كان
الحراك المدني في لبنان يفتقد الحاضنة الشعبية لسنوات طويلة مضت. وكان الحراكيون يتساءلون:
طالما أن الفساد يطال بنيرانه كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
وطالما أن النيران تشب في حقول جميع اللبنانيين، من جميع الطوائف. لماذا تجمَّد
الشارع اللبناني عند مئات من الأفراد كانوا ينزلون إلى ساحات الاعتصام، بل كان
عددهم لا يتجاوز الآلاف في أفضل الحالات؟ وهل نار الغلاء، وإهمال شتى الجوانب
المعيشية للبنانيين، لا يكوي أكثر من آلاف من الشعب اللبناني؟
وكان
الحراكيون، الذين شكلوا طليعة أولى لما يجري، يتساءلون أيضاً: أين هي الحركات
النقابية، التي عليها أن تمثل مئات الآلاف من العمال والفلاحين والمزارعين وذوي
الدخل المحدود، لماذا لا تدعو منتسبيها الذين تمثلهم للنزول إلى الشارع؟
وفجأة،
ومنذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، تمتلئ الشوارع في العاصمة، وتمتد
إلى كل محافظات لبنان. وأصبحت ساحات رياض الصلح، وساحة الشهداء، ساحات تعم لبنان
من أقصاه إلى أقصاه؟
هل
هناك قدرة سحرية قلبت المشهد رأساً على عقب؟
ليس
في القضية سحر، بل فيها صحوة وعي شعبي، جاءت إثر تراكم الأزمات بلغت حد الاحتقان.
وتلك ظاهرة وضع علم الاجتماع تفسيراً لها، كما وضع علم الظواهر الطبيعية تفسيراً
لانفجار البراكين. وموجزها أن كل ظاهرة اجتماعية تتكون عبر تراكمات متواصلة، بحيث
تنفجر حينما يبلغ الاحتقان حداً يفوق قدرة الاحتمال.
كان
لأمراء الطوائف في لبنان قدرة على احتواء أبناء طوائفهم. وحيث إن هؤلاء الأمراء يشاركون
في السلطة أي لهم حصة فيها تحت ذريعة (المحافظة على حقوق طوائفهم). وحيث عمَّ
الفساد في السلطة. راح كل منهم ينهش حصته من أرباح الصفقات الفاسدة، ليغذي منها
جيوبه أولاً، ويتكرَّم بما بقي من فتاتها على أزلامه وأدواته ليحمي نفسها بها.
هذا
الواقع، ولأنهم جميعهم متورطون بالكسب غير المشروع، كانوا يعتبرون أي حركة شعبية
ترفع شعار (مكافحة الفساد) المتورطون به، وكأنها موجَّهة لإضعاف الطائفة، وهذا
يوجب على أبناء كل طائفة أن يمتنعوا عن الانخراط في أي حراك ينال من السلطة الذين
هم أعمدتها. وساء الأمر أكثر عندما فرضوا وصايتهم على النقابات العمالية، فسكتت
دهراً، وابتعدت كثيراً عن مهمامها في الدفاع عن حقوق المنتسبين إليها.
كذبوا
كثيراً على أبناء طوائفهم، وانخدع الأبناء كثيراً بشعارات (حماية الطائفة). وجاع
الكثيرون ومرضوا وواجهوا البطالة والاهمال، وغابت كل الخدمات وساءت أوضاع البنى
التحتية... ولم تعد الوعود تطعم جائعاً، أو تشفي مريضاً، أو توفر فرصة عمل، ...
وهكذا
انكشفت الأقنعة، وازداد الاحتقان، فكان انفجار السابع عشر من تشرين الأول من العام
2019. فنزلت الجماهير اللبنانية إلى الشارع بزخم لافت، فاق كل التصورات، على الرغم
من محاولات إحباطها المستورة، ولكنها كانت مغطاة بدعاوى كاذبة للمشاركة في
التظاهر.
لقد
انتفض الشعب اللبناني ضد الأهداف المقنَّعة، وانتقل من ضفة أكذوبة (حماية الطائفة)،
إلى ضفة (حماية الوطن)، وبذلك أعلن بالفم الملان: (إرفعوا وصاية أمراء الطوائف عن
الشعب اللبناني).
ولهذا،
وقبل أي شيء آخر، على الشعب أن يرفع شعاراً أساسياً:
-(إرفعوا
وصاية أمراء الطوائف عن الشعب اللبناني، وسيكون بكل طوائفه بألف خير).
-(إرفعوا
السرية المصرفية عن صناديق الأمراء). لتكشفوا عن حجم الفساد، وعن حقيقة المصادر
الخفية لتمويل الأحزاب (الطائفية السياسية).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق