الجمعة، ديسمبر 13، 2019

المنهج الفقهي لنظام ولاية الفقيه في قمع الانتفاضات الشعبية


المنهج الفقهي لنظام ولاية الفقيه في قمع الانتفاضات الشعبية
منقول عن النشرة الإعلامية التي تصدر عن المنبر الثقافي العربي الدولي
العدد الرقم 11 تاريخ 13/ 12/ 2019

في شهر واحد، هو شهر تشرين الأول من العام 2019، تلاقت ثلاثة مظاهر ثورية في العراق ومن بعده لبنان، وكانت خاتمتهما الثالثة في إيران. الأمر الذي أقلق نظام ولاية الفقيه في إيران لتأثيرها المباشر على وجوده. ولذلك عمل على سحقها بأقسى وسائل الوحشية.
وإذا كان ما حصل في إيران يخص الشعب الإيراني، ولا علاقة لنا به بأكثر من اعترافنا وتأييدنا لحق الشعوب بالثورة في سبيل الحصول على حقوقها المشروعة. إلاَّ أننا مطالبون ليس بتأييد الظاهرة الثورية الرائعة في العراق ولبنان فحسب، بل بالمشاركة بها أيضاً حتى وصولها إلى أهدافها كلها.
في هذه المرحلة التي يواجه فيها الشباب الثائر والمنتفض في إيران والعراق ولبنان آلة من القمع شديدة الوحشية، يساورنا القلق على حياتهم، وكذلك على مصيرهم وهم ملتقصون بعناد الثوريين بالأرض ولا يبرحونها. وينعكس القلق كذلك على مصير تلك الظاهرة الثورية التي تزامن حصولها في شهر واحد، والتي تتعرَّض لوسائل قمع شديدة الوحشية، وبشكل تتشابه فيه تلك الوسائل في الساحات الثلاث. والسؤال الأشد إلحاحاً هو التفتيش عن أسباب التشابه بينها. وكأن هناك منهجاً عقيدياً واحداً، يبثه مصدر واحد، وقائد واحد يوزِّع الأوامر لمؤسسات القمع في كل من تلك الساحات.
وفي محاولة للتفسير والتحليل، يمكننا الوصول إلى جواب يفسِّر لنا ذلك التشابه بين وسائل القمع في الساحات الثلاث، إيران والعراق ولبنان.
بداية، وإذا عرفنا أن نظام ولاية الفقيه في إيران، كما هو الواقع، وكما يفصح عنه المسؤولون فيه، يسيطر على اثنتين منها، بغداد وبيروت، من بين أربع عواصم عربية. وهذا ما يؤكد أن للنظام المذكور مصالح على غاية من الأهمية في العراق ولبنان. وهو لذلك يضع كل ثقله من أجل منع التغيير في نظاميهما السياسيين، فكانت الأوامرلبسحقها بأي وسيلة من الوسائل.
ولأنه يمسك مباشرة بالنظام السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي والاجتماعي في معظم محافظات العراق.
ولأنه يمسك بالواسطة بجزء مهم من النظام السياسي والعسكري والأمني الراهن في لبنان.
ولأن الساحتين عرفتا في وقت واحد ظاهرتين ثوريتين اندلعتا، بمظهريهما المطلبي؛ ولكنهما في جوهرهيهما، تؤديان إلى إسقاط المنظومتين السياسيتين في كل من العراق ولبنان.
ولأن مواقع القوة في كل من القطرين أعلنت بشكل صريح أنها تتبع لنظام ولاية الفقيه.
يصبح من غير المستغرب أن تتصرف بناء على فتاوى علي خامنئي، الولي الفقيه في إيران، بالنسبة لوسائل مواجهة الظاهرتين. وبناء عليه نتساءل: على أية أسس تشريعية تستند تلك الفتاوى؟

1-أيديولوجيا فتاوى الأمر بالقمع التي تصل إلى حدود القتل:
في كتابه (الحكومة الإسلامية)، أعتبر الخميني أن للفقيه نائب الإمام، سلطة مُطلَقَة، وله الزعامة الكبرى، والبقية مأمورون مؤتَمِرون، لأنه، حسب زعمه، (مخوَّل من قبل الله في إجراء الحدود)، فـ(بيده  أزمَّة الأمور كلها، الله أعطاه  هذا الاختيار، وأوكل إليه أمر الأمة). وذلك عائد إلى ما يزعم أن الراد على الإمام (أو نائبه) كالراد على الرسول. والراد على الرسول كالراد على الله.
فما هو الرابط بين عقيدة الخميني الإيراني القومية، وبين قضايا مجتمعنا العربي؟
لن ننوب عن الشعب الإيراني في اختيار نظامه السياسي كما حدده الخميني، لو انحصر هذا الاختيار بذلك الشعب. ولكن لأن نظام ولاية الفقيه يعتبر أن (تصدير ثورته) إلى العالم أمر إلهي، راح ينفذِّها خارج حدود إيران، وبالأخص إلى أرجاء الوطن العربي الكبير.
على الرغم من رفض العرب استيراد بضاعة (تصدير الثورة) لخطورتها الكامنة في التدخل بشؤون الدول الأخرى الداخلية، يعتبر نظام ولاية الفقيه أن الولي الفقيه مأمور إلهياً بتصديرها. والأمر الإلهي، كما يخرجه الخميني فقهياً، يسمح باستخدام العنف لتنفيذ ذلك الأمر. ولأنه يزعم أن مذهبه يمثل الإسلام الصحيح، أعطى للولي الفقيه الحق باستخدام قاعدة: إما السيف وإما الإسلام. ولذلك أعلن نظام الولي الفقيه في إيران، ضارباً عرض الحائط كل التشريعات الأممية، أنه بسط سلطته على أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وراح يتصرف بها تصرف المالك بملكه، وذلك لمجرد أنه امتلك بواسطة عملائه وأنصاره في تلك العواصم قوة التأثير في رسم سياساتها.
إن مزاعم النظام الإيراني تلك، مسنودة بغيبيات فقهية، هي تدخل واضح وصريح بشؤون العرب الداخلية، ويصبح لزاماً عليهم درء الخطر الإيراني الداهم على كيانهم، على قاعدة حقهم باختيار أنظمتهم السياسية والدفاع عنها.
ولكن ما هو الرابط بين هذه المقدمة الأيديولوجية، وعنوان المقال؟          
إضافة إلى أهدافه في بناء إمبراطورية فارسية مغطاة بعباءة دينية، وللكشف عن دوافع استخدام النظام الإيراني وسائل العنف في ترهيب أية حركة شعبية مناهضة لسياساته، في إيران نفسها وفي الدول العربية الأربع التي زعم أنه يسيطر عليها، هناك عاملان يمكن الاستناد إليهما، وهما:
-العامل الأول: تخويل الولي الفقيه سلطة مطلقة يأتمر بها الجميع لقدسية موقعه ومهمته.
-العامل الثاني: تطبيق قاعدة: إما السيف وإما الإسلام.
إن هذين العاملين: قدسية الولي الفقيه وما يصدر عنه من أوامر، والعمل على نشر الإسلام بالسيف لمن لا يسلم طوعاً، يفسران منهجية القمع التي تُستخدم في إيران، وكذلك في الدول التي يزعم النظام الإيراني الحالي أنها ملحقات بإمبراطوريته، والتي استطاع أن يصدِّر الثورة إليها.
وإن تعددت وسائل تلك المنهجية بين القمع الشديد الدموي والإرهاب النفسي، إلاَّ أنها واحدة، يجمع بينها رابط قتل أو إرهاب كل من يتجرأ على إعلان معارضته لنظام الولي الفقيه، باعتباره ممثل لله على الأرض، كما يزعم. وهذا ما نلمسه بوضوح حيثما انتفض الشعب خاصة في إيران والعراق ولبنان.
ففي إيران استخدم النظام كل وسائل العنف ضد المعارضة الإيرانية في شتى مراحلها، والتي كان آخرها في قمع الانتفاضة التي اندلعت في عشرات المدن الإيرانية الكبرى، في شهر تشرين الأول الماضي. تلك الانتفاضة التي سقط فيها مئات المعارضين قتلى، وآلاف الجرحى والمعتقلين.
وفي العراق، تصاعدت وسائل قمع الثورة تدريجياً، ابتداء من تخوين الثوار، مروراً باستخدام الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع المحرمة دولياً، وانتهاء بارتكاب أقسى المجازر وحشية بحق الثوار، والتي كانت أشدها قسوة عندما أُمرت الميليشيات  الملتحقة بإيران بقتل الثوار طعناً بالسكاكين، أو قنصاً بالرشاشات الثقيلة، في ساحات بغداد وجسورها.
وفي لبنان، ولظروفه الخاصة، كانت الوسائل أقل حدة، ابتدأت بتخوين المنتفضين كوسيلة ترهيب نفسي ومعنوي وخوض حرب إعلامية شديدة في محطات التلفزيون وفي وسائل التواصل الاجتماعي على شتى أنواعها، وتحشيد عدد كبير من الإعلاميين المأجورين لمناهضة الانتفاضة، ومرِّت بتخريب خيم المعتصمين والاعتداء الجسدي عليهم، ولم تقف عندها، بل مورست حملات التهويل باتهام المنتفضين بأنهم أدوات لافتعال فتنة داخلية، واتهامهم بأن انتفاضاتهم ستؤدي إلى انهيار اقتصادي.
تلك نماذج ثلاث تؤكد وحدة منهجية في قمع الشعب الثائر الذي انتفض للمطالبة بحقوقه، تلك المنهجية يقف وراءها قائد أوركسترا واحد هو الولي الفقيه الذي يأمر بقتل كل من يعيق مشروعه الذي يزعم أنه أمر إلهي يقضي ببناء (دولة إسلامية) لكي تحكم بما يزعم أيضاً أنه قوانين إلهية. وكل ذلك من أجل تمرير مشروع إيراني سياسي خطير هدفه بناء إمبراطورية فارسية على أنقاض الحلم العربي في بناء دولة قومية عربية متكاملة الأسس والأركان.

2-كيف يواجه الثوار العرب فتاوى الولي الفقيه الإيراني:
إذا كنا نعترف بحرية أي شعب في تقرير مصيرها، فإنما نعترف أيضاً أن تلك الحرية تصبح مرفوضة عندما تتناقض مع حرية الشعوب الأخرى، ولذلك نرفض كعرب رفضاَ مطلقاً أهداف نظام ولاية الفقيه في تصدير ما يزعم أنه ثورة إلى خارج حدود إيران، لأنها تعمل على مصادرة حق العرب بالحرية باختيار نظامهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وانطلاقاً من هذا الثابت، الذي يستند إلى التشريعات الإنسانية والحقوقية والإنسانية، نصر على حق الشعبين العربيين في العراق ولبنان بالانتفاض والثورة ضد أي تدخل خارجي في شؤون بلديهما وهذا ما يؤكد حق الشعب العراقي بأن يقتلع أي وجود أجنبي على أرضه وفي المقدمة منه الاحتلال الإيراني وكل مرتكزاته وأدواته وعملائه. وما يؤكد حق الشعب اللبناني بأن يلغي نظام المحاصصة الطائفية الذي يشكل السبب في انتشار الفساد على شتى أشكاله، والسبب في لجوء معظم مكوناته الطائفية السياسية للارتباط مع الخارج الأجنبي.
ولأن أهداف الظاهرتين الثوريتين في كل من القطرين، القضاء على أي تدخل أجنبي أولاً، ومحاسبة الفاسدين وإحالتهم إلى المحاكم ثانياً. على كل عربي صادق بعروبته أن يؤيدهما ويشاركهما بكل ما يستطيع تقديمه لهما من أسباب القوة والحصول على أهدافهما كاملة غير منقوصة.
ولا يسعنا، أولاً وأخيراً، وبسبب الهجمة الإيرانية الشرسة والوحشية التي يتعرض لها الثوار في العراق، والتي ظهرت بأقسى فصولها تعسفاً وإجراماً فيما جرى في بغداد في الأيام القليلة المنصرمة، من أن يتشارك كل العرب في فضح تلك الجرائم وإيصال صوت الثوار إلى كل محافل الرأي العام الدولية، وحث كل المؤسسات الأممية الرسمية والأهلية للقيام بواجباتها لحماية شعب يتم ذبحه بالفعل على أيدي نظام الإجرام والفاشية في طهران.


ليست هناك تعليقات: