هل
بدأت ثورة الجياع في العراق ضد مغارة علي بابا والأربعين ألف حرامي؟
إذا كانت هناك
إشكالية في الشعور بالانتماء إلى وطن عند الجهلة والتابعين من المتعصبين، فليست
هناك إشكالية في الشعور بالانتماء إلى طبقة الجوعى والمرضى.
لقد مرَّ تزييف الشعور
الوطني على بعض العراقيين الجهلة وصدَّقوا أن خلاصهم يأتي على أيدي من يزعم أنه من
أمراء المذهب، وأقنعتهم مرجعياتهم الدينية المزيفة أنهم لا ينتمون إلى وطن اسمه
العراق أو إلى أمة اسمها الأمة العربية بل أقنعتهم بأنهم ينتمون إلى مذهب وعليهم
أن يخلصوا له على حساب إخلاصهم لوطنهم.
وأما الآن فيعبِّر
المشهد العراقي عن أن التزوير الذي مارسته المرجعيات الدينية والسياسية بدأ يظهر إلى
العلن. فلم يعد العراقيون المضلَّلون يصدقون ما قيل لهم بأن حقوقهم ستكون مصانة في
ظل حكم أمراء مذهبهم. الآن يبدو أن أولئك المضللين قد أدركوا أن (حاميها هو
حراميها). لقد تأكد هؤلاء أن الحاكم الفاسد والمجرم والحرامي لم يأت من خارج أبناء
مذهبهم بل هو منهم بالتأكيد. هو فاسد باسم المذهب، ومجرم باسم المذهب، وحرامي باسم
المذهب.... ولذلك نرى أن عصر التزوير والتزييف والضحك على الذقون بواسطة التحريض
والفتاوى المزورة، لم يعد ينطلي على تلك الجموع الحاشدة التي ملأت الشوارع
والساحات في معظم مدن جنوب العراق، وراحت تتحدى القمع البوليسي وتقف في وجه أمراء
طوائفهم المزيفين وتصرخ طالبة حقوقها المسلوبة، وأموالهم المنهوبة، وأرواح أبنائهم
المخطوفة... كما تطالب محاسبة اللصوص والمتاجرين بلقمة الشعب وحبة الدواء المخصصة
له.
وإذا كان أمراء
المذاهب قد ضحكوا على ذقون أبناء مذهبهم بتزييف شعورهم الوطني والقومي، ولكنهم لم
يستطيعوا أن يقنعوهم بأن بطونهم خاوية، وأجسامهم المريضة تحتاج إلى علاج. كما لم
يستطيعوا أن يتهموا أمراء المذاهب الأخرى بأنهم الذين أهدروا حقوقهم ودمهم
وثرواتهم، وعاثوا فساداً في الأرض، فهؤلاء هم يقفون وجهاً لوجه أمام الشعب عارين
حتى من ورقة التوت.
لقد زوَّرت بعض
المرجعيات الدينية في العراق حقائق الانتماء إلى وطن أمام الذين يلتزمون بتقليدهم،
وزيَّفت لهم أن الشعور بالانتماء إلى ملَّة أو مذهب هو ما يوصل إليهم الحقوق
المتوجبة لهم في رقاب السلطة السياسية. لقد خدعتهم طوال سنين مضت خاصة بعد سقوط
وطنهم في أيدي البرابرة القادمين من الغرب، وفي أيدي عصابات المذاهب ومافياتها القادمين
من الشرق. ولكن الآن انكشفت أكاذيب البرابرة الذين جاؤا لينشروا الديموقراطية
وتعميم الرخاء للعراقيين كافة، كما انكشفت أكاذيب العصابات المذهبية القادمة من
الشرق الذين زعموا أنهم دخلوا العراق ليحموا أبنا مذهبهم من ظلم الآخرين.
فلا القادم من
الغرب أصدقهم القول، ولا القادم من الشرق أصدقهم الوعد. بل راح هؤلاء وأولئك،
ينهشون بلحم الضحية العراقية من دون تمييز بين مذهب أو مذهب، بين عرق وعرق. نهشوا
ولم يُتخموا، فوقعت الدولة العراقية الغنية بمواردها بإفلاس عرى الجميع من ورقة
التوت التي كانت تستر عوراتهم.
لقد استكان
المخدوعون من العراقيين في جنوب العراق للفتاوى، وراهنوا على أن الجنة ستكون تحت
أقدام أولئك الأمراء من رجال دين ودنيا، ولكن أحوالهم كانت تتغير من سيء إلى أسوأ،
وإذا بأولئك الأمراء يتحولون إلى أمراء تترأس مافيات من الفساد والسرقة والحرامية
كانت أولى إنجازاتهم أنهم أفرغوا خزينة الدولة العراقية الني لم تفرغ يوماً. وإذا
بأمعاء العراقيين تصبح خاوية، تلك الأمعاء التي لم تشعر بالجوع حتى في أصعب ظروف
الحصار التي فرضتها مافيات الغرب.
وإذا كان البعض ما
زال مخدوعاً بأن الشعور الوطني لا يُطعم جائعاً ولا يشفي مريضاً، فهم الآن يعانون
من آلام الانتماء إلى مذهب، بعد أن أصبحت أعداد طوابير الجائعين تصل إلى الملايين،
وكذلك طوابير المرضى، أو الذين هم بحاجة إلى قطرة ماء، أو بصيص من نور كهرباء.
قال الإمام علي بن
أبي طالب: (إني لأعجب لجائع لا يرفع سيفه بين الناس). ولأن ليس للجوع مذهب أو دين،
كنا ما نزال نعجب نحن أن الجائعين ممن استلم أمراء طوائفهم السلطة لم (يرفعوا
سيوفهم) حتى الأمس القريب.
وأما الآن فنتساءل:
هل ما نراه من سيوف يرفعها المظلومون من البصرة إلى بغداد مروراً بالنجف وكربلاء،
هي سيوف الجائعين؟
وهل ما نراه من
سيوف مرفوعة، ستعود إلى غمدها مرة أخرى؟
وهل ما نراه من
سيوف مرفوعة، لن تدب الرعب في نفوس علي بابا والأربعين ألف حرامي يحكمون العراق
اليوم؟
نرى أنها حقائق
التاريخ لم تسجل أن شعباً ثار ضد الجوع والمرض قد تراجع عن ثورته.
أيها العراقيون، من
الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، وحدوا صفوفكم، واتحدوا في وجه من غرَّر
بكم من زعمائكم الذين خدعوكم أنهم جاؤا لكي يحكموكم بالعدل، فقد كشفتهم التجارب
فتأكد لكم أنهم جاؤا ليملأوا جيوبهم الخاوية على حساب حقوقكم من أدناها إلى
أعلاها. وما مظاهر تبديل من كُشف أمره بآخر، وإنما لكي يتناوبوا على السرقة والفساد.
إن خلاصكم في أن
تتوحد صفوفكم كعراقيين وليس كشرائح مذهبية، لأن من يذبح بكم ويقتات بدمكم لا دين
له ولا مذهب. كونوا للعراق فسيكون العراق لكم، بل سيكون العراق لأهله، وليس لبربري
قادم من الغرب أو لمتعصب غاصب قادم من الشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق