دعوة أحزاب السلطة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية دعوة زائفة
بعد
إسقاط الحكومة اللبنانية، تحت ضغط الانتفاضة في لبنان. وبانتظار تشكيل حكومة جديدة
طال كثيراً على الرغم من اشتداد تأثير الأزمة الخانقة. عزت المؤسسات الدستورية
أسباب هذا التأخير إلى أنها تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا يحتاج إلى وقت من
أجل ضمان تلك الوحدة.
من
إعلان هذا الهدف، علينا أن نتوقف عند مضمونه وأبعاده، فماذا نرى منه؟
في
الصراع الدائر بين أحزاب السلطة الحاكمة كطرف أول، والانتفاضة المندلعة في الشارع
كطرف ثاني، نكتشف أن مفاهيم (الوحدة الوطنية) تختلف بين المبدئية القانونية التي
انطلقت على أساسها الانتفاضة الشعبية، وبين مفهومها كما تراه أحزب السلطة.
وصل
التباين بين المفهومين إلى حد التناقض البيِّن والواضح. وتلك هي الحقيقة التي
بتحديدها بشكل موضوعي، يترتَّب الكشف عن الهوة السحيقة بين ما تنص عليه المبدئية
التي تعبِّر عنه أهداف الانتفاضة الشعبية، وبين المفهوم الزائف الذي تعمل على هديه
أحزاب السلطة في لبنان. وعليه نجد أن مفهوم السلطة للوحدة الوطنية يشكل السبب
الأساسي في اندلاع النقمة الشعبية.
إن
الوحدة الوطنية بمفهومها المبدئي، تقوم على أساس العدالة والمساواة بين الموطنين،
سواء أكان بتعريف وحدة الواجبات، أم كان بتعريف وحدة الحقوق. وبهذا يمكننا التمييز
بين من يتمم واجباته والذي يقصِّر فيها. كما يمكننا التمييز بين من هو مغبون في
حقوقه، ومن هو مستئثر بها.
وأما
مفهوم أحزاب السلطة للوحدة الوطنية، وربطها بما يزعمون تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا
علاقة لها بالوطنية، لأنها تستند إلى ما يلي:
-محاصصة
طائفية، وهي التي يتم توزيع الوطن بين الطوائف، وهذا مبدأ بحد ذاته يتناقض مع وحدة
الوطن، فالوحدة الوطنية تقتضي تذويب كل التعدديات بمبدأ الولاء للوطن.
-استئثار
أمراء الطوائف بكل الحقوق على حساب أبناء طوائفهم. ولهذا عمَّ الفساد بين الأمراء
ومعاونيهم والمستفيدين من فسادهم. بينما استفحلت المعاناة بين عموم اللبنانيين من
كل الطوائف.
-الإصرار
على تشكيل (حكومة وحدة وطنية) هو إصرار على إعادة تلزيم الوطن لأمراء الطوائف،
وهذا سيقود إلى موجة جديدة من الفساد، قد يموهونه بألوان وأشكال ووسائل جديدة
للنهب الاقتصادي لثروات الوطن.
-ارتباط
كل منها بقوة إسناد خارجي، يقتضي إصرارها على الحضور في حكومة سياسية، من أجل
تنفيذ أوامر القوة الخارجية المرتبطة معها. وهذا أقل ما يقال فيه أنه انفلات من
الرباط الوطني لتنفيذ مخططات الخارج، على حساب أوسع شريحة من اللبنانيين المغبونين.
وأما
عن أهداف الحراك، وبعيداً عن تخوينه وشيطنته لأنها لا تستأهل الرد عليها لأنها ذات
دوافع بعيدة عن مصلحة الوطن، ولأنها تغطية لارتباط المتهمين بالخارج، فإنها تظهر
بشكل واضح لكل من لديه بصر وبصيرة وطنية، ولن تظهر عند من أعماهم الحقد الطائفي
لأنهم لا يستطيعون النظر إلى أبعد من أنف تعصبهم الأعمى. فأهداف الحراك ووسائله،
هي التالية:
-حراك
عابر للطوائف والمناطق، وإعلانه عن سلمية وسائله رداً على ما تزعمه أحزاب السلطة
بأن الحراك ينذر بفتنة داخلية، وتلك من أهم صفات المبدئية الوطنية.
-شبابيتها
المتمردة على الإذعان لأولي الأمر إذا ظلموا، وأمراء الطوائف إذا فسدوا. وتلك من
أهم صفات الوطنية التي تدعو لأن يكون (كل مواطن خفيرا).
-حراك
يعرف ما هي حقوقه وواجباته، ويعرف من يأكل تلك الحقوق ويسرقها. ويرفع السيف في وجه
الفاسدين أياً كانوا. وهذه من أهم مواصفات المواطن الواعي الذي يؤمن بسلطة الشعب الذي
وحده يكلف بتمثيله من هو مؤتمن على حقوقه، ويحجبها عمن يخون تلك الحقوق.
وأخيراً،
بين
مفهوم أحزاب السلطة لـ(حكومة الوحدة الوطنية)، ومفهوم الحراك لها، بون شاسع،
وتناقض كبير. وهذا ما يسمح لنا بالقول: فليسقط مفهوم أحزاب السلطة لأنه مزيَّف
ومشبوه باللوثة الطائفية، وليحيا مفهوم الحراك لأنه مرصَّع بالروح الوطنية
الحقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق