هل بدأ المالكي يتجرَّع كأس السم نيابة عن
أولياء أمره؟
تناقلت
وسائل الإعلام خطاب نوري المالكي الأسبوعي الذي أعلن فيه عن عجز جيشه عن اقتحام
الفلوجة مبرراً قراره ببأس الفلوجيين في مقاومة جيشه. واستكمل اعترافه، الذي على
الرغم من وصفه أهل الفلوجة بالإرهاب، مناشداً من يسميهم بدول العالم مساعدته على
اجتثاث الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى دعا شركاءه بـ(العملية السياسية) إلى إعادة
لمِّ صفوفهم لمواجهة الخطر القادم الذي يهدد بتقويض ما بنوه خلال السنوات العشر
المنصرمة.
جاء
خطاب المالكي كأنه اعتذار من أولياء أمره في واشنطن وطهران، وهذا يظهر واضحاً إذا
قرأنا ما جاء في خطابه عن الفلوجة قائلاً: (لم يعد هنالك متسع من الوقت لاقتحام الفلوجة لحسم الأمر
فيها لأن المعركة ستكلفنا خسائر لكننا مضطرون لذلك).
وهذا المقطع من الخطاب كان استجابة لرسالة قاسم سليماني إلى نوري المالكي، هذا
علماً أن سليماني المذكور يشغل مقعد المندوب السامي الإيراني في العراق، وهو يمثل علي
خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وينقل أوامره وتعليماته. ومن أهم ما جاء في
تلك الرسالة التي نشرتها منظمة الرصد والمعلومات الوطنية في العراق: يوبَّخ
سليماني نوري المالكي ويذكِّره بأن قرار المحافظة على أمن دولة ولاية الفقيه في
إيران هو من اختصاص علي خامنئي، المرشد الأعلى، وليس من اختصاص المالكي، لأنه بنظر
خامنئي ليس مخولاً باتخاذ القرارات بل عليه أن يقوم بالتنفيذ فقط. ويهدده إذا ما
اجتهد بعد ذلك أنه لن يضمن له التوبيخ فقط في المرة القادمة. لذا عليه أن يقاتل في
الفلوجة مهما بلغ الثمن. لأن إعادة الأمن في الأنبار عامة، وفي الفلوجة خاصة، حاجة
أساسية تتعلق بأمن دولة (ولاية الفقيه) في إيران.
في
حربه الهمجية ضد محافظات الأنبار بشكل عام، ومدينتي الفلوجة والرمادي بشكل خاص،
كان يقوم بتنفيذ أوامر طهران وواشنطن، وإخفاقه فيها يعني نهاية لأطماعه السياسية،
وبداية النهاية لأحلام واشنطن وطهران في العراق. فحسم المعركة في الأنبار لمصلحة
المقاومة العراقية بكل فصائلها، ستعقبها تداعيات كبرى على أوضاع المحافظات الأخرى،
وتأتي بغداد في الطليعة منها. وأما نتائج معركة الأنبار بالنسبة للاحتلالين
الأميركي والإيراني، كسباً أم خسارة، فسيترتب عليها الكثير من التداعيات ومن أهمها
انسحاب لكل منهما من العراق، والانسحاب منه سيترتب عليه نتائج خطيرة ستنعكس سلباً
على مشروعيهما على صعيد الوطن العربي. ولذا فانتصار المقاومة في معارك الأنبار تعني
أيضاً انتصاراً للمقاومة. فمعركة الأنبار مسألة حياة أو موت لكل من الطرفين
المتصارعين.
وإذا
كانت المقاومة العراقية تحرز الانتصارات هنا أو هناك في مواجهة الجيش الحكومي
المدعوم من فلول (الصحوات)، فيعني ذلك أيضاً بداية لمخاوف المالكي من انهيار جيوشه
الجرارة، وهذا السبب الذي دفعه إلى إلقاء خطبه الذي كان بمثابة بكائية أعلن فيها
أن عقدة الخشب في الأنبار صمدت في مواجهة مناشيره التي بدأت في حالة من التفتت،
وهي واصلة للإنهيار لا محالة.
إذن
جاء خطابه الأخير ليمهِّد لتجرُّع كأس السم. وهو تمهيد أيضاً لبداية فعلية ستعلن
فيه كل من إدارة أوباما مستلقية في حضن إدارة على خامنئي أنها ستتجرع الكأس ذاته
مرة أخرى. الأولى كما حصل في إعلان 31/ 12/ 2010، بالنسبة للإدارة الأميركية.
والثانية كما حصل في إعلان 8/ 8/ 1988.
ليست
هذه النهاية بل هناك محاولات لواشنطن وطهران من أجل إبعاد تلك النهاية، فكل منهما
بذل الوعود الكثيرة للمالكي بتقديم كل أنواع المساعدات له، وهذا ما أخذت التقارير
أو الأنباء تكشف عنه. ومن أهمها:
-بالنسبة
لطهران، فقد وضعت كل ثقلها العسكري والأمني في الميدان. وهناك تقارير يتم تسريبها
تؤكد أن فرقاً من الباسيج ممن تمتهن مهمات (الفرق القذرة) كمثل الاغتيالات
والتفجيرات، والاعتقالات، وما شابهها يتم تنفيذها على قدم وساق في كل الأماكن التي
تجد فيها تلك الفرق ملاذاً آمناً. هذا ناهيك عما تضخه من أوامر وفتاوى لعملائها من
العراقيين وميليشاتهم المتعصبة بالخوض في المعارك الدائرة في الأنبار.
هذا
ما يفعله النظام الإيراني الآن، متوهماً أنه سيحقق النصر في معركة مصير احتلاله
المقنَّع للعراق، كل ذلك وهو يتناسى أنه كان مدعوماً بمئات آلاف الجنود
الأميركيين، وعشرات من فرقهم (ذات المهمات القذرة). وهو يتناسى أنه حاول خلال عشر
سنوات أن يميت الشعور الوطني عند العراقيين، وبثِّ روح التعصب والمذهبية. وقام
باغتيال عشرات الآلاف من البعثيين والوطنيين والعلماء. بينما على الرغم من كل ذلك،
فقد تفاجأ بأن هناك الملايين من العراقيين من الذين يتطوعون الآن لمواجهة مؤامرات
النظام الإيراني وإرهابه.
-بالنسبة
لواشنطن، على قاعدة أنه لن تدفع حياة أي جندي أميركي، فقد أعلنت عن بيع حكومة
المالكي ما تزعم أنها أسلحة متطورة، وهي عبارة عن وسائل تكنولوجية، وصواريخ ذكية،
وطائرات عامودية. وكأنها بهذا القرار ستزرع الخوف في نفوس أبطال المقاومة
العراقية، وتدب الرعب في نفس الشعب العراقي. ولكنها تناست أنها هُزِمَت قبل
إعلانها الانسحاب من العراق، على الرغم من وجود ليس بضع عشرات من الطائرات والصواريخ،
بل بوجود الآلاف منها بل عشرات الآلاف.
-وخلافاً
لما انقضى من تجارب أمام الرأي العام العالمي، فقد أخذت بوادر صحوة الضمير تظهر عند
عدد من المفكرين الغربيين ومنهم أميركيون، وهؤلاء بدأوا يكشفون على الملأ اللثام
عن الوجه القذر للحملة العسكرية الهمجية التي تشنها حكومة المالكي ضد الأنبار بشكل
عام، وضد الفلوجة والرمادي بشكل خاص. وهؤلاء بدورهم راحوا يعملون للضغط على إدارة
أوباما من أجل رفع دعمها لعملية عسكرية قذرة تتم تحت غطاء مموَّه بمحاربة الإرهاب.
وكذلك انبرت منظمة (هيومن رايت ووتش) للقيام بواجبها بالكشف عن جرائم حكومة
المالكي. وهاتان الظاهرتان ستشكلان معاً كرة الثلج التي ستكبر وتتنامى لتشكل الصوت
الذي يقلق ضمائر العالم، ويدعوه للاستفاقة.
وأما بالنسبة للمقاومة العراقية، الآن، فقد
التفَّت الجماهير العراقية، ممن حملوا السلاح، حول المقاومة. وسيلتف من حولها
ولنصرتها ومشاركتها في معركة التحرير، كل من أرغموه على الصمت والوقوف على الحياد.
هؤلاء من الذين ديست كراماتهم، وألحقوا الجوع والجهل بأطفالهم. وهم سيشكلون رافداً
من روافدها.
بعد
اندلاع الثورة العراقية الكبرى، وبعد أن أحرزت انتصارات في ميادين القتال، استعاد
كل الشعب العراقي وعيه وأعلن إرادته في اجتثاث كل من امتهن كرامته، ولم يبق خارج
السرب سوى من أعمى التعصب عيونهم، أو ممن آثر الانضمام إلى مؤسساتهم العسكرية والأمنية
للحصول على لقمة تشبع جوعهم وجوع أطفالهم. وأما من اختار طريق الدفاع عن الاحتلال
وعملائه فسيلقى الموت، وإذا لم يمت حتى الآن فلن يجد بعد اتساع الثورة الحاسمة
إلاَّ خيار الهرب طلباً للنجاة.
أما
بالنسبة للمشروعين الصنوين: الإمبراطورية الأميركية، والإمبراطورية الفارسية،
فتعدهما المقاومة العراقية التي تمثل الآن كل الشعب العراقي، أنها ستذيقهم الموت
الزؤام، وستقدم لهما كؤوس السم ليتجرعاها أمام أنظار العالم الحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق