الجمعة، يناير 24، 2020

فقراء أحزاب السلطة ينتظرون القطار على مفارق الثورة


فقراء أحزاب السلطة ينتظرون القطار على مفارق الثورة

بداية، لتحليل ما يجري في لبنان، قبل انتفاضة  17 تشرين الأول 2019، وبعدها ظهر بوضوح، لا يجوز إغفال عاملين أساسيين، وهما:
-الأول هو أن صراع الدول الخارجية، ذات المصالح المتشابكة على الساحة اللبنانية، يجري  بأدوات داخلية تتبارى فيها أحزاب السلطة بالدفاع عن مصالح ركائزها في الخارج.
-والثاني يؤكد أن أحزاب السلطة تستخدم فقراءها في صراعاتها البينية. وهذه الوقائع تؤكد أن الأوضاع تتجه إلى صراعات، وقد تكون حروباً بين الفقراء أنفسهم.
وباختصار ستكون القوى الخارجية الرابح الأساسي من بين المشاركين، وستكتسب أحزاب السلطة (المنتصرة) مواقع نفوذ أكبر على حساب خسارة لبنان قراره الوطني المستقل. وأما فقراء لبنان، فقراء أحزاب السلطة كانوا أم فقراء الانتفاضة، فسيكونون الخاسر الوحيد على شتى الصعد.
والسؤال هو: متى سيدرك هؤلاء الفقراء بأنهم وقود لصراعات يستفيد منها الآخرون بكل شيء، وسيخسر الفقراء فيها كل شيء؟
لقد بدأت الحكاية، منذ انطلاقة الانتفاضة، بأن بعض أحزاب السلطة أصدرت أوامرها إلى جميع أنصارها ليس بالامتناع عن النزول إلى ساحات الانتفاضة في لبنان فحسب، بل قامت بتحريضهم ضدها والعمل من أجل إحباطها أيضاً. وأولئك الأنصار أتقنوا فنون شيطنتها وتجريمها وتخوينها أيضاً وأيضاً.
إلى هنا، تبقى المشاهد مقنعة لأن تلك الأحزاب، بقياداتها المركزية، وكوادرها الرئيسية، خائفة من الكشف عن فسادها وسرقاتها المادية والمالية والعقارية. أو هي خائفة من ضياع مواقعها في السلطة، أو إضعاف تلك المواقع، مما يحرمها من امتيازاتها السياسية التي تدر عليها أرباحاً مادية طائلة من خارج حدود الوطن كأثمان يتلقونها لقاء ضمان مصالح تلك القوى الخارجية. كما تدر عليهم غنائم كبيرة مما يجنونه في الداخل من السمسرات والصفقات والرشاوى...
ولكن من الوقائع الغريبة والمريبة أن معظم فقراء تلك الأحزاب استجابوا بحماسة لتلك الأوامر. وراحوا يوزِّعون تهم التآمر وألصقوها بالمنتفضين لأنهم نزلوا إلى الشارع يئنون من الفقر والمرض والبطالة والحرمان من كل مقومات العيش الكريم. وكانت تهمتهم التي لا تُغتفر هو أنهم سمُّوا الجناة بأسمائهم، وهي ما يعتبره  فقراء الأحزاب تجاوزاً للخطوط الحمر.
هؤلاء الفقراء أغرقتهم قيادات أحزابهم بالتفاصيل السلبية التي يقع فيها بعض المنتفضين من أجل التحريض ضد الانتفاضة، فعلقت بأفكارهم تفاصيل سلبية قام بها أولئك الفقراء المنتفضون، ولكنهم تناسوا الصفقات الكبرى التي يعقدها أمراء أحزابهم التي شكَّلت السبب في إفقار الفقراء، وسرقة لقمة عيشهم.
 ومن خلال حملات التحريض تلك، ارتكبت فيها تلك الأحزاب جريمة إنسانبة عندما وضعت فقراءها في مواجهات مع فقراء آخرين من الطائفة ذاتها أو المنطقة ذاتها من جهة، وفي زجِّهم في مواجهات مع فقراء الطوائف الأخرى. وقد وصلت تلك المواجهات إلى حدود دموية كان وقودها الفقراء في أحزاب السلطة ضد فقراء الانتفاضة. وفيها وقف الأخ ضد أخيه، والجار ضد جاره. وهذا ما يدعو إلى الأسف الشديد، ويصح وصفها بالأمور المريبة. والريب فيها هو أن الفقير أصبح في مواجهة مع الفقير. إن المشهد المريب فيما جرى، ولا يزال يجري، هو أن يقتتل الفقراء بينما قيادات أحزاب السلطة، يعقد البعض منهم مع البعض الآخر، مساومات وصفقات وسمسرات سياسية ومالية من أجل تقاسم المصالح، والمواقع، والمغانم، وتوزيع الحصص.
طبعاً، في هذا المشهد، وكما فيه ما يثير الريبة، فيه أيضاً ما يثير الاستغراب. وهذا إن استمر سوف يصب في مصلحة من نهب الشعب وأفقره. لأن الجاني سوف يستمر في ارتكاب جرائمه طالما أن هناك شريحة من الفقراء يدافعون عنه ظالماً أكان أم مظلوماً. وفي كلتي الحالتين، يدفع فيه الفقراء الثمن مرتين. مرَّة عندما يلهثون وراء لقمة الخبز وحبة الدواء ولا يجدونهما. ومرة أخرى عندما يرتكبون جريمة الدفاع عن فساد قيادات أحزابهم، وجريمة المواجهة مع الفقراء المنتفضين.
فهل هناك من تفسير لهذا الواقع المأساوي؟ وهل هناك من تفسير لأن يدافع الفقير عمن أفقره؟
لقد وجهنا رسائل إلى أحزاب السلطة بالعودة عن الغرق بالفساد، فلم يرتدعوا، ولن يرتدعوا، فجيوبهم الملآنة تفقدهم السمع والبصر. ومن ولغ بالفساد واستسهل دروبه، لن يستجيب لنداء ضمير.
ووجهنا رسائل إلى مثقفي أحزاب السلطة وفقهائها بأن لا يبيعوا الفقراء بعشرين من الفضة، خاصة أنهم من طبقة الفقراء، ونحن لم نيأس بعد من استجابتهم. فلربما عادوا إلى ضمائرهم، على أن لا تكون عودتهم متأخرة، وبعد خراب البصرة.
ورسالتنا هذه هي الثالثة، ولكنها موجَّهة إلى فقراء أحزاب السلطة، والذين من أجل جوعهم ومرضهم نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع يطالبون بحقوق كل الفقراء، لأن الفقر لا هوية طائفية أو دينية له. خاصة أن الفقر عمَّ كل الطوائف، وما ترك منهم طائفة واحدة.
إن كرة الجواب تقع في ملعب المضلَّلين من أولئك الفقراء. ولذلك نرى من واجبنا أن نتوجه إليهم برسالة من الفقرء إلى الفقراء. فنقول:
يا فقراء أحزاب السلطة متى تشعرون بلسع سياط الجوع، وآلام المرض، ورهبة العتمة، والشوق إلى نقطة نظيفة من الماء؟
فإذا كنتم تحمون أمراء أحزابكم، كما ضلَّلوكم بأن حمايتهم هي حماية للطائفة، فهم باعوكم منذ زمن بعيد. ولم يفتدوا جوعكم بقشرة بصلة من مطابخهم المتخمة بكل ما لذَّ وطاب. ولم يأبهوا بمرضكم بتقديم حبة من الدواء، حتى لا يموت أطفالكم أمام المستشفيات، بينما هم وأطفالهم يتداوون في أشهرها. وحرموا أولادكم من حقهم بالعلم، فلم تجدوا لهم ثمناً لدفتر وقلم من الرصاص، بينما أولادهم يتعلمون في أشهر المدارس والجامعات التي إذا لم تعجبهم، فمدارس الخارج وجامعاته طوع بنانهم وجيوبهم المتخمة.
قولوا لنا يا فقراء أحزاب السلطة، ماذا قدمت لكم قيادات أحزابكم وأمراؤها؟
نحن نعلم أن كل ما قدموه لكم مجموعات من رجال الدين، الذين يعرفون كيف يدفعونكم إلى الخنوع والاستسلام، والرضى (بما كتبه الله لكم). وليقنعونكم بأن الله قد رزق، الأغنياء فيكم، وكذلك زعماءكم (بغير حساب).
وكل ما قدمَّوه لكم، تحت رعاية فتاوى من التحق بهم من رجال الدين، هو وعد للصابرين منكم على الفقر والمرض بقصور من جنة تجري من تحتها أنهار من الخمر والعسل، تنتظركم على ضفافها حوريات لا عين رأت أجمل منهنَّ. وهددوكم بأن من لا يمتثل لولي أمره سيكون مصيرهم في نار جهنم تُسلخ فيه جلودهم بنار حامية، وكلما أُحرقت يتم استبدالها بجلود سليمة ليتم حرقها مرة أخرى وراء مرة، لكي يستمر الحرق إلى ما لا نهاية، وهذا ما يزعمون أنكم ستبقون خالدين في النار، إذا لم تطيعوا أولي الأمر منكم، وإذا لم تقلدوا وتستمعوا إلى مواعظ (علمائكم).
يا فقراء أحزاب السلطة،
إذا كان ثمن الصبر على الجوع والمرض قصراً في الجنة، فلماذا لا يجرِّب أمراء أحزابكم الجوع والمرض، ويصبرون عليهما، طالما أن الصبر عليهما ثمنه قصر في الجنة؟ ولماذا لا يصبر فقهاؤكم عليه، طالما أن الثمن سيكون بمثل تلك المقادير والأوصاف؟
يا فقراء أحزاب السلطة
لقد سبقكم الشباب المنتفض الثائر إلى وعي الحقيقة. وهم لن يستمعوا إلى ما يدعوهم إليه أمراء الطوائف ومثقفوهم وفقهاؤهم. لن يستمعوا إلى وعودهم بعد الآن لأنهم اكتشفوا الزيف فيما يعدونكم أو يعظونكم به. لن يأبهوا بوعدهم ووعيدهم، لأن نار الدنيا الحامية والمُثقلة بالجوع والمرض، وبحرِّ الصيف وقرِّ الشتاء، هي أكثر إنباء عن الحقيقة مما يزعم من تقلدون، ومن إليه تفتحون آذانكم وتصدقون مزاعمهم.
لقد غرس الله في كل نفس بشرية فطرة الإيمان بالعدالة الإلهية، التي تعم البشرية كلها، ولا تستثني منها ولي أمر، أو واعظاً يزعم أن عظاته مداد للعلماء، والتي ساووهوها بدماء الشهداء. وإذا كان الله قد أمر بالعدالة والمساواة في الحياة الدنيا، فإن من لا يأمر بها، ومن لا يعمل من أجلها، سيكون مصيره في مصاف الناهين عن تطبيقها في الحياة الدنيا.
لم يأمركم الله بالخضوع إلى من يسلبكم تلك الحقوق. ولم يأمركم بتقليد من لا يرفع الصوت عالياً للدفاع عنها. وفيها تساوى في الجريمة أمير يسلب حقوق الفقراء، ومن سكت عن جرائمه مهما علَت رتبته أو موقعه الديني.
فإذا كان سكوتكم لقاء حفنة من فتات موائدهم المتخمة، فإن تلك الموائد ستفرغ عندما يجف المال السياسي القادم على أحصنة الخارج، وعندما تجف مزاريب السرقة والنهب في الداخل.
وإذا فقدتم ذلك الفتات، وستفقدونه حتماً، ستكونون يا فقراء أحزاب السلطة أول النازلين إلى شوارع الغضب، وساحات الاعتصام والكرامة، تهتفون بأعلى أصواتكم: (أيها الفقر، إذا كنت رجلاً سنقتلك). وإذا كان من سبَّب الفقر أو سكت عنه من أولياء الأمر، أو من جاراهم ممن يفتون لهم ولكم، فلن ترحمه أيدينا، وسوف يجرِّب نار جهنم الدنيا قبل أن ينتقل إلى نارها في الآخرة.
ساعتئذِ، ستجدون من سبقكم إلى تلك الشوارع والساحات أول المستقبلين، ليلتئم شمل الفقراء. وحينذاك سيحتض الفقير أخاه الفقير باكياً على أيام هُدرت تفرقوا فيها ولم تجتمع أصواتهم هادرة قائلة (كلمة حق في وجه ظالم).
يا فقراء أحزاب السلطة
إن كلمة الحق هي التي تستجيب لإرادة السماء. وإرادة السماء ساوت وعدلت بين الناس، كل الناس. ولا تتجاهلوا، أو يتجاهلنَّ أحد عليكم، واعلموا أن كلمة السماء دعت الناس، من فقراء وأولي أمر، وفقهاء، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهل هناك منكر أشد مرارة من مرارة أن يسرق الإنسان لقمة عيش أخيه؟
وهل هناك من معروف أفضل من أن يدعوا وعَّاظ أولي الأمر إلى إعادة الحقوق إلى أصحابها؟

ليست هناك تعليقات: