الجمعة، يوليو 25، 2014

في مقابلة مع مجلة شؤون جنوبية

في مقابلة مع مجلة شؤون جنوبية
الرفيق حسن خليل غريب:
تقاطعت أهداف فصائل الثورة العراقية، في هذه المرحلة، بنقطتين أساسيتين، وهما:
إسقاط العملية السياسية للاحتلال من جهة، وطرد الاحتلال الإيراني من جهة أخرى.

مجلة شؤون جنوبية: أجرى الأستاذ وفيق هواري حديثاً مع الرفيق حسن خليل غريب حول الأوضاع الراهنة للثورة العراقية، وهذا نص الحديث:

1-كيف تنظر للوضع في العراق في اللحظة السياسية الراهنة؟ وإلى أين يتجه؟
-ما يجري في العراق الآن هو استمرار لما حصل بعد احتلاله. بعد احتلال العراق انطلقت مقاومة مسلحة ضد جنود الاحتلال. فكانت المعادلة تقوم على ثنائية (المقاومة والاحتلال). وأما المقاومة فكان قد أعدَّ لها النظام الوطني حينذاك، واضعاً نصب عينيه أن العراق إذا تعرَّض لعدوان واحتلال فإن موازين القوى العسكرية النظام ستكون حتماً لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ليس غريباً على واقع الحال لأن القوة العسكرية الأميركية هي أكبر قوة عالمية. ولهذا فإن الاختلال بموازين القوى سيكون لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية. ولأن حزب البعث العربي الاشتراكي يعتمد استراتيجية المقاومة الشعبية طويلة الأمد في مواجهة القوى الاستعمارية والصهيونية، فقد أعدَّ لتلك الاستراتيجية ووفَّر لها مستلزماتها الضرورية، ولذلك ابتدأت صفحة المقاومة الشعبية منذ أن أصبحت المواجهة النظامية من دون جدوى.
كانت نتيجة المواجهة أن أرغمت المقاومة الوطنية  العراقية قوات الاحتلال الأميركي، مسنودة بقوات أكثر من ثلاثين دولة، على إعلان الهزيمة، ولهذا سحبت الجزء الأكبر من قواتها في 31/ 12/ 2011. وإلحاق الهزيمة بأميركا بيِّنٌ وواضح من خلال نتيجتين: الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات والأموال. أما الثانية فظهرت من خلال الأزمة المالية الكبرى التي أصابت الاقتصاد الأميركي، والتي ما تزال ترخي بظلالها حتى الآن.
كانت مقدمتنا تلك لتوضيح ما يجري في العراق الآن، والذي قلنا إنه استمرار لما جرى بعد الاحتلال.
لقد أعلنت المقاومة العراقية، في 9/ 9/ 2003، منهجها السياسي الاستراتيجي والذي أعلنت فيه خطتها لتحرير العراق بشكل كامل، محدداً الأهداف التالية:
-طرد الاحتلال بشكل كامل من العراق.
-إسقاط كل ذيول الاحتلال وإفرازاته من عملاء ومؤسسات.
-حرق أصابع القوى الإقليمية التي شاركت أميركا بالاحتلال.
-إعادة بناء نظام وطني تعددي يشارك فيه كل العراقيين الذين ساهموا بتحريره.
ولما أنجزت المقاومة المرحلة الأولى بإلحاق الهزيمة بالاحتلال الأم، بدأت بالإعداد لإنجاز الصفحة الثانية منه منذ العام 2012. وأهداف الصفحة الثانية هي:
-إسقاط ذيول الاحتلال وإفرازاته زعملائه.
-حرق أصابع القوى الإقليمية التي شاركت أميركا بالاحتلال.
وأما الهدف الأول، وهذا ما نسميه الآن فهو إسقاط (العملية السياسية) التي شكَّلها وقام كل عملائه الذين دخلوا على دباباته بالإشراف عليها. وهؤلاء، بالإضافة إلى أنهم ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى بحق وطنهم، فقد أسسوا أسوأ نظام فاسد في العالم، قادته شلة من الخونة والفاسدين. ولهذا نعتبر أن ثنائية المواجهة بين (المقاومة وعملاء الاحتلال) هو ما يعبر تماماً عن مهمام اللحظة السياسية الراهنة.
وأما الهدف الثاني، اليوم فهو مهمة طرد الوجود الإيراني في العراق، لأنه شكَّل الاحتلال البديل للاحتلال الأميركي، والذي يلعب الدور ذاته، ويستخدم الأساليب ذاتها. وهو على الرغم من مناشدة قيادة المقاومة للنظام الإيراني أن يترك العراق لأهله وعلى أن لا يتدخل بشؤونه الداخلية، ظل النظام المذكور مصراً على لعب دور الاحتلال. وهو الآن يضع كل ثقله إلى جانب الدفاع عن حكومة المالكي.
ونتيجة المواجهة الحامية اليوم فإنهما كليهما يدفعان الثمن الغالي. ونتائج المواجهات العسكرية تؤكد أن المئات من الحرس الثوري يسقطون قتلى في المعارك، ومئات منهم يقعون أسرى بيد الثوار.
وبعد تعداد الأهداف الراهنة، فيعني هذا أنه بعد إسقاطهما معاً، لقيادة الثورة خطة تقضي بتشكيل حكومة جبهوية انتقالية تشرف على إدارة شؤون العراق من أجل تنظيم انتخابات نيابية بإشراف عربي ودولي محايد، وانتخاب رئيس للجمهورية، بحيث يقوم التشكيل الجديد بإعادة بناء دولة مدنية تحافظ على وحدة العراق وعروبته.

السؤال الثاني: من هي القوى المتصارعة وأحجامها؟
هناك طرفان متصارعان، وهما:
-المدافعون عن (العملية السياسية) هم من أفراد الجيش الحكومي ومعظمهم التحقوا به إما طلباً للقمة العيش، أو من المغرر بهم تعصباً لما يسمونه (الدفاع عن المذهب) في مواجهة ما أطلقوا عليه (داعش). وقد انخرط في القتال كل الميليشيات الطائفية التابعة لحزب الدعوة أو لبعض الزعماء الطائفيين كمثل (منظمة بدر)، و(عصائب أهل الحق)، أو ممن التحقوا انصياعاً لفتاوى بعض رجال الدين، و..... وتشاركهم قوات نظامية من فيلق القدس الإيراني.
-الفصائل المشاركة بالثورة: وهم بالإضافة إلى قوات المقاومة الوطنية العراقية وفصائلها، التحق عشرات الألوف من أبناء العشائر. وتضم قيادة الثورة الآن نحو خمسين فصيلاً، في تنظيم جبهوي متماسك ممن التقت أهدافهم على تحرير العراق بشكل كامل. وتلك الفصائل المشاركة هم ممثلون للشعب العراق بكل أطيافه السياسية والدينية والعرقية. ولم تستثن قيادة الثورة أحداً ممن تتقاطع أهدافهم مع أهداف الثورة.
وأما عن أحجام القوى المتصارعة، فيكفي أن نسوق مكيالاً نقيس به الأحجام، وهو أن من له قضية يقاتل من أجلها هو الأقوى على الرغم من قلة أعداده. ومن يفتقد لقضية يقاتل من أجلها يكون الأضعف على الرغم من كثرة أعداده. وهذا ما ينطبق على صورة وضع المتصارعين في العراق الآن:
-من يقف في صف الدفاع عن (العملية السياسية) فهو كمن يدافع عن حكومة تشرِّع مبدأ الاحتلال أولاً، أو كمن يدافع عن حكومة بلغت الحد الأقصى من الفساد والسرقات.
-ومن يقف إلى جانب الثورة، فهو كمن يقف إلى جانب معركة تحرير وطنه من الاحتلال الأجنبي، وإسقاط حكومة تمثل من قمة رأسها إلى أخمص قدميها كتلة من الفساد.
 والدليل على ذلك هو أن حكومة المالكي أنفقت مليارات الدولارات على إعداد المؤسسات الأمنية والعسكرية طوال سنوات عديدة، وعلى الرغم من ذلك فإن هياكل تلك المؤسسات أخذت تنهار بأسابيع أمام مواجهة الثوار القليلي التسليح والعدد إذا ما قيستا بحجم المؤسسات الحكومية المذكورة.
والدليل على ذلك أنه بعد تحرير الموصل في التاسع من حزيران، بالسرعة التي جرت فيها العملية التي أذهلت الإعلام، وصلت طلائع الثوار إلى مشارف بغداد بأيام معدودة. أي تم تحرير ما يفوق نصف مساحة العراق. وما بقي من قوات حكومية تقاتل في المساحة المحررة مدعومة بآلاف من القوات الرسمية الإيرانية، فليست أكثر من فلول محاصرة يحيط بها الثوار من كل جانب.

السؤال الثالث: الحجم الفعلي لداعش في العراق؟
جواب-كما ذكرت أعلاه تميَّزت الثورة العراقية الراهنة بتشكيلاتها الجبهوية التي ضمَّت أكثر من خمسين فصيلاً متعددة المشاريع السياسية. ولكنها أجمعت على هدف تحرير العراق أولاً كأهم هدف وطني، منطلقين من مسلمة أساسية تقول: إن ليس هناك أولوية تسبق تحرير الوطن من الاحتلال. فقد تجمعت عشرات الفصائل وتقاطعت أهدافها، في هذه المرحلة، بنقطتين أساسيتين، وهما: إسقاط العملية السياسية للاحتلال من جهة، وطرد الاحتلال الإيراني من جهة أخرى.
وإن الكلام عن داعش والموقف منها كما يأتي في سياق الثورة العراقية المندلعة الآن إنما يكون ضمن نقطتي التقاطع الآنفتي الذكر. ولكن الكلام عنها في سياق الإعلام الموجَّه من قبل حكومة المالكي والإعلامين الأميركي والإيراني، فإنما الدافع عندهما كان التخويف من الخطر  الطائفي، والتهويل من هذا الخطر. يفعلان ذلك في الوقت الذي تغرق فيه عمليتهم السياسية في المستنقعات الطائفية الشديدة التعصب. وما بُنيت العملية السياسية إلاَّ من أجل تعميق آفة التعصب بين العراقيين أنفسهم.
فمن منطلق هدف التحرير تعتبر الثورة العراقية أنه من حق كل عراقي، بل من واجبه، أن يسهم بإنجاز معركة التحرير بشقها الوطني المبدأي. وأما عن الخلاف حول الشق السياسي الداخلي فيتم بعد تحرير العراق إذ أن المؤسسات التشريعية هي التي ستعني بهذا الشق على قاعدة انتخابات نيابية حرة. وفي كل الأحوال سيكون بناء الدولة المدنية عنواناً رئيساً واستراتيجياً في خطط الثورة ومناهجها السياسية.
ومن ضمن هذا المفهوم، يأتي الكلام عن دور داعش وغيرها من التنظيمات المشاركة في الثورة الآن. ومن مصلحة الثورة أن تسمح لكل مؤمن بتحرير العراق أن يأخذ دوره كاملاً ضمن المحافظة على أمن الجماهير المحررة من جهة، وعلى أمن الثورة من جهة أخرى. ولذلك شكَّلت الثورة لجاناً شعبية تتولى السهر على أمن الجماهير في المناطق التي تم تحريرها.

السؤال الرابع: هل شروط الثورة تنطبق على ما يجري في العراق؟
جواب-أنا أفهم أن شروط نجاح الثورة تستند إلى ثلاثية التوحيد في الأهداف والقيادة والشعب. واستناداً إلى هذه المفاهيم تجري محاكمة واقع الثورة في العراق، لتتم الإجابة على السؤال.
وإذا أوجزنا مطابقة هذه الشروط على المقاومة الوطنية العراقية أثناء مقاومة الاحتلال الأميركي لوجدنا أنها تنطبق عليها من زوايا ثلاثة، وهي:
1-الشرط الأول: وحدة الهدف: وقد تضمنته نصوص المنهج السياسي الاستراتيجي الذي أعلنته المقاومة في 9/ 9/ 2003.
2-الشرط الثاني: وحدة القيادة: وإذا أغفلنا وحدة القيادة البعثية في قيادة المقاومة منذ انطلاقتها في 10/ 3/ 2003، فنقول بأن تلك القيادة كانت حريصة على تشكيل قيادة جبهوية تضم إليها كل الفصائل التي كانت تقاتل الاحتلال. وقد نجحت في ذلك منذ البداية. وطوَّرتها شكلاً ومضموناً في تأسيس (الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية) في العام 2006. تلك التي صدر عنها بيان معروف بـ(بيان الاسقلال والتحرير). ومن بعدها بفترة قصيرة شُكِّلت (قيادة المقاومة والتحرير والخلاص الوطني). وكلما وجدت القيادة الموحدة مجالاً لتطوير العمل الجبهوي كانت تقوم بها. وقد وصلت إلى أعلى أشكالها ومضامينها بعد العام 2013، حتى زاد عدد الفصائل المنضمة لصفوفها الخمسين فصيلاً. هذا بالإضافة إلى ثوار العشائر في كل أنحاء العراق.
وهنا، ولكي يكون الأمر واضحاً أكثر، نعرض باختصار لنقول بأن الثورة الآن تُقاد وتُدار بمؤسسات جبهوية تشمل الهياكل السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، التي تم تشكيلها في بداية العام 2014، وهي:
-تشكيل المجلس السياسي الموحد لثوار العراق. وهو بمثابة القيادة الرأسية السياسية للثورة.
-تشكيل المجلس العسكري لثوار العراق، وهو بمثابة القيادة العسكرية والأمنية للثورة.
-تشكيل اللجنة الإعلامية الموحدة للدفاع عن الثورة العراقية.
3-الشرط الثالث: وحدة الشعب: لا شك بأن قيادة الثورة قد نجحت في قيادة ما عُرف بـ(مرحلة الانتفاضة الشعبية) في مدن الأنبار الرئيسية. وفي تلك التجربة قدمت نفسها بشكل واضح لجماهير الشعب العراقي. وعمَّقت علاقتها بالجماهير المنتفضة. وهذا ما ساعدها على إنجاز ما أنجزته الآن من مكاسب ونجاحات في مرحلة الثورة الشعبية العسكرية الدائرة الآن. وسر نجاح التجربة الشعبية هو أن الثورة تمتاز، كما هي خطتها الاستراتيجية السياسية، بأنه ثورة تمثل كل أطياف الشعب العراقي الاجتماعية والسياسية والدينية والعرقية.


ليست هناك تعليقات: