أولياء (العملية السياسية) في
العراق يستبدلون دمية بدمية أخرى
والثورة العراقية ستبقى الثورة
الخلاقة رغم كل العراقيل
في 16/ 8/ 2014
بديهيات العقل تؤكد أن استئصال المرض ينجح بالقضاء
على أسبابه، ولأن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تنجح بمداواة مشاكل العراق وهي
أكثر من أن تحصى، ما يزال التحالف الأميركي الإيراني غارقاً بوهم تجميل وجه (العملية
السياسية) باستبدال حكومة بحكومة أخرى. وبعد مخاض عسير اتفق طرفا التحالف باستبدال
حكومة المالكي بتكليف حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة. وقبل البدء بتشكيلها راحت
أبواق الإعلام تبشِّر بأن الخير قادم على حوافر خيلها. وازدادت وتيرة التبشير
بالوعود الكثيرة والكبيرة. وطلبوا من العراقيين الصبر قليلاً لأن حكومة حيدر
العبادي ستملأ أرض العراق سلاماً وطعاماً وأمناً ورخاء. ستملأها عدلاً بعد أن
ملأها نوري المالكي ظلماً وقتلاً ونهباً وقمعاً.
نتيجة لكل ما يروجه الإعلام بالوعود
الكثيرة، يخيل للمتابع أن عدم صبر العراقيين يشكل السبب الذي حوَّل العراق إلى ما
تحوَّل إليه. والصبر يعني أن عليهم أن يختاروا، حسب الديموقراطية الأميركية،
خائناً بدل خائن، ولصاً بدل لص، وفاسداً بدل فاسد، وقاتلاً بدل قاتل. وإن نعم
الديموقراطية الأميركية – الإيرانية أمطرت نتائج
انتخابات في نيسان الماضي، إذا تم تطبيقها فلن يجوع عراقي بعدها، ولن يمرض عراقي،
ولن يموت عراقي بواسطة المفخخات بعد الآن. ولذلك أنجبت مشاوارات العملية
الديموقراطية تلك حيدراً بديلاً لنوري، وعبادياً بديلاً لمالكي. وطريقة الإنجاب نفسها
هي التي أجهضت ابراهيم الجعفري سابقاً وأنجبت نوري المالكي. وهي التي تجهض الآن
نوري لتلد حيدراً. ولكن الشعب العراقي بالتأكيد لن يجني حمصاً من موالد حكومات
الاحتلال.
لقد كاد المحللون أن يتتبعوا نتائج مرض لا
يريدوا أن يعرفوا أسبابه فيكفون أنفسهم عناء البحث والتخمين حول من ينقذ العراق،
وما دروا أن من ينقذ العراق هو الخلاص ممن أغرقه فيما يغرق فيه الآن. وما دروا أن
سبب كل تلك الأمراض هو عامل الاحتلال الأميركي، هو عامل واحد لا شريك له إلاَّ
ملالي طهران.
ليست للاحتلال أهداف بريئة من احتلاله، وهذا
حكم لا استئناف له. فمن قام به لا يعنيه أكثر من ضمان مصالحه. ولذلك شارك فيه كل
من كان متضرراً من قيام نظام وطني كان يحافظ على العراق ويحمي أهله، ويوفر لهم
متطلبات الحياة. فأسقطوه من أجل أن يخلو لهم الجو من دون وجود من يعكر صفو مائهم.
ولذلك أيضاً قام بالاحتلال كل من أميركا الطامعة بثروات العالم وفي المقدمة منها
نفط العرب عامة، ونفط العراق خاصة؛ وشاركتها إيران المتغوِّلة على تأسيس حلم
إمبراطوري يعتبر العراق في القلب من المشروع – الحلم. ولكي
يبنيا قواعد داخلية يؤسسان فيه نظاماً يدين بالولاء لهما، ويأتمر بأوامرهما، فقد
أظهرا للواجهة دُمى من العراقيين الذين تدربوا وتثقفوا بقواعد من آواهم وسمَّنهم
لوقت الحاجة، وقد حان أوانها بعد احتلال العراق. ولما أعلن بوش الإبن انتهاء
العمليات العسكرية في العراق في العام 2003، أخرج كساحر من كُمِّ قميصه أرانب
وثعالب وذئاب ممن تربوا على ارتكاب كل الجرائم الملوثة بالخيانة واللصوصية والفساد،
لكي يوكلهم بتشكيل حكومات لا دور لها إلاَّ أن تنخر عظام العراق، وتمتص منها آخر
نسغ من البترول.
وهكذا استقر المشهد السياسي في العراق
المحتل على ثلاثية حاكمة تتلاعب بمصيره، وهي ثلاثية (أميركا – إيران) وثالثهما
(العملية السياسية). وإذا كان الشريكان قد أرسيا قاعدة للمساومة بينهما وتشاركا في
إدارة شؤون العراق على قاعدة الحرص على مصلحة كل طرف منهما، فإن تسمية من سيحكم
باسمهما ممن دخلوا العراق مع أول دبابة للاحتلال، يبقى عرضة للمساومة على قاعدة
التوافق. وتتم تسمية من يطمئنهما معاً. فكان ابراهيم الجعفري، وخلفه نوري المالكي،
وقد جاء الآن دور حيدر العبادي.
وهنا يجب تثبيت حقيقة وهي أن اختيار أي واحد
لرئاسة الحكومة لا يتم بناء على مواصفات شخصية تميزه عن الآخر، بل يتم اختياره من
الموثوقين على تطبيق قواعد وعقائد (العملية السياسية)، كما عليه أن يلتزم بتعليمات
الحاكم الإيراني للعراق، وتعليمات السفير الأميركي في المنطقة الخضراء. أي باختصار
على رئيس الحكومة أن يلتزم بعقيدة الاحتلال، وعقيدة الاحتلال واضحة وضوح الشمس، وهدفها
الوحيد والفريد حماية المشروعين الأميركي والإيراني معاً.
ولأن ليس لبيان الحكومة التي يتم تشكيلها
دور. ولأن دور رئيس الحكومة الإذعان. فلم تتميز أهداف حكومة المالكي عن أهداف حكومة
ابراهيم الجعفري. ولذلك لن تتميز الحكومة التي سيشكلها حيدر العبادي عن حكومة نوري
المالكي. ولهذا كله فلن تحمل الحكومة المرتقبة أي جديد على صعيد إدارة شؤون
العراق. وإذا حملت جديداً فهو أن فريقاً آخر سينعم بخيرات السرقات والنهب والتسلط.
إذن هناك محاولة تجميل لوجه (العملية السياسية)، بأسماء وليس بأفعال. ولكن سيبقى
الشعب العراقي مقهوراً جائعاً مريضاً ميتاً بقوة القمع والاضطهاد، وسيبقى بعض
أبنائه مشاريع موتٍ طالما ظل هذا البعض جزءًا منه يقاتل من أجل حماية واقع احتلال
العراق.
إلى هنا، فلمن طبلوا لحيدر العبادي، كما
رقصوا لسلفه نوري المالكي، ليس تطبيلهم في محله، كما لم يكن رقصهم بمحله أيضاً،
فإنما طبَّل من طبَّل، ورقص من رقص، ليسوا إلاَّ من الذين وعدوا أنفسهم بوزارة أو
نيابة أو تجارة مربحة أو موقع سياسي يستخدمونه للمقاولات والمساومات حينما يستجد
ظرف يجد فيه أولياء الاحتلال حاجة بالبصم على معاهدة أو اتفاقية. أو حتى سيجد من يطمع
بموقع أمني أو عسكري يمارس فيه التشبيح (الشرعي) على البلاد والعباد.
في ظل هذا المشهد المأساوي تبقى الثورة
العراقية، بمن تضم من الوطنيين والصادقين والشرفاء، هي التي تقف على (جبل أُحُد)
لا تبغي سلباً أو نهباً، بل تبغي تحرير العراق من الاحتلال بكل أوساخه وأدرانه
وخونة بلدهم. تظل الثورة العراقية، التي انطلقت لا لكي تتوقف، هي التي ستظل تقاتل
حتى النصر، وهي طبعاً بالغته لأنها لا طمع لديها بسلطة أو مال. وهي لن تساوم على
حق أي عراقي مهما كان انتماؤه السياسي أو الديني أو العرقي.
وهنا، يخشى البعض عن خوف صادق، من كثرة
العوامل التي تتراكم في وجه الثورة لتحبطها، وهو خوف مشروع من أن تتغلَّب العوامل
السلبية على عواملها الإيجابية وتعمل على تبخير ما أنجزته من انتصارات حتى الآن.
وهم يستندون إلى ما ظهر من بعض الخروقات الأمنية أو العسكرية أو الاجتماعية أو
الجبهوية. كما يستندون إلى الخوف من تكالب الإعلام المعادي على تشويه مقاصد الثورة
وأهدافها. ولا يفوتهم الإشارة إلى حجم الدعم العسكري الذي تقدمه أميركا وإيران
لتدعيم (العملية السياسية)، هذا إضافة إلى قلة النصير من الأشقاء العرب، أنظمة رسمية
وأحزاباً شعبية. وهم بالتالي يستطيعون أن يشاهدوا ويلمسوا ويسمعوا عن كثرة الدعم
الذي يتقدم به هؤلاء لدعم حكومات (العملية السياسية)، ولكنهم لا يستطيعوا أن
يشاهدوا حجم الثورة وقوتها لأنها غير بارزة للعيان، وهذا ما يدفعهم للخوف أكثر.
فهل دعم ولاة (العملية السياسية) هو بالقوة
التي لا يمكن ردها أو ردعها أو مقاومتها؟
وهل قلة ما يسمعون عن قوة الثورة وقلة
نصيرها، يدعو للخوف والإحباط؟
لكل ذلك نرى أن الثورة بما هي ثورة فعلية،
ترتبط بمنهج سياسي أثبتت الأيام مصداقيته وصوابيته، حتى قبل أن تؤول أحوال العراق
تحت الاحتلال إلى ما آلت إليه من سوء. وترتبط الثورة كذلك بقيادة عجمت عودها سنون
النضال تحت أسوأ الظروف وأكثرها قسوة. ولأن الثورة كانت كذلك، وأحرزت الانتصار
الأكبر في التاريخ. فهي ستتجاوز العوائق الراهنة كما تجاوزت العوائق التي سبقتها، وأما
السبب فلأنها (ثورة خلاَّقة) تبتكر لكل ظرف عوامل مواجهته. وستجد من بعض التعقيدات
الراهنة باباً قد لا يكون محسوباً لأحد للخروج من عوائق لا تعتبر شيئاً إذا ما
قيست بعوامل أكثر تعقيداً تجاوزتها الثورة في السابق.
ومن أجل هذا، من قال بأن طريق الثورة وردي
وغير معبد بالعوائق؟
ومن قال بأن أولياء أمور الاحتلال لن يتدخلوا
إذا الثورة انطلقت؟
كل شيء محسوب عند الثوار، وهذا ما نقرأه مما
يتسرب من أخبار تحيط بالثورة العراقية، والدليل على ذلك أن إعلام الثورة ينشر على
العلن كل ما يعيق مسار الثورة، أو كل ما يعزز مسيرتها. وهي تكتشف الألغام واحداً
تلو الآخر، وتقوم بتفجير كل منها قبل أن يستفحل خطره، ولم يبق أمامها ما تخشاه
لأنها انطلقت لا لكي تتوقف، بل انطلقت لتكمل مسيرتها.
إنها الثورة الخلاَّقة بامتياز، إنها ثورة
كل العراقيين. ومن لا يستطيع أن يقدِّم لها شيئاً ملموساً، فعليه أن يبذل لها
الدعاء وهو أضعف الإيمان. وعليه أن يعزز إيمانه وثقته بمن أصبح أهلاً للثقة. وما
زلنا نرى في أفق العراق ذلك النور الساطع الذي بزغ في مطلع العام 2014، والذي طال
غيابه لسنوات طويلة عن إدراكنا. ولا نراه بالتمني بل نراه بعين الواثق بالنصر.
نراع بعين الواثق بقدرة الثوار ووعيهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق