السبت، يونيو 11، 2011

هل هو قدرنا أن لا نتجرَّع السم إلاَّ في العسل؟

-->
هل هو قدرنا أن لا نتجرَّع السم إلاَّ في العسل؟
في اللحظة الراهنة التي اختلط فيها حابل الثورة الشعبية بنابل الثورة المضادة، علينا أن نتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبه نستطيع التمييز بين الفجر الكاذب والفجر الحقيقي.
ومن أجل الوصول إلى تلمس هلال الحقيقة نرى أن نعدد القوى الخارجية التي تتلاعب بمصائرنا في هذا القطر أو ذاك، وأن نستقرئ خلفيات غيرتها وعطفها على مآسي واقعنا. ونناقش أبعاد غيرتها على قضايانا في الوقت الذي تغدق فيه النصائح علينا، بل وتعداد التضحيات التي تبذلها من أجلنا.
من المعروف تاريخياً أن من نهش بلحمنا قوتان إقليميتان، وهما بلاد فارس، وبلاد بني عثمان. وقوى غربية، متوسطية وأطلسية.
فالقوى الإقليمية نسجت تاريخها الإمبراطوري على حساب أرضنا، وعرق شعبنا. والقوى الغربية تريد الاستئثار بأرضنا وثرواتنا وممراتنا وموقعنا الجغرافي والسياسي، لتقوِّي نزعاتها الإمبراطورية، بل وتبني تلك الإمبراطوريات على حساب كرامتنا وثرواتنا الطبيعية.
ومن حقائق التاريخ أيضاً، ان النزاع بين القوى الإقليمية طبع تاريخ تلك القوى بسمات تحوَّلت وأصبحت كأنها غريزية التكوين والتركيب، فالقوتان تشعران بنقص في ذلك التاريخ إذا تجردتا من أطماعهما بأرضنا وعرضنا وكرامتنا.
ومن حقائق التاريخ أيضاً أن النزاع حول منطقتنا كان يمثل السمة البارزة في العلاقات الغربية والإقليمية، وقلَّما خلت مرحلة في التاريخ من دون هذا النزاع اللهم إلاَّ عندما تنقاد قوى الإقليم لإرادة القوى الغربية وتتحالف معها، كمثل ما حصل في حلف بغداد الذي يعود تاريخه إلى النصف الثاني من القرن العشرين.
ومن دون أن ينقاد أحد لأحد في هذه اللحظة بالذات، لأن موازين القوى لا تُحسب لأحد أكثر من أحد في اللحظة التي كسرنا فيه قرون الغرب وبالأخص قرون الثور الأميركي الأمر الذي كان مرغماً على تدوير زوايا العلاقات مع قوى الإقليم والاعتراف بمصالحهم واعتبارهم حلفاء له يتقاسمون فيه المصالح على قدم المساواة.
في هذه اللحظة ظهر إلى العلن تحالف غربي إقليمي على قاعدة تدوير زوايا طاولة العلاقات لم يعرف التاريخ مثيلاً له. وعلى هذه القياسات لا فضل لقوة غربية على قوة إقليمية إلاَّ بمقدار الجهد الذي يبذله أحدهما في الحقل العربي لحراثته والاستيلاء على جناه.
لقد كان أطراف التحالف الإقليمي - الغربي على غاية من الذكاء والنباهة إذ أدخل كل من تلك الأطراف سُمَّ مصالحه ممزوجاً بعسل ظاهري. وللتفصيل أكثر، ركبت إيران موجة دعم جزء من المقاومة العربية في لبنان وفلسطين، ومن خلال إيهامها بأنها تقدم لنا عسلاً تفرِّغت تحت حلاوة مذاقه من قبل المخدوعين بطعمه لتمرير مشروع تقوية دعائمها في الوطن العربي.
وركبت تركيا موجة الموقف العربي الرسمي المتخاذل من قضية غزة واستخدمته طعماً لذيذ المذاق استعداداً لاستخدامه في اللحظة المناسبة، وهذه اللحظة قد أتت في موقفها المشبوه في أكثر من معلم من معالم الثورات المضادة في كل من ليبيا وسورية.
أما الغرب، والذي أجمع على موقف واحد من العبور إلى الوطن العربي من بوابة الثورة المضادة. وخلافاً لمراحل خلافية كثيرة بين أوروبا وأميركا، فقد استخدموا قوات أطلسية تحت قيادة واحدة وبقرار واحد، مُحلَّاَتين بعسل حماية المدنيين وإسقاط الطغاة ونشر الديموقراطية.
وهنا لا بُدَّ من التساؤل: ألم يكن هناك ما يُلفت نظر المخلصين والصادقين في هذه الأمة حول حصول معجزة التحالف بين قوى الإقليم، ومعجزة التحالف بين القوى الغربية، ومعجزة التحالف بين قوى الإقليم والقوى الغربية. والأبرز من هذا أو ذاك هو أنهم توحدوا بوسيلة استخدام العسل ومزجه بالسم لتقديمه دواء للمخدوعين.
فمهما تكاثر الأعداء، ومهما شكلوا من أحلاف، ومهما مزجوا سم مصالحهم بعسل وعودهم وخطاباتهم، سيبقى الثائرون العرب حريصين على مقاومة قوى الثورة المضادة تحت أي سقف إنساني أو خطاب معسول.
وإذا كان الثائرون العرب قد حطموا موازين القوى بين حجم ما امتلكوا من قوة وما امتلكه الاستعمار وانتصروا عليه. فإنهم ليسوا عاجزين عن تحطيم قوى الثورة المضادة، وإفشال مخططاتها ودحرها، لاستعادة قرارهم المستقل في كل معركة إصلاحية داخلية. لأنهم مهما حصلوا على نتائج منها فستكون أكثر بكثير مما يحسب البعض أنهم سيحصلون عليها من لصوص الثورات سواءٌ أكانوا من داخل أم من خارج.
لكل ذلك ليس من قدرنا أن نتجرع السم ممزوجاً بالعسل، بل من قدرنا أن نفصل في اللحظة المناسبة بين سم أعداء الأمة وعسلها. ومهما اشتد ظلام ليلنا فإن صباحنا العربي المشرق لن يطول، وسيبزغ الفجر دوماً من رحم الظلام.

ليست هناك تعليقات: