كلمة
حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
في احتفال تأبين الرفيق الشهيد سليم بركات
ألقاها الرفيق حسن خليل غريب
أهل الشهيد وأبناء بلدته
رفاق الشهيد
أيها الحضور الكريم
نجتمع اليوم لإحياء الذكرى السابعة والعشرين لاستشهاد
رفيقنا سليم بركات، الذي ارتفعت ذكراه تاجاً فوق رؤوسنا وكللتها بالغار. نستعيد
ذكرى بطولاته حيث ننعم اليوم بفيء أرضنا، ونعتز بكرامتنا وحريتنا. إن ما حصلنا
عليه الكثير من النعم التي لم تكن لو لم يقدم سليم وكل
الشهداء أرواحهم مهراً لهذه الأرض. لقد كرَّمت التشريعات الدينية والمدنية الشهداء
بما لهم من دور في إعطاء الحياة لمجتمعاتهم، وعن ذلك، اعتبر القرآن الكريم الشهداء
أحياءً عند ربهم يرزقون. واعتبر الرسول العربي الكريم شهيداً كل من يموت في سبيل
الدفاع عن أرضه وعرضه.. وأخيراً اعتبر صدام حسين، أن الشهداء أكرم منا جميعاً،
فقدَّم حياته وحياة ولديه ثمناً لتحرير وطنه وأمته العربية.
لقد لبى الرفيق الشهيد، منذ نعومة أظافره، نداء ربه
وحزبه، فانضم إلى المقاومة الوطنية اللبنانية، بين صفوف قوات التحرير لحزب البعث
العربي الاشتراكي، سالكاً منذ تلك اللحظة درب المقاومة.
أيها الحفل الكريم
لقد وضع البعث في لبنان المداميك الأولى للمقاومة
الوطنية اللبنانية. وكانت كفركلا والطيبة انطلاقتها الأولى منذ العام 1969، فأينعت
التجربة عندما قدَّم الحزبيون حياتهم في معارك خاضوها ضد العدو الصهيوني في العام
1975. فكانت عائلة الرفيق علي شرف الدين، الأب وولداه، أول العنقود في سلسلة
الشهادة، وتلاهم الرفيق عبد الأمير حلاوي القائد الميداني لبناء تلك التجربة.
لقد تعمقَّت التجربة وتوسَّعت عندما انخرط إلى صفوفها
بعض الحركات السياسية وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، فدفعوا شهداء نعتز بهم
ونتشرَّف بشهادتهم. وكبرت أكثر وأكثر بعد انطلاقتها الثانية عندما احتل العدو
الصهيوني معظم الأراضي اللبنانية في العام 1982، حينذاك انخرط في صفوفها كل الذين
آمنوا بأنه ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلاَّ بالمقاومة الشعبية، فعمَّت المقاومة كل
شبر محتل في لبنان، وشملت معظم أطياف لبنان الدينية والسياسية.
منذ تلك اللحظة أصبحت المقاومة الرقم الصعب، فكانت
الجامع الوطني، والجامع المشترك، والمثال الذي يُحتذى في حماية الأوطان وبنائها.
وهذا ما ندعو إلى إعادة استذكاره في مناسبة إحياء ذكرى شهادة رفيقنا البطل سليم
بركات. وإذا كنا نعيد التذكير بكل ذلك فمن أجل إعادة بناء لبنان الجديد الذي عليه
أن يتَّسع لكل أبنائه ويحتضنهم، فيفتحوا الصدور والقلوب لاحتضانه وحمايته.
ولأن تحرير لبنان من أي ترهيب صهيوني يشكل منارة مشرفة
لكل اللبنانيين، ولأنه لا يحمي لبنان شيء آخر غير زنود أبنائه، فعلى كل اللبنانيين
أن يصطفوا إلى جانب عقيدة المقاومة ويتشبعوا بها أجيالاً تلو أجيال، واعتبار أنه
لا يضيع وطن وراءه مقاوم. وتنطبق هذه العقيدة في كل الظروف والأحوال التي ما يزال
فيها عدو صهيوني يحتل أرض فلسطين، أو مستعمر يحتل أي شبر من أرضنا العربية من
المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
عائلة الشهيد وأبناء بلدته
لقد أسهمتم بهذا الواجب الجليل، واجب تحرير الأرض، فقد
قدمتم سليم شهيداً، فهو فخر لكم ولنا. وهو شمعة تضيء سماءنا التي رفضت الخضوع
لمحتل أثيم. فهنيئاً لكم عندما تفخرون بابن لكم، أو بأحد أبناء بلدتكم قدَّم روحه
قرباناً مقدساً من أجل جميع اللبنانيين.
ويا رفاق الشهيد
لقد أتيتم من كل الأصقاع لتؤدوا التحية إلى رفيق لكم،
كان المثال والأنموذج في النضال البعثي. لقد نذر كل منكم نفسه من أجل هذا الواجب.
أنتم نذرتم أنفسكم لمقاومة كل محتل أثيم تجرأ على تدنيس شبر ولو واحد على أرض
العروبة المترامية الأطراف. وإن تم تحرير معظم الأرض اللبنانية باستثناء جزء منها،
سيبقى هذا الجزء علامة لن تنسوها، بل سيظل الحافز أمامكم لاعتباره هدفاً مقدساً.
وإن كنتم أصحاب أرض محتلة، فإن هذا الهدف لن يكون الوحيد، بل أمامكم ساحات فلسطين
المحتلة التي تستنجد كل العرب لتحريرها. أرض فلسطين المغتصبة هي قضية العرب
المركزية، التي لو منعنا احتلالها لما كانت أرض لبنان قد احتلَّت، ولكي نحمي لبنان
علينا أن نضمن تحرير فلسطين. ولو حمينا فلسطين لما كانت أرض العراق قد احتلَّت، وإننا
لن ننعم بحماية كرامتنا العربية وحماية أمننا القومي العربي، إذا بقي العراق
محتلاً. فمنكم نرفع التحية إلى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق.
لقد رفع حزبكم شعار المقاومة منذ تأسيسه في العام 1947،
وآمنتم بالمقاومة طريقاً لكم طالما ظلت الأطماع الاستعمارية والصهيونية حية في
مخططات التحالف الأميركي – الصهيوني. فهي لم تشبع نهمها بل هي الآن متجهة لاحتلال غير فلسطين ولبنان
والعراق، وهي تستخدم طرق الحرب العسكرية وغيرها من الوسائل الخبيثة. فلتبقى شعلة
المقاومة حيَّة في قلوبكم كما علَّمكم حزبكم أن كل أرض عربية هي أرضكم، وأي احتلال
لأي أرض عربية هو احتلال لأرضكم.
أيها الحضور الكريم
لقد عانيتم ثقل عبء احتلال أرضكم، ولكنكم كنتم مثالاً
للصمود في هذه الأرض الأبية كإبائكم. لقد قدمتم المثال في الصمود في هذه الأرض،
وكنتم مثال المقاومين كل من موقعه، وحسب إمكانياته وقدرته. ونلتم جزاء ذلك نعمة
الحرية بعد هزيمة العدو. وإن حضوركم إحياء ذكرى شهادة أحد أبنائكم الأوفياء، لهو
حرص منكم على تكريم كل من قدَّم نقطة دم في سبيل التحرير، وخاصة كل من قدَّم روحه
في سبيل بلوغه. وإننا نشعر وإياكم بالفخر بكل أولئك الشهداء من دون النظر إلى دين
أي منهم أو معتقده السياسي. أولئك وإن اختلفت أديانهم ومعتقداتهم السياسية، فقد
جمعهم هدف تحرير الأرض من الاحتلال. ونحن اليوم نتذوق طعم النصر بمعناه الإنساني
والوطني والقومي المطلق، فليكن هدفنا في بناء وطن تتعدد أديانه ومذاهبه وقواه
السياسية، على أن يجمعهم هدف أساسي عابر للطوائف الدينية والمعتقدات السياسية، هو
هدف الدفاع عن هذا الوطن الذي يأوينا جميعنا تحت سقف واحد، وتحت سماء واحدة، وأرض
واحدة، ففي المقاييس الإنسانية كما نعتقد فلا السماء لها نزعات دينية متعددة فقد
خلقها إله واحد، ولا الأرض تختزن مصادر للعيش تنخرها النزعات الطائفية فالأرض سوَّاها
إله واحد، فكلنا سواسية لدى الخالق العظيم.
يا شهيدنا البطل
في الذكرى السبعين لميلاد حزبنا، حزب البعث العربي
الاشتراكي، الذي احتفلنا بذكرى تأسيسه منذ يومين، نرفع تحيتنا في هذه المناسبة
إليك، ونحن نقف خاشعين في محرابك.
وأخيراً، يعاهدك رفاقك في لبنان وكل أقطار الوطن العربي
الكبير، على أنهم يحملون الأمانة، ويمتشقون البندقية من المحيط الأطلسي إلى الخليج
العربي، حيث تقع أطراف وطننا العربي الكبير، يمتشقون قوة الإيمان لإبطال مفاعيل ما
تتعرَّض له أمتنا من موجات من الحروب النقَّالة والدامية التي يدفع فيها العربي
حياته في مواجهة العربي، ويخرِّب فيها العربي بيديه بنية بلاده التحتية. والأشد
أسفاً من كل ذلك، أن المستفيد الأول من كل ما يجري من خراب ودمار وموت وتهجير هو التحالف
الأميركي – الصهيوني الذي يقتات من
دمائنا وأرواحنا ليضمن مصالحه وحده على حساب مصالحنا وحقنا بالعيش بكرامة.
وتحية لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق