إضبطوا
ساعاتكم على توقيت الثورة في العراق
للدخول
إلى تحليل ما يجري الآن على الساحة العراقية خاصة على وقع التصعيد غير المسبوق في
الاشتباك بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني، تجدر الإشارة والتذكير، بمضمون
الاتفاق بينهما قبل الاحتلال الأميركي وما بعده، مروراً باتفاقهما الأكثر وضوحاً
الذي تمَّ توقيعه بينهما فيما قبل الانسحاب الأميركي في العام 2011، وصولاً إلى
المرحلة الراهنة التي يتصاعد في سمائها أدخنة التصعيد بينهما بما يوحي بالخطورة القصوى
على الوضع في منطقة الشرق الأوسط.
مقدمات
لا بُدَّ منها لتحليل وقائع ما يجري في العراق:
لا
يمكن تحليل وقائع الاشتباك بين طرفين، أو الحرب بينهما، من دون تحديد أسبابها
أولاً، ومستوى العلاقات بينهما اختلافاً وتوافقاً بالدرجة الثانية. ومن أجل ذلك،
نجد أن بين النظام الإيراني وإدارة دونالد ترامب، مساحات واسعة من التوافق،
ومساحات أقل اتساعاً من الاختلاف. وهذا ما تحدده الوقائع التاريخية التالية:
1-التصريح وليس
التلميح هو أكثر إنباء من أي تحليل آخر، كان ما جاء على أكثر من لسان من ألسنة
مسؤولين كبار في النظام الإيراني، ونصه المشهور: (لولا طهران لما دخلت أميركا إلى
كابول وبغداد). وبناء على هذا الاتفاق،
والذي يفوق أهمية كل اتفاقيات إدارة جورج بوش الإبن الأخرى مع أربعين دولة،
اتَّخذت إدارة جورج بوش الابن قرار احتلال العراق.
2-تصريحات رامسفيلد، وزير الدفاع في إدارته،
التي من أهمها وأخطرها على الإطلاق تصريحان استراتيجيان، وهما:
-الأول: (إن العراق
يمثل نقطة الارتكاز في محيطه الجغرافي، وإذا انهارت سينهار بناء المنطقة كله
كانهيار أحجار الشطرنج).
-وأما الثاني،
ردَّاً على سؤاله كيف ستمول أميركا تكاليف الاحتلال، أجاب رامسفيلد قائلاً: (سيتم
تمويله من نفط العراق وثرواته).
3-التصريح وليس
التلميح هو أكثر إنباء من أي تحليل آخر، كان ما جاء على لسان دونالد ترامب بأكثر
من مناسبة، ونصه المشهور: (لقد دفعت أميركا من مالها وأرواح جنودها الشيء الكثير،
ولكن إيران استفادت وحدها من ثروات العراق دون ن تدفع شيئاً). ولذلك، يستطرد ترامب
قائلاً: (يجب استعادة ثروات العراق لمصلحة الشعب الأميركي).
مبدأ
غريب في علاقات دولتين قائمة على النهب والسرقة:
إن
أقلَّ ما يمكن استنتاجه من هذه المقدِّمات، هو أنها تعبِّر عن صياغة مبدأ عجيب
وغريب في أهدافه ومراميه مما يصدم كل القوانين الدولية، هو تحويلها من مستوى سياسي
رفيع ومشروع يأمر ببناء علاقات متكافئة بين الدول، وليس علاقات قائمة على نهب دولة
لثروات دولة أخرى، واستعباد شعوبها.
وإن
أقلَّ ما يمكن استغرابه من تلك المقدمات، وهو ما أدركته قوى الثورة العراقية، هو
أن كلاً من الشريكين استخدم شريحة من الشعب العراقي لتنفيذ مبدئه. فكان الشعب
العراقي بمعظمه يقوم بدور المنهوب والمقتول، بينما المستفيد الأول كان التحالف
القائم بين واشنطن وطهران. هذا علماً أنهما الآن لا يزال كل منهما يقاتل الآخر
بواسطة عملائه.
نستنتج
من كل ذلك، أن الأزمة التي تلفُّ الآن كل منطقة الشرق الأوسط، منذ العام 2003،
مروراً بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد تحت مسمى خادع، أطلق عليه مسمى (الربيع
العربي)، وصولاً إلى مشاهد الاشتباك الساخن بين الحليفين، قد ابتدأت في العراق.
ولذلك ضبط العالم كله ساعاته، في المرحلة السابقة، على توقيت بغداد.
قواعد
تحالفهما لم تتبدَّل حتى الآن:
لم
يقنع الحليفان أحداً حتى الآن، على الرغم من الاشتباك الساخن بينهما، أن قواعد هذا
الاشتباك قد تغيَّرت. بل على العكس هما مصرَّان على أنهما لن يتركا العراق قبل
الاتفاق على تصحيح الخلل في تقسيم الحصص بينهما. وهذا الأمر يطرح السؤال بحدَّة:
أين تقع مصلحة العراق في ظل هذا الاشتباك؟
استباقاً،
لهذا التساؤل، نستنتج أن الحليفين المشتبكين الآن، لا يأبها بمصلحة الشعب العراقي
بأكثر من أن كليهما يستغل عملاءه ليحارب بالنيابة عنه. وعملاؤهما، يجعلون من
أنصارهم وقوداً في الاشتباك بين أميركا وإيران.
على
العالم أن يضبط ساعاته على توقيت الثورة العراقية:
انطلقت
الثورة العراقية بينما الاشتباك بين الحليفين قد سبقها بأكثر من سنتين، ولكن
الاشتباك كان على نار هادئة، الأمر الذي أوحى للكثيرين وأغرى آخرين ممن استهواهم
شيطنة الثورات الشعبية، أن أميركا تقف وراءها وتغذي أوارها.
لا
يعني تزامن اندلاع الثورة مع الاشتباك بين الحليفين أنها موجَّهة ضد أحد الطرفين،
وتأييداً للطرف الآخر، بل هي موجَّهة ضد الإثنين معاً. لأن الثوار يعرفون ويدركون
أن لائحة الحقوق التي أعلنوها، قد سُرقت من المحتلين الأميركيين، ومن بعدهم
المحتلين الإيرانيين. ولعلَّ أهمها انتهاك سيادة العراق.
فإذا
أعلنت الثورة العراقية شعارها المرحلي (إيران، برا، برا) فلأن النظام الإيراني
مارس أكثر أنواع الاحتلال خطراً، لأنه لا يستهدف الثروات فقط، بل يستهدف أيضاً
وطنية العراق وعروبته، ويستهدف زرع الفتنة الدائمه بين أطيافه الدينية، وأطيافه
العرقية. وبالتالي ضمَّ العراق كجزء من الإمبراطورية الفارسية، أرضاً وشعباً. وفرض
نظام سياسي يمتلك مشروعاً سياسياً قائماً على الغيبية والتخلف. ولكن كل ذلك، لا
يعني استثناء الاحتلال الأميركي، لأن مقاومة الشعب العراقي ألحقت الهزيمة المرَّة
به، وأرغمته الهروب في أواخر العام 2011.
وإذا
كانت إدارة ترامب الآن تصفي حساباتها مع حليفها الإيراني، ولكن تحت سقف إعادة
توزيع الغنائم، وتقاسم الأموال العراقية المنهوبة، بما يتناسب مع حجم التضحيات
التي بذلها كل منهما. فهذا يعني، كما أكد ترامب في أكثر من مرة، أنه يريد أن
يعوِّض الشعب الأميركي عن الخسائر المادية والبشرية التي دفعها في العراق، ضارباً
حقوق الشعب العراقي عرض الحائط.
وإذا
كان النظام الإيراني يريد إلحاق العراق بإمبراطورية فارسية.
فإن
ثورة الشعب العراقي، ترفض المشروعين معاً.
ولكن
لأن هناك تلاقياً جزئياً بين أهداف الثورة في التحرير الكامل والشامل، وفي المقدمة
منه تحرير العراق من الاحتلال الإيراني. وبين أهداف إدارة ترامب في تقليص نفوذ هذا
الاحتلال، وليس في إنهائه. لن يستطيع أحد أن يحرم تلك الثورة من الاستفادة من كل
العوامل التي تخدم أهدافها ابتداء بـ 1% وصولاً إلى سقفها الأعلى. ولهذا لا يعني
ثورة الشعب العراقي مما يجري بأكثر من أن ما يحصل هو اشتباك بين حليفين احتلا
العراق ويقومان بتصفية حساباتهما.
وإذا
كانت سخونة الاشتباك الأميركي – الإيراني، ستضع المنطقة
والعالم أمام متغيرات كثيرة، وفي المقدمة منها إنهاء الحلم الغيبي المعشِّش في
رؤوس آيات الله في إيران، أو بإضعافه إلى حدوده الدنيا. فإن هذا يسدد جزءاً يسيراً
من أهداف الثورة العراقية. كما أن هذا لا يعني أن تستسلم تلك الثورة للمخطط
الأميركي الجديد. بل أن تتابع ثورتها وإمساكها بالساحات والجسور، إلى أن تحقق
أهدافها كلها بدءاً من إسقاط العملية السياسية، سواءٌ أكان الأميركي راعيها أم كان
غيره، وصولاً إلى بناء نظام وطني قومي مدني مستقل بعيداً عن إملاءات الخارج.
وإننا،
أخيراً،
ندعو
العالم لسماع صوت الثوار العراقيين الداعي إلى حماية مبادئ حرية الشعوب بحق تقرير
مصير أوطانها. وبناء علاقات دولة مع دولة على قواعد التكافؤ بالحقوق والواجبات
الدولية هذا من جهة، ومن جهة أخرى رفض العلاقات المبنية على قواعد نهب دولة لدولة،
كما هو حاصل في العراق بعد احتلاله في العام 2003، ودفنها إلى الأبد.
كما
ندعو العالم إلى ضبط ساعاته ليس على توقيت عملية سياسية أميركية جديدة في العراق،
سواءٌ أكانت بالكامل، أم كانت بمشاركة النظام الإيراني فيها حتى ولو من موقع ضعيف
لأنها ستكون مرفوضة رفضاً مطلقاً، لأنها ستعيد قضية العراق إلى نقطة الصفر، التي
ابتدأت مع الاحتلال الأميركي في العام 2003. ولكننا ندعوه إلى أن يضبطها على توقيت
الثورة العراقية بأهدافها الوطنية والقومية، وليس أي توقيت آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق