الهولوكوست الديموقراطي الأميركي والطائفي الإيراني
في العراق ما زال مستمراً
وسوف يدفع الثمن كل من شارك فيه أو تواطأ مع مرتكبيه
أو سكت عن فظاعاته
على
الرغم من مرور عشرات السنين عليها، ما تزال اللعنة تلاحق كل من ارتكب جريمة اجتثاث
لشعب بوسائل عنصرية، أو لأطماع إقتصادية، ولأسباب طائفية ودينية. وقد حسب من
ارتكبوا جريمة الهولوكوست في العراق، منذ الاحتلال الأميركي، وما زالوا يرتكبونها،
أن التاريخ سوف يتناساهم من لعناته عليهم. ونقصد باللعنات أن من ارتُكبت بحقه تلك
المجازر سوف يحاسبهم، ولو بعد حين، على ما اقترفت إيديهم.
حصل
ذلك في التاريخ، ويحصل الآن في العراق، وكما يحصل في كل بقعة من بقاع الوطن
العربي، حيثما حلَّ الوباء الديموقراطي الأميركي والطائفي الإيراني والعنصرية
الصهيونية.
وإذا
كانت الصهيونية قد ارتكبت المجزرة تلو المجزرة في فلسطين ولبنان تحت سمع العالم
وبصره، فإن الولايات المتحدة الأميركية، حليفته الاستراتيجية في تطبيق مشروع الشرق
الأوسط الجديد، وكذلك نظام الملالي في طهران، شرعا منذ احتلال العراق بارتكاب أكبر
هولوكوست بحق الشعب العراقي على الإطلاق. تمَّ ذلك، وما يزال يتم تحت تأثير
التخدير الذي أصاب الضمير العالمي والإنساني، باستثناءات طفيفة شذَّت فيه عن
القاعدة بعضُ مراكز المنظمات المدنية المتابعة لحقوق الإنسان، وبعض السياسيين
الغربيين الذين رفعوا الصوت استنكاراً للمشاريع الإجرامية التي تقوم بها حكوماتهم
في العراق.
وإذا
كانت التقارير التي أعدتها بعض المؤسسات المدنية، قد دخلت في عمق تفاصيل ما جرى،
وما زال يجري، في العراق من جرائم بحق الإنسانية، فليس أمامنا إلاَّ أن نصف
وقائعها بأنها من أنواع (الهولوكوست المليونية) أي التي طالت بفظاعتها ملايين
السكان، سواء أكان بعدد الذين سُلبت لقمة عيشهم، أو الذين مُنعوا من الحصول على
حبة دواء، أو أُلحقوا بطوابير الأميين والجهلة، أو بعدد الشهداء والمعوقين، أو
المقتلعين من مناطقهم، أو المهجرين إلى خارج العراق، أو .... من الذين أهينت
كراماتُهم، وديست ببساطير الاحتلال وعملائه.
من
أهم صفات (الهولوكوست الديموقراطي الأميركي والطائفي الإيراني في العراق) أنه يجري
تحت أكاذيب وخدع من نوعين:
-الأول:
(نشر الديموقراطية) الأميركية حسب متوالية مشروع (الدومينو الديموقراطي) وهو
المشروع الذي تم نشره والعمل على تنفيذه في العراق بعد احتلاله، وما يتم تنفيذه
الآن في غير العراق من أقطار الوطن العربي.
-والثاني:
مشروع (نشر وتنفيذ الأوامر الإلهية)!!!، والمشهور ببناء دولة (ولاية الفقيه)
الفارسية، ذات الأهداف التوسعية الإمبراطورية. والذي بدأ نظام الملالي في إيران
بنشره والضلوع بتطبيقه منذ أن تسلَّل مع عملائه، من بعض التنظيمات العراقية، تحت
خيمة الاحتلال الأميركي، باسم (الديموقراطية) تارة، واسم (الأمر الإلهي) تارة
أخرى، أوغلت الإدارتان في ارتكاب الجرائم تلو الجرائم، وما يزال الشعب العراقي حتى
الآن يدفع ثمن (ديموقراطية أميركية زائفة)، وثمن (أمر فارسي إلهي)، لينهل كل منهما
من دم الشعب العراقي، ويقتطع ما يشبع شبقه
بالاستيلاء على إرادة هذا الشعب واستباحة كرامته، وسلب إرادته، من أجل أن تتغذى
جيوب النخب الاقتصادية والتجارية الأميركية والإيرانية بثرواته الطبيعية.
لقد
خلا الجو لكليهما، وضمنا منع محاكمتهما أمام الرأي العام العالمي، لكي يرتكبا ما
يرتكبانه من جرائم يَنْدَى لها جبين الإنسانية، بعد أن أخضعت الولايات المتحدة
الأميركية المؤسسات الأممية لإرادتها، إذ راحت تُنصِّب أزلامها في المواقع
المتقدمة لتلك المؤسسات، ليقوموا بتغطية تلك الجرائم. وعن ذلك اسألوا (بان كي
مون)، وغيره ممن سبقوه، أو قد يلحقوا به. وأسألوا مدير البنك الدولي لتقرأوا
بكتابه ما يؤكد على وجود الرشاوى التي يتم تقديمها بصفة قروض ميسرة للدول الضعيفة
لضمان سكوتها عما ترتكبه الإدارة الأميركية من جرائم في العراق، وفي غيره.
وإذا
كان نواطير المؤسسات الدولية قد ناموا واستراحوا في خدمة كافور الإخشيدي الأميركي،
فإن نواطير الضمير العالمي لم يناموا جميعهم بل ظلَّت بعض الضمائر حيَّة تُرزق،
وهؤلاء هم الذين يلاحقون الجرائم ويقومون بجمعها وتوثيقها لأنه لا بدَّ من يوم
تصحو فيه تلك المؤسسات لفتح صفحات التاريخ من أجل محاكمة هؤلاء وتجريمهم بما
ارتكبت إيديهم.
في
ظل غفوة الضمير العالمي، وفي ظل توارث الإدارات الأميركية للسلطة، ما يزال ضمير
الغالبية العظمى من الشعب الأميركي نائماً، وإن كانت باستثاءات قليلة. ذلك الضمير
الذي كان عليه أن يقدِّم (جورج دبليو بوش) وكل أركان إدارته، وكل من شاركه في غزو العراق
واحتلاله، إلى المحكمة الدولية أو المحاكم الأميركية لتجريمه، ليس بتدمير العراق
فحسب، بل بتدمير الاقتصاد الأميركي أيضاً. وهو لم يقدم حتى الآن على تقديم أولي
الأمر في إيران للمحاكمة، لأنهم مَرْضِيٌّ عنهم من إدارتيْ بوش وأوباما، فهما
شريكان في ذبح العراق والعراقيين.
الشعب العراقي يثور لمحاسبة من ارتكب جريمة بحق العراق
هذا،
وفي مرحلة (النومة الهانئة) للضمائر في العالم، ولن نستثني الضمير العربي، يبقى
ضمير الشعب العراقي يقظاً، متحفزاً لمواجهة أطماع كل من به طمع بالعراق. ولم ينتظر
صحوة الضمير والوجدان، سواء الدولي أو العربي، بل حمل البندقية ليقتص من كل
المجرمين، الذين لاذ بعضهم (الإميركي) بالهرب طلباً للسلامة تاركاً استكمال
الجريمة لحكومة نوري المالكي وحليفه الإيراني. وبعضهم الآخر الإيراني ما يزال
يرتكب الجريمة تلو الجريمة في العراق من دون لوم من أحد، أو تأنيب. وقد أوكل
الحليفان حكومة نوري المالكي، وامتطوا مجموعة من الخونة واللصوص من العراقيين
الذين خانوا وطنهم، وشكلوا لهم (عملية سياسية) وصنعوا منهم (رجال دولة)، أو (حماة
للصوص أميركا وطهران) لقاء ثمن السماح لهم لكي يستبيحوا بدورهم شعب العراق
وثرواته.
لقد
امتشق الشعب العراقي بندقيته منذ وطأت أقدام الاحتلال الأميركي أرض العراق فخرجت
منه كسيحة من دون أرجل، وعليلة باقتصاد مُدمَّر، وبإدارة لا إرادة لها إلاَّ ما
تقتضيه مصالح النخبة الاقتصادية فيها. وراحت تتوكأ على عصا إيرانية، ومجموعة من
اللصوص العراقيين، وإن كانت قد أخرجت الجزء الأكبر من جنودها من العراق ولكن عينها
وقلبها ما تزالان راغبتان فيه. فهي لم
تفقد الأمل ولا الحلم في إبقاء احتلالها بواسطة من عينتهم لهذه المهمة.
هذا
بالنسبة للأحلام الأميركية والإيرانية. وأما بالنسبة للشعب العراقي، فقد رد عليهم،
بأن أحلامهم لن تستمر طويلاً، إذ بين أحلامهم في رسم مستقبل العراق وبين إرادة
الشعب العراقي، ألف هيهات.... وهيهات. ومن أجل ذلك فقد أنجز هذا الشعب الأبي
برنامجه للتحرير منذ الاحتلال، وهو ما يزال مستمراً في تنفيذه حتى إنجاز التحرير
كاملاً. ومن أهم خطواته الاستراتيجة هي التالية:
-الأولى:
قامت قيادة المقاومة العراقية، منذ أواخر العام الفائت، بنقلة نوعية في أدائها
وتصعيد معركتها من أجل إسقاط (العملية السياسية)، ومن أجل حرق كل إصبع تطمع بشبر
واحد من أرض العراق.
-الثانية:
التفاف الشعب العراقي حول قيادة الثورة، ونزوله إلى معركة المواجهة ضد أطراف
العملية السياسية.
-الثالثة:
أعلنت الثورة أنها لن تعترف ولن تفاوض ولن تتراجع عن قرار إطلاقها، ووحَّدت من أجل
ذلك مؤسساتها العسكرية والشعبية والسياسية والإعلامية. فشكلت المكاتب العسكرية في
المدن والقرى، تحت إشراف وقيادة اللجان العشائرية، والسياسية ويأتي في المقدمة
منها تأسيس (المجلس السياسي لثوار العراق)، ووحدت الجهد الإعلامي في مؤسسة مركزية
تنشط في الدول حيثما يتواجد فيها جاليات عراقية، مدعومة بجهد إعلامي قومي تطوَّعت
فيه مجموعات كبيرة من العرب الناشطين، وجاء هذا الجهد مصداقاً لقومية الثورة
الدائرة في العراق.
-الرابعة:
تشكيل لجان من الحقوقيين العراقيين، بمؤازرة وإسناد من حقوقيين غربيين، من مهماتها
توثيق كل الجرائم التي ارتكبها الحليفان الأميركي والإيراني بحق العراق
والعراقيين، لتشكل ملف اتهام سيتم تقديمه لمحاكم عراقية وعربية ودولية، بعد التحرير،
لتهز بذلك ضمائر من نامت ضمائرهم. وستشكل ملف إدانة لن يستطيع من قرَّر أو سكت أو
تغافل أن يتجاهل تأثيراتها على سمعة الدولة التي يمثلها، أو على حكم التاريخ،
لتبقى شاهداً على أن من يرتكب جرائم ضد الإنسانية فسوف يُلقى كما يُقال (على مزابل
التاريخ).
وبمثل
هذا الانتقال تكون المقاومة العراقية قد دخلت المعركة، شعبياً وعسكرياً وسياسياً،
بحيث تحولت الثورة الشعبية إلى مؤسسة متماسكة. وأصبح من الصعوبة بمكان إيقاف
زحفها، وهي مستمرة لتحقيق أهدافها كاملة.
هذه
الثورة التي تُنهي شهرها الثالث ما تزال تأثيراتها تمتد من مدينة إلى مدينة، ومن
خندق إلى خندق، يتم ذلك في ظل تجاهل دولي، وتعتيم إعلامي، ومحاولات تشويه لأهدافها
ووسائلها وشخوص قادتها، وأعضاء هيئاتها، وتركيبة مؤسساتها.
إن
قيادة الثورة التي استكملت بناء مؤسساتها السياسية والعسكرية والإعلامية، بذلت كل
جهودها، وقامت باتصالات واسعة مع الجميع، من أجل أن تشارك في أعمال تلك المؤسسات
على قواعد جبهوية، بحيث تكون مفتوحة الأبواب أمام كل عراقي يريد أن ينخرط فيها،
ليؤدي واجبه في تحرير وطنه.
وفي
المقابل وُوجهت قيادة الثورة بمجموعة من الانتقادات كان بعضها يريد التشهير
والتشويه، وبعضها الآخر له رؤى وانتقادات خاصة. ولقاء ذلك عمَّمت اللجان والمكاتب
المختصة على كل من انضوى تحت خيمتها بأن تهمل الذين يريدون التشهير والتشويه، على
أن يتم الرد عليهم بما يتم إنجازه وتحقيقه في الميدان. بينما عمَّمت أيضاً، أن لا
يأخذ الحوار مع أصحاب المواقف الوطنية ممن لم ينخرطوا حتى الآن في المؤسسات
الثورية أية صيغة تدل على التعصب والانفعال، بل تركت لكل هؤلاء بوابات الدخول
للحوار الإيجابي مفتوحة، كما أنها أبقت مقاعدهم شاغرة لتستقبلهم في الوقت الذي
يقتنعون فيه أن العمل الوطني الجامع يشكل الحصانة ضد إضعاف مناعة الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق