المقاومة
الوطنية العراقية الرقم الأصعب في المشهد
العراقي
كما اعتقدنا سابقاً، ويظل اعتقادنا صالحاً حتى الآن، بأن
ربط تحليل القضايا بحركتها الظاهرة فقط غالباً ما يقود إلى تضليل المتابع لها، فقد يكون الخبر الظاهر جزءاً من
منظومة أهداف لا يستطيع تفسيرها، أو قد يكون كاذباً أو مضخَّماً فقد يقود إلى
استنتاجات خاطئة. أي إن ربط حياة القضايا بحركتها الظاهرة من دون الاعتماد على
حركتها الباطنة، أي تلك التي تجري في خلفيات مسرحها التي تنشط عليه، يؤدي إلى
استنتاجات جزئية، أو استنتاجات مضلِّلة. والحركة الباطنة هو ما تجري تسميته بالبعد
الثالث للحركة.
إن حركة المقاومة العسكرية تبرز عادة في عملياتها
المعلنة، والمقاومة السياسية تظهر في نشاطاتها السياسية، ولكن عندما تختفي
العمليات العسكرية، إما أن يُعتَّم عليها أو تتوقف، أو عندما تتوقف النشاطات
السياسية عن سطح المشهد أو يُعتَّم عليها، فهذا لا يعني على الإطلاق أن المقاومة
قد أصبحت في حكم المنتهية.
تموت المقاومة أو تظل حيَّة من خلال أهدافها
الاستراتيجية المعلنة، فإذا تراجعت عن تلك الأهداف فيعني ذلك أنها انتهت. وأما إذا
أعلنت أنها ما تزال مصرَّة على تحقيق أهدافها، فهذا يعني أنها ما زالت حيَّة
تُرزق. وأما السبب في تراجع الإعلان عن وسائل مقاومتها الميدانية فيرتبط بظروفها
المرحلية، ولكن ذلك لا يعني أنها تراجعت عنها، وعن العمل من أجل بلوغ أهدافها.
وبحكم التجربة السابقة، لمن واكب مسيرة المقاومة الوطنية
العراقية، يتأكد أن وسائل تحقيق الأهداف، بمظاهرها العسكرية والسياسية، مرَّت بحالات
من المد والجزر، ولكنها في حالات الجزر التي كانت تفرضها ظروف ما في زمن ما، ظلَّت
أمينة على تطبيق منهجها السياسي الاستراتيجي الذي أعلنته في التاسع من
أيلول من العام 2003، أو البرنامج الذي أعلنه المجلس الوطني للمقاومة العراقية في 31 اذار/ مارس2004، أو برنامج التحرير والاستقلال الذي
أعلن في العام 2006.
وإذا حاول المتابع أن يتقصى أخبار نشاطاتها في هذه
المرحلة، يُخيَّل إليه أنها في حالة سبات. ولأنه لم يصدر عنها أي إعلان بتغيير
أهدافها، بل إنها تؤكد ثباتها على تلك الأهداف عبر بياناتها، وعبر تصريحات
المخولين بتمثيلها، فهذا يعني أنها ما تزال مستمرة، وهذه إشارة واضحة إلى كل الذين
يتساءلون عن مصيرها، وليطمئنوا بأنها ما تزال بألف خير.
مشهد ما تسميه حكومة الاحتلال بتحرير
المحافظات الستة تضليل للرأي العام
ما جرى في كل من الرمادي والفلوجة، ويتم استكماله في
الموصل الآن، أي ما تسميه حكومة العملاء أنه تحرير للعراق من قبضة داعش، ليس أكثر
من خدعة بارعة لإلهاء الرأي العام العالمي بشكل عام، والرأي العام العراقي بشكل
خاص، من أجل التعتيم على حقائق ثلاثة، وهي:
-التعتيم
على دور المقاومة الوطنية العراقية.
-ومن
أجل تغطية كل أنواع الفساد والسرقات التي تمارسها حكومة الاحتلال بغلافات برَّاقة.
-والأهم
من كل ذلك وفي المقدمة منها العمل بكل الوسائل من أجل تجهيل واقع الاحتلال
المركَّب الأميركي –
الإيراني، لا بل إضفاء الطابع الإنساني والشرعي عليه من خلال زعمه أنه يحرر العراق
من إرهاب داعش الذي كان من صنع يديه، وما كان ليُوجد لولا واقع الاحتلال المذكور.
فالمشهد السائد الآن في العراق، ينقسم إلى مشهد معلن
ومشهد غير ظاهر. فالمشهد المعلن، والمتمثل بمزاعم حكومة الاحتلال أنه تحرير
للمحافظات الستة من وجود داعش، لن يستطيع، على الرغم من كل البريق الإعلامي الذي
يغطيه، أن يحجب حقيقتين استراتيجيتين تتصارعان على رسم مستقبل العراق في هذه
اللحظة، وهما:
-الأولى: الاحتلال وعملاؤه: الذي يبذل كل جهوده لإعادة الغطاء الشرعي للعملية
السياسية من خلال تجميل أوجه فسادها وخيانتها بألوان محاربة الإرهاب. ومن محاولات
يائسة لحجب حقيقة وجود الاحتلال المركب الأميركي – الإيراني.
-الثانية:
المقاومة الوطنية العراقية التي على الرغم من كل الجهود
المضنية لاجتثاثها منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة، تبقى الحاضر الأكبر على أرض الواقع.
كما هو واضح، بالنسبة لوسائل الاحتلال المركب في التغطية
على فشل العملية السياسية، فهو يراهن ليس على تصحيح مساراتها لأنه لا يريد ذلك، بل
يريد أن يقضي على كل صوت يرفض الاحتلال من أساسه بما فيه عمليته السياسية.
والمقصود طبعاً القضاء ليس على المقاومة الوطنية فحسب، بل هو يريد اجتثاث روح
المقاومة من ضمير الشعب العراقي، ليبقى من العراقيين فقط كل مؤيد للاحتلال. ولكن هل
يستطيع أن ينجح في هدفه هذا؟
المقاومة الوطنية العراقية تحرز المزيد
من الانتشار
والاحتلال وعملاؤه يحرزون المزيد من
الانحسار
1-المقاومة العراقية مستمرة في الكشف عن جرائم الاحتلال
وحقيقة أطماعه:
في حركتها السياسية والشعبية غير المنظورة، أو تلك التي
تتعرض للتجهيل والتعتيم عليها من قبل معظم وسائل الإعلام، تستمر المقاومة الوطنية
العراقية في العمل للكشف عما يعمل الإعلام المحتل على إخفائه من حقائق، وخير مساعد
لها هو الاحتلال ذاته في ممارساته الإجرامية، وأداء حكومته الفاشل على شتى
المستويات.
وأما على صعيد الاحتلال، بشقه الأميركي، فيكفيه أنه ارتكب
بحق العراقيين كل أنواع الجرائم العصية على الحصر والتعداد.
وأما بشقه الإيراني، فيعطي الدليل كل يوم أكثر من اليوم
الذي يسبقه، على خطورة أطماعه في العراق، وعبر العراق إلى شتى الأصقاع العربية.
وتتلخص وسائله بالعمل على (تفريس) المجتمع العراقي طائفياً وتغييراً ديموغرافياً.
هذا ناهيك عن ممارسة كل أنواع اللصوصية التي تفتك بكل موارد العراق الاقتصادية
والسياسية والبشرية.
وإذا كانت الحرب على الإرهاب مسرحية تتكشف فصول أكاذيبها
باستمرار أمام الرأي العام العراقي، فإنها لن تنطلي على أحد طالما أن الجريمة، على
شتى أشكالها، تُمارس على الشعب العراقي من قبل الاحتلال الأميركي – الإيراني المركَّب.
وطالما أن عمليات الفساد هي المنهج الوحيد الذي تسلكه
حكومة الاحتلال، والذي لا يبرأ أحد من المشاركين فيها من ممارستها في المؤسسات
السياسية والاقتصادية والخدمية.
وطالما أن المقاومة الوطنية العراقية تشكل العامل الوحيد
الذي يؤرق جفون الاحتلال وعملائه، والدليل مظاهر الاستمرار في العمل على حظر حزب البعث،
واجتثاث فلسفته، قائمة على قدم وساق.
فإنها، بالاستنتاج، وبالوقائع أيضاً، تؤشر جميعها على أن
حركة المقاومة، حتى ولو لم تترافق مع إعلان واضح بانتهائها، فإن حركتها تحفر بعمق
في مجرى تغيير الواقع الآسن في العراق. وأما الدليل على ذلك، فهي المتغيرات التي
تطفو على المواقف الشعبية في جميع محافظاته.
وكل هذا يعني أن الاحتلال وعملاءه، بعد أن ينجزوا ما
سموه بتحرير المحافظات الست من نفوذ داعش، في الرمادي والفلوجة والموصل وحتى كل
محافظات نينوى، سيعودون إلى نقطة الصفر في مواجهة الشعب العراقي لأنهم لن يستطيعوا
أن يغيروا شيئاً في منهج إدارته كما كان منذ احتلال العراق. وسيبقى القتل على
الهوية قائماً، واجتثاث فكر التغيير الوطني والقومي مستمراً، وسيبقى الجوع جوعاً
والبطالة بطالة، والنهب نهباً، والفساد فساداً، والإذلال إذلالاً.... كما لن يتغير
نهج اللصوص الأميركيين والإيرانيين وأذرعهم الداخلية. وطالما ظل هذا الواقع
سائداً، فهل يمكنهم إسقاط نقمة الشعب إلى الأبد؟
2-المقاومة الوطنية العراقية تحرز الكسب المستمر في
الأوساط الشعبية
على قاعدة (من يجد في عصر الاحتلال وعملائه نقطة ضوء
واحدة فليرجمنا بحجر)، لم يترك الاحتلال وعمليته السياسية عذراً واحداً لتبرئته من
الجرائم اللامتناهية التي تُرتكب بحق العراق والعراقيين. وهذا الواقع المأساوي،
الذي يحفر في ذاكرة العراقيين كل يوم بل كل ساعة، يشكل عاملاً تحريضياً وحافزاً
أساسياً أمام الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه لإعلان النقمة على الوضع المأساوي
الذي يعيشه منذ الاحتلال حتى اليوم. وهذه كما أنها تشكل نقطة ضعف في واقع
الاحتلال، فإنها تشكل أيضاً نقطة قوة تضاف لمصلحة المقاومة، لأن القمع لم يكن في
يوم من الأيام عامل قوة، بل عوامل القوة تستند إلى مدى رضى الشعب عن حكامه.
وإذا كانت الحكومة العميلة، بتوجيه وإملاءات من مسؤولي
الاحتلال الأميركي –
الإيراني المركب، تعمل على تجميل وجهها بمزاعم محاربتها للإرهاب، كخديعة للرأي
العام العراقي، فإن الشعب العراقي كان قد كشف تلك اللعبة منذ زمن بعيد، وهي لن
تنطلي عليه. بل وإن صحَّ ذلك عند بعض المضللين من المعتاشين على رواتب هزيلة، أو
من الذين أعمت المذهبية والطائفية بصيرتهم، فإن الواقع المأساوي لا يطمئنهم. وحتى
هؤلاء أنفسهم لا يجرأون على الاعتراض، بل يُقبِّلون اليد الظالمة ويدعون عليها بالكسر،
وهذا يعني أنهم جاهزون لاستقبال أي حالة تغيير قادمة بالترحاب.
وإذا كان واقع الحال في العراق قاسياً وقاسياً جداً،
لكنه في الوقت ذاته ينوب في التحريض على حكام العراق الخونة أكثر من آلاف وسائل
الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة. وهذا ما يسمح لنا بالقول: إذا تخلَّص
الاحتلال من الإرهاب، كما يزعم، فكيف له أن يصلح حال الفساد المادي والاقتصادي
والسياسي والأمني؟ وإذا فعلها، وهو لا يريد، فكيف يرد على من يتهمون الحاكمين
بالخيانة العظمى عندما رهنوا سيادة العراق لإرادة الاحتلال المركب؟
ونتيجة لكل ذلك، نعتبر في حالة الواقع الشعبي العراقي،
أن أهداف المقاومة العراقية منذ أن انطلقت في عملياتها العسكرية، وعملياتها
السياسية، أصبحت أهدافاً للشعب العراقي كله، باستثناء أولئك الخونة والفاسدين
واللصوص والمتلفعين بأثواب الميليشيات الدينية.
واستناداً إلى هذا الواقع، فإن إعلام المقاومة الآن يقوم
بالتركيز على تلك الجرائم، وهي وسيلة من أهم وسائل الإعلام المقاوم. وتستند
المقاومة في إعلامها إلى الكشف عن الجرائم والمجرمين، بالصوت والصورة وإعلان أرقام
السرقات التي تذهل الرأي العام الخارجي، فكيف يكون تأثيرها على العراقيين الذين
يُسلبون ثروتهم الوطنية ليستفيد منها اللصوص من الداخل ومن الخارج.
3-كعامل مساعد لها، المقاومة الوطنية
العراقية تراهن على المتغيرات في الوضع العربي والإقليمي والدولي:
وإذا كنا قد كتبنا الكثير عن حصول متغيرات على تلك
الصعد، فإننا نكتفي هنا، بإعادة التذكير بأهم عناوينها، والقول بأن تلك المتغيرات
ليست مرحلية بل هي متغيرات استراتيجية، ولن يكون الرهان عليها سراباً، بل رهان
واقعي. ولا نرى من ثغرة فيه أكثر من أنه بطيء وسرعته الضعيفة لا تلامس عواطف
التائقين للخلاص من الواقع المرير، وهذا شبيه بواقع الذي أضناه الظمأ إلى قطرة من
الماء، وإلى الذي قتله الجوع إلى قطعة من الخبز، وإلى الغارق في بحر الموت إلى
فسحة صغيرة من الطمأنينة على حياة أولاده، وإلى الغارق في لجة التهجير إلى فسحة خلاص
من مرارة الذل والفاقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق