الثلاثاء، سبتمبر 17، 2019

هل تتعلم دول الخليج العربي من أخطائها؟


هل تتعلم دول الخليج العربي من أخطائها؟

ما هو السبب الذي يدفعنا إلى طرح هذا السؤال في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة في تاريخ الوطن العربي. خاصة في الوقت الذي يتعرض فيها إلى كل أنواع الاعتداءات، وفي الأولوية منها استلاب قرار العرب في تحديد معالم حاضرهم الذي سيؤثر حتماً على مستقبلهم؛ ويقوم بذلك كل الدول الأجنبية البعيدة منها والقريبة، ممن يزعمون أنهم أصدقاء للعرب وما هم بأصدقاء سوى لمصالحهم، أو من جيران العرب من دول الإقليم، الذين خدعوا شريحة واسعة من النخب المثقفة بالزعم أنهم أصدقاء للعرب في الوقت الذين يعملون فيه تفتيتاً في نسيج العرب الاجتماعي، وتسكنهم أحلام الاستيلاء على الوطن العربي من بوابات الطائفية والمذهبية.
ويتساءل البعض: إذا كان الوطن العربي يتعرض إلى كل هذه الاعتداءات المنسَّقة من قبل الدول الأجنبية، أليس من الأجدى والأكثر منطقية أن تتضافر جهود الدول العربية، أنظمة وشعوباً، من أجل درء هذا الخطر الذي يطرق بوابات الجميع من دون استثناء؟
وأليس من الأجدى أن نبتعد عن ذر الخلافات بين تلك الدول كبديل للتباعد والاختلاف؟
لا شك بأن رصَّ الصفوف العربية، أنظمة وشعوباً، هو العلاج المطلوب من أجل مواجهة المخاطر المحدقة بالوطن العربي. ولكن هذا لا يجب أن يمنع العرب من تشخيص أمراضهم والكشف عن أخطائهم لأن التشخيص والكشف هو من أساسيات العلاج. وإذا كانت وحدة الصف والأهداف مطلوبة وضرورية لمواجهة المد العدائي الواسع، فإن الكشف عن الأخطاء، ليس من قبيل التخوين، ولكنه حاجة ضرورية داخل حتى داخل الحزب الواحد، وكذلك الوطن الواحد، وهذا يطول أيضاً وحدة الصف القومي الواحد.
وهنا، من المهم أن نسجِّل مظهراً من مظاهر ما ندعو إليه، وهو أن أكثر من قطر عربي يواجه، فيما يواجهه من أخطار أمبريالية وصهيونية، خطراً كبيراً يأتي من دول الجوار الجغرافي، إيران وتركيا، ولكن الأبرز فيه الخطر الإيراني لأنه لا يخفي نفسه، بل يفصح عن أهدافه علانية، وبالفم الملآن لأكثر من مسؤول إيراني، وهو أن إيران تعيد بناء إمبراطورية فارسية تمتد بين العمق الآسيوي وأطراف البحر الأبيض المتوسط. وإيران تستعجل مشروعها على وقع أنغام الطريقة الصفوية، باعتماد نظرية ولاية الفقيه التي ترتدي ظاهرياً رداء المذهب الشيعي.
وإذا كان هذا الخطر يهدد بتقويض أسس القومية العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، والحؤول دون وحدة أقطارها؛ فإن هذا الخطر أيضاً يهدد بشكل مباشر، دول الخليج العربي. إن هذا الخطر ليس احتمالاً بل هو أمر واقع وظاهر للعيان. ومن أكثر الوقائع دلالة تهديد الدول العربية المجاورة، الأمر الذي يثير مخاوف تلك الدول، أنظمة وشعوباً.
وعن ذلك، ومنذ ألحقت المقاومة العراقية الهزيمة بالجيش الأميركي المحتل، وأرغمته على الانسحاب في العام 2011، كانت إدارة أوباما قد خططت لإملاء الفراغ الأميركي، بتسليم العراق إلى النظام الإيراني. وأما لماذا؟ فلأنها تثق به تماماً. وأما أسباب الثقة فتعود إلى أن أهداف الصهيونية والاستعمار أهداف للنظام الإيراني: كراهية للقومية العربية، ومنع قيام وحدة عربية، وتفتيت النسيج الاجتماعي في الوطن العربي وتقسيمه إلى دويلات طائفية، وتلك أهداف تشكل بمجموعها قواعد ثابتة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
ولأن الخطر المباشر من المشروع الإيراني يهدد دول الخليج العربي مباشرة، يصبح من الضروري أن تشكل وحدة صف تلك الدول أولوية من جهة، وأن يكون تحالفها ضرورياً وجدياً مع كل قطر عربي آخر، شعباً وتنظيمات حزبية، أولوية أيضاً من جهة أخرى. وعليها أن تعي أنَّ تمزيق وحدة الصف الخليجي، كما هو حاجة إيرانية لاستفراد كياناتها قطراً قطراً، فإنه حاجة أميركية لإبقاء عوامل الضعف عميقة لتحول دون شعورها القوة إذا ما كانت موحدة متماسكة، وهذا يبرر ترويج سلعة حمايتها بالإيجار.
ولأن الوطن العربي يتعرَّض لعدوان إيراني، على شتى أشكاله وألوانه، تصبح وحدة الصف العربي، أنظمة وشعوباً، حاجة ملحة، وذلك لمنع الاقتتال العربي –العربي كما هو حاصل الآن، فالعربي هو الذي يدفع الدم والمال لتغطية حروب الآخرين وتنافسهم للاستيلاء على الأقطار العربية، وسرقة ثرواتها، وتفتيت مجتمعاتها.
ولأن اختراق الأمن القومي العربي بشكل عام، وأمن دول الخليج العربي بشكل خاص، بدأ عبر البوابة العراقية باحتلال العراق، لا يمكن ردم هذا الاختراق إذا ظل العراق محتلاً، أميركياً وإيرانياً، ويصبح التحالف مع التيارات الوطنية العراقية حاجة وضرورة لدحر الاحتلال مهما كانت هويته، وهو السبيل الوحيد للمحافظة على الأمن القومي العربي.
ومن أجل توضيح أكثر، تعود أصوله إلى تجربة صد العدوان الإيراني على العراق في العام 1980. حينذاك وقفت دول الخليج العربي في صف العراق، وقدمت له المساعدات لتدعيم دفاعاته في مواجهة العدوان الإيراني. ولهذا وعلى الرغم من اختلال توازن القوى البشرية لمصلحة النظام الإيراني، فقد استطاعت قيادة العراق الوطنية من حماية الأمن القومي العربي ضد الأطماع الإيرانية، بعد الانتصار على العدوان في 8/ 8/ 1988. ومنذ ذلك التاريخ، كانت دول الخليج العربي آمنة مطمئنة، ودامت هذه الحال حتى العام 2003، حينذاك اخترق الأمن القومي العربي مرة أخرى، وذلك بفعل الاحتلال الأميركي للعراق من جهة، واستعادة النظام الإيراني نشاطه بتحالفه مع الاحتلال من جهة أخرى. وأخذ التدخل الإيراني في العراق يتصاعد إلى أن بلغ ذروته بعد العام 2011. وحانت له الفرصة الذهبية التي التقطها، وراح يعيث في العراق فساداً وجرائم لا تعد ولا تحصى. وأصبح العراق قاعدة له للتمدد في أرجاء الوطن العربي، بدءاً من الأقرب جغرافياً للعراق، فالأبعد.
وإذا كان احتلال العراق قد حصل بمشاركة خليجية جادة، نعتبر أن الخطأ ابتدأ من تلك المشاركة، التي ربما تكون عن غفلة لم تحسب تلك الدول أنها سوف تؤدي إلى تحقيق حلم إيراني في اختراق الأمن القومي العربي من البوابة الشرقية. وبها تكون قد أسهمت بشكل غير مباشر في تسهيل مرور الخطر الإيراني ووصوله إلى حدودها الشمالية أولاً، وإلى اختراق الأمن الاجتماعي بتشجيعها للعملاء الإيرانيين على العبث بالنسيج الاجتماعي العربي، ابتداء من العراق وانتهاء بأقصى نقطة أمنية خليجية.
وكأن الدول الخليجية كانت تجهل أن ما أطلق عليه النظام الإيراني (الهلال الشيعي) الممتد من طهران وصولاً إلى لبنان، مروراً بالعراق وسورية، وامتداداته اليمنية، كان جهلها يشكل سبباً أساسياً في بنائه وترسيخ قواعده. ولم تتعلم تلك الأنظمة من تلك الأخطاء، بل أوغلت في ارتكابها. وبدلاً من أن تعمل على تمتين علاقاتها العربية، مع الأنظمة والمجتمعات لشدِّ أواصر العلاقات العربية - العربية، راحت تشارك بالعبث بالأمن الوطني في أكثر من قطر عربي. وفي أخطائها تلك لم تكن لتنجح، بل كانت تخفق في كل مرة، الأمر الذي كان النظام الإيراني يحرز مكاسب على حطام تلك الإخفاقات. ولم يقتصر الأمر على هذه الشاكلة، بل راحت العلاقات الخليجية – الخليجية تصاب بالوهن ومن بعدها القطيعة بين منظومة الدول الخليجية. وفي ظل انشغال تلك المنظومة بخلافاتها الداخلية، استطاع فيه النظام الإيراني أن يجذب إليه أطرافاً خليجية، وراحت المملكة العربية السعودية تنشغل بالمحافظة على أمنها بالإيجار عندما أغدقت على دونالد ترامب عقوداً يبلغ حجمها الأربعماية وخمسين ملياراً من الدولارات من جهة، وتعقد تحالفات مع بعض أطراف العملية السياسية في العراق ممن يدينون بالولاء للنظام الإيراني أكثر من أية جهة أخرى، ومنها المملكة العربية السعودية نفسها.
إن هذا المشهد، أو جزأه المنظور، يضع المملكة العربية السعودية أكثر فأكثر على هامش التأثير في القرارات الدولية – الإقليمية. وهذا بدلاً من أن يضعها في قلب معادلات طاولات الحوار، واتخاذ القرارات الصحيحة التي تصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، وفي مصلحة الأمن القومي العربي من جهة أخرى.
وإذا كان المشهد الخليجي على هذه الصورة في هذه المرحلة فإننا نرى بأنه تراجع مسافات بعيدة عن الموقف الذي وقفته تلك الدول في نهايات العام 2015، وكان الموقف السعودي في مقدمة تلك المواقف. حينذاك  كانت المملكة جادة في مواجهة تواطؤ إدارة أوباما مع النظام الإيراني حول الملف النووي، بعد أن تواطأت معه بتسليمه العراق في العام 2011. ونحسب أن صلابة الموقف في تلك المرحلة أعطى نتائج مهمة عندما دفع بدونالد ترامب إلى التراجع عن تأييده لذلك الملف، ودفعه للاعتراف بخطأ تسليم العراق للنظام الإيراني من جهة، واتهامه بتهديد أمن جيرانه من جهة أخرى.
وعلى قاعدة ظروف المرحلة الحالية التي نشهد فيها رؤوس العرب جميعاً تحت المقصلة، أنظمة ومجتمعات، على كل منهم أن يبادر إلى الدعوة لعمل عربي مشترك من أجل منع الرأس العربي من القطع أولاً، وتأجيل ما عداه إلى ظروف ما بعد المحافظة عليه وحمايته. ومن أجل حماية الرأس العربي من القطع، نرى ما يلي:
-تقليص الفجوات بين منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، لأن ما حققته في مرحلة تعاونها من مكاسب ضد إدارة أوباما، ستحققه ضد إدارة ترامب.
-عدم الركون لمصداقية الإدارة الأميركية، لأن إداراتها المختلفة تنظر إلى الوطن العربي بشكل عام، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، بعين التاجر الذي يريد استنفاذ الموارد الأولية، ويريد تسويق إنتاج مصانعه، وتوفير سلعة الحماية لقاء أجور مرتفعة. هذا ناهيك عن أن صراع إدارة ترامب الراهن مع النظام الإيراني لن تتعدى أهدافه سقف تقاسم الحصص بينهما هنا أو هناك، ويأتي هذا بشكل خاص في العراق الذي لا يشكل هاجساً من هواجس الإدرة الأميركية أكثر من أن تكون لها اليد الطولى في تحديد حصة للنظام الإيراني، وذلك من دون أن ترغمه على الخروج من العراق، بل من مصلحتها أن يبقى فيه لحماية احتلالهما المشترك، وإبقاء شلل اللصوص، مزدوجي العمالة، حاكمة في العراق لتدير عمليات الفساد والسرقات، وكل أنواع الموبقات والأزمات. وعلى الدول الخليجية، وخاصة المملكة السعودية أن لا تحلم باقتطاع حصة لها في أية عملية سياسية بأكثر من أن تشارك الإدارة الأميركية بحصتها العائمة المذهبية فيه. علماً أنه لن تجد حلولاً لأمنها الوطني طالما ظلَّ للنظام الإيراني موطئ قدم على أرض العراق. وقد أثبتت الوقائع صحة استنتاجاتنا، ونتساءل هنا: ما هو مصير مجلس التنسيق السعودي – العراقي؟ ألم تتراكض الأطراف العراقية الموقعة عليه إلى إيران طلباً لرضى (الولي الفقيه)؟
-الدعوة إلى حماية الأمن القومي العربي بشكل كامل بأيد عربية، على أن يكون مسبوقاً بالعمل من أجل إقفال البوابة الشرقية في مواجهة الغزو الإيراني، وقطع شريان الحياة أمام تمدده إلى البحر الأبيض المتوسط. وهذا يتطلب تنسيقاً فعلياً بين دول المجلس والقوى الوطنية والقومية العراقية. لأنه لا يمكن أن تكون قواعد وآليات (مجلس التنسيق السعودي – العراقي) صالحة وصادقة الوعد بالنسبة لدول الخليج العربي، وذلك أنها تعلن ولاءها بالكامل لنظام ولاية الفقيه، خاصة أن الطرف العراقي المعني بهذا المجلس هم ممن تلوثت أياديهم بأكثر الجرائم الموصوفة بدءاً من عمالتها للاحتلال الأميركي، انتهاء بإعلان عمالتها للنظام الإيراني، والتي تعاني من أزمة الانتماء القومي والوطني.
-دعوة المستفيدين من الاحتلال الأميركي - الإيراني للعراق للعودة إلى انتمائهم الوطني. ودعوة العرب المضللين بشعارات نظام ولاية الفقيه للعودة إلى رشدهم، وأصالتهم الوطنية والقومية، ونزع الذرائع الواهية التي يتلطون تحتها بأن سبب دعمهم لذلك النظام إنما يعود إلى تقصير النظام الرسمي العربي. وإن تقصير النظام الرسمي العربي لا يبرر على الإطلاق تجاهل احتلال أي أرض عربية من قبل أية جهة كانت، خاصة أن تجارب الاحتلال الأميركي جاء تحت ذريعة تعميم الديموقراطية وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعراقيين فإذا بالعراق يعود إلى العصر الحجري سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وأن الاحتلال الإيراني جاء تحت ذريعة رفع الاضطهاد عن مكون مذهبي، إلاَّ أنه مارس أكثر أنواع التمييز الطائفي واستخدم حكم (ديكتاتورية المذهب)، في الوقت الذي عمم الجوع والفساد وغياب الأمن من دون تمييز لأن تلك الجرائم نالت من أبناء المذهب الحاكم ما نالت غيره من ظلم وإجحاف، ولم يستفد من ثروات العراق سوى نخب المذهب السياسية والاقتصدية.

ليست هناك تعليقات: