دراسة عن الحراك الشعبي العربي
الحلقة الثامنة
(8/ 9)
سابعاً: في نتائج
الحراك
النجاحات والإخفاقات
من عتمة الجو القاتم المحيط بمآلات الحراك
الشعبي في الأقطار العربية التي انطلق فيها، خاصة في تونس ومصر، وبشكل أخص في
ليبيا وسورية، وتقييم نتائجه، نخرج بعدد قليل من العوامل الإيجابية. والعدد الأكثر
من السلبيات.
وأما الأسئلة، التي
نراها بديهية، فهي التالية:
1-هل الحراك المستمر
منذ أكثر من ست سنوات ذو طبيعة داخلية، أي هل أسبابه داخلية تنحصر بين الشعب
والأنظمة؟ فإذا كانت داخلية فعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها من حيث النظر إلى
التركيبة التنظيمية للقوى المنخرطة فيه وتوصيف ما يلي:
أ-عرض برامجها
السياسية ومنطلقاتها الأيديولوجية وأهدافها من تغيير الأنظمة.
بـ-تشخيص وسائلها في
التغيير.
جـ-تشخيص النتائج التي
حصلت عليها.
2-هل الحراك ذاته ظلَّ
نقيَّاً كبداياته؟ أم أن هناك مؤامرة موجَّهة من خارج تدخَّلت من أجل توجيهه إلى
مسارات بعيدة عن مصالح الجماهير؟ فإذا كانت تلك هي الحقيقة فعلينا أن نسمي الأشياء
بأسمائها من حيث النظر إلى ما يلي:
أ-القوى الخارجية
المنخرطة فيه وتحديد أدوارها، واستعراض منطلقاتها الأيديولوجية وأهدافها من استغلال
الحراك الجماهيري.
بـ-تشخيص وسائلها التي
تستخدمها في سبيل الوصول إلى أهدافها. وإذا كانت لها قواعد إسناد داخلي فنجد من
المفيد جداً أن نقوم بتحديد أسماء قوى الإسناد الداخلي للتدخل الخارجي.
جـ-نقد تلك القواعد،
حركات وأشخاص، منهاجاً سياسياً، وأسلوباً حراكياً، ويأتي الكشف عن شرعية أو لا
شرعية استنادها إلى الخارج.
عن النتائج السلبية،
ولأن تفاصيل ما لحق من سلبيات بكل الحراكات
تحتاج إلى دراسات طويلة وموثَّقة، وهذا دور الدارسين والباحثين والمفكرين في
المستقبل، وبحتاج إلى وقت طويل، فإننا نجمل من تلك النتائج ما يفي بغرض البرهان
السريع، وهنا نذكر منها النتائج العامة التالية:
أ-وصلت للحكم أنظمة سياسية بديلة، تعتبر أسوأ من سابقاتها، فوصل في تونس
ومصر مثلاً نظامان إسلاميان معاديان للفكر القومي، وللفكر العلماني المدني. وحتى
عندما حصل الانقلاب ضدهما وأُسقطتا فكان بديل البديل مشابهاً للأنظمة القديمة
باستثناء مشاركة حركة الإسلام السياسي فيها ولكن من الموقع الأضعف. ويكفي أنها لم
تغير من عقيدتها السياسية، ولا عقيدتها المطلبية، وسلكت طريق العلاقة التقليدية مع
الغرب بشكل عام، ومع أميركا بشكل خاص.
بـ-وصل إلى الحكم في ليبيا تجمعاً لرؤساء الميليشيات المرتبطين مع الغرب،
وتفسخت الدولة الليبية إلى ثلاثة أقسام تنذر ببداية لتقسيمها. هذا ناهيك عن الحروب
النقالة والمدمرة. فأسقط الحراك الديكتاتورية في ليبيا ولكنه لم يكسب الديموقراطية
وخسر الثروة النفطية وأصبحت تحت هيمنة الدول الغربية. وبفقدانها استشرى الجوع
والمرض والأمية، ففقد الشعب الليبي حتى الامتيازات المادية التي كان يحظى بها في
عهد النظام السابق. هذا ناهيك عن غياب الاستقرار الأمني.
جـ-لم يسقط النظام في سورية، ولم يكسب الشعب شيئاً من الشعارات التي رفعها
في بداية انطلاقة الحراك فيها. ولكنه حصل على ديكتاتوريات أخرى أشد فتكاً من
ديكتاتورية النظام، ويكفي البرهان على ذلك، إذا ما أظهرنا ما فعلته القوى
التكفيرية في الفتك بخصومها المذهبيين وحتى بخصومها من أبناء مذهبها من الذين لم
يستجيبوا لأهداف تلك القوى في العودة ألفاً وأربعماية سنة إلى الوراء. وبدلاً من
شظف العيش، الذي إذا وجد سابقاً، فقد حصل الشعب السوري على تدمير بنية الدولة
التحتية، والبنية البشرية. فمن حيث البنية التحتية للدولة فقد دُمِّرت المستشفيات
والمدارس والجامعات، وخدمات الاستشفاء والتعليم. وهو لم يمنع الترهيب والاعتقال،
بل فقد كل ما له علاقة بأمن الشرائح العاجزة عن الدفاع عن نفسها من أطفال ونساء
وطاعنين في السن. وكل ما حصلوا عليه مئات الآلاف من القتلى، ومئات مثلها من الجرحى
والمعوقين. هذا إضافة إلى ملايين المهجرين المشردين على أعتاب دول الجوار
الجغرافي، وعتبات الدول الأجنبية. وإذا استطردنا فلن نجد أكثر من المصائب
والويلات، وو... لن ننسى ظاهرة الصراع الطائفي بين مكونات سورية الدينية، هذا
ناهيك عن عمليات اضطهاد الأقليات الدينية. وعن كل ذلك لا نرى أن دفع كل هذه
الأثمان يبرر ما حصل.
د-وما حصل في اليمن، ليس بأقل حدة مما يجري في ليبيا وفي سورية، والحبل على
جراره، ويكفي ما حصل من نتائج كان من أهمها فتح الطرق أمام الزحف الإيراني لكي
يلعب لعبة التفتيت الطائفي الجهنمية.
هـ-إسقاط الجيوش العربية في بعض أقطار الحراك (ليبيا)، وإنهاك بعضها الآخر
بالحروب الداخلية (اليمن وسورية)، وإغراق ما تبقى منها بمعارك مع الحركات
التكفيرية (تونس ومصر).
و-إنتشار ظواهر الاقتتال الطائفي بعد تفسيخ المكونات الاجتماعية للمجتمع
العربي على الصعيدين القطري والقومي. وكانت تلك من الظواهر التي عمَّت كل الأقطار
التي اشتعلت النيران فيها، ولا يقلل من خطورة الأمر أنها كانت حادة في البعض منها،
ومخففة في البعض الآخر.
كل ما ذكرنا من مآسي لم تستطع الضمائر الحية أن
تتحمله، يعيد بنا إلى استذكار ما حل بالعراق تحت شعارات إسقاط الدكتاتورية وإحلال
الديموقراطية.
كل ذلك يدفع بنا إلى التساؤل: هل كان ثمن
المطالبة بالديموقراطية معادلاً للثمن الذي دفعه الشعب العربي في كل بقعة غزا فيها
الربيع العربي بلاده؟
ويدفع بنا أيضاً إلى التساؤل: هل بقي من
الانتفاضات التي جرت نقطة واحدة ولو صغيرة من الحراك الثوري؟
ويبقى السؤال الأخير: هل بقي من الحقوق التي
انطلق الحراك من أجل المطالبة بها شيئاً يقتتل الشعب الواحد عليها ما يوجب القتال
لأجله؟
وعن النتائج الإيجابية، نجدها محصورة في
نتائج مباشرة وغير مباشرة.
أولاً: النتائج المباشرة:
1-إن الجماهير الشعبية فقدت عامل الخوف من ترهيب السلطات الرسمية وقمعها
الوحشي، وقدَّمت التضحيات الجسام. وإننا نحسب أنها من النتائج التي يمكن
توظيفها لمصلحة الحراكات الجماهيرية في المراحل القادمة.
2-حصول الجماهير على حق التعبير عن الرأي، وحق التظاهر والاعتصام.
وانطلاقاً من هذا المكسب على حركة الثورة العربية أن تضعه في حساباتها في المستقبل
من أجل تنظيم الحراك الجماهيري في نضالاتها سواءٌ أكانت المجموعات قليلة العدد أم
كانت كبيرة، فهي قد أصبحت من أحد أهم الوسائل النضالية التي يمكن الإفادة منها على
مستوى المحلة والخي في الشارع، أم كانت على مستوى المدينة والقرية وصولاً إلى
المستوى الوطني العام والقومي العام.
ثانياً: النتائج غير المباشرة:
-سقوط حركات الإسلام السياسي في التجربة، وهي وإن كانت لا تشكل
الضربة القاضية عليها، فأنها كشفت الغطاء عن مدى خطورتها إذا وصلت إلى الحكم. وهي
وإن لم تقلِّص قاعدتها الشعبية بالشكل الملحوظ فإنها هوت بتلك القاعدة إلى مستوى
التشكيك بقوتها ومصداقيتها، ودفعت بها أيضاً إلى التنازل عن أحلام وصولها للحكم،
وأعادتها إلى مربع الاعتقاد بصلاحية الدولة المدنية الحديثة أي (الدين لله من دون
تعصب، والوطن للجميع من دون أنظمة رسمية بعيدة عن هموم جميع المواطنين). وإن هذه
النتيجة لن تنتقل بالمجتمع من ضفة الاعتقاد بالدولة الدينية إلى الدولة المدنية من
دون جهد متواصل تبذله حركة الثورة العربية في المجال التثقيفي والتنويري لأوسع
الجماهير الشعبية.
-سقوط نظام القطبية الدولية الواحدة، وانطلاقاً من فهم واقعية أن العالم محكوم بنظام دولي، والاعتقاد بخطورة
استفراد دولة كبرى في حكم العالم، كما أكدته تجربة عشرين سنة ونيف من استفراد
أميركا باتجاهاتها الرأسمالية بهذا الحكم، لم تكن هذه النتيجة مما كان مخططاً له
لإحباطها ولكن جاء تدخل القوى العظمى في الصراع الدائر في المنطقة العربية
حفظاً لمصالحها، ليعيد العالم إلى نقطة البداية في حكم العالم بنظام متعدد
القطبيات. وإن كان يعتور النظام الدولي السابق أخطاء في التطبيق، إلاَّ أنه كان
أقل خطراً من حكم العالم بقطبية واحدة. وإنه من تلك التجربة يمكن للحركة العربية
الثورية أن تستفيد منها لوضع مفاهيم لنظام دولي جديد ينحو أكثر ما يمكن باتجاه
بناء علاقات دولية على قواعد الندية والعدالة والمساواة بالمصالح استناداً إلى
الاعتراف بحق الدول في تقرير مصيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق