الجمعة، يونيو 12، 2020

في الصراع الأميركي - الإيراني الخائن وحاضنه في مكيال واحد


في الصراع الأميركي - الإيراني
الخائن وحاضنه في مكيال واحد

نقلاً عن النشرة القومية العدد 28.

في المرحلة الراهنة التي تجتاح فيها أمتنا العربية المآسي والآلام والخراب والتدمير، نشاهد أن أشدَّها قسوة هي ظاهرة عملاء الخارج من أبناء من يزعمون أنهم ينتسبون لهذه الأمة. هؤلاء ممن تروج بضاعتهم، وتتزاحم قوى الخارج على استثمارها في متابعة شراء الأمة بأبخس الأثمان.
شدَّنا إلى طرح هذه المسألة الآن مظاهر الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة العربية بشكل عام، وعلى الساحة العراقية بشكل خاص. ولذلك وإن حصرنا اهتمامنا بهذه الساحة فلأنها تشكل الأنموذج الأشد صفعاً للقيم الإنسانية، ومن أهمها مسألة الخيانة الوطنية العظمى. ففي هذا الأنموذج تظهر الخيانة بأجلى مظاهرها من قبل من يزعمون أنهم من أبناء هذه الأمة. كما تظهر حضانتهم جلية واضحة من قبل الاحتلالين معاً، خاصة أن النظام الإيراني يزعم أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، كأهم مبادئ الدين الإسلامي، كما جاء في الدستور الإيراني. وأن النظام الأميركي يضع في دستوره، الذي كُتب قبل ثلاثماية سنة، مسألة الخيانة العظمى في أولوياته، ويزعم أنه يدافع عن تلك القيم، إلى الدرجة التي يعتبر فيها أن الرئيس الأميركي يمكن محاكمته إذا وقع في محظورها.
وفي مقالنا هذا، وإن أعدنا تكرار بعض التفاصيل والمبادئ فسيكون من قبيل تكامل الغاية من كتابته. ولهذا نطلب العذر من القارئ بإعادة إثقاله بتكرار ما هو لازم للتكرار.
بداية ما هو مفهوم الخيانة العظمى؟
توجه تهمة الخيانة العظمى (إلى من يتصل بدولة خارجية بهدف تقويض الأمن والاستقرار في بلاده، يقاتل مع طرف آخر ضد بلاده، يخطط لقتل رأس الدولة، يتخابر مع دول أخرى عدوَّة مُسَرِّبَاً لها أسرار الدولة، هي بضعة أمثلة شائعة لما يمكن اعتباره خيانة عظمى. وتكون العقوبة العادية على هذه الخيانة هي الإعدام أو السجن المؤبَّد. ويُسمَّى الشخصُ المتهمُ بالخيانة العظمى في العادة خائناً).
إن هذا المفهوم اكتسب صفته العالمية والإنسانية فأصبح قانوناً ثابتاً من يخالفه تقع عليه التهمة وتثبت عليه أحكامها. ومن يساعد على ارتكاب الجريمة ويشجع عليها ويحتضن مرتكبيها، يُعتبر شريكاً له، ومن المنطقي أن يتساوى الفاعل ومساعده على فعله بالأحكام ذاتها.
ولأن النظام الأميركي والنظام الإيراني يحتلان العراق، ومهما كانت الذرائع والمبررات، فإن سيادة الدول، ومنها سيادة الأميركيين والإيرانيين على دولهم، أرضاً وشعباً، هي قانون أساسي بُنيت عليه أحكام الدستور الأميركي والدستور الإيراني، فإن الاحتلال باطل بالنسبة للقانون الدولي والشرائع الدينية والأخلاق البشرية،  وهذا يشمل وجوب مكافحة الاحتلال، والوقوف بالضد ممن يرتكبه، وتحريم احتضان من يساعده من أبناء الدولة التي تعرضت للاحتلال.
ولأن النظامين المذكورين يقفان بالعكس من هذه الحقيقة. سنبرهن في الفقرتين التاليتين صحتها والعمل على تحميلهما مسؤولية ارتكاب الخيانة العظمى للشرائع الدينية والقوانين الدولية والأخلاقية.
1-ماذا جاء في الدستور الأميركي:
ورد مصطلح الخيانة خمس مرات في الدستور الأميركي، ولعلَّ من أهمها كان تعريف مفهوم الخيانة، بالنص التالي في المادة الثالثة، الفقرة الثالثة، البند (1): (جريمة الخيانة بحق الولايات المتحدة لا تكون إلا بشن حرب عليها، أو بالانضمام إلى أعدائها وتقديم العون والمساعدة لهم).
والتعليق فقط، ما يقوم الدستور الأميركي بتحريمه على مواطنيه لأنه يمس بالقيم الوطنية، التي هي قيم إنسانية عليا، تجيزه الحكومات الأميركية بتعاونها وبتجنيدها لمن يخونون أوطانهم. وفي هذا ما فيه من التلاعب بالقيم الإنسانية والاحتيال على الدستور الأميركي. وتُعتبر مطالبة الشعب العراقي بإخضاع الحكومات الأميركية للمحاكمة بتهمة (خيانة المبادئ الإنسانية) أمراً مشروعاً ومطلوباً.
2-ماذا جاء في الدستور الإيراني؟
وًضع الدستور الإيراني في أعقاب انتصار (الثورة الإسلامية) في العام 1980. وقد نصت المادة التاسعة منه على ما يلي: (فـي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعتبر الحرية والاستقلال ووحدة أراضي البلاد وسلامتها أموراً غير قابلة للتجزئة، وتكون المحافظة عليها من مسؤولية الحكومة وجميع أفراد الشعب، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة أو أي مسؤول أن يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي أو الثقافـي أو الاقتصادي أو العسكري لإيران أو ينال من وحدة أراضي البلاد باستغلال الحرية الممنوحة...). هذا وقد ورد مصطلح (وحدة أراضي الدولة ثماني مرات). ويأتي تكرارها ليدل على أهمية تلك الوحدة. وهذا ما أولته عناية خاصة المادة السادسة والسبعون بعد المئة التي نصَّت على أن (يتم تشكيل مجلس الأمن القومي الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية لغرض تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية).
وأكدت على ذلك، المادتان، 146، و153، تباعاً: (تُمنع إقامة أية قاعدة عسكرية أجنبية فـي البلاد حتى ولو كانت على أساس الاستفادة منها فـي الأغراض السلمية). و(يُمنع عقد أية معاهدة تؤدي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الطبيعية، والاقتصادية وعلى الثقافة والجيش، والشؤون الأخرى للبلاد).
ولأن واضعي الدستور الإيراني يزعمون أنه يستند إلى مفاهيم الدين الإسلامي، ولأنهم اعترفوا بمبدأ المصلحة الوطنية، والسيادة الوطنية. فهذا يعني أنه مبدأ ديني إسلامي يجب الالتزام به، سواءٌ أكان تطبيقه في الحدود الجغرافية الإيرانية أم كان في خارجها أيضاً. واستناداً إلى المبدأ الأساسي الذي يزعم الدستور الإيراني أنه من أهم أسسه: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ولأن الدستور الإيراني نصَّ عليه فهذا يعني الأمر به، والالتزام بأصوله. والعكس منه مُنكر يجب النهي عنه. ولأن الفقه الإسلامي يعتبر أن التشريع الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، يعني أن ما ينطبق على الإيراني من أحكام يجب أن ينطبق على العراقي. فالإيراني الذي يفرط بسيادة إيران خائن، إذن العراقي الذي يفرِّط بسيادة العراق فهو خائن أيضاً. ولأن الأحكام واحدة يجب تطبيقها على المسلمين، على من يزعم أنه يمثِّل حكماً إسلامياً عادلاً، أن يمتنع أولاً عن التعاون مع أي عراقي يفرِّط بسيادة العراق. وأن يقوم ثانياً بمحاكمته بتهمة المس بسيادة دولته واختراقها.
وهذا ما حصل عكسه بالنسبة للنظام الإيراني، ولا يزال يحصل، وهذا أيضاً ما يدفعنا إلى التأكيد بأن الغطاء الديني الشرعي ليس أكثر من قشرة واهية يتغطى بها النظام الإيراني من أجل أهداف وطنية منغلقة، تعمل من أجل كل شيء باستثناء ما له علاقة بتطبيق الشرائع الإلهية.
إن ميكافيلية النظامين الأميركي والإيراني واضحة تماماً على الساحة العراقية، فليس لاحتلالهما العراق، والعمل على تقاسم المصالح فيه، أي هدف إنساني أو ديني. ومحاكمتهما مهمة دولية وإسلامية. فما هو تأثير عملائهما في العراق، وما هي مسؤولياتهم بحسابات مكاييل العدالة.

خونة دولهم وحوش ضارية فاقدة الأخلاق والضمير:
في مفاهيم عصر التوحش الرأسمالي، وتكالب الحركات السياسية الدينية، لا تسوقفنا مسألة تعريف كل منهما، فهي مؤسَّسة على مناهج الشر التي تبغي حصاد أرواح الشعوب الأخرى وأجسادهم بالضد من كل المفاهيم الإنسانية العادلة. ولكن ما يستوقفنا أكثر من غيره، هم أولئك الحفنة من عملاء الأعداء. وهؤلاء يمثلون العامل الأشد خطورة في مشاكل الأمة العربية وقضاياها. لأنهم الأشد فتكاً وإجراماً بحق بني قومهم. وهم الذين وصفتهم الآثار الفكرية التاريخية اليونانية بـ(أحصنة طروادة). مدينة طروادة التي صمدت أمام هجمات الإسبرطيين لسنوات من دون أن يستطيعوا اختراق أسوارها، إلى أن ابتكروا وسيلة اختراقها من داخلها. وهكذا فعلوا، وبهذا نجحوا.
ما كان لأية قوة معادية أن تخترق حصون الأقطار العربية لولا وجود أحصنة طروادة الذين اختارتهم تلك القوى وقامت بتدجينهم وتأهليهم على ارتكاب فعل خيانة شعوبهم لقاء حفنة من الذهب والفضة. ولهذا، وفي حسابات المساءلة، تُعتبر خيانة أحصنة طروادة لبلادهم من أشد الجرائم الإنسانية فتكاً بأمن الدول الداخلية والخارجية. وإذا كانت مقاومة الاحتلال الأجنبي حقاً مشروعاً، فإن قتل عملاء الاحتلال تحتل الصدارة.
ولأن الساحات العربية تمتلئ بأمثال هؤلاء، في أكثر مراحل الأمة العربية حراجة. ولأن المساومات بين قوى الاحتلال الخارجية تجري على قدم وساق من أجل توزيع الحصص بينها. تعتبر تلك القوى أن أوراق القوة لديها تكون في استقطاب أكثر عدد منهم لتوظيفهم على طاولات المساومات.
إن هذه الظاهرة، وإذا كانت منتشرة على أكثر من ساحة عربية، فإنها الآن بارزة بشكل أكثر وضوحاً على الساحة العراقية. ففي هذه المرحلة تتكاثر الإغراءات التي يقدمها الطرفان الأميركي والإيراني لعملاء أصبح من الواضح أنهم عملاء مزدوجين لكل من المتصارعين.
من تقاليد الأخلاق أن يتبارى أبناء الدولة الواحدة بمن يكون وطنياً أكثر من غيره، ولكن أحصنة طروادة يتبارون بمن يكون أكثر نذالة، ومن يكون أكثر (شطارة) في ابتزاز من يعملون على شراء بضاعتهم. وهم يدرون أو لا يدرون أن من يشتري بضاعتهم اليوم سيلقي بهم في صناديق الزبالة غداً. وقيل عن نابليون بونابرت بعد أن استفاد من خدمات أحد الجواسيس، أن الآخير قدم إليه لينال مكافأته، فألقى نابليون إليه بكيس من المال. ولكن الجاسوس طلب منه المصافحة، فردَّ نابليون عليه: هذا المال ثمنك الحقيقي، أما يدي فلن تصافح أمثالك، لأن من خان وطنه لن يتورَّع أن يخون نابليون.
وفي هذه الإشارة رسالة واضحة، ليس إلى الحليفين الأميركي والإيراني، بل هي رسالة إلى الأنظمة الرسمية العربية التي تراهن على أنها يمكنها حماية أمنها بالتحالف معهم. كما هي رسالة إلى الشعب العراقي، بأن من يعمل على تركيب حكومة عراقية جديدة من أمثال هؤلاء، لن يحصد سوى الوعود السرابية، لأن من باع بلاده بأبخس الأثمان، أصبح الوطن عندهم سلعة يبيعونها أنى يشاؤون وكيف يشاؤون.
وأخيراً، إنزعوا الغطاء عن العملاء، وعن حاضنهم، فكلهم سواسية تجب محاكمتهم بمكيال واحد. إنهم حفنة من التجار الذين سكنهم هوس الربح على حساب دماء الشعوب وأرواحها.

ليست هناك تعليقات: