الجمعة، يوليو 17، 2015

الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي تمهيد لتأسيس نسخة جديدة عن حلف بغداد




الاتفاق النووي الإيراني الأميركي تمهيد لتأسيس نسخة جديدة عن حلف بغداد




لقد أسقطت ثورة الرابع عشر من تموز من العام 1958 في العراق حلف بغداد، فجاء احتلال بغداد في العام 2003 رداً على ذلك الإسقاط، كما جاء هذا الاحتلال مقدمة لإعادة بناء ذلك الحلف من جديد لبسط السيادة الأميركية على الوطن العربي بمساعدة ودعم من دول الإقليم الجغرافي المحيط.

إن الدلائل وفيرة ولا تخفى على ذوي الألباب، فالولايات المتحدة الأميركية من أجل ضمان سيطرتها على الوطن العربي من بوابته الشرقية تحديداً لا مناص لها من أن تضمن وجود ركائز إقليمية تستند إليها لحماية أي إنجاز تحرزه في مناطق النفط، وإنه لا بد من أن تتوفر مصلحة الدول الإقليمية التي تشارك أميركا مخططها وتعمل على إنجاحه. وهنا يلعب العامل الجغرافي دوراً بارزاً في نجاح المخطط أو فشله.

ربما تكون الولايات المتحدة الأميركية قد حجزت كرسياً لإيران في نصوص المشروع الاستراتيجي، وهذا ما يفسره الدخول الإيراني إلى العراق مباشرة فور احتلال بغداد، ولم تكن لتفعل ذلك لو لم تستند إلى اتفاقيات مسبقة وموقَّعة مع إدارة جورج بوش الإبن. وإن التذكير بتصريحات عدد من المسؤولين الإيرانيين يغنينا عن تقديم حجج كثيرة، فهي برهان ساطع يجب التذكير به من أجل كشف الخطوات التالية حينما نتصدى لتحليل مظاهر الوصول إلى اتفاق بين أميركا وإيران حول ملف الأخيرة النووي.

من هذا المنظار يُعتبر توقيع الاتفاق النووي خطوة بارزة تدعم الخطوات السابقة وتعمل على تدعيم الخطوات اللاحقة من عقد مشروع التحالف بين (الشيطان الأكبر) وملائكة (ولاية الفقيه). ولكل من الحليفين مشروعه التوسعي والاستيطاني على حساب أقطار الأمة العربية، أولهما يعمل على بناء إمبراطورية الجنس الأميركي الأبيض، والثاني يعمل على بناء إمبراطورية فارسية تحكمها شرائع مذهبية دينية.

إذن ليس توقيع الاتفاق جزيرة مقطوعة الصلات عما قبلها وعما بعدها، بل يُعتبر عقدة الوصل بين حلقات التنسيق السابقة وحلقات التنسيق اللاحقة. وهو لو كان مقطوع الصلات لما كان قد أثار المخاوف منه، بل كان يُعتبر اتفاقاً فنياً حول مسألة حقوقية للطرف الإيراني بامتلاك وسائل التقنيات النووية من جهة، ومسألة حقوقية دولية بأن لا يشكل ذلك الاتفاق خطراً على الأمن الدولي من جهة أخرى. ولكن العمل على ربطه بالمشروع الأميركي الأم هو ما يثير المخاوف والهواجس. إذن يأتي اعتراف المجتمع الدولي بحق إيران باستخدام الطاقة النووية عملية فنية لا تختلف كثيراً عن الاعتراف بحق باكستان وكوريا الشمالية مثلاً في امتلاك تلك الطاقة واستخدامها.

ليس امتلاك الطاقة النووية، بل حتى امتلاك القنبلة النووية، هو ما يشكل الخطورة على الشعوب وعلى الدول، بل هي المشاريع السياسية المعادية التي تشكل تلك المخاوف؛ وأما من أجل البرهان على ذلك فنستل أمثلة من الواقع العربي. وهنا نعتبر احتلال فلسطين في العام 1948 مثلاً أول، واحتلال العراق في العام 2003 مثلاً ثانياً.

أما الاحتلال الصهيوني لفلسطين فكان عاملاً أولياً وأساسياً في تفجير عوامل المقاومة الشعبية الفلسطينية والعربية حتى عندما لم يكن الاحتلال الصهيوني قد امتلك قوة نووية. بل لم تتوقف المقاومة الشعبية للاحتلال بعد امتلاكه تلك القوة فحسب، بل وأحرزت عليه أكثر من نصر أيضاً. وعلى الرغم من كل ذلك فهذه المقاومة الشعبية الفلسطينية والعربية ما زالت مستمرة بشكل أو بآخر ترفع شعار تجريد العدو الصهيوني من سلاحه النووي كشعار ثانوي، وظل شعار تحرير فلسطين من الوجود الصهيوني يحتل المرتبة الأول والشعار الرئيسي والاستراتيجي. وتلك الحقيقة تبرهن على أن مواجهة مشاريع الاحتلال والعدوان هي ما تشكل استراتيجية الفعل المقاوم.

وأما احتلال العراق على يد الولايات المتحدة الأميركية صاحبة الترسانة النووية الأضخم، فلم يكن شعار المقاومة العراقية الدعوة لتجريد أميركا من السلاح النووي، بل كان هدفها الرئيسي والاستراتيجي هو تحرير العراق من آثار العدوان والاحتلال.

وقياساً عليه يُعتبر المشروع النووي الإيراني حالة عسكرية فنية لا تثير المخاوف، لأن السلاح النووي هو سلاح ردع سلبي، وليس سلاحاً هجومياً يسهل استخدامه. ويُراد من امتلاكه، حسب المخطط الإيراني، أن يشكل دعماً لمشروع إيران في (تصدير ثورة ولاية الفقيه). وهنا تكمن عوامل الخطر والخطورة على الأقطار العربية. وما كان ذلك المشروع ليأبه به أحد من العرب لو لم يقترن بمشروع خطير يعمل على تصدير ما يزعم النظام الإيراني أنه ثورة إسلامية. فليتم إلغاء مشروع تصدير الثورة فعندئذ لن تجد أحداً من العرب من يأبه بكل الأسلحة النووية أوغيرها.

وأخيراً، ولكي لا نضيِّع الوقت بالتلهي حول حق إيران بامتلاك الطاقة النووية أو حتى القنبلة النووية، أو عدم حقها، فنرى أن كل شعوب العالم لها بحق بامتلاك السلاح الذي تريد، ولكن..

على أن لا يكون هذا السلاح أو ذاك أداة من أدوات العدوان على حقوق الآخرين تحت أي ذريعة كانت، وبالأخص منها تلك الذرائع التي تزعم بأنها (اوامر إلهية) تحسب بأن الله دعا إلى أحقية دين أو مذهب بالسيادة على الأديان والمذاهب الأخرى. أو تلك الذرائع التي تزعم (أحقية عرق من الأعراق البشرية) بالسيادة على الأعراق الأخرى.

 

 


ليست هناك تعليقات: