الجمعة، فبراير 20، 2015

اتساع رقعة الإرهاب حاجة خارجية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد


اتساع رقعة الإرهاب حاجة خارجية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد
لا تتلهوا بقطع اليد التي تذبح بل استأصلوا المصنع الذي ينتجها




دأبت الولايات المتحدة الأميركية على تحويل الأنظار عن دورها الخبيث بتصنيع الإرهاب بتشكيل تحالفات هنا أو هناك لمحاربة إرهاب صنَّعته بنفسها، ووظفته للنيابة عنها في تخويف العالم من مخاطره. ومن المضحك والمبكي معاً أن تنطلي مزاعمها وأكاذيبها على الأنظمة الرسمية العربية، ولن نستثني عشرات الملايين من الشعب العربي، الذين يصدقون دموع أميركا المنسابة على مآقي مسؤوليها. وهم بذلك كمن راح يتلهى بالنظر إلى تلك الدموع وانصرفوا عن النظر إلى السكين الذي تنحرنا به من الوريد إلى الوريد.

تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تقنعنا، أن الإرهاب لديه تلك الإمكانيات الهائلة لينتشر بسنوات قليلة في أكثر من أرض عربية، في سورية والعراق ومصر وليبيا، والحبل على الجرار.

وإذا كان الإرهاب يمتلك تلك الإمكانيات الذاتية الكبيرة، فنحن غير مصدقين هذا ونتساءل: كيف يمكن للإرهاب أن ينتقل بسرعة البرق من مكان إلى  مكان شاهراً سكينه ليهدد العالم من أقصاه إلى أقصاه. ونتساءل أيضاً، هل مصدر ما يمتلكه الإرهاب من إمكانيات مذهلة يمكن لمؤسسات خاصة أن توفره؟ أو هل يمكن لبئر من البترول، أو حتى عشرات منه استولت عليها تلك المنظمات، أن يوفر كل تلك الإمكانيات؟ وهل للإرهاب كل هذا التأثير بعيداً عن تزويده بإمكانيات تضخها دول كبرى؟

على من تقرأين الأكاذيب يا إدارة أوباما؟

هل تنطلي على الغرب الرأسمالي؟

أم على أنظمة العرب وشعوبها؟

لم تنطل، ولن تنطلي، على أحد. فالكل يعرف أن الأرض العربية لم تعرف إرهابياً واحداً يهدد أمنها قبل احتلال العراق. بل كانت مسرحية تفجير الأبراج في واشنطن، في العام 2001، الأولى من نوعها وأبناء جنسها التي كأنها صُنِعت من أجل افتتاح عهد جديد من الإرهاب الأميركي للسيطرة على العالم.

قبل احتلال العراق، لم تكن الأرض العربية على ود مع الإرهاب ومع من يُرهبون، وإنما أخذ الإرهاب يدق أبوابنا منذ أن تفتقت أذهان أصحاب (القرن الأميركي الجديد) عن البدء بتنفيذ استراتيجيتهم القائلة بـ(نهاية التاريخ) على وقع أنغام (صدمة العمليات العسكرية وترويعها). تلك الاستراتيجية التي دفعت بـ(جورج بوش) ليجعل من القرن الواحد والعشرين قرناً أميركياً بامتياز.

حينذاك غزت أميركا أفغانستان، وكانت عينه على الوطن العربي، فغزا العراق واحتله ليكون حبة العنقود الأولى في مسلسل إرهابي بدأه في العام 2003، ولم تنته فصوله حتى الآن. حينذاك ابتدأت المنظمات الإرهابية تطل برأسها على قواعد التحريض المذهبي والطائفي.

-وهل كان القرار الأميركي بتقسيم العراق إلاَّ صوت النفير الذي شرَّع قيام ميليشيات طائفية تخطف وترمي الجثث  في الشوارع والساحات بعد قطع رؤوسها، يقوم بقيادتها معمَّمون وآخرون يرأسون أحزاباً طائفية سياسية؟

 -أليس هؤلاء وأولئك من قادة العملية السياسية التي شكَّلها الاحتلال الأميركي قبل هروبه من العراق مهزوماً؟

-ألم يخرج الاحتلال من العراق مطمئن البال لوجود قادة ميليشيات إرهابية ينوبون عنه بتنفيذ استراتيجيته بتأجيج الصراع الطائفي بين مكونات العراق الاجتماعية والدينية؟

-ألم تشكل الإدارة الأميركية (الحلف الدولي والعربي لمحاربة الإرهاب) إلاَّ بعد أن شارفت (العملية السياسية)، التي مارست الإرهاب المنظم في العراق، على الانهيار أمام زحف الثوار العراقيين ووصولهم إلى محيط بغداد؟

-ألم تعلن الثورة العراقية، وقبلها المقاومة، أن أحد أهم أهدافها اجتثاث الإرهاب الأميركي من العراق الذي قسَّمه الاحتلال على قواعد طائفية؟

هذا كان الواقع الفعلي على أرض العراق، وجود ميليشيات طائفية إرهابية تقتل من تريد وتأمر باجتثاث من تريد، وتعمل تحت حماية أميركية وإيرانية، تلك الحماية التي لم تحرك ساكناً عندما كانت حكومة (العملية السياسية) تمارس الإرهاب المنظم بخطف من هنا واغتيال من هناك، بتفجير هنا وتفجير هناك. بسحق تجمع للمحتجين هنا، أو قمع تظاهرة مطلبية هناك.

لم تتوقف عمليات الإرهاب المنظم بعد احتلال العراق، بل كانت تتصاعد وتائره وتأثيراته، إلى أن توسَّعت ساحاته إلى أكثر من ساحة عربية، وتصاعدت وتائره منذ أربع سنوات حتى الآن، أي منذ أن تم الإعلان عن بدء (الربيع العربي).

قبل احتلال العراق، كانت دساتير الدول العربية لا تسمح لحركات الإسلام السياسي التي تمارس الجرائم الموصوفة بالنشاط، ومن هرب منها إلى الخارج تلقفته أجهزة المخابرات المعادية، وفي المقدمة منها أقبية المخابرات المركزية الأميركية. وهنا لا ننسى ما كانت تعده أقبية النظام الإيراني من تدريب حركات سياسية دينية على أراضيها، تلك الحركات التي تعيث فساداً وجريمة على أرض العراق الآن. تلك الحركات التي احتضنتها المؤتمرات العلنية التي عُقدت باسم (المعارضة العراقية) في فنادق العواصم الغربية بتمويل من أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية، تمهيداً لاحتلال العراق. وبعد احتلاله كانت تلك الحركات من أول الواصلين إلى العراق المحتل.

ولكل من خانته الذاكرة، فليعد إلى الوقائع التي حصلت في العراق بعد تشريع (نظام المحاصصة الطائفية) فيما سُمِّيَ دستور العراق الجديد. ذلك الدستور الذي وُضعت أسسه الرئيسية في قانون (تقسيم العراق) الذي قرَّره الكونغرس الأميركي بناء على مشروع جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي الحالي. ذلك الدستور الذي سمح بإنشاء عشرات الميليشيات الطائفية في العراق التي عاثت تخريباً في البنية الاجتماعية العراقية. ونحن لن ننسى تلك المرحلة المرَّة التي كانت تستفيق فيها بغداد كل صباح على عشرات الجثث المقطوعة الرؤوس. تلك الفظائع التي كانت قوات الاحتلال الأميركي تتجاهلها، ولا ترشقها بوردة صغيرة، لأن من كان يرتكبها هو حليف للاحتلال وينشط تحت خيمته، وهذا ما كان يبرهن على أن إدارة الاحتلال الأميركي، بمساعدة إيرانية، كانت تشرف على تنفيذ تلك المجازر ولكن من دون أن تترك بصماتها عليها.

كان ذلك الاقتتال الطائفي تمهيداً لاقتتال أوسع منه وأشد تأثيراً، حيث أعلن عتاة المسؤولين في الإدارة الأميركية بعد احتلال العراق مباشرة أنه إذا توقف المشروع، أي (مشروع تحرير العراق) المشبوه عند الحدود العراقية، فكأن الإدارة الأميركية لم تفعل شيئاً. وها نحن نرى الإدارة الأميركية الآن تسكتمل ما جرى في العراق وتنقله من قطر عربي إلى قطر عربي آخر. وما الذبح الذي نشاهد فصوله في كل مكان والذي تنفذه حركات إرهابية إلاَّ استكمال لما كان ينفذ في العراق تحت سمع وبصر القيادة الأميركية.

وإن الأكثر مرارة في مشاهد (الذبح) هو أن الإدارة الأميركية قامت بتبييض سجلها الإرهابي، وتبييض سجلها الإجرامي في العراق، ليتحول وزير خارجيتها إلى (حمامة السلام) حاملاً هم الإنسانية خوفاً عليها من الإرهابيين. كما تحول رئيسها إلى (بكَّاء) على ضحايا الذبح الإرهابي، ولا يفوته يوم واحد إلاَّ ويعبر فيه عن وضع كل إمكانيات بلاده في سبيل الثأر لأولئك الضحايا. وهكذا تحولت الإدارة الأميركية إلى موقع الذي (يقتل القتيل، ويبكي في جنازته).

ولكن ما هو مثير لبكائنا نحن، وليس بكاء أي أحد آخر، هو مشهدين اثنين شاهدنا وقائعهما في كل من الأردن ومصر. الأول بعد إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والثاني بعد ذبح واحد وعشرين مصرياً في ليبيا. وإنه بعد التعبير عن اشمئزازنا واستنكارنا وذرف دموعنا الصادقة على هول الجريمتين وبشاعتهما، راح الإعلام يصوِّر وكأن الأخذ بثأر الضحايا بعدد من الطلعات الجوية التي أمرت بها قيادة الأرن، وقيادة مصر، يكفي (المؤمنين شر القتال). أو يكفي المسؤولين في البلدين عناء تحميل المسؤولية للإدارة الأميركية، تلك الإدارة التي ارتكبت ما ارتكبته من جرائم في العراق وغير العراق، في ظل صمت مريب، بينما كان من الواجب سؤالها عن سبب سكوتها عمن يعمل على تمويل الإرهاب وتسليحه وتسهيل مروره إلى حيث يريد أن يمر ويعمل على التخريب والقتل والحرق والذبح. فهل هؤلاء مجهولون عند أجهزة المخابرات الأميركية؟

ونحن لا نظن ذلك صحيحاً نقولها بالفم الملآن: لو لم يقم الإرهاب بإحراق الشهيد معاذ الكساسبة، وذبح شهداء مصر الواحد والعشرين، وقبلهما ذبح الجنود اللبنانيين، لكان على أجهزة مخابرات الإدارة الأميركية أن تفعلها بشكل أو بآخر، لأنه بغير الذبح والإحراق لن تستطيع تلك الإدارة تمرير أكثر من مخطط، ومن أهمها:

-تبييض سجلها الإجرامي في العراق، ومن بعدها في ليبيا، ومروراً بسورية، وانتهاء بفلسطين، والحبل على جرار أقطار عربية أخرى، لكي تسوق نفسها بصورة حمامة السلام التي تدافع عن الإنسانية. ولا تبغي من وراء كل ذلك إلاَّ استمرار المأساة لتضعنا أمام واقع مرير، إما استمرار القتل والذبح والتدمير، وإما الرضوخ إلى مفاهيمها المشبوهة بـ(الديموقراطية) التي يرون فيها تقاسم السلطة على قاعدة (المحاصصات الطائفية)، أي بمعنى إبقاء سلاح الطوائف شاهراً حينما تقتضي الحاجة لاستخدامه.

-تأجيج الصراع المذهبي المذهبي، وهو يُعتبر البوابة الرئيسية للدخول في حرم مشروع الشرق الأوسط الجديد.

-استقطاب دول جديدة وطائرات جديدة لتنضم إلى التحالف الدولي لما تسميه أميركا (التحالف الدولي والعربي لمحاربة الإرهاب)، وهي في حقيقة الأمر تتآمر على إلغاء معالم الدولة القطرية العلمانية، وذلك لتضمن وجود سواتر ترابية بين الحركات المذهبية لتحول دون استمرار الدعوة لقيام وحدة عربية. وهنا، نستذكر السبب الذي من أجله أطلق أنور السادات الرئيس المصري الراحل حشود سجناء الحركات الإسلامية من سجون مصر، حينها كان يعرف أنه لن يستطيع مواجهة التيارات القومية إلاَّ حركات الإسلام السياسي.

وأخيراً، آن للأنظمة العربية الرسمية، ولكل جماهير أمتنا العربية، أن يستعيدوا استذكار مسلسلات الجريمة الأميركية في العراق، وكذلك الجرائم الإيرانية فيه، والقائمة على أسس الاقتتال الطائفي. كما عليهم جميعاً أن يعوا بأن سكوتهم عما جرى للعراق بعد احتلاله، وبعد الإصرار على احتلاله، من اتساع رقعة الإرهاب فيه، إذ نشأت تيارات مذهبية متناحرة، يذبح فيها البعض البعض الآخر كفعل ورد فعل، يسوِّغ أحدهم للآخر ويبرر أفعاله. وعليهم أن يعوا بأن سكوتهم عما جرى للعراق، كان السبب في ما حصل في ليبيا. وسكوتهم عما حصل في ليبيا كان السبب فيما يحصل بسورية. وسكوتهم عما يحصل في سورية سيكون سبباً لما سيحصل في مصر واليمن والأردن.

هنا وهناك تنساب الدماء مدراراً يقتات بها العطاشى للشرب من دمائنا، والنهش في أجسادنا ذبحاً وحرقاً وتدميراً. والأدهى من كل ذلك أن نكون نحن الحارقين والذابحين والوالغين تدميراً في بنيات مجتمعاتنا نيابة عن دراكولا الأميركي. يجري هذا في مشهد القط الذي يلحس المبرد ظناً منه أنه يتغذى بدم لا يدري أنه دمه. فمتى نتعظ ونصحو إلى ضمائرنا. ومتى تستطيع بعض الأنظمة الخاضعة لإرادة خارجية من هنا أو هناك، متى تستطيع أن تصرخ مرة واحدة لتقول: إيها الخارج ليس لك مكان بيننا لا بوجه إنساني، ولا بأي وجه آخر. دعونا نتقاتل ونتصارخ ونتعارض ونقوم بمصالحات وتفاهمات فيما بيننا، فنحن أدرى بمصالحنا.

وعن كل هذا، لابد من الخروج من وهم القضاء على الإرهاب بعدة طلعات جوية، ولا يمكننا حل المشكلة بقطع دابر الإرهاب إذا لم يتم تجفيفه في المصانع الغربية والشرقية التي تقوم بتصنيعه وتسويقه وتوفير سبل الاستمرار له. إن اتساع رقعة الإرهاب حاجة خارجية فلا تتوهمن بالقضاء عليه بمساعدة من الخارج.

 

 

 

ليست هناك تعليقات: