالية.
وباستثناء تمهيده
للعبث بأمن البحرين، كان شرق السعودية واليمن هما الوجهة الجديدة. وباختراقه
الساحة اليمنية بواسطة الحوثيين، اعتبر نفسه أنه أكمل الطوق حول دول الخليج
العربي. وبانتقاله من خطوة إلى خطوة جديدة، من دون رادع يقف في وجهه مستنداً إلى
دعم أميركي، كان يزرع المزيد من المخاوف عند دول الخليج العربي وفي مقدمتها
المملكة العربية السعودية.
وإذا كانت دول
الخليج قد سهَّلت وساعدت الولايات المتحدة الأميركية في احتلال العراق فإنما لأنها
استندت إلى حمايتها، لكن الحماية الموعودة سقطت بعد العام 2011، فمن كانت تعتمد
دول الخليج على حمايته أصبح بحاجة إلى حماية إيرانية. فشعرت تلك الدول أنها أصبحت
وكأن النظام الإيراني قد أحاط بها من أمامها ومن ورائها، فكان الواقع الذي زرع
الخوف، وفرض السؤال التالي: العدو من أمامكم، والعدو من ورائكم، فأين المفر؟
لقد كان فراغ
القرار السيادي العربي يشمل دول الخليج، وكان الاستسلام لمشيئة أميركا هو السائد.
فتأكَّد لديها أنها أصبحت فريسة سهلة، وجودها مهدد بمشروع الاستيلاء الإيراني،
وكذلك أصبحت مقدساتها المذهبية مهددة بمقدسات مذهبية أخرى، فأصبحت وجهاً لوجه مع
الخطر الذي يهدد وجودها من جهة، ومقدساتها الدينية من جهة أخرى. وأما النتيجة
فكانت واضحة في صحوة جديدة لم يعرفها تاريخها عندما أخذت تواجه الواقع الصعب في أن
تكون أو لا تكون. وتلك هي أسباب بدء الحراك الخليجي، وكانت المواجهة مع أميركا من
أهم مظاهر ذلك الحراك.
في البداية أخذت
وتيرة الحراك تتصاعد بشكل يتوازى مع تصاعد العلاقات الأميركية – الإيرانية. ولم تنفع كل
الوعود الأميركية في تهدئة المخاوف الخليجية، لأنها كانت مبنية على أسس مرحلية ولا
علاقة لها بإيجاد حلول جذرية تدرأ خطر التوسع الإيراني على حساب الأمن القومي
العربي. وكانت التهديدات الإيرانية أكثر من واضحة في الإفصاح عن حقيقة مشروعها في
تصدير ما تزعم أنه ثورة إسلامية، وهذا لا يمس الأمن القومي الخليجي فحسب، بل إنه
يتهدد الكيان القومي العربي أيضاً.
لأول مرة يمر تاريخ
العلاقات الأميركية –
الخليجية بمأزق يصر فيه النظام الخليجي الرسمي على مواقفه، ويرفع معه سقف الضغط
على أميركا، ويقف في موقع الند للند معها. وتلك بدايات جدية، وأثبتت جديتها
تصاعدياً على الرغم من المخاوف التي كانت تساور البعض من مرحلية ذلك الحراك، تلك
المخاوف كانت تستند إلى تجارب طويلة مع النظام الرسمي الخليجي.
وإذا كان اللقاء
الأول بين وفد خليجي مع الرئيس الأميركي، في أيار من العام 2015، لم يأت بمواقف
كانت تشتهيها إدارة أوباما، وهي لم تكن توحي أيضاً بجدية خليجية، حتى جاء ما يدعم
جديتها توجه وفد سعودي عالي المستوى إلى موسكو، والذي فيه تم توقيع اتفاقيات
سياسية وعسكرية.، وكذلك توجه سعودي آخر باتجاه فرنسا.
وكما أثبتت الوقائع
والنتائج، حينذاك، لم تكن تلك اللقاءات ذات أهداف مرحلية تحمل إنذاراً خليجياً
لأميركا، بل كانت ذات أهداف استراتيجية تعتبر أن الاتكاء إلى طرف دولي واحد من
الأخطاء التي تُضعف القرار السيادي الخليجي، واستراتيجية القرار كانت في اللجوء
إلى مصادر متعددة تُعتبركبدائل يمكن الاستناد إليها في التوقيت المناسب.
ولأن ذلك الحراك،
حتى بعد اللقاء السعودي – الروسي، لم يكن يحمل أي مؤشر على تكتيكية التخطيط، بل يؤكد سلامة التخطيط
الاستراتيجي في مقاومة دول الخليج العربي للمد الإيراني ومواجهته، ولن يُكتب
النجاح لتلك المواجهة إذا لم يتم إرغام النظام الإيراني على الخروج من العراق،
وإعادة إقفال البوابة الشرقية ودعم قيام نظام وطني فيه يحمي تلك البوابة.
ولهذا، فقد جاءت
الدعوة القطرية، في شهر أيلول من العام 2016، عندما دُعيت لأول مرة فصائل المعارضة
العراقية ومنها وفد لحزب البعث العربي الاشتراكي للقاء موسَّع يضم سفراء دول
الخليج العربي، وبقبول أميركي وأوروبي. ومن قراءة ذلك اللقاء كان من السهل
الاستدلال على أنه جاء نتيجة للضغط الذي شكَّله الحراك الخليجي على الولايات
المتحدة الأميركية. وكان يدل إلى حد كبير على سلامة الاتجاهات الخليجية، ومدى
جديتها في معالجة القضية العراقية بما يضمن تغيير استراتيجية عملية الاحتلال
السياسية، ومن أهمها إلغاء سياسة الاجتثاث والإقصاء للمكونات السياسية العراقية
التي ترفض أي وجود أجنبي في العراقي، ومن أهمه الوجود الإيراني.
وفي خلاصة القول،
كانت المراهنة على أنه إذا استمر الحراك بالتصاعد على ذلك المستوى سيكون رسالة
واضحة تؤكد بدء ولادة مرحلة جديدة يملأ فيها العرب الفراغ السيادي، ويتوجونه بقرار
عربي مستقل يكون حريصاً على حماية الأمن القومي العربي بأيد عربية.
-المتغير الثاني:
الحراك الدولي باتجاه إنهاء عصر القطبية الأميركية الواحدة:
ولأن الحراك الروسي
رافقه الكثير من اللغط والتناقض في المواقف حول أهدافه ومراميه، كان لا بُدَّ من
البدء بالتساؤل التالي: كيف نبني الموقف الموضوعي من قضية معقَّدة كمثل تحديد موقف
موضوعي من الحراك الروسي؟
مرَّ النظام الدولي بتحولات كبرى منذ ما بعد
الحرب العالمية الثانية إلى الآن، ومن أهمها:
-الأولى: مرحلة ما قبل العام 1991، إي قبل انهيار الاتحاد
السوفياتي، وهي المرحلة التي ابتدأت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت
معروفة بالنظام العالمي المتعدد القطبيات.
-الثانية: مرحلة ما بعد العام 1991، أي بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي، وهي المرحلة المعروفة بالنظام العالمي المحكوم بقطبية أميركية واحدة
ووحيدة، وهي المرحلة التي امتدت حتى مطالع العام 2011.
-الثالثة: مرحلة الحراك الدولي الجديد بريادة روسية: لقد بقيت
مرحلة القطبية الواحدة ساكنة لمدة عشرين سنة، انتهت ببداية العام 2011، ومن بعدها
حتى الآن يترقب العالم مرحلة ولادة جديدة لنظام عالمي جديد، يتصدر المشهد فيه
القطبان الأميركي والروسي بشكل أساسي. وهذه المرحلة هي التي نسميها الحراك الدولي.
هرمية التأثير في بناء النظام الدولي:
كانت العلاقات الدولية، إلى ما قبل نقطة
البداية في انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، تتميز بأسلوب الحرب الباردة
ما بين القطبين الدوليين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وعلى
الرغم من المنافسة بينهما حينذاك، كان التوازن بالمصالح في العالم هو السائد،
فاستقطبت الدولتان ما تستطيع أن تستقطبه من دول العالم بالاتفاقيات على شتى
أنواعها، ومن عوامل الاستقطاب التي كانت الدول الأخرى تختارها هو طلب الحماية من
مخاطر إحدى الدولتين العظميين. ولذلك كان النظام العربي الرسمي يتوزع بين العلاقة
مع واشنطن والعلاقة مع موسكو، وهي تلك المرحلة التي شهدت استقراراً في أوضاع
الأنظمة العربية الرسمية لمدى زمن طويل نسبياً بالنسبة لمرحلة الحرب الباردة.
نظام القطبية الواحدة خطر محتوم على الأمن
الدولي:
تصح تسمية مرحلة، ما بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي، بمرحلة البداية في بناء نظام دولي جديد لا منافس فيه للولايات المتحدة
الأميركية في حكم العالم. وفيه رفعت الولايات المتحدة الأميركية الشعار الأخطر في تاريخ العالم وهو شعار (نحو
قرن أميركي جديد)، وتحت خيمته ارتكبت فيه أميركا ما ارتكبت من جرائم الاحتلال
والتفتيت والتقسيم، من دون رادع أو حسيب، بحق العشرات من الدول في العالم. ولكن
بعد أن أرغمت المقاومة الوطنية العراقية الولايات المتحدة الأميركية على الانسحاب
من العراق في العام 2011، وكأن النتيجة كانت إيذاناً بولادة مرحلة جديدة لم تكن
مظاهرها قد بدأت بالبروز حينذاك. ولم يكن هناك من حل سوى في استعادة النظام الدولي
المتعدد القطبيات، سوى بظهور قطب دولي جديد. فسنحت تلك المرحلة بفرصة ظهور الدور
الروسي الذي كان في ظرفه ومكانه يمثل كاسحة الألغام أمام قوى دولية أخرى تسانده من
أجل الخلاص من خطورة حكم العالم بقطبية أميركية واحدة ووحيدة.
وعلى الرغم من تلك الحقيقية، ترافقت مواقف
الكثيرين بالسلبية تجاه الموقف الروسي، وكان مرد ذلك لتوافقات روسية مع أطراف
عربية كالنظام السوري وإقليمية كالنظام الإيراني، والتي لم تكن تلقى قبولاً من
أصحاب المواقف السلبية.
لقد اختلط حابل الاستراتيجي بالتكتيكي عند
أصحاب المواقف تلك، من دون النظر إلى حاجة العالم الاستراتيجية، ومنه الوطن
العربي، لدور دولي آخر ينافس الدور الأميركي.
وإذا كان من غير المستغرب، في تلك المرحلة،
أن تنشر الولايات المتحدة الأميركية الخوف في نفوس الآخرين من خطورة الدور الروسي،
فإن المستغرب أن يعمل بعض الحريصين على الأمن القومي العربي على المساواة بين
الدورين، من دون النظر إلى خطأ الوقوف ضد تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي
تتناقض أحياناً مع الأهداف المرحلية.
إن المواقف السلبية من الدور الروسي، ذات
أسباب مرحلية، وإنه إذا اعترفنا بأنه دور استراتيجي ضروري من أجل إعادة التوازن
بين القوى الكبرى لصياغة نظام دولي جديد، تبقى
المواقف المرحلية قضية لا يجوز القياس عليها، لأن العمل على إفشال الهدف
الاستراتيجي سيؤدي إلى خسارة الإثنين معاً. وبهذا المعنى إذا فشلت روسيا في تحقيق
تقدم لدورها في العالم بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص، فإنه لا يمكن تغيير
النظام الدولي الذي تستفرد فيه الولايات المتحدة الأميركية بحكم العالم. وإذا كانت
من أهم مهمات حركة التحرر العربية محاربة نظام القطبية الواحدة، بما جرَّه عليها
من ويلات ونكبات، فلا يجوز الوقوف بسلبية ضد أي دور دولي آخر يعيد ذلك التوازن
ومنه الدور الروسي.
-أسباب مواقف ردات الفعل السلبية ضد الدور
الروسي في الوطن العربي:
تعود أسباب المواقف السلبية من الدور الروسي
إلى عدة أسباب من أهمها:
-السبب الأول: علاقة روسيا مع النظام السوري، أي إلى أسباب
تعود للموقف من الديكتاتورية التي يمارسها النظام المذكور.
لا تُقاس العلاقات بين الدول لقبح أو لحسن
مبدأي في أنظمة تلك الدول، وإنما تقاس بمدى حسنها في تبادل المصالح فيما بينها.
وإذا كانت روسيا قد عمَّقت علاقاتها مع الدولة السورية فلحاجتها الاستراتيجة في
البقاء داخل دائرة (المياه الدافئة). وإنه من غير الواقعي عندها أن تسأل عن هوية
النظام السياسي الذي يحكم سورية. ولذلك فمصالحها في البقاء تقتضي أن لا تقف عند
ممارسته للديكتاتورية أو مدى مطابقته للمعايير الديموقراطية. ولن نسأل نحن روسيا
أيضاً عن ذلك، لأن الولايات المتحدة الأميركية لم تبن علاقاتهامع النظام المذكور،
أو مع غيره، على قاعدة مساءلته عن مدى بعده عن المعايير الديموقراطية، وهي لم
تسأله أيضاً في أي مرحلة من المراحل عن ممارساته الديكتاتورية.
ولذلك فالمنطق يقود إلى تعميق البعد
الإيجابي في الدورالاستراتيجي الروسي وليس رفضه حتى ولو تعارض مع موقفنا من الجانب
الإصلاحي من النظام السوري. لأن الوقوف على العكس من ذلك، يصبح شبيهاً بموقف من
يضحي بهدف استراتيجي صحيح من أجل هدف مرحلي ليس مضمون النجاح.
-السبب الثاني: علاقة روسيا مع النظام
الإيراني:
إن بناء علاقات روسية إيرانية كانت حاجة
روسية ضرورية في ظل استمرار العلاقات التركية الأميركية. وإذا كانت العلاقات
الدولية تُبنى على أسباب اقتصادية وعسكرية وسياسية من دون النظر إلى قبح أو حسن في
طبيعة الأنظمة السياسية، نجد أنه من الخطأ، من وجهة النظر الروسية وتبادل المصالح
بين الدول، أن تسأل عن هوية النظام أو أيديولوجيته الفكرية. وتصبح مساءلة النظام
الإيراني عن هويته الأيديولوجية أمراً مستحيلاً إذا لم يتوفر لدى الحكومة الروسية
بديلاً منافساً. وهنا، لن تعني العلاقات الروسية – الإيرانية
تطابقاً في الأهداف، أو موافقة روسية على الأهداف الإيديولوجية الإيرانية، لا بل
تشكل تلك الإيديولوجية خطراً مستقبلياً على الأمن الاجتماعي الروسي من حيث تصنيف
الإيديولوجية الإيرانية في دائرة المشاريع الأصولية.
-السبب الثالث: مساندة روسيا لنظام (عملية
الاحتلال الأميركي السياسية في العراق).
قبل أن نفهم الدور الروسي من زاوية تأييده
لحكومة العملية السياسية في العراق، لا بُدَّ من إعادة التذكير بامتناع روسيا، حتى
في ظل خضوعها للإملاءات الأميركية، عن التصويت لمصلحة قرار مجلس الأمن الدولي،
الذي كان الهدف منه إجازة شن الحرب على العراق في العام 2003، مضافاً إليه امتناع
كل من ألمانيا وفرنسا.
إن أهداف الحرب ضد العراق، بالنسبة لروسيا،
تتناقض مع المصالح الروسية ومن أهم دلائله أن أهداف الحرب كانت إكمال الطوق
الأميركي على مناطق النفوذ في العالم، والامتناع عن استخدام حق النقض كانت أسبابه
أن روسيا كانت منزوعة الأنياب في تلك المرحلة، وهي لم تكد تخرج من أزمة تفكك
الاتحاد السوفياتي وارتداداته على كل الإرث الأوروبي له. وإن عدم استخدام حق النقض
حينذاك لا يعني أن روسيا لم تكن تنظر بعين الخوف من خطورة المشروع الأميركي
الجديد. وبالنتيجة كان احتلال العراق عملاً لا يستقيم مع المصالح الروسية أياً
كانت هوية نظام روسيا السياسي.
علماً بأن روسيا ليست لها فائدة مباشرة
بالإمساك الأميركي المباشر أم بالواسطة الإيرانية، بالعملية السياسية في العراق،
وهذا عائد إلى أن الأميركيين لن يشاركوا الروس بغنائم احتلالهم للعراق، بل سيبعدونهم
عنها بشتى الطرق والوسائل. كما أنه عائد إلى أنه ليس كل مشروع إيراني أو مصلحة
إيرانية تصب في مصلحة روسيا. لذلك يتم ترجيح الموقف الروسي تجاه العملية السياسية
إنما كانت مرحلية، ولأسباب إيرانية. وهو سيبقى موقفاً مرحلياً ليس صعباً على
التغيير في أول فرصة تجدها روسيا مناسبة.
من كل ذلك لا يمكن مساءلة الحكومة الروسية
عن بناء علاقات مع الدول استناداً إلى الموقف من هذا النظام أو ذاك، من هذه الدولة
أو تلك، إلاَّ بالمقدار الذي يعمل فيه العرب من أجل توفير البديل. وأما البديل فهو
التالي:
-أولاً، من الخطأ أن يتم النظر إلى الدور الروسي بعين
المرحلة، خاصة إذا لم تشكل خطراً على الثوابت الوطنية. ومن المنطقي تجاوز ما هو
مرحلي مؤقت في سبيل إنقاذ ما هو استراتيجي دائم.
-ثانياً، إن النظام الروسي بما هو نظام مدني وعلماني، سوف
يكون مرتاحاً لبناء علاقات مع دول وحركات لها منهج الدولة المدنية والعلمانية.
-ثالثاً، لا تعتبر الدول، بمنطق القانون الدولي والتشريعات
الأممية، نفسها معنية بلون أي نظام أو شكله، لأنها مسائل داخلية يرتبط حلها بمبدأ
حق الشعوب في تقرير مصيرها. وبالتالي وإذا تعددت الخيارات أمام روسيا، فستكون
خياراتها مع ما يجمع شروط المواصفات القائمة على تبادل المصالح أولاً، وعلى ما لا
يهدد أمن نظامها المدني والعلماني ثانياً.
-رابعاً، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على حصول الزلزال
المدمر في الوطن العربي، بدأت مظاهر البدائل الموضوعة على طاولة الحكومة الروسية
تتكاثر، ولعلَّ من أهمها البدائل التالية:
1-انفتاح الساحة المصرية على الحكومة الروسية.
2-بداية فتح البوابة السعودية التي كانت ما تزال مغلقة أمام
روسيا.
3-العمل، بطريقة أو بأخرى، من أجل إنقاذ العراق من الاحتلال
الأميركي، وبالتالي الإيراني، لأن وجودهما فيه لا يحقق أي مصلحة روسية. وهي
بالتالي ستعمل من أجل ما يحقق مصلحتها التي لن تتوفر بغير وجود نظام متحرر من
الهيمنة الأميركية والإيرانية.
-استنتاجات حول تأثير متغيرات المرحلة على
مستقبل العراق والوطن العربي
وبعد محاولة رسم صورة استراتيجية عن
الحراكين الدولي والخليجي، نستنتج أن هناك متغيرات وفيرة تصب في مصلحة معركة تحرير
العراق. ولكن تبقى بعض المواقف الصادرة عن بعض الذين كانوا يشككون بحقيقة هذين
المتغيرين، تحت ذرائع شتى وهي التشكيك بالسياسة الروسية
التي يساويها البعض بالموقف من السياسة الأميركية، وكذلك باتهام دول الخليج العربي
بالرجعية المتواطئة مع الأميريالية الأميركية.
بداية ليست هناك
فائدة من خطاب سياسي أو فكري خال من اقتراحات تساعد على صياغة المواقف السياسية،
ووضع خطط للحلول. ومن أجل هذا الغرض، ورداً على من يعتقدون أن واقع روسيا
ودول الخليج غير قابل للتغيير، كان عليهم أن يقدموا حلولاً أخرى تساعد على وضع حل
لأكبر مأساة يمر بها وطننا العربي الكبير. ولأن الوقائع ليست دائماً هي ما نتمناه،
بل تكون أحياناً كثيرة على العكس مما نتصوره. ولأن وضع حل أو مجموعة من الحلول
لقضية يتشارك فيها طرفان أو أكثر، إنما يستند إلى واقع القضية التي نهتم بها سيان
كان يتوافق مع رغباتنا أم يتعارض معها، كان من الموضوعي معرفة اتجاهات الشركاء في
هذه القضية أو تلك، لأن إهمالها يعني عدم الاكتراث بالوصول إلى حل. وهنا، لا بُدَّ
من معرفة كيف يفكر الفاعلون الآخرون ومعرفة استراتيجياتهم في هذه القضية أو تلك.
وبالتالي يمكن تطبيق المبدأ التالي: بين الاستراتيجيا والتكتيك مساحة يملأها فن
التفاوض السياسي، ولأن عملية التفاوض السياسي هي أقصر طريق للوصول إلى حلول.
على المفاوض العراقي أن يمتلك حرية الحركة ضمن الضوابط التالية:
-الأول: رفض الاحتلال، أو نوايا الاحتلال من أية جهة أتى.
-الثاني: ضرورة التمييز بين ما هو تناقض رئيسي، وما هو تناقض ثانوي.
-الثالث: التضحية أحيانا بما هو تكتيكي لمصلحة ما هو استراتيجي.
علماً بأن
استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية الثابتة، كما حددها المنهج السياسي
الاستراتيجي، والذي لا يمكن التنازل عنها، أو التفاوض حولها، تنص على مبدأ تحرير
العراق تحريراً شاملاً وكاملاً من كل احتلال، وإسقاط أي عملية سياسية انتجها
الاحتلال. فإن المقاومة العراقية لن تشارك بأي طاولة للمفاوضات تنزل دون هذا
السقف.
وعلماً بأن
الاحتلال الإيراني للعراق هو التناقض الرئيسي في هذه المرحلة. تعتبر قيادة
المقاومة العراقية أي دعوة للتفاوض السياسي مقبولة سواءٌ أتَّمت بشكل مستقل، أو
بمساعدة عربية أو دولية أو إقليمية أو بضمانات منها، وهي تعمل من أجل ذلك على شتى
الصعد العراقية الداخلية، أو العربية، أو الدولية. ولأن الحراك الخليجي حدَّد
خطوطه الحمراء، وحصرها بمهمة رئيسية في تحرير الوطن العربي من أي دور إيراني
توسعي، وجدت المقاومة العراقية أن هناك نقاط التقاء استراتيجية مع الحراك الخليجي،
وهي حريصة على استثمار هذه الفرصة والاستفادة منها.
-كيف يمكن ردم
الهوة في الاختلاف في استراتيجية روسيا واستراتيجية دول الخليج؟
الخطوط الحمراء على
طاولة الحراكين الروسي والخليجي:
واستناداً إلى
المبادئ الواردة أعلاه، سنستكمل الموقف الذي حددناه أعلاه، وسنقوم بتحديد ما هو
استراتيجي في الحراك الروسي من جهة، وما هو استراتيجي في الحراك الخليجي من جهة
أخرى. وللمساعدة أكثر سنوضح ما هو ممكن التنازل عنه في كل مسألة في حينها.
-أولاً: الدفاع عن وجودها في (المياه
الدافئة) ثابت رئيسي في الاستراتيجية الروسية:
في حقيقة الأهداف
الاستراتيجية الروسية، أنه لا بديل لروسيا عن سورية لأنها المنفذ الوحيد لها في
(المياه الدافئة). وهنا لا يسعنا إلاَّ أن نستعيد إلى الذاكرة ما عُرف في تاريخ
الصراع الروسي – الأوروبي بـ(المسألة
الشرقية)، وهي المسألة التي دخلت التاريخ كثابت من الثوابت الروسية في المحافظة
على مصالحها في الشرق العربي منذ عهد القياصرة مروراً بالاتحاد السوفياتي انتهاء
بروسيا الحالية. وهنا ليس من المهم أن يكون النظام في روسيا مع حرية الشعوب أم لا
يكون لنحجز له مقعداً في أية حلول لقضايانا، فهو أمر واقع لا يمكن تجاوزه في
معادلة التوازن الدولي التي بدأت مظاهرها الأولى منذ سنوات قليلة. ويمكننا
الاستفادة من هذه المرحلة كلما لاح في الأفق بصيص أمل نستند إليه.
وإذا كنا لن نقيس المواقف الروسية على مكاييل
المسألة الشرقية كثابت تاريخي من ثوابت المصلحة الروسية، فإنما الأحداث والوقائع
التي توالت على سورية، منذ أكثر من أربع سنوات، أثبتت مصداقية الدور الروسي
باعتبار المسألة الشرقية ثابتاً دائماً في تفسير السياسة الإقليمية الروسية، والذي
بناء عليه حافظت على دورها في حماية النظام السوري من السقوط. ووقائع ما سُمِّي
بالتدخل الروسي جوياً في سورية، في أيلول من العام 2015، أكَّدت مصداقية
الاحتمالات التي كانت تتوقع استمرار روسيا في دعم ومساندة وحماية النظام السوري.
من كل ما ذكرنا،
بشكل مكثَّف، نستدل على أن منع سقوط النظام السوري هو خط أحمر روسي. والدليل على
ذلك أن الدور الروسي استمر على زخمه المعهود بعد اللقاء السعودي الروسي الذي قدَّم
للروس إغراءات لم يكونوا يحلمون بها.
-ثانياً: الدفاع عن أمنها القومي ضد
(التغلغل الإيراني) ثابت رئيسي في الاستراتيجية الخليجية:
اعتبرت المقاومة
العراقية أن خلافها السابق مع أنظمة الخليج الرسمية كان عائداً إلى الموقف من
الاحتلال الأميركي. وإنه في الوقت الذي توقعت فيه المقاومة أن يقوم النظام
الإيراني لاحقاً، متستراً بالاحتلال الأميركي، بدور خطير على الأمن القومي العربي
عامة وعلى دول الخليج العربية بشكل خاص، وكان توقع المقاومة عائد لمدى إدراكها
لخطورة أيديولوجية نظام (ولاية الفقيه)، كانت أنظمة الخليج الرسمية غافلة عن إدراك
مدى تلك الخطورة. وهذا يؤشر إلى أن التناقض في الموقف من الاحتلال الأميركي مع دول
الخليج هو الذي حفر فجوة كبرى في العلاقات بينهما، وليس لأي سبب آخر.
وحيث إن أنظمة
الخليج وعت أخيراً خطورة دوره راحت تبني مواقفها من النظام الإيراني على المقاييس
ذاتها التي بنت عليها المقاومة العراقية موقفها، مما أدى إلى التلاقي في المواقف،
وهذا التلاقي فتح الأبواب لحوار عراقي وطني وخليجي من أجل مواجهة الخطر الإيراني
معاً، وهذا الواقع أكدته دعوة المعارضة العراقية إلى لقاء الدوحة في العام 2015.
وكل تلك الوقائع
قادت إلى أن دول الخليج العربي، رسمياً وشعبياً، اختارت طريق المواجهة
الاستراتيجية مع النظام الإيراني، كما سلكت تلك الدول طريق المواجهة وليس النزول
تحت سقفها. وبذلك يمكن اعتبار الدفاع عن أمن دول الخليج في مواجهة النظام الإيراني
خطاً أحمراً لن تقبل النزول تحت سقفه.
-ثالثاً: هل أصبح الحل السياسي بين
الحراك الروسي والحراك الخليجي أمراً ممكناً؟
إذا كنا قد حصرنا
الكلام عن الحراك الروسي والحراك الخليجي فإنه عائد إلى كونهما حراكين جديدين
واستراتيجيين لهما منتهى التأثير على القضية العربية. فالأول اخترق حالة السكون
الدولي من أجل توليد نظام دولي تقوده تعدديات قطبية، وأما الثاني فقد اخترق حالة
السكون القومي العربي وانتفض أخيراً ليقف في مواجهة المد الإيراني. وإذا كانت
المراهنة في تلك المرحلة على ولادة متغيرات جديدة على المستويين الدولي والعربي
فإن المراهنة على المتغير الخليجي احتل الدرجة الأولى في استراتيجية المقاومة
العراقية.
ولأنه لا يمكن
المراهنة على حلول سياسية من دون تعاون وثيق بين الدول الخليجية والدولة الروسية،
وإنه لا تعاون وثيقاً بينهما من دون ردم الهوة بينهما التي تملأها الخطوط الحمر
وفي المقدمة منها خطان أحمران، وهما: الموقف من النظام السوري المدعوم روسياً
والمرفوض خليجياً من جهة، والموقف من النظام الإيراني المتحالف مع روسيا والمرفوض
خليجياً من جهة أخرى. ولهذا كله كان يرتفع التساؤل: كيف يمكن ردم تلك الهوة؟
وقبل تفسير كيف يتم
ذلك، يجب تحديد ما هو استرتيجي في مشروعيْ الحراكين الروسي والخليجي، ولذلك تجدر
الإشارة إلى ما يلي:
-حماية النظام السوري هو هدف من ثوابت
المشروع الروسي لعلاقته بالاستراتيجية الروسية، وإسقاط النظام يشكل موقفاً مرحلياً
لدول الخليج العربي يزول بزوال ارتباطه مع النظام الإيراني. وفي العودة إلى
تاريخية العلاقات السعودية – السورية قبل الانسحاب الأميركي من العراق تأكيد على حسنها بغضِّ النظر عن
ديكتاتوريته، ولهذا يمكن الاستنتاج أن دول الخليج قادرة على تغيير موقفها من
النظام المذكور إذا أُلغيت أسبابه الإيرانية.
-وأما الموقف من إبعاد تأثير النظام
الإيراني على الأمن القومي العربي، فأصبح من ثوابت دول الخليج العربي
الاستراتيجية، ولا يمكنها قبول أي حل آخر غير إخراج النظام الإيراني من دائرة
التأثير على الأمن السياسي والعقائدي العربي. أي هو خط أحمر لا يمكنها النزول تحت
سقفه. وهذا ما يثير التساؤل: ما هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه الموقف الروسي من
هذه المعضلة؟
والإجابة على ذلك،
نجدها في قراءة أهداف كل من روسيا وإيران الاستراتيجية.
أولاً: مساحات
التلاقي بينهما:
1-في ظل اعتبار تركيا عضواً في حلف
الأطلسي، أحدثت العلاقات الروسية – الإيرانية توازناً استراتيجياً مع أميركا في العلاقات الإقليمية المجاورة
للوطن العربي.
2-المصالح الاقتصادية المتبادلة بين
روسيا وإيران تتمثل بالتبادل التجاري في الحقول المدنية والعسكرية.
3-تلاقي المصالح الروسية والإيرانية في
دعم النظام السوري.
ثانياً: مسافات
التباعد بينهما:
1-تلعب إيران دورين
متناقضين، وهما:
أ-المشاركة الكاملة مع الولايات
المتحدة الأميركية في احتلال العراق. بينما النظام الوطني السابق كان شريكاً
كاملاً للاتحاد السوفياتي وبعده مع روسيا. وهذا يعني أنه إذا كان العراق مكسباً
لحليف روسيا الإيراني، إلاَّ أنه لا ينفي أن احتلال العراق شكل خسارة لروسيا ترى
من حقها استعادته في الوقت المناسب، وفي الشروط التي تطرحها المقاومة العراقية.
بـ-ومشاركة إيرانية كاملة مع روسيا، في
حماية النظام السوري.
من ذلك، يتبيَّن أن
النظام الإيراني يسلك كل الطرق الملتوية، ومنها تزويج المتناقضات بين الشرق الروسي
والغرب الأميركي، من أجل تحقيق مشروع ثالث له أهداف أخرى غير أهداف الشرق والغرب.
ولكنه يتبع تلك الطرق الملتوية محاولاً الاستفادة من خدمات الطرفين الروسي
والأميركي. ونحسب أنهما معاً، الطرف الروسي والأميركي، ليسا غافلين عن تلك
الأهداف، ولكنهما يستمران في بناء علاقات مع النظام الإيراني لأنهما معاً، كل
منهما ضمن أهدافه، يستفيدان من خدماته التي يقدمها لكل منهما.
إننا نقوم بالتذكير
بهذا الأمر لكي نخلص إلى نتيجة أن الشرق والغرب لن يأنسا إلى تلك العلاقة، ففي نفس
كل منهما أن يرتد على علاقاته مع النظام المذكور عندما تحين الفرصة المناسبة، وعلى
الخصوص نستفيد من هذه الحقيقة من أجل البرهان على أن علاقات روسيا مع النظام الإيراني
هي علاقات مرحلية تنتهي ببداية وجود بديل موثوق في منطقة (المياه الدافئة).
2-المشروع الأيديولوجي الأصولي للنظام
الإيراني يتناقض كلياً مع المشروع العلماني الروسي.
أ-لا نظاماً بديلاً في روسيا عن النظام
العلماني: إن النظام الروسي، كما تدل كل الوقائع والحسابات، لن
يحيد عن المبدأ العلماني والمدني. وروسيا أيضاً تخشى تمدد الأصولية الدينية
السياسية، ومنها الأصولية الإسلامية. ومن بين الأسباب التي حدت بروسيا في وضع
ثقلها لحماية النظام السوري كان خوفها وصول الحركات الأصولية إلى استلام الحكم
فيها.
بـ-لا نظاماً بديلاً في إيران عن
النظام الثيوقراطي الأصولي: تجد روسيا في مشاريع
الحركات الدينية السياسية خطراً مرحلياً واستراتيجياً. ولأن المشروع الإيراني هو
أحد مشروعين استراتيجيين دينيين، فلا يمكن لروسيا سوى درء مخاطرهما بالعمل على
إلغائهما معاً.
جـ-استمرار علاقة روسيا مع النظام
الإيراني لا يستقيم مع مصلحتها بتوسيع علاقاتها العربية: ولأن أهداف دولة ولاية الفقيه التوسع الجغرافي والديموغرافي على حساب
جيرانها تطبيقاً لمبدأ (تصدير الثورة)،
ولأن الأهداف النظرية انتقلت إلى ميدان التطبيق المتسارع في الجوار العربي.
ولأن المصلحة الروسية تتمثل بالعمل على لحصول على أوسع علاقات إيجابية مع الدول
العربية. يمكن الاستنتاج بأن بناء علاقات إيجابية مع الدول العربية مستحيل في ظل
العلاقات الروسية - الإيرانية على القواعد السابقة. وهذا ما يؤكد بأن تلك العلاقات
عرضة للاهتزاز في ظل ظروف جديدة.
وبالإجمال ستشكل
العلاقات الروسية مع نظام ولاية الفقيه في إيران عبئاً ثقيلاً على روسيا ستزيحه عن
صدرها في الوقت المناسب لاعتبارات إيديولوجية وسياسية وديبلوماسية.
في النتائج
المرتقبة
من (عاصفة الحزم) في اليمن إلى مناورات (رعد
الشمال)
دول الخليج العربي تعلن استراتيجية إنهاء
التأثير الإيراني في الوطن العربي
في ثوابت المقاومة الوطنية العراقية
واستراتيجيتها
مبادئ
الحل الشامل
إسقاط
العملية السياسية التي أنشأها الاحتلال في العراق، وإقامة نظام سياسي وطني
ديموقراطي تعددي بديل عنها، أما المبادئ التي ستتيح الحل الشامل للوضع في العراق،
فهي:
١- إلغاء العملية السياسية وتجميد العمل بالدستور والقوانين
الظالمة التي صدرت منذ الاحتلال مثل قانون المساءلة والعدالة واجتثاث البعث وقرار
حل الجيش العراقي وقانون الإرهاب.
٢- إصدار عفو عام وبدء حوار وطني شامل لا يستثني أحدا، ويقوم على
أساس التزام حقوق العراق ومصالحه ووحدة أراضيه، مع ضمان حقوق المواطنين وعائلات
الضحايا من خلال قضاء عادل ومستقل.
3-الافراج عن الأسرى والمعتقلين والمحجوزين كافة منذ بداية
الاحتلال حتى الآن.
٤- تأليف حكومة وطنية مؤقته تتكون من المستقلين من ذوي الكفاءات
والسمعة الطيبة لفترة انتقالية لا تتجاوز سنة واحدة.
٥- إنشاء مجلس وطني مؤقت يشترك فيه ممثلون من جميع القوى الوطنية
العراقية، تكون أولى مهماته وضع دستور جديد للبلاد يلبي طموحات وأهداف الثورة
والعراقيين في الوحدة والبناء الوطني الشامل والديموقراطية والتعددية السياسية
واحترام حقوق الإنسان. على أن يجري التصويت العام على الدستور في نهاية الفترة
الانتقالية، وتُنشأ بموجبه السلطتان التنفيذية والتشريعية المنتخبتان
6-إعادة بناء القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية وفق
قوانينها وأنظمتها وتقاليد عملها الوطنية الراسخة منذ تأسيس الدولة العراقية
الحديثة.
هذه
المبادئ قابلة للتنفيذ بواسطة مؤتمر وطني عراقي يضع آليات الحل النهائي بإقامة
نظام سياسي وفق الخطوات المشار اليها أعلاه، بلا إقصاء أو تفرد. على أن يكون هذا
المؤتمر تحت مظلة عربية ودولية ضامنة وموثوق بها، حتى ينصرف الشعب بعد استقرار
نظامه السياسي الديمقراطي إلى البناء، ويسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة
والعالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق