افتتاحية )طليعة لبنان الواحد( عدد تموز 2010
شمس تموز في العراق ومصر تشيع روح الثورة من جديد
مثَّل تموز في تاريخ العروبة المعاصر أكثر من محطة نوعية، فكانت ثورة 23 تموز/ يوليو 1952 في مصر، ومرَّت بثورة 14 تموز 1958 في العراق، واستقرت على 17 – 30 تموز في عراق العام 1968. وإن كان مفجرو تلك الثورات ينتسبون إلى حركات وأحزاب متعددة
إلاَّ أنهم كانوا يرتكزون على ثوابت عربية الاتجاه والأهداف، ومن كان يغرد خارجها، سقط بمرور الزمن. ومن لم يتعب من التآمر على الثورات النوعية في تاريخ الأمة العربية، كان الاستعمار الرأسمالي والصهيوني الذي استمر بتآمره وراح يبتكر الوسيلة تلو الأخرى في إسقاط كل المظاهر والألوان والأشكال الثقافية والبنى السياسية التي لبست ثوب العروبة وتقمصت أهدافها في التحرر والنهضة والاستقلال والوحدة. فكان من أبرز تلك الوسائل هي تلك التي أحاطت بإسقاط ثورة 23 تموز في مصر، وثورة 17 – 30 تموز في العراق.
إلاَّ أنهم كانوا يرتكزون على ثوابت عربية الاتجاه والأهداف، ومن كان يغرد خارجها، سقط بمرور الزمن. ومن لم يتعب من التآمر على الثورات النوعية في تاريخ الأمة العربية، كان الاستعمار الرأسمالي والصهيوني الذي استمر بتآمره وراح يبتكر الوسيلة تلو الأخرى في إسقاط كل المظاهر والألوان والأشكال الثقافية والبنى السياسية التي لبست ثوب العروبة وتقمصت أهدافها في التحرر والنهضة والاستقلال والوحدة. فكان من أبرز تلك الوسائل هي تلك التي أحاطت بإسقاط ثورة 23 تموز في مصر، وثورة 17 – 30 تموز في العراق.
متظللاً بموازين القوى العسكرية التي ترجح كفتها استراتيجياً لصالح العدو الصهيوني أسقط المشروع المعادي ثورة 23 تموز في مصر بعدوان الخامس من حزيران من العام 1967، وتوَّجه باختراق الثورة بأحد أبنائها، أنور السادات، ليجرها إلى متاهات ما أسماه بالتسوية السياسية في كامب ديفيد ليس ليقضي على أهدافها فحسب، بل ليسلمها لقمة سائغة إلى دائرة المخطط المعادي المذكور أيضاً. وراحت منذ تلك اللحظة التاريخية تعمل في خدمة مصالحه ولحسابه، إذ جاء بحسني مبارك، خليفة للسادات، واستخدمه حصان طروادة العربي، ليسهم في دور أساسي بالترويج لمسلسل كامب ديفيد وتعميمه على كل محطات النظام العربي الرسمي.
ولما استقر المقام للنهج الاستسلامي البديل الذي أُغرقت فيه مصر، بيضة القبان في الموازين العربية، انتشرت موجة الاستسلام لتعمَّ الساحة العربية. ولما جاءت ثورة تموز العراق للعام 1968، رداً على عدوان حزيران، ولما ظلَّت تمثِّل آخر الحصون العربية الرافضة للصعود في قطار ما تمت تسميته بـ«الحلول السلمية»، لعب نظام حسني مبارك الدور الأكثر تأثيراً في إسقاط نظام ثورة تموز في العراق، ابتدأت فصولها في الثاني من آب من العام 1990.
كان نهج التسوية طريقاً تقيس به الرأسمالية والصهيونية مصالحها بمقاييسه، من دخل في مصيدتها سينجو من الاغتيال، ومن يتمرد عليها فسيعود إلى عصر ما قبل الصناعة. وهذا ما حصل مع العراق في التاسع من نيسان من العام 2003.
بعد اتفاقية كامب ديفيد قامت ثورة تموز في العراق بكل جهد من أجل تطويقها منعاً لانتشارها في الجسم العربي، ومنعت العزل عن مصر لكي لا تغرق أكثر في متاهات الاستسلام، وكخطوة على طريق إعادتها للصف العربي في مؤتمر بغداد في أيار من العام 1990، وقبل أن يكتمل المشروع القومي فصولاً، ضُربت ثورة تموز في العراق في العام 1991عسكرياً، واستخدمت عقوبات الحصار الاقتصادي لثلاث عشر سنة استُكمِلت باحتلاله في العام 2003. واستكمل الاحتلال مشروعه المرسوم بعملية تدمير ممنهجة للعراق بحيث أُعيد ليس إلى ما قبل العصر الصناعي فحسب، بل إلى ما قبل العصر الحجري أيضاً.
إنه تحت استراتيجية تدمير كل معلم من معالم الثورة العربية لإبقاء الوطن العربي تابعاً وملحقاً ومستهلكاً ومنفذاً للإملاءات، تم اغتيال ثورتي تموز في مصر والعراق وإن بأشكال وطرق مختلفة إلاَّ أن الهدف كان واحداً. كان الهدف احتواء وتدمير واجتثاث كل عوامل النهضة في الأمة العربية.
في ذكرى ثورات تموز التي حاولت نقل أقطار الوطن العربي إلى عصر النهضة والتحرر والوحدة، يبقى السؤال ماثلاً في أذهان كل القوميين العرب، من ناصريين وبعثيين وقوى وشخصيات وتيارات مختلفة: إلى متى تبقى كل محاولة للارتقاء بالأمة إلى المسار النهضوي مهددة بالتدمير؟
إنه في الوقت الذي تحلم فيه الرأسمالية والصهيونية بأنها حققت منجزات وأدخلت متغيرات على مناهج سياسة النظام العربي الرسمي، بعد اغتيال ثورتيْ مصر والعراق، نستطيع نحن أن نقرأ ما يجري بلغة أخرى. نقرأها بعين شعبية عربية لا يمكن أن يتسلل اليأس إلى نفسها. ليس من مواقع الحلم المستحيل بل من موقع قراءة الحلم الذي يتحقق ونراه ملموساً يتراكم لبنة لبنة، وهو ما لا يستطيع المشروع الرأسمالي والصهيوني أن يقرأه، كما أن اليائسين هم أعجز من أن يقرأوا المتغيرات التي تحصل في العمق.
لقد احتوى المشروع المعادي النظام المصري وكبَّله بقيود كامب ديفيد، لكنه أعجز من أن يحتوى النقمة الشعبية التي تحصل في مصر بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً من التجربة المرة بكل أبعادها وأنواعها التي سلكتها مرحلة التسوية السياسية للصراع العربي - الصهيوني. لقد وفَّر نظام كامب ديفيد هموم الحرب العسكرية على المصريين لكنه أوقعهم في براثن حرب من نوع آخر، فالمصريون يخوضون حرباً ضد التجويع والمرض والبطالة والفساد والتفتيت الطائفي والمذهبي. وفي هذه الحرب يدفع المصريون من الضحايا أكثر بكثير مما كانوا يدفعونه في معارك الشرف دفاعاً عن مصر والأمة العربية. والأمل الذي نقرأه في مستقبل مصر يبزغ من حالة التراكم الكمي من القهر الذي لن يطول ليتحول إلى مرحلة الغليان فالثورة.
أما عن ثورة تموز في العراق، فلم تتحول أحلام المحتلين إلى واقع، بل أصبحت أضغاث أحلام لا تسمن الجشع الرأسمالي ولا تغنيه من جوع. وليس هذا فحسب بل تحول الحالم إلى ملء جيوبه من نفط العراق إلى مأزوم من اقتصاد شارف حافة الانهيار. وهذا أقل ما أنجزته ثورة تموز في العراق، الثورة التي أحدثت ثورة في مفاهيم النظام العربي الرسمي في الصراع الدائر ضد الرأسمالية الاستعمارية والصهيونية، إذ انتقلت به من مرحلة تضييع الوقت في الحصول على توازن في القوى العسكرية التقليدية إلى مرحلة الدفاع عن الوطن بإمكانيات شعبية مهما كانت ضعيفة دلَّت تجارب الأمة العربية في لبنان وفلسطين أنها قادرة أن تفرض الاستسلام على كل أنواع التكنولوجيا الحديثة وعلى صانعيها.
وإذا كانت ثورة تموز في مصر قد تم الاستيلاء عليها وتحريف مسيرتها وتشويهها، إلاَّ أن روح الناصرية التي نجدها تحيا من جديد في مصر لن تدعها نائمة إلى الأبد، فهي تغلي على مراجل من نار لن يطول به الوقت حتى يتفجر براكيناً ستحرق كامب ديفيد وكل من يحميها.
وإذا كان بعض أبناء ثورة مصر قد أكلوا ثورتهم وتوهموا أنهم دفنوها بعد الاستيلاء عليها، فإن ثورة تموز العراق لا تزال مستمرة. وهي إن تمَّ اغتيال كل منجزاتها النهضوية، فهي قد تقمصت بعد الاحتلال في منجزات تحررية حرقت الأخضر واليابس تحت أقدام الاحتلال الأميركي بزنود أبطالها في المقاومة الوطنية العراقية. ثورة تموز في العراق بعد الاحتلال استأنفت مسيرتها الثورية، وهي تسير على طريق النصر واثقة الخطى، لقنَّت العدو الأميركي درساً لن ينساه كل من تسول له نفسه ويزعم أنه سيملأ الفراغ بعد رحيل الاحتلال الأميركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق