الأربعاء، يناير 15، 2020

مفاعل تصدير الثورة الإيراني أكثر تدميراً من المفاعل النووي


مفاعل تصدير الثورة الإيراني أكثر تدميراً من المفاعل النووي
مقدمة إخبارية لمشهد الاشتباك الأمريكو إيراني المسرحي:
لقد انتهت مسرحية الاشتباك الأميركي - الإيراني، بضربة إيرانية هزيلة لقاعدة عين الأسد، (القادسية كما أطلق عليها النظام الوطني قبل الاحتلال)، وتنفَّس العالم الصعداء. وظهر للجميع أنها كانت المقدمة التي أراد فيها مخرج التحالف الأمريكو إيراني تبرير إعادة الدخول في نفق البحث عن نهايات سعيدة لما اعتبره ترامب أنه يهدد الأمن الدولي، وذلك بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.
سبقت الضربة الإيرانية أحداث متتالية استنتج منها العالم أن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن إلى الدرجة التي تنبَّأ فيها الكثيرون أن الحرب العالمية الثالثة أخذت تطرق الأبواب بقوة. وكان تسلسل هذه الأحداث كما يلي:
-مقتل مقاول أميركي في قاعدة في 27/ 12/ 2019، وردَّت عليه إدارة ترامب بقصف معسكرات لـ(حزب الله العراقي) في القائم على الحدود السورية العراقية،
-هجوم الميليشيات العراقو إيرانية، على سفارة أميركا في المنطقة الخضراء في بغداد.
-في أوائل كانون الثاني، وبواسطة غارة جوية قتلت الإدارة الأميركية الفريق قاسم سليماني. ومن بعدها تصاعدت التهديدات الإيرانية، وأعلنت بداية النهاية للقوات الأميركية في المنطقة.
-قصفت إيران قاعدة عين الأسد، واعتبر مرشد الثورة بأنها صفعة شديدة لأميركا، وهدَّدها بأنه سيرد بأعنف منها إذا تجرأت على القيام بردة فعل. ولكن ترامب أجاب بأنه لا خسائر بعد الضربة. ودعا إيران إلى استئناف المفاوضات حول الملف النووي من دون شروط مسبقة.
وبعد تبادل الطرفين التحايا المريحة، حطت الحرب العالمية الثالثة، وبداية النهاية للقوات الأميركية في المنطقة، أوزارها. وتنفَّس العالم الصعداء. وكان المشهد العام يوحي بما عبَّر عنه المثل العربي القائل: (تمخَّض الجبل فولد فأراً).

أين تقع الحقيقة فيما جرى ولا يزال يجري؟
يلهونا دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وإدارته بالضغط اللفظي على طهران من أجل ما يسميه تعديل البنود الخطيرة في الملف النووي الإيرااني؛ كما عمل على إلهائنا أوباما، سلفه في الرئاسة الأميركية بأن الاتفاق الذي وقَّعه في العام 2015، لا يمس بالأمن القومي العربي.
بعد توقيع أوباما ذلك الاتفاق، في العام 2015، والذي اعتبره إنجازاً عظيماً يصب في مصلحة الأمن الدولي، والذي من بعد توقيعه قام بزيارة المملكة العربية السعودية ليقنعها بأن ذلك الاتفاق لن يهدد أمنها. حينذاك رفضت السعودية تبريرات أوباما لأنها لم تقتنع بها، ولأن وسائل الخداع كانت واضحة ومكشوفة في خطاب الرئيس الأميركي.
وأما الآن، وفي عهد خلفه، الذي أعلن أنه يعمل على تغيير بنود الاتفاق، فإنه يعرض خديعة أخرى على العرب بشكل عام، وعلى دول الخليج العربي بشكل خاص. وعينه على المحافظة على اتفاقه مع النظام الإيراني، من دون المساس بصداقته مع تلك الدول.
لم يكن أوباما صادقاً في تقديم ذرائعه، ولن يكون ترامب صادقاً أيضاً. فمصلحة أميركا تعلو كل المصالح، فكل منهما يريد مشاركة إيران بثروات العراق من جهة، وفرض أثمان باهظة لحماية دول الخليج العربي من جهة أخرى. وهو بذلك يمسك بكل الأطراف ويضعها في حاضنته الرأسمالية التي توفر لأميركا الأرباح الطائلة.
وأما عن تعديل الاتفاق النووي، سواءٌ أظلَّ كما هو، أم تغيَّرت بنوده، فهذا مما يجب أن لا يقلق العرب، وأن لا يصدِّقوا وعود دونالد ترامب. فالإدارة الأميركية تريد منه المحافظة على أمن العدو الصهيوني وليس أمنهم. لأنه لو استتب الأمن لدول الخليج فستخسر أية إدارة أميركية مداخيل الحماية التي تدرها على الخزينة الأميركية. وبالمفهوم الأميركي ليست المحافظة على أمن العدو الصهيوني من خطر قنبلة نووية إيرانية أمراً ملحَّاً، حتى ولو كان عددها مئة، لأن العدو يمتلك المئات منها. ولكنه يريد أن يحافظ على الخلل في موازين القوة العسكرية لتبقى في مصلحة عدو الأمة العربية، ولكل شعوب المنطقة من جهة. وهو في مطلق الأحوال سيبقى سلاحاً للتهويل والتخويف، وليس أكثر من ذلك من جهة أخرى.
لقد امتلك العدو الصهيوني، منذ عشرات السنين، مئات القنابل النووية، ولكنه لم يستطع إرهاب العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، لأن موجة العداء العربي الفلسطيني لم تهدأ بل هي تتواصل وتستمر غير عابئة بالترسانة النووية الصهيونية. كما أن العدو الصهيوني لا يجرؤ على استخدامها لأنها سيف ذو حدين، فهي إذا انفجرت فلن تبقى أحداً حياً ولن تذر، وهي لن تحمي كيانه المغتصب، بل سوف يلحق بها الضرر الفادح.
وامتلكت أميركا وغيرها، آلاف القنابل النووية الشديدة التدمير، ولكنها لم تستطع إطفاء شعلة المد الثوري الشعبي العربي، ضعيفاً أكان أم قوياً، مخترقاً أكان أم نظيفاً ناصع البياض. ولم ترهبه أيضاً.
وكل هذا دليل على أن امتلاك السلاح النووي، لا يشكل خطورة على أحد طالما بقي، وسيظل، سلاحاً يُستخدم للتهويل وليس للاستخدام. وإنما الذي يشكل الخطورة القصوى هي المفاعلات الإيديولوجية الدينية الغيبية، وبالأخص منها مفاعل (تصدير الثورة) الإيراني.
وإذا أردنا أن نصنِّف المخاطر المحدقة بالأمة العربية بدءاً من أكثرها خطورة، ونزولاً، فإننا نضع أهداف الاستعمار الاستيطاني في المقدمة من تلك المخاطر. فما هو تعريفنا لهذا الشكل من الاستعمار؟
-أولاً: الاستعمار الاستيطاني الأوروبي للقارة الأميركية (الأنموذج الأم): ولما كان قد كُتب الكثير عنه، فإننا بحجم مقالنا سنكثِّف الكلام عنه بالأفكار التالية: تاريخ الغزو الأوروبي للقارة الأميركية معروف تماماً، بوسائله غير الإنسانية وغير الأخلاقية، وفي المقدمة منها، ذبح عشرات الملايين من الهنود الحمر، واسترقاق الملايين من الأفارقة السود لارتكاب تلك المذابح، وكل ذلك من أجل إحلال ملايين الأوروبيين مكانهم.
-ثانياً: الاستعمار الاستيطاني الصهيوني: قام الكيان الصهيوني على دعائم تلمودية غيبية، عُرفت بشعار (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وأُعلن هذا الشعار من أجل استقطاب أوسع شريحة من اليهود، فنجح بجذب مجموعات كبيرة منهم، وهو ما أصبح معروفاً بمخطط (الصهيوينة العالمية) للاستيطان على الأرض العربية. ولهذ السبب تم احتلال أرض فلسطين لإنشاء هذا الكيان. واستخدمت الصهيونية العالمية، بإسناد استعماري واضح وصريح في مقررات كامبل بانرمان في العام 1905، وسائل التطهير العرقي بإرغام الفلسطينيين، السكان الأصليين، إلى الهجرة من أرضهم، لإعادة ملئها باليهود المهاجرين. حيث زعموا بنظرتهم التلمودية، أن لهم الحق بالعودة (إلى أرض المعاد). وهو ما يُعرف باختصار، طرد شعب من أرضه لتكون أرضاً خالية، تبرر لهم تنفيذ خطة (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض).
-ثالثاً: مبدأ تصدير ثورة نظام ولاية الفقيه في إيران: وهو يقوم على أسس دينية غيبية، لبناء ما زعموا أنها دولة الإمام المهدي المنتظر. ومن أجل إظهارها إلى الوجود وكَّل النظام الإيراني نفسه بمهمة يزعم أنها إلهية لتنفيذ ذلك المشروع. وقد أعطى قائدها (الولي الفقيه، كنائب للإمام المهدي) صفة القائد المطلق الذي يمثل الله على الأرض.
ولأن مشروع دولة الإمام المهدي إلهي، كما يزعم من قام بتأسيسه، أعطاه صفة الرسالة العالمية المقدَّسة لنشره في العالم بأسره. واستناداً إلى كل ذلك، كان إعلان مبدأ (تصدير الثورة) إلى العالم هو الأمر التنفيذي. وأطلق عليه اسم (الحكومة العالمية) والتي يمثِّل الولي الفقيه في إيران مرجعيتها الأيديولوجية. ولأنه لن يكون له أي تأثير تنفيذي في العالم إلاَّ عبر الاستيلاء على الوطن العربي، انحصرت وسائله بداية في العراق، والذي بعد احتلاله شكَّل البوابة الرئيسية له من أجل توسيع (الحكومة الإسلامية العالمية) إلى ما بعد العراق، وإلى ما بعد بعده... ولذلك كان العراق بعد الاستيلاء الإيراني عليه، هو حقل التجارب الأنموذجية. ففيه استُخدمت باختصار الوسائل التالية:
-غسل أدمغة جزء من النسيج المجتمعي العراقي بإحلال مبدأ (نصرة المذهب) كبديل لـ(نصرة الوطن). والعمل على فرسنة شرائح واسعة من شعب العراق خاصة في محافظاته الجنوبية. وغرس التعصب الأيديولوجي المذهبي في عقولهم، وعمل على تعميقه.
-تدمير مناطق واسعة في وسط العراق وشماله، وتهجير سكانها، والعمل على تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والباكستانيين والأفغان، وغيرهم، ليغيروا في البنية الديموغرافية للعراق. أي إحلال شعب مكان شعب آخر.
-تفكيك بنية الدولة العصرية، وإحلال المنهج الميليشياوي المذهبي على شتى الصعد الأمنية والعسكرية والبنى الاقتصادية والسياسية...
-بعد أوهام النظام الإيراني بأنه أنجز المرحلة الأساسية الأولى في العراق، أعلن عما يسميه (الهلال الشيعي) الذي يصل طهران بالبحر الأبيض المتوسط، ومن بعد تحقيقه صعَّد بمشروعه إلى تهديد دول الخليج العربي من أجل تصدير ثورته إليها.
وبناء على تعريفنا للخطورة الشديدة التي يحملها المشروع الإيراني، والذي يتمثَّل بمبدأ (تصدير الثورة)، كمبدأ يُضمر، تنفيذ مخطط استعماري استيطاني فارسي، نخاطب نظام ولاية الفقيه وعملاءه والمخدوعين بوجهه الديني المذهبي، صارخين:
إن إعلان صداقتكم للعرب، إذا كان قد أوقع بالفخ بعضاً ممن يزعمون أنهم قوميون صادقون، فهو ما لن يقنعنا بصدق نواياكم لأنكم تساعدون بعض التنظيمات العربية. بل نحن ندرك أنكم تعملون على توظيف تلك المساعدات ليس لمناصرة قضايا عربية عادلة، بل لمقايضتها بأثمان تضمن لكم الحصول على مصالح دسمة لنظامكم ومشاريعه الخطيرة.
نقول لنظام ولاية الفقيه، بعد الكشف عن خطورة مبدأ (تصدير الثورة)، أعفونا من شرور صداقتكم، ونحن كفيلون بمقاومة شرور عداوة النظام العربي الرسمي الذي تتهمونه بالتقصير. فنحن أدرى منكم بمثالب ذلك النظام وخطاياه وأخطائه. ولكن رأس النظام الرسمي، ورأسنا الشعبي مهدد بالقطع بسيف مشروعكم الاستيطاني الخبيث. وإننا بعد ضمان المحافظة على الرأس العربي أولاً ونحول دون قطعه بسيوفكم المسمومة، نحن أدرى منكم وأكثر حرصاً على ابتكار طرائق تجميله واختيار أفضل تسريحة تليق به. ونحن ندرك تماماً أن تجميل رأس مقطوع عبث ليس من بعده عبث. وسذاجة ليس من بعده سذاجة.
إنه ومن أجل إعلان برنامج عربي تنفيذي لمواجهة حالة الاستعمار الفارسي، نخصُّ ثلاثة مستويات مؤثرة في معركة المواجهة ضده، وهي:
-الأول: الشعب العراقي: ولأن الشعب العراقي يقف في صدر المواجهة الآن في ثورة شعبية سلمية الوسائل ثورية الأهداف، لن نجد ما يمكننا قوله بعد حالة الانفجار الواسعة التي ترقى إلى مستوى ثورة تعمل على تحرير العراق من الاحتلال الفارسي تحريراً شاملاً وكاملاً. بل وعدم الاكتفاء بحلول ترقيعية، ووعود عرقوبية، من عملاء النظام الإيراني، خاصة أنهم شكلوا الذراع الضاربة لمخطط الاستعمار الاستيطاني الفارسي. وهم الذين ينفذون مؤامرة الاقتتال العراقي العراقي، بحيث لا تراق قطرة دم إيرانية بأكثر من أنهم يمتثلون لأوامر (المرشد الأعلى) في إيران. وينفذون أوامر قاسم سليماني، ممثلاً مرشده في نظام ولاية الفقيه.
-الثاني: الشعب العربي، خاصة طلائعه القومية التقدمية: وإذا كنا نأسف وندين البعض ممن باع ضميره القومي، والذي لوَّث هويته العربية من أجل نصرة دولة أجنبية. فإن الأمة العربية تجد الأكثرية الساحقة من أبنائها الذي أدركوا خطورة مشروع (تصدير الثورة) الإيراني، وهم على استعداد لبذل كل ما يستطيعون من أجل (نصرة الشعب العربي في العراق). لأن خلاص العراق خلاص للعرب جميعاً. ودحر الاحتلال الإيراني للعراق هو دحر استباقي لاحتلال متوقع لأي دولة عربية أخرى.
-الثالث: تحذير الأنظمة الرسمية العربية، خاصة أنظمة دول الخليج العربي: إذا كان مشروع (ولاية الفقيه) قد وُضع لتعميمه على دول العالم لأن أهدافه بناء (حكومة إسلامية عالمية)، فلن يتحقق له هذا الهدف، على الرغم من استحالته لغيبيته، إلاَّ عبر تنفيذه في الوطن العربي. ولن يمر إلى الوطن العربي من دون حمايته باحتلال دول الخليج العربي بعد زعمه أنه استطاع احتواء العراق وتدجينه.
ولذلك، كما فعل العراق في ظل النظام الوطني، بحماية البوابة الشرقية من العدوان الإيراني طوال ثماني سنوات، على تلك الدول ليس أن تعمل على حماية نفسها فقط، خاصة بأدوات أميركية، بل أن تساند بفعالية الثورة العراقية التشرينية بكل ما أوتيت من وسائل الدعم السياسي والإعلامي والمادي، لأن في دعمها هذا إنما تحمي نفسها من الوصول إلى ما وصل إليه العراق.
هذا، وبناء على زئبقية الوعود الأميركية ورماديتها، على دول الخليج أن لا تركن إلى وعود إدارة دونالد ترامب، بل أن تراهن على إرادة الشعب العراقي الذي فجَّر ثورة يتشرف العرب بها، وهي المثال الأنموذج بالاعتماد على حماية الذات بأدوات عربية خالصة. وأن لا تحصر نفسها بحدود إعادة صياغة جديدة للملف النووي الإيراني، كما تعمل له الإدارة الأميركية، بل تصرُّ على تدمير مفاعل تصدير الثورة الذي أعلنه نظام الملالي في طهران، لأنه يشكل المشروع الأكثر خطورة وتدميراً من المفاعل النووي الإيراني.


ليست هناك تعليقات: