الاثنين، يونيو 29، 2015

ثرثرة على أسوار اللقاء السعودي – الروسي


ثرثرة على أسوار اللقاء السعودي الروسي

هل هناك احتمال حصول متغيرات على الصعيدين الدولي والعربي؟

 هل ينتقل العرب إلى مرحلة يقررون فيها عن أنفسهم؟

سؤال مشروع يساور كل عربي صادق في عروبته،

ولأن في الحركة بركة.

ولأن هناك من مظاهر تلك الحركة ما يؤشر على وجود تحولات تطفو على سطح الأحداث في الوطن العربي.

ولأن هذه التحولات تبدأ من دول الخليج العربي، وفي المقدمة منها الحركة السعودية.

يساورنا السؤال في كل مرة نتابع فيها كل جديد تعلنه الحركة الجديدة.

من مراهنة إلى أخرى على احتمال تحولات نوعية في مواقف دول الخليج العربي، يجد المراقب أن هناك ملامح جديدة متسارعة تتحدث عنها التقارير في الفترة الأخيرة. وإذا كان الإعلان عن نتائج هزيلة، أو نتائج غير حاسمة بعد لقاء كامب ديفيد بين أوباما، الرئيس الأميركي، وممثلين عن دول الخليج العربي، فقد جاءت الأخبار لتؤكد أن في زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى موسكو قبل نهاية شهر حزيران ما يلفت النظر، وكذلك في زيارته إلى باريس.

إلاَّ أن تقييم حجم المتغيرات في تلك الزيارتين فقد خضعت لأكثر من احتمال، لعلَّ أعلاها إيجابية أنهما يحملان رسالة واضحة للإدارة الأميركية تفيد أن أمام دول الخليج العربي خيارات أخرى في العلاقات الدولية. وتفيد تلك الاحتمالات أن تلك الدول ليست مقيَّدة إلى الأبد بعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، خاصة إذا كانت تلك العلاقات مبنية على ضمان المصالح الأميركية من دون النظر إلى مصالح حلفائها. وفي هذا الصدد يأتي إصرار إدارة أوباما على توقيع الاتفاق مع النظام الإيراني حول ملفها النووي ليثير المخاوف ويضاعفها في كل مرة أكثر من المرة التي سبقتها.

وهنا لا بُدَّ من التنويه بأن توقيع الاتفاق المذكور ليس مقصوداً بذاته، بل لأنه يشكل نقطة الماء التي فاض بها كأس المرارة الخليجية من استهتار الولايات المتحدة الأميركية بمصالح دول الخليج العربي، وهذا لا يعني بأن الكأس بدأ يمتلئ بها، بل كان كأس المرارة ممتلئاً قبل ذلك وجاءت نقطة ماء الاتفاق لكي يصبح طافحاً. أي أنه بدأ يمتلئ منذ أن سلَّمت أميركا مفتاح بوابة السيطرة الإيرانية على العراق منذ بداية العام 2012، أي بعد انسحاب الجزء الأكبر من قواتها وإعادتها إلى بلادها.

لكل تلك الحقائق لم تصدق دول الخليج العربي، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، تطمينات أوباما القائلة بأن التوقيع على الاتفاق المذكور يصب في مصلحة أمن المنطقة أولاً. وثانياً، للوقاية من أي خلل في الوعود الإيرانية، أبدى استعداده بيع السعودية قبة حديدية لحمايتها من الصواريخ الإيرانية.

إلى هنا، كنا نحسب أن الخديعة الأميركية قد انطلت على دول الخليج، إلى أن جاءت الزيارتان المذكورتان إلى موسكو وباريس لتنفي تلك الحسابات السلبية.

إذن في الأفق تحولات جديدة يبدو أنها ستؤدي إلى متغيرات جديدة.

يختصر البعض تلك التحولات بمحاولة السعودية تغيير الموقف الروسي من النظام السوري، وكأن الموقف السعودي السلبي من النظام السوري قائم لذاته، من دون النظر إلى أسباب ذلك الموقف. وهم يشيعون أن الملف السوري كان حاضراً بقوة، وهذا ما يريد البعض منه أن يوحي بأن الملف السوري في الاهتمامات السعودية له الأولوية المطلقة. وهنا نستدرك لنقول بأن الموقف السعودي من النظام السوري ليس محدوداً بموقف موضعي له علاقة بـ(ديكتاتورية النظام) أو ما شابه ذلك من الأسباب الإصلاحية الأخرى.

ولكن حقيقة الموقف السعودي السلبي يعود إلى أسباب علاقة النظام السوري بالنظام الإيراني، وتلك الأسباب لها علاقة بالدور الإيراني السياسي - الأمني الخطير على السعودية. أخذ هذا الموقف بالتصاعد منذ أن استفرد النظام الإيراني بالساحة العراقية، إذ ذاك أعلن عن سقف أطماعه الحقيقية بـ(تصدير الثورة) إلى أقطار الوطن العربي ومنها دول الخليج العربي عبر البوابة العراقية. وهنا نحسب بأنه إذا لُجمت تلك الأطماع أو تخلى النظام الإيراني عنها حينذاك لن تجد السعودية ما يقلقها في العلاقة بين النظامين السوري والإيراني. وأما الدليل على ذلك فإن ثنائية (س س) المشهورة، أي ثنائية التعاون السعودي السوري المزمنة، كانت حاضرة بقوة حتى في ظل العلاقات السورية الإيرانية، والتي تعود إلى العام 1980.

ولكل ذلك،

ولأن دول الخليج العربي استشعرت مدى خطورة الدور الإيراني على أمنها القومي، فقد مالت علاقاتها التاريخية الوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية إلى البرودة، ومن ثم إلى السلبية، وهي تتصاعد بسلبيتها حتى تاريخه، والسبب يعود إلى تجاهل الإدارة الأميركية مصلحة حلفائها الخليجيين وامتناعها عن حماية أمنهم المهدد من قبل المشاريع الإيرانية. كما أن تلك الإدارة بدلاً من لجم الشبق الإيراني في التوسع والتأثير في الوطن العربي تصر على تعميق علاقاتها مع إيران.

ولأن لروسيا علاقات إيجابية مع النظامين السوري والإيراني، وهو لن يتخلى عنهما لأسباب استراتيجية حيث لم يبق لروسيا حليف غيرهما في المنطقة، كانت النقلة السعودية باتجاه روسيا، كما نحسب، من أجل ملء الفراغ الذي تركته التعهدات الأميركية في المحافظة على أمن دول الخليج العربي.

واستراتيجية التقارب السعودي الروسي في هذه المرحلة، تصب في دائرة التفتيش عن عوامل أخرى تساعد على إعادة الهدوء إلى النفوس الخليجية الخائفة. فهل تجده في روسيا التي عقدت اتفاقيات استراتيجية مع النظامين المذكورين؟ وهل بهذا المعنى يمكن للنعجة الهاربة من الذئب أن تجد حماية لها إذا ألقت بنفسها في حضنه؟ وكيف يمكننا أن نجد جواباً منطقياً وعملياً لهذه المعادلة العجيبة؟

عقدت روسيا اتفاقيات مع النظامين المذكورين تحت ضغط حاجتها لمراكز قوى في (منطقة المياه الدافئة)، وهو المصطلح التاريخي الذي يُطلق تعبيراً عن مصالح روسية في المنطقة العربية. فالاتفاقيات إذن جاءت بناء لحاجة روسية بعد أن أقفلت أميركا والغرب كل أبواب دول المنطقة في وجهها. وإذا كانت قد عقدت اتفاقيات مع إيران، إلاَّ أن هذا لا يعني بأن منهج روسيا السياسي والإيديولوجي والأمني يتطابق مع المنهج الإيراني. هذا أولاً.

وأما ثانياً، ولو فُتحت لروسيا أبواب أو نوافذ جديدة تجاه المنطقة لكان يمكنها الخيار بين أي منها الأفضل لمصالحها. وبهذا السياق، لن تتردد روسيا بعقد اتفاقيات مماثلة مع السعودية. وهذا ما يحصل الآن.

في دائرة المصالح، نحسب أن التغول الأميركي في السيطرة على دول الإقليم المجاور للعرب، كما في السيطرة على الوطن العربي، لا تلحظ السياسة الأميركية أي دور لروسيا، أو لغير روسيا، من المرور في منطقة فائقة الأهمية كمثل المنطقة العربية وإقليمها الجغرافي المحيط بها.

والأمر كذلك، كانت المحافظة على حصة لروسيا في كعكة المنطقة أمراً استراتيجياً وحيوياً. وللحصول عليها لا بد لها من توفير مرتكزات فوجدتها مع نظامين اثنين، الإيراني والسوري. ولأنه لا ثالث لهما يمكن لروسيا أن تتكئ إليه فهي ستحافظ على تلك العلاقات بالنواجذ طالما ظلَّت عاجزة عن اختراق دائرة الهيمنة الأميركية على المنطقة. ولكن لو أتاحت الظروف لها ذلك، كمثل ما يحصل بفتح علاقات مع السعودية بعد زيارة ولي ولي عهد السعودية، ولأنها تعرف أن للسعودية مصلحة أمنية في إقفال بوابات الخطر الإيراني المحدق بها، فنحسب أن لروسيا مصلحة أيضاً في الاستجابة للحاجة السعودية، فهل يمكنها ضمان استمرار مصالحها إذا لم تسهم في إقفال نوافذ الرياح السلبية التي تهدد أمن الحليف الجديد؟ فالجواب لن يكون عصياً على اللبيب الذي من الإشارة يفهم. وهذا ما يبشر بدور روسي يعمل على مقاربة علاقاته السابقة مع علاقاته اللاحقة بما يعيد التوازن للعلاقات الدولية لروسيا، ولكن على قاعدة التوازن بالمصالح بين حلفائها. ولكن هل سيكون ذلك مفهوماً لدى النظام الإيراني؟

وهنا، لأن إيران وروسيا حليفان، وجد كل منهما نفسه محتاجاً إلى حليفه في هذه المرحلة. هنا يساورنا سؤال تفرضه طبيعة الاستراتيجية الإيرانية، وهذا  السؤال هو: هل ترتاح روسيا لأي مشروع يحمل إيديولوجية أصولية إسلامية؟ ويستند السؤال إلى أن روسيا تدرك أن أي مشروع أصولي ديني سيقابله مشروع أصولي ديني مضاد، وستكون النتيجة واحدة هي في سيطرة الدويلات الأصولية. فهل يكون في سيطرة تلك الدويلات ما يطمئن الداخل الروسي؟ بل هل لا تخشى روسيا من امتداد تأثير تلك الدويلات على وضع أمنها الداخلي؟

إن هذا الأمر يفرض السؤال التالي: ما هي مصلحة روسيا في تقسيم الوطن العربي بين إمبراطوريتين، سنية تقودها تركيا وشيعية تقودها إيران؟ وفوق هذا كله، لن يكون لروسيا أي تأثير في قرارتهما ومواقفهما، بل سيكون التأثير الأميركي عليهما معاً هو الأكثر.

إن الجواب طبعاً سيكون مرفوضاً بمقاييس الأمن الروسي، لأن شفرة التقسيم المذهبي ستحلق الذقن الروسية في عقر دارها. والأمثلة كثيرة، والمخاطر ستكون أكثر. وهذا الأمر لن يكون بعيداً عن مدارك كل من يسهم في معركة تحرير الأمة العربية من مخاطر المشروع الإيراني في هذه المرحلة.

 

احتمال شمول العراق بالمتغيرات الإيجابية أمر وارد

وهنا، هل ستكون هناك انعكاسات إيجابية جراء التحولات في مواقف دول الخليج العربي من الصراع الدائر الآن؟

وهل ستقرأ موسكو بشكل جيد ما هو المفيد لمصالحها في المرحلة القادمة؟

محاولة منا للرد على ذلك، نرى أن كل تحليل يهمل دور النظام الإيراني الخطير الراهن في العراق سيكون بعيداً عن الواقعية، لأنه لن يُعاد الهدوء إلى المنطقة العربية، وفي القلب منها أمن دول الخليج العربي، من دون إيجاد حل على الساحة العراقية يضمن إبعاد مخاطر التهديد الإيراني. ولكن هل ستكون روسيا مستعدة لكي تلعب هذا الدور؟

ما يربط روسيا بالوضع على الساحة العراقية الآن هو هدف المحافظة على العلاقة مع إيران وهذا ما يدفع روسيا إلى تقديم مساعدات مدفوعة الثمن لحكومة العملية السياسية في بغداد أولاً، ولوجود حكومة عراقية لا تهدد الدور الروسي في سورية ثانياً. ولأن المحافظة على منع إسقاط النظام السوري له الأولوية في الاستراتيجية الروسية، ولأن الدورين الإيراني والعراقي يسهمان في الدفاع عن هذا النظام، فستبقى العلاقات قائمة بين روسيا كطرف أول، وإيران والعراق كطرف ثاني، حتى تضمن روسيا وجود تحالف آخر يحافظ على مصالحها في المنطقة العربية. فهل يفي الدور السعودي بهذا الغرض؟

في حسابات الربح والخسارة، ستكون العلاقات الروسية مع السعودية أكثر جزاءً من العلاقات مع إيران لصالح روسيا، للأسباب التالية:

-روسيا اليوم مطمئنة أكثر من أي وقت مضى للموقف السعودي خاصة بعد توتر العلاقات السعودية الأميركية لأسباب العلاقة مع إيران.

-وإن لم يعلن بوتين ذلك، هناك عدم قناعة للحكومة الروسية بالدور الإيراني في العراق، خاصة أن هذا الدور يصب في مصلحة الإدارتين الإيرانية والأميركية استراتيجياً. ففي نهاية المطاف سيبيع النظام الإيراني العلاقات الروسية بأقل الأثمان عندما يحين موسم القطاف الاستراتيجي لمشروعه المذهبي في تصدير ثورته إلى معظم أقطار الوطن العربي.

-إن العلاقات مع السعودية لها امتداداتها المصرية، وذلك لأن المخاوف المصرية من الدور الإيراني يعادل المخاوف السعودية، ولكن على مدى أبعد قليلاً. فمصر تشعر بالخطر قبل أن يصل إليها، ولكن النظام المصري يعي أيضاً، أنه سيؤكل يوم يؤكل (الثور السعودي).

وكي لا تفوتنا فرصة توضيح ما هو مستقبل الموقف من الوضع السوري على ضوء العلاقات الروسية السعودية. وعن ذلك فإن فرضياتنا، حتى يثبت عكسها، هي التالية:

-كانت العلاقات السعودية السورية من جهة، والعلاقات الروسية السورية من جهة ثانية، علاقات إيجابية وتاريخية عبر عشرات السنين. وهي كانت مترافقة أو سابقة للعلاقات الإيرانية السورية. وامتد تاريخ العلاقات الإيجابية للسعودية مع النظام السوري مع وجود العلاقات السورية الإيرانية، واستمرت هكذا إلى الأمس القريب، ومالت للتوتر عندما اشتد التأثير الإيراني في العراق، أي بعد أن نال الضعف من الاحتلال الأميركي، وانتقلت عوامل الهيمنة إلى الجانب الإيراني ومعها تصاعدت الأطماع الإيرانية بالوطن العربي. وحينذاك تصاعدت المخاوف الخليجية، ولأن العلاقات السورية الإيرانية لم تنزل إلى المستوى الذي يطمئن الخليجيين، أخذت العلاقات الخليجية السورية تميل باتجاه التوتر. وهنا نفترض أنه لو عاد التأثير الإيراني إلى مستوياته الأولى، فهل سيتغير الموقف الخليجي من النظام السوري؟ وهنا نفترض أن السبب الذي وتَّر العلاقات الخليجية السورية، هي المخاوف من النظام الإيراني، فهل إذا زالت تلك المخاوف تنتقل تلك العلاقات مرة أخرى نحو مستواها الإيجابي؟ وهل يمكن للعامل الروسي أن يلعب هذا الدور؟

-إن غموض المصير الذي يحيط بالنظام السوري القائم، يضع علامات الاستفهام الكثيرة عن هوية النظام الذي سيكون البديل إذا ما سقط النظام الحالي. وتلك مسألة افتراضية لا نحسب أنها غير واردة في الحسابات السعودية. وهنا، ومن استقراء سريع لواقع القوى المنخرطة في الصراع ضد النظام والمؤهلة لأن تشكل البديل له، لا نجد فيها ما تطمئن السعودية إليه. كان الإخوان المسلمون هم المؤهلون قبل دخول داعش على خط الصراع، وداعش بوضعها العسكري الراهن هي المؤهلة، وإن القبول السعودي بأحد هذين الاحتمالين، كمن يرضى بالانتقال من الرمضاء إلى النار. وهذا ليس فحسب، بل إن الموقف الروسي يرفض بالمطلق أي حل من هذين الاحتمالين، فأحلاهما عند روسيا لا بُدَّ من أن يكون مراً.

-ومن قبيل الافتراض أيضاً، وإذا كان الحل السياسي في سورية هو الحقيقة التي لا حل حقيقي للقضية السورية من دونها. وإذا كان النظام قادراً على تشكيل وفده، فهل الطرف المقابل للنظام يمكنه أن يتفق على وفد واحد وبرنامج سياسي واضح وموحد؟ وهذا يفترض التساؤل: هل القوى المعارضة للنظام، ذات الثقل العسكري، ستسمح للقوى الأخرى بتميثلها، والنيابة عنها بالتفاوض واتخاذ القرارات؟

كلها أسئلة إذا لم تكن أجوبتها واضحة فعبثاً تكون الحلول السياسية ذات جدوى. ولكننا كيف نفترض أن تكون عليه وسائل العلاج عند ظاهرة الاتفاق الروسي الخليجي؟

للإجابة على سؤالنا الذي طرحناه على أنفسنا، نرى أنه لا بد من تحديد النقاط الجامعة بين قطبي اللقاء الروسي السعودي. وعن هذا نحسب بأن ما يجمعهما هو الوقوف بسلبية، إذا لم يكن بالخوف من مشاريع التقسيم القائمة على إيديولوجيات مذهبية دينية. وهذا يعني أن السعودية ترفضهما معاً لمخاطرهما على أمنها، وكذلك روسيا ترفضهما معاً خوفاً على أمنها القومي أيضاً. وهذه الحقيقة تؤكد أنه لا بد في نهاية المطاف من أن يتخلى كل منهما عن صاحبه: السعودية تمتنع عن مد يد العون لمن كانت تعتبره معارضاً للنظام على قواعد أصولية وطائفية، كما على روسيا أن تنصح حليفها الإيراني بالإقلاع عن مشروعها في تقسيم أي قطر عربي. واستطراداً تقديم النصح له بالإقلاع عن أحلامه في مبدأ (تصدير الثورة).

قد يبدو الأمر بعيداً عن الواقع، ولكننا نحسب أنه الأقرب للمنطق. وإذا تلاقت المصالح بين طرفين فإن المنطقي والأكثر واقعية هو أنهما سيعملان جاهدين من أجل توفير ظروف ووسائل نجاحه.

وبناء عليه، ولأن المتغيرات من حيث استنهاض المشروع الإيراني قد انطلق من العراق، فلن يفوت الطرفين المتلاقيين، الروسي والسعودي، أن يبدآ في علاجه من هناك، وسوف لن يكون العلاج بأقل من دفع النظام الإيراني للخروج من العراق.

وهل نقطة البداية ستشكل هدفاً مشتركاً بين روسيا والسعودية؟

طبعاً، وبما لا يقبل الشك، وهنا لن نُخضع أحكامنا لفرضيات قد تصيب وقد تُحطئ، لأن في إقفال بوابة العراق الشرقية في وجه التمدد الإيراني مصلحة سعودية استراتيجية. وفي استعادة العراق وحدته وقراره المستقل عن التأثير الأميركي والإيراني، لا شك فيه مصلحة استراتيجية لروسيا.

 

في مواجهة الإمبراطورية الفارسية، معركة العراق هي أم المعارك في الدفاع عن الأمن القومي العربي:

إذا كان احتلاله قد بدأ اميركياً، فلماذا التركيز على الاحتلال الفارسي للعراق؟

إن الاحتلال عمل عدواني أياً كانت هوية القوى  التي تلجأ إليه،

وإذا كان الاستعمار الغربي عملاً عدوانياً، فليس لأنه غربي، بل لأنه عمل يتناقض مع القيم الإنسانية العليا التي تضمن سيادة الشعوب على أرضها وثرواتها. ولهذا فكل من يقوم بعمل يعتدي على سيادة شعب ما، ويقوم باحتلال أرضه ويسرق ثرواته، فهو بمثابة العمل الاستعماري، ومن حق الشعب المستعمَر أن يدافع عن حقوقه، وينزل إلى خنادق مقاومته حتى تحرير أرضه.

وبناء عليه، وإذا كان الاستعمار الأميركي قد بدأ احتلاله للعراق، ولكنه أعلن هزيمته في مواجهة مقاومة الشعب العراقي، وسحب الجزء الأكبر من قواته، ونقل صلاحياته إلى الوجود الإيراني في العراق، يكون النظام الإيراني قد تحوَّل إلى مرتبة المحتل البديل الذي يمارس كل أنواع الاحتلال من هيمنة سياسية على (العملية السياسية)، وحماية الفساد وتعميم سرقة ثروات العراق، يصبح الاحتلال الإيراني احتلالاً أصيلاً للعراق يقع على عاتق الشعب العراقي مهمة تحرير العراق من المحتل الجديد.

ولقد سقنا هذه المقدمة من أجل توضيح ما التبس على وعي بعض الذين استنكروا مساواتنا الموقف الذي نتخذه ضد الاستعمار الغربي وضد الوجود الإيراني في العراق. لنستطرد ونقول لم نكن لنساوي في الحكم بين الإثنين لو نأى النظام الإيراني بنفسه عن لعب دور المحتل المستعمر في العراق. ونستطرد أيضاً فنقول: لو أعلن النظام الإيراني أنه سيترك العراق لأهله، ويسحب كل قواته وأدواته إلى داخل الأراضي الإيرانية، لكان من واجبنا أن نعلن بأن النظام الإيراني ليس محتلاً، بل هو قد وقف موقف الصديق للعراقيين لأنه ابتعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. ولأنه لم يفعل ذلك، فيستحق لقب المحتل الذي من واجب العراقيين أن يقاوموه. وهذا ما يفعلونه الآن.

 

تحرير العراق يشكل الملاذ الآمن عربياً وإقليمياً ودولياً:

لا شك بأن احتلال العراق قد شكل أرضية خصبة للمشروع الإيراني في تصدير الثورة. وإذا كنا قد ألقينا الضوء على خطورته على الأمن القومي العربي، فإن الإشارة إلى تشكيله مخاطر على الأمن الإقليمي، وخاصة تركيا، غير بعيد عن الحقيقة والواقع. ولذلك ليس دفاعاً عن الأحلام الإمبراطورية العثمانية التي تساور مدارك حكومة أردوغان، نحسب بأن المشروع الاستيطاني الإيراني في الوطن العربي قد شكَّل ردة فعل طبيعية عند تركيا، الأمر الذي عجَّل بظهور أحلام حكومتها. ونحن نعتقد بأنه إذا قُبر مشروع تصدير الثورة الإيرانية في مهده سيخفت صوت ردة الفعل التركية، لأن قبر المشروع الإيراني سيضعف حجج تركيا الحالية، وتعيد أحلامها إلى الأدراج لأنها ستفقد مبرراتها التي استندت إليها في الغوص بعيداً في الشؤون الداخلية لأقطار الوطن العربي.

 

مؤشرات الولادة لقرار عربي ودولي واعد يصب في مصلحة تحرير العراق:

إذا كان جورج بوش قد ميَّز عهده بنوايا الهيمنة على العالم بـ(القبضة الحديدية) وفشل فشلاً ذريعاً، فإن عهد أوباما قد تميَّز بالـ(قبضة الحريرية) ولكنه سيفشل أيضاً. وأما سبب فشل الإثنين فلأنَّهما اتفقا على حصد نتائج الهيمنة على العالم ولكن بوسائل مختلفة.

ونحن نعتقد أن إقلاع الولايات المتحدة الأميركية عن أحلامها في التوسع على حساب شعوب العالم، وفي القلب منه إبقاء العراق في دائرة الهيمنة، سيصبح الأكثر واقعية إذا ما تمَّ تحرير العراق من القبضة الفارسية. فهل ما نشهده الآن يصب في دائرة تحقيق هذا الهدف؟

عن هذا، وللأسباب التي قمنا باستعراضها في هذا المقال، ما تزال المراهنة قائمة على بدء ولادة متغيرات جديدة على المستويين العربي والدولي، ليشكل نقطة البداية في اتخاذ قرار نحسب أنه سيعمل على تعميق حالة الاعتراض القائمة على المستوى العربي، ليدخل العرب في مرحلة جديدة، بحيث يصبح القرار العربي قريب المنال بعد أن تمت السيطرة عليه لعقود طويلة.

وأخيراً سيبقى مقالنا مجرد ثرثرة كان لا بد منها من أجل محاولة تفسير ما يجري الآن. لعلَّ الثرثرة تصيب فنكون من المباركين للعرب ونحن جزء منهم بأنهم استيقظوا أخيراً قبل فوات الأوان. أو تكون مجرد ثرثرة غير ذات معنى، فنجد من يعذرنا على إلقاء ثرثرة على ضفاف المحيط العربي لأنها ثرثرة تنطلق من موقف الحرص على أمة يكاد الأوغاد أن يلتهموها على موائدهم.

 

 

ليست هناك تعليقات: