إلى أصحاب الوساطات لوقف التصعيد بين السعودية
وإيران:
إطفاء ألسنة اللهب لن يُخمد الحريق، بل إقفال خزان
وقود (تصدير الثورة)
إذا اشتعلت النيران
في خزان للوقود تتصاعد ألسنة اللهب، ويكون دور الإطفائي النبيه أن يفتش عن الخزان
الذي يغذي الحريق من أجل معالجة تسرب الوقود منه كعلاج أساسي وضروري لإطفائه.
وهذا ينطبق على ما
يُسمى بالتدوال السياسي الحالي إيقاف حالة التصعيد الخطابي بين السعودية وإيران. وردَّاً
على ما يتم التدوال به من دخول فاعلي الخير لرأب الصدع بينهما، نرى أنه ليست هكذا
تتم عملية إطفاء الحريق المندلع في علاقاتهما الديبلوماسية والسياسيةا، لأن هذا
الدخول شبيه بدور الإطفائي غير النبيه الذي يكافح ألسنة اللهب من دون الاهتمام بمصدر
الحريق. وقد خُيِّل للكثيرين أن حصول التصعيد بينهما قد بدأ منذ نفَّذ القضاء
السعودي الحكم بإعدام الشيخ السعودي نمر النمر لإدانته بتهمة أساسية هي تعاونه مع
جهة أجنبية ضد أمن بلده.
قبل تنفيذ حكم
الإعدام كانت العلاقات بين السعودية وإيران على غاية من التوتر والتصعيد حتى ولو
لم تظهر علاماته الدالة عليه، فجاء التنفيذ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، أو
عود الثقاب الذي أشعل الحريق، فظهرت ألسنة لهبه بشكل واضح أمام من كانوا لا يأبهون
بأسباب الخلاف الاستراتيجي بينهما، أو لم يتعبوا أنفسهم برؤيتها. ومن أجل الكشف عن
حقيقة هذا التصعيد يصبح من الضروري أن نفتِّش عن الأسباب الأساسية التي رفعت أجواء
التصعيد الإعلامي إلى سقفها الأعلى الذي بدا واضحاً للعيان.
ومن أجل التقديم
لذلك، نرى أن الصراع بين النظامين المذكورين قديم وتعود أسبابه إلى التناقض الكبير
بين استراتيجيتهما وإيديولوجيتهما على الصعيدين المذهبي والوطني.
لا شك بأن التناقض
المذهبي له دور لم يكن ابن ساعته بل هو تناقض تاريخي لا مجال لتفصيل تاريخيته،
ولكنه في العصر الحديث والراهن، لما قبل سنوات قليلة، أخذ بالظهور إلى العلن
بتصاعد بطيء كانت تزداد فيه نسبة الاحتقان حتى بلغت درجة الغليان فدرجة الانفجار
الذي حصل بعد حادثة إعدام الشيخ نمر النمر. إن وراء حالة الاحتقان فالانفجار عاملان
استراتيجيان، وهما:
-العامل الأول، إعلان نزعة التوسع الإيديولوجي: منذ وصول الخميني إلى السلطة بعد انتصار الثورة الشعبية الإيرانية، التي
قادها الملالي الإيرانيون، أعلن أن النظام الجديد في إيران يسترشد بـ(نظرية ولاية
الفقيه) ووجوب (تصدير الثورة) إلى خارجه. وكان ظهور هذه النزعة بمثابة الإنذار
الأول لكل الدول ذات الأغلبية المسلمة. وكان الإعلان عنها بمثابة السبب العاجل
الذي أخذ يزيد من حدة الاحتقان عند الدول العربية خاصة تلك المجاورة لإيران، وخاصة
في العراق ودول الخليج العربي.
-العامل الثاني، ترجمة للعامل
الإيديولوجي إعلان البدء بتنفيذ التوسع الجغرافي إلى
خارج الدولة الإيرانية لتنفيذ ما يزعم نظام ولاية الفقيه أنه أمر إلهي، وذلك ببناء
حكومة عالمية. وحينذاك لم يطل مقام
الخميني في السلطة إذ عزم على البدء بتنفيذ (الوعد الإلهي) انطلاقاً من العراق، وهذا
العامل وحده يصبح كافياً لتحديد من بدأ حرب السنوات الثمانية بين العراق وإيران.
لقد أصبح العاملان
الاستراتيجيان خزاناً لوقود التحريض، وهذا لا يخرج عن كونه منهجاً تكفيرياً مهما
تم تغليفه بخطابات سياسية مُضلِّلَة.
وإذا كانت حدة
الخطاب الإيديولوجي الإيراني المعلن قد خفتت إلى درجاتها الدنيا قبل العام 2003،
نتيجة هزيمة النظام الإيراني في حرب السنوات الثمانية، فلأنه تحوَّل إلى مرحلة
الكمون منتظراً أية فرصة مناسبة للانطلاق من جديد. وقد استغل مناسبة العدوان
الأميركي على العراق في العام 2003، واحتلاله فتسلل تحت حماية طائراته، وأوغل في
تنفيذ سياساته، التي هي هدف أساسي من أهدافه. واستغل الفرصة مرة ثانية حينما شغل
وظيفة الاحتلال المُبطَّن للعراق بعد هزيمة الاحتلال الأميركي في العام 2011. ومنذ
تلك اللحظة ابتدأ فعلياً بتنفيذ أهدافه الإيديولوجية.
وبعد الهزيمة
الأميركية في العراق، فقدت دول الخليج العربي ثقتها بما كانت تعتقد أن الأميركيين
يشكلون حماية لها. ولما تعمَّق الاحتلال الإيراني للعراق، بدأت تلك الدول تشعر
بخطأ حساباتها عندما ساعدت أميركا باحتلاله.
وكان من نتائج استفراده بحكم العراق، أن المشروع
الإيراني أصبح على كتف دول الخليج العربية الشمالية، وازدادت المخاوف بعد التدخل
الإيراني بشؤون البحرين، وتعمَّقت بعد التدخل في اليمن عبر التحالف مع الحوثيين
وخاصة عندما أعلن أكثر من مسؤول إيراني أن الإمبراطورية الفارسية بدأت تتحقق
بالسيطرة على أربع عواصم عربية (العراق وسورية ولبنان واليمن)، وأُصيبت تلك الدول بالهلع
بعد انتشار التأييد لعقيدة ولاية الفقيه في مناطق شرق السعودية التي كان الشيخ نمر
النمر فارسها وداعيتها والمحرض على تطبيقها.
ولذلك، وبعيداً عن
الناحية الحقوقية الوطنية والدولية للسعودية في حقها بتقرير مصيرها، وواجبها في
حماية أمنها الداخلي، كان الحكم بإعدام الشيخ النمر آخر الدواء الكي. وكان تنفيذ
حكم الإعدام بمثابة عود الكبريت الذي أشعل النار في خزان وقود الاحتقان المزمن.
وظهرت الحالة كما صورتها وسائل الإعلام، أو كما خُيِّل لبعض الدول، بأنه يمكن
إيجاد الحلول لها بوساطات من هنا أو هناك، بحيث لا تخلو الدعوة لها من السطحية
وسوء الفهم لأساس مشكلة الصراع السعودي – الإيراني، وفي أقلِّه فقد تجاهل أصحاب الوساطات بين الدولتين الأسباب
الحقيقية للصراع، وكان تجاهلهم يستند إلى أغراض سياسية مرحلية.
وخلافاً لما حسبت
أكثر الأطراف الدولية، نحسب نحن، أن الحل لإطفاء ألسنة النيران المتصاعدة لن يتم
باعتذار عن إعدام الشيخ النمر، ولا باعتذار عن الهجوم على السفارة السعودية، بل
يتم بإقفال خزان الوقود الذي يغذي النيران، وهذا الخزان مملوء بالوقود الإيراني
بشكل أساسي. والوقود الإيراني ماثل في أهداف نظام ولاية الفقيه النظرية، وأهدافه
السياسية في التدخل والتوسع على حساب الشعوب والدول الأخرى، والهدف الاستراتيجي من
ورائه يتشعب إلى ثابتين، وهما:
-الثابت الأول عقيدي ديني مذهبي، وهو بناء حكومة دينية عالمية يقودها الملالي في طهران تمهِّد لظهور
(المهدي المنتظر).
-والثابت الثاني عقيدي قومي فارسي، من أجل استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي قضى عليها الإسلام قبل
مئات السنين.
ولذلك، وإذا لم
يستند الوسطاء إلى تلك الحقائق، فإن إطفاء ألسنة اللهب يصبح مستحيلاً طالما أن
خزان الوقود ممتلئ.
قد يرى البعض أن من
حق إيران أن تحمي مصالحها، وهو مبدأ حقوقي مشروع تقوم عليه سيادة الدول. ولكن من
يعطي الحق لأي دولة في العالم بأن تحمي مصالحها على حساب مصالح الشعوب والدول
الأخرى، يبتعد عن الصواب، وهو سيكون أعمى مصاباً بالعمى الإيديولوجي السياسي، وفي
أقل الأحكام سيكون أحولاً لا يفقه من الحقوق الإنسانية شيئاً.
لقد انتهى عصر
الإمبراطوريات التي تعيش على آلام وجراح الشعوب الأخرى. وكما خرجت أميركا من
نزعتها الإمبراطورية مهزومة على وقع رصاص المقاومة الوطنية العراقية، فعلى إيران
أن تُقلع عن حلمها، لأنها لن تصمد أمام إصرار تلك المقاومة على تحرير العراق
والمحافظة على مصالحه الوطنية، وحقه بتقرير مصيره من دون أي تدخل خارجي. وإذا كانت
المقاومة الوطنية العراقية منفردة قد ألحقت الهزيمة بمن هو أكثر قوة من إيران، فكيف
بها إذا اضطرت أن تواجه المقاومة العراقية مدعومة بكل من وعى، وإن كان قد جاء
متأخراً، حقيقة مخاطر إخطبوط نظام ولاية الفقيه، سواءٌ أكانت شعوباً أم كانت
دولاً.
إن عودة الوعي
الخليجي لمدى مخاطر احتلال العراق على أمنها القومي.
وإن اتخاذها القرار
بإرغام إيران على الإقلاع عن أهدافها الخطيرة، وخاصة بمنعها من التدخل السافر في
شؤون الوطن العربي.
وإن إعلان المقاومة
العراقية بالانضمام إلى التحالف المذكور.
نعتبرها حزمة
متكاملة من القرارات لا يعيب المقاومة العراقية بالمشاركة في تنفيذها بكل ثقلها.
وإن غير ذلك أمر
مردود على كل ما تروجه أكثر الوسائل الإعلامية المنحازة للنظام الإيراني. وإذا
كانت إيران حريصة على حماية أمنها القومي، فإن العرب حريصون أيضاً على أمنهم. أليس
الأمن القومي خط أحمر، والمحافظة عليه وحمايته واجب على العرب كلهم أن يلتزموا
بتطبيق موجباته، فليس هناك من أولوية تسبقه على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق