كذَّاب يحكي
وعاقل يفهم
حسن
خليل غريب في 15/ 12/ 2011
بعد
أن رفع الجنود الأميركيون رؤوسهم، ورأس رئيسهم، غادروا العراق ليستقبلهم أوباما
بحفل ضمَّ آباء الرأسمالية الأميركية وحراسهم من جنرالات البنتاغون.
في
هذا الحفل لم يأتِ الرئيس الأميركي بجديد، فقد ملأ للجنود العائدين سلة من
الأكاذيب التي عرفناها عن سلفه الرئيس بوش الصغير. ومن مدحك بغير ما فيك فقد
ذمَّك.
وعن
ذلك، وكما حملت لنا الأنباء: أكد الرئيس الاميركي باراك اوباما أن آخر الجنود
الاميركيين سيغادرون العراق بحلول نهاية كانون الأول «مرفوعي الرؤوس وبشرف». ووعد أوباما
نوري المالكي بأن تبقى الولايات المتحدة «شريكاً قوياً ودائماً» لبغداد بعد انسحاب
آخر جندي أميركي من العراق.
وفي
إجابة عن سؤال عما إذا كانت حرب العراق «سخيفة»، قال أوباما: «إن التاريخ سيحكم على قرار غزو العراق
في 2003، وقال «إن العراق صار دولة حرة وديمقراطية، وفيها قضاء مستقل وشفافية». وتوقع أن تكون سنوات
الحرب سبب أخطار أمنية من جانب بعض العراقيين على الأميركيين في العراق، لكنه قال «إن الولايات المتحدة ستبذل
كل ما تستطيع لحماية
هؤلاء، وبمساعدة الحكومة العراقية».
جميل
أن يقف رئيس أكبر دولة في العالم ليمني نفسه بالكثير من الأوهام، وهو الرئيس الذي
كان يركل القانون الدولي برجله.
وجميل
أن يقف رئيس أكبر دولة في العالم كالساحر الذي يمد يده تحت قبعته ليخرج منها أسداً
منتصراً مرفوع الرأس، بديلاً لأرنب هرب من غابة العراق يكلله الخوف والهلع.
وأجمل
من كل ذلك أن يُعيد الأكاذيب التي كررها سلفه بوش الصغير زاعماً، في الأول من أيار
من العام 2003، أنه حقق النصر في العراق. ووعد بأن يعيد الجنود الأميركيين إلى
عائلاتهم مكللين بورود الشعب العراقي.
وما
يثلج الصدر أيضاً، أن الولايات المتحدة الأميركية التي جاءت بالمالكي وأمثاله
بحماية الدبابات والصواريخ والطائرات، وما كان ليجرؤ أن يضع قدماً على أرض بلاد له
قد خانها، تحوَّل بقدرة الساحر أوباما إلى (حامي حمى) الأميركيين الذين أوكلهم
بالبقاء في العراق.
وما
لم يفهمه أوباما أن المؤسسات الدولية، التي تخضع لهيبة سلطته الكونية، رفضت أن
تُصنِّف حكومة المالكي بالعراق إلاَّ بالدرجة
الأولى بالفساد والسرقة والنهب والقتل و(السحل) وقطع الرؤوس والرقاب. وعلى الرغم
من كل ذلك أخرج من تحت قبعته أرنباً يشهد بأن العراق «صار دولة حرة وديمقراطية».
كل
الذين كذبوا وماتوا خجلاً من كذبهم لم يكونوا من طينة الإدارة الأميركية، فرئيس
الإدارة لم (يستحٍ) ولم يمت. لأن الكذب ملح رجال تلك الإدارة، ومن كان الكذب ملحه
فعمره طويل لأن (الصِدِّيقين) كُثُرٌ. وإذا كذبت وصدَّقك الآخرون فأنت الذي تتحمل
وزر الخطيئة، أما إذا كذبت مرة ثانية وقام الآخرون بتصديقك فوزر الخطيئة تقع على
رقابهم.
لقد
قيل الكثير عن كل ما تم تقديمه، باستثناء ما زعم أوباما أن الولايات المتحدة ستبذل
كل ما تستطيع لحماية من
بقي في المنطقة الخضراء، وبمساعدة الحكومة العراقية. وعن هذا لا بُدَّ من تحديد بعض
الحقائق عنها وبعض الأكاذيب. فهل فعلاً تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن
تحميهم؟ وهل تستطيع (الحكومة العراقية) تقديم الدعم لحمايتهم؟
-أكثر من خمسماية ألف جندي أميركي ومُرتَزَق عجزوا
عن حماية أنفسهم، ودفعوا مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين والمعتوهين.
والدليل أن من سلم رأسه هرب من العراق يلوذ بالسلامة.
-مئات الألوف ممن أحاطوا بالحكومات العميلة، وكانت
حكومة المالكي الأخيرة بينهم، فلم يستطيعوا توفير الحماية لأنفسهم، ولا للبطانة
التي أحاطت بها نفسها.
-من أجل حماية أنفسهم حاولت طوابير العملاء التجديد
لبقاء القوات الأميركية في العراق، لأن عمليتهم السياسية كانت أكثر من فاشلة،
والمؤسسات الأمنية والعسكرية كانت ما تزال تحبو ولا يثقون بها.
نتيجة
تلك الحقائق نتساءل:
-هل بقاء ما يربو على الخمسة عشر ألف أميركي في المنطقة الخضراء
في بغداد قادرون على توفير الحماية الذاتية لأنفسهم، خاصة إذا اقترن وجودهم بتصاعد
عوامل كراهية العراقيين لهم؟
-وهل المؤسسات الأمنية العراقية الحكومية قادرة على ذلك أيضاً،
خاصة أن الأكثرية العظمى من أفراد تلك المؤسسات قد حقدوا على الاحتلال وعملاء
الاحتلال.
-وهل يجدوا واحداً من العراقيين سيستقبلهم بوردة إذا ما خرج
أحدهم من (وكر) المنطقة الخضراء؟
إن
اللبيب لا يجد لهؤلاء الذين غامروا بالبقاء في (وكرهم) الأخضر إلاَّ إحدى
الحسنيين: الموت بفعل صواريخ المقاومة والقنص من أقرب شرفة تطل على الوكر الأخضر،
أو الهرب على متن طائرة مروحية هذا إذا ما ظلَّ مطار بغداد آمناً له.
ولكي
نجيب على السؤال بالجواب اليقين، فلن نجده إلاَّ بتصريح من الناطق الرسمي باسم
المقاومة الوطنية العراقية. وهنا لا يفوتنا أيضاً أن نسأله: وهل موعد سكان (الوكر
الأخضر) مع الهروب على متون الطائرات المروحية ببعيد؟
نتمنى
أن يحل مشهد الهروب من بغداد العروبة مكان مشهد الهروب من فييتنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق