وتبقى ثورات تموز عروس الثورة
العربية
قد يتهمنا البعض أننا نبكي على الأطلال بعد أن قضى
الاحتلال الأميركي وشريكه الإيراني على تلك الثورة المباركة عندما عملوا على
اجتثاث البعث كي لا يعيد تكرار التجربة الرائدة في العراق، واستطراداً في أي قطر
عربي آخر.
من 14 تموزمن العام 1958، عندما أسقط البعث حلف بغداد،
إلى 17 – 30 تموز 1968 عندما بنى
البعث دولة الثورة الدائمة في العراق التي أثارت الخوف في نفوس المتعطشين على نشر
استراتيجية الهيمنة على العالم.
ومن ثورة 23 تموز من العام 1952، عندما أسقطت مجموعة من
الضباط الأحرار في مصر النظام الذي تآمر على قضية فلسطين، فأسقطوها بيد
الإمبريالية بعد العام 1973 على أيدي أنور السادات كي لا تقوم للأمة العربية قائمة
من بعدها.
يبقى شهر تموز شهر الثورة العربية بجدارة واستحقاق.
لن نبكي على الأطلال لأن البكاء عليها يعني استحالة إعادة
إعمارها كما كانت، بل نحن نعيد إبراز الرمز الثوري الذي كان العامل الفعلي في
تفجير ثورات تموز.
تموز شهر الثورات العربية بجدارة لأن مفجريها رسموا
معالم معركة التحرر العربي من كل هيمنة خارجية على كيان الأمة العربية، لأن هذا
الكيان يهدد مصالح الطامعين غير المشروعة في أرض الأمة وثرواتها.
كان التفجير الثوري في تموز مصر والعراق من صنع عربي،
بفكر عربي، وبأيد عربية، وبإرادة عربية. ومتى كانت أداة الثورة مبنية على أسس
استراتيجية، فنحن لن نبكي على الأطلال بل نستحضر من جديد وفي كل وقت تلك الأداة
الفكرية، التي فجَّرت تلك الثورات، لتبقى بوصلة تهدينا سواء السبيل مهما ادلهمت
السماوات بالغيوم ومهما كان حجم التخريب كبيراً في البنى المادية للثورة. إذ ما
دام الفكر بخير ستبقى الأمة تتطلع إلى آفاق الخير الذي سيعود من جديد ليعمَّ سماء
الأمة وأرضها.
إن المقاومة التي تجري على أرض العراق اليوم، كاستمرار
لمقاومة الاحتلال الأميركي منذ بداية العدوان، لم تكن لتحصل لولا حضور الفكر الثوري
في شتى مراحلها، منذ بداية الإعداد لها، مروراً بإلحاق الهزيمة بالاحتلال
الأميركي، وصولاً إلى مواجهة شرسة ضد الاحتلال الإيراني التي تجري فصولها في هذه
المرحلة.
نحن نبكي على أطلال لا يحميها فكر يشكل الوقود الدائم
للثورات، ولكننا نعتز بفكر يزود الثورة الشعبية في العراق لأنه وقودها الدائم الذي
يغذيها كلما أرادت قوى الشر أن تطفئه.
ذلك هو الفكر القومي القائم على ثوابت الحرية والمساواة
والعدالة ووحدة النضال والمصير هو وحده الذي يزود محركات الثورة بالوقود، وطالما
أن تلك الثوابت تمثل روحية القيم والمبادئ العليا والسامية فلا خوف على ثورة تتخذ
منها سلاحاً. ولا خوف على ثورة فقدت حتى أعظم رجالاتها من الاجتثاث لأن الفكر هو
الذي جعل من العظماء كباراً خالدين، وهو الذي سيصنع أمثالاً لهم يحملون علم الثورة
كلما رحل واحد منهم.
لقد غاب عبد الناصر، وغاب ميشيل عفلق، واستشهد صدام حسين،
ولكن الثورة التي حملوا لواءها ظلت حاضرة في نفوس من كانوا لهم الخلف. ولهذا استمرت
ثورة مصر في حضور الناصريين، واستمرت ثورة العراق في حضور البعثيين. ولهذا، وإذا
اتخذنا ثورات تموز مثالاً، فإنها الرمز الأمثل الذي يمثِّل الفكر القومي أبرز
تمثيل. ولهذا فلا خوف على الثورات القومية طالما ظل الفكر القومي يضخ وقوداً
لمحركاتها ومحركيها.
وأخيراً نرى من الواجب علينا أن نرفع أسمى التحيات إلى
مقامات ثورة يوليو في مصر، وإلى مقامات ثورات تموز في العراق، كلما أطلَّ هلال شهر
تموز في سماء أمتنا العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق