الجمعة، يوليو 13، 2018

دور إيران في إضعاف العرب


لأن للنظام الإيراني أطماع تاريخية في الوطن العربي
دور إيران في إضعاف العرب

منذ معركة القادسية قبل ما يقارب الـ(1400 سنة)، والتي استطاعت الجيوش العربية فيها أن تحرر الأرض العربية في العراق من هيمنة الإمبراطورية الفارسية، ما تزال الأحقاد تملأ مخيلات الفرس الإيرانيين، والتخطيط للثأر من العرب. ولذك، لم تخل في التاريخ فرصة مناسبة لهم، إلاَّ واستغلوها لإعادة ملك بائد. والتي كانت تلك الفرص تتمثَّل بالمحطات التاريخية التالية:
1-استفاد الفرس من فرصة الصراع الذي كان دائراً بين آل بيت الرسول، وأنصارهم كطرف أول، وبين الدولة الأموية كطرف ثاني. حينذاك، ولأن الفرس كانوا يعيشون كموالي في كنف الدولة الإسلامية في العصر الأموي، انحازوا إلى صف آل بيت الرسول. واستمر التحالف بينهما، هذا بالإضافة إلى الطرف العباسي، إلى أن انهارت الدولة الأموية، ووصل العباسيون فيها إلى السلطة، وبنوا الدولة العباسية.
2-لما انقلب العباسيون على التحالف المذكور، وبسطوا نفوذهم على الدولة العباسية، على قاعدة حقهم بالخلافة لأنهم أبناء عم الرسول، انحاز الفرس إلى جانب الدولة العباسة، وتسلموا أعلى المناصب في الدولة الجديدة، وانقلبوا على آل بيت الرسول وشيعتهم.
3-في العصر العباسي، تعرَّض آل بيت الرسول للملاحقة والاضطهاد، وكذلك شيعتهم. وقد شارك الفرس بالملاحقة والاضطهاد. وعلى الأقل أنها كانت تحصل تحت ظل سكوتهم وصمتهم.
4-في ذلك الوقت، شكَّل المذهب السني في بلاد فارس الأغلبية المطلقة للسكان، في المرحلة العباسية التي كان الفرس يشاركون في السلطة. ولكن الفرس، وبعد سيطرة العنصر التركي العثماني على مفاصل الإمبراطورية الإسلامية، ضاعت فرصة الفرس في التأثير على الدولة الجديدة، فراحوا يتحينون الفرصة المناسبة لاستلام السلطة من جديد، فكان العام 1501، مفصلاً آخر، لبناء الدولة الصفوية، وفيها كان أول تغيير حصل في الانقلاب على الفكر الشيعي عندما طمع الشاه الإيراني إسماعيل الصفوي في بناء دولة شيعية، فوجد الحل عند أحد فقهاء جبل عامل في لبنان، وهو العالم الكركي، الذي ابتدع نظرية ولاية الفقيه. وكان مضمونها أنه يجوز أن تُبنى دولة شيعية قبل ظهور (الإمام المهدي المنتظر)، على شرط أن ينوب عنه فقيه يفتي في الشؤون الدينية، وتكون له اليد الطولى في التشريع، على أن يتولى الشؤون الدنيوية الشاه الإيراني.
5-بإنشاء الدولة الصفوية على الأسس المذكورة أعلاه، بدأت مرحلة تشييع الدولة، وتم اضطهاد السُنَّة، فانقلبت الصورة رأساً إلى عقب، فأصبح السنة هم الأقلية، والشيعة هم الأغلبية. وسارت الأمور على هذا المنوال حتى زوال الدولة الجديدة في العام 1722، على أيدي السُنَّة الأفغان.
6-وأما في العصر الحديث، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد تحوَّل الحكم في إيران إلى نظام مدني، تحميه أميركا وبريطانيا، وتربع على العرش فيه الشاهنشاه محمد رضا بهلوي في العام 1926، إلى أن سقط في العام 1979. وقبل سقوطه كانت إيران الدولة الرابعة في (حلف بغداد) إلى جانب تركيا والعراق وباكستان، والذي أعلن عنه في العام 1955، والتي كانت أهدافه معادية للعرب ومتواطئة مع الدول الاستعمارية، ذلك الحلف الذي أسقطته ثورة 14 تموز في العراق في العام 1958. وبعد سقوط الشاهنشاه على أيدي رجال الدين في العام 1979، تحوَّل نظام الحكم إلى ثيوقراطي، بإعلان نظام (ولاية الفقيه) كنظرية تجيز بناء دولة إسلامية قبل الظهور. وقاد الخميني ذلك النظام.
7-بعد استلام الملالي، رجال الدين الشيعة للحكم، ظهرت أول معالم العداء للقومية العربية بثوب ديني شيعي، والتي أعلن عنها الخميني بمبدأ (تصدير الثورة الإسلامية). وكانت أول مهماتها السيطرة على العراق، بعد أن أعلن الخميني أهدافه الحقيقية، ضارباً عرض الحائط كل دعوات النظام الوطني في العراق لبناء علاقات جوار تتكافأ فيه مصالح الدولتين الجارتين. كان الرد على تلك المبادرات إعلان الحرب على العراق، بدءاً بعمليات التخريب في الداخل، وانتهت بحرب دامت ثماني سنوات، استجاب فيها نظام الملالي لقرارات وقف إطلاق مرغماً في العام 1988. واستكانت الأطماع الإيرانية في الوطن العربي، وبرزت من جديد بصورة تنسيق متكامل بين النظام الإيراني وأميركا قبل احتلال العراق في العام 2003.
8-بعد احتلال العراق، أعاد نظام الملالي كل عملائه العراقيين تحت خيمة الاحتلال الأميركي، وكان من الواضح أنه يعمل ليكون شريكاً كاملاً في عملية الاحتلال السياسية، وعلى شتى المستويات من سياسية وأمنية وعسكرية. وكان من أبرز مظاهرها إنشاء الميليشيات العسكرية التابعة له، مستغلاً مزاعمه في حماية (الشيعة العراقيين)، وظل الأمر هكذا إلى أن لزَّمته أميركا احتلال العراق بعد الهزيمة الكبرى التي مُنيت بها في نهاية العام 2011. ومنذ ذلك الحين عاث النظام الإيراني بالعراق تفتيتاً، ونشر الحروب الأهلية، واستفحل الفساد والنهب المنظَّم لثروات العراق. والأكثر خطورة من كل ذلك كان ولوغه في تطبيق عمليات الاستيطان، بعد العمل على تغيير التركيب الديموغرافي للسكان، وتوطين ملايين الإيرانيين مكان ملايين العراقيين الذين تم تدمير دورهم وتهجيرهم إلى أماكن أخرى داخل العراق، أو تهجيرهم إلى خارجه.
قراءة في أبعاد العقيدة الإيرانية وأهدافها
وهنا، وبعد استعراض تاريخي للدور الفارسي في الأرض العربية، سنقوم بقراءة لأبعاده ومراميه وأهدافه من وراء كل ذلك، وسنقوم بعرض تلك الاستنتاجات تبعاً لأهميتها في الكشف عن خطورة الدور الإيراني، التي لم تتغير بتغير الأوضاع التاريخية:
1-لم تستطع ذاكرة النخب السياسية والاقتصادية في إيران أن تنسى أن العرب قوَّضوا إمبراطوريتهم، وأرغموها على التراجع عن احتلال الأرض العربية، والتي بدأها الرسول العربي في حياته، وتابعها أصحابه بعد مماته، والتي مثَّلت فيها معركة القادسية في العام (15 هـ - 636 م)، الحد الفاصل للهيمنة الإمبراطورية الفارسية على الأرض العربية. خاصة وأن (إيوان كسرى) حيث كان الشاه الإيراني يقيم، ما زالت آثاره ظاهرة بالقرب من بغداد. وأما البرهان على حقيقة أهدافهم، فقد أتى على لسان كبار المسؤولين الإيرانيين، عندما أعلنوا، بدون لبس، أن الإمبرطورية الفارسية قد سيطرت على أربع عواصم، وهي (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء).
2-وعن تحالف الموالي الفرس مع آل بيت الرسول في العصر الأموي، كان فقط من أجل الثأر من الأمويين الذين اضطهدوهم، بإسقاط دولتهم. ولما حصل ما خططوا له، ونشأت الدولة العباسية. انقلب بنو العباس على شيعة علي بن أبي طالب، ونسبوا حق بني العباس بالخلافة لأنهم أبناء عم الرسول، فانقلب معهم حلفاؤهم الفرس. فشاركوا بالسلطة. ولما اضطهد بنو العباس شيعة علي، شاركهم الفرس بالاضطهاد، منقلبين على وعودهم التي أغدوقها عليهم في مرحلة الثورة ضد الأمويين. فإن دلَّ هذا الانقلاب على شيء فإنما يدل على أنهم لم يتحالفوا مع آل بيت الرسول لأسباب قناعات عقيدية، بل من أجل مصالح سياسية يقف على رأسها استعادة أمجادهم الفارسية. والدليل على ذلك كان في أنهم لما وصلوا إلى أعلى مراتب السلطة في العصر العباسي، باستثناء موقع الخليفة، حاكوا المؤمرات ضد الخليفة العباسي لإسقاطه للوصول إلى استلام سلطة الخليفة. وما المحنة التي تعرَّض لها البرامكة على أيدي هارون الرشيد، في أواخر القرن الثاني الهجري، سوى مظهر واحد من مظاهر صراع الفرس مع العباسيين. ومن المعروف أن إيران في ذلك العصر كانت تدين بالمذاهب السنيَّة، وكان الشيعة قلة قليلة، وهذا دليل ثابت على أن الفرس كانوا ينتسبون للمذهب الذي يساعدهم على تثبيت أقدامهم في السلطة. وليس كما يزعمون أنه (حبٌّ لآل بيت الرسول). وهذا بحد ذاته توظيف الدين أو المذهب لمصالح سياسية، وليس لأسباب إيمانية.
3-تأتي مرحلة الدولة الصفوية في إيران، التي تأسست في العام 1501، استكمالاً لتوظيف الدين ووضعه في خدمة السياسية. وفي سبيل عودة الفرس إلى الدخول في الحياة السياسية، بعد الانتكاسات التاريخية لهم في بلاط العباسيين. ولمواجهة الدولة المملوكية (648 هـ- 1250 م)، التي حلَّت مكان الدولة العباسية، وحكمت باسم المذاهب السنية، فقد وظَّف الشاه اسماعيل الصفوي المذهب الشيعي في العام 1501، لخدمة أغراضه، وليستخدمه حصان طروادة لتأسيس دولة فارسية. وقد وظَّف بعض العلماء الشيعة ليجيزوا له قيام حكم سياسي في أثناء غياب (الإمام المهدي المنتظر). فكانت نظرية ولاية الفقيه. ولهذا اضطهد المذاهب السنية في إيران التي كانت تشكل الغالبية العظمى من الفرس.
4-وإذا استقر الأمر للأحلام الفارسية بالتغييب بسبب الدور الأفغاني، كما مر معنا أعلاه. وإذا كان من العسير على الشاهنشاه محمد رضا بهلوي أن يستعيد أمجاد الفرس بعقيدة النظام المدني، لسبب إغلاق حدود الدولة الحديثة أمام أطماع التوسع الإمبراطوري كالسابق، فقد كانت نهايته على أيدي رجال الدين الإيرانيين، الذين تسلحوا بنظرية دينية شيعية تسمح لهم بتجاوز عقدة الحدود الجغرافية، وعملوا على تنفيذها بشكل حصان طروادة تسمح لهم بالقفز فوق تلك الحدود بالدعوة إلى بناء دولة (الإمام المهدي المنتظر). واستغلوا عواطف الشيعة الإثني عشرية من الذين يؤمنون بها. ولذلك خُدعت فئات كثيرة من الشيعة بتلك الأهداف، حتى فاتهم أن يكتشفوا الخداع في إعلان كبار المسؤولين في دولة (ولاية الفقيه) الإيرانية، عندما أعلنوا البدء باستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وذلك بالحصول على أربع عواصم عربية.
5-تلك هي النزعة الفارسية تظهر من جديد بثوب ديني، يستقطب الملايين من المسلمين، وبالأخص منهم الشيعة العرب. خاصة وأنهم كانوا ليعجزوا عن اختراق الجدار العربي، سياسة وأمناً وعقائد دينية، من دون ثوب ديني يتسترون به كما فعلوا في العصر العباسي، وفي مرحلة الدولة الصفوية. وقد فعلوها من جديد، في ظل متغيرات دولية وتشريعية وثقافية جديدة. وإنما يعملون بكل جهدهم لمنع وجود مرجعية دينية شيعية عربية، وحصر تلك المهمة بفقهائهم، أو بمن يرتضي من الفقهاء الشيعة العرب أن يكون (فقيهاً للإمبراطور الفارسي)، كما كان العثمانيون يوظفون (فقهاء السلطان) ممن كانوا يرتضون الإذعان لمصالح (السلطان العثماني).
بين هذا الفقيه أو ذاك، بين ذلك المشروع السياسي الإسلامي أو ذاك، تضيع المصلحة القومية العربية تحت شعارات وأهداف تعمل على القضاء على الهوية العربية، ليعود التاريخ القهقرى إلى الوراء، ليصبح العرب لقمة سائغة للمماليك الجدد أو للعثمانيين الجدد، أو للصفوين الجدد، أو لكل من يعمل على الدخول إلى حرم الوطن العربي، بتوظيف الولاء للدين أو للمذهب من أجل خدمة مصالحه.
وإذا كان من مصلحة هؤلاء أو أولئك، الاستيلاء على الوطن العربي لمصالح قومياتهم الخاصة متلبِّسين برداء الدين، فماذا يترتب على العرب أن يفعلوه من أجل مصلحتهم القومية؟

ليست هناك تعليقات: