مناقشة
لبعض المصطلحات والمفاهيم
في الخطاب
السياسي العربي
دأب بعض السياسيين
والكتاب العرب على استخدام مصطلحات ومفاهيم في مواقفهم السياسية مما يجري على
المستوى الدولي تجاه قضايا الصراع العربي الاستعماري – الصهيوني، وتحليلها على ضوء مواقف مرحلية من دون ربطها
بالثوابت ذات العلاقة بمصلحة الأمة العربية، ووراء دافعهم إلى ذلك قد تكون مواقف
ثأرية تجاه بعض القضايا التي حسموا مواقفهم ضدها أو معها بشكل مسبق وسابق. كما
أنهم يبادرون إلى تحليل بعض الأخبار، كما تحصل في ظرف مرحلي محدود من دون تمحيصه
وربطه بجذوره الاستراتيجية التي شكَّلت عمقه الأصلي. ونتيجة لذلك نعتبر تحليل
الخبر من دون ربطه بالثوابت التي صاغته والتي كانت وراء صناعته، سيتبخَّر التحليل
وتذروه رياح أخبار أخرى. قد تشكل مفاجأة لهم.
وفي مقالي هذا
سأضيف إلى ملف سابق كنت قد كتبت فيه رأيي الشخصي حول بعض المصطلحات والمفاهيم ذات
العلاقة فيما يجري من أحداث تلف الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه. والملف السابق
المذكور أطلقت عليه العنوان التالي: (نحو مؤتمر فكري لمعالجة قضايا الحراك
الشعبي العربي: قراءة منهجية في تعريف المصطلحات ذات العلاقة) ونشرته بتاريخ
19/ 10/ 2015 . وفي هذا المقال سأضيف إلى السابق بعض المصلحات والمفاهيم الأخرى
التي أعتقد من جانبي أنها تنافي الموضوعية وحركة التاريخ. وإسهاماً مني بتصحيح
الرؤية إليها، كما أراها من زوايا متعددة، لعلَّها تلقى قبولاً لدى المفكرين العرب
في أي مؤتمر قد ينعقد في هذا السبيل. وأما القضايا التي سأتناولها بالنقد فهي
التالية:
-أولاً: المساواة
بين الدورين الروسي والأميركي في الصراع الدائر في سورية.
-ثانياً: إلقاء
اللوم على أميركا بأنها لم تف بوعودها في مساندة معركة إسقاط الأسد.
بداية لا بُدَّ من
الإشارة إلى ضرورة الاتفاق حول منهج تحديد الموقف من قضية ما، الذي على ضوئه يكون
الموقف إما جزئياً قاصراً، وإما أن يكون الأقرب إلى الشمولية والموضوعية. وهنا، ولأن
للنظر إلى تلك القضية بتسطيح وقائعها أو تبسيطها يكون الموقف تسطيحياً وتبسيطياً،
وأما النظر إليها من زوايا متعددة، وخاصة الزاوية الاستراتجية، فيكون الموقف
معمَّقاً وموضوعياً. فمنهجية تحديد الموقف، إذن، إما أن تكون من زاوية واحدة، وإما
أن تكون من زوايا متعددة. وأسوأ المنهجيات هي التي تتحكم فيها العواطف والأماني
والمواقف المسبقة من شخوص تلك القضايا لأن المحلل لتلك القضايا يعمل جاهداً
لمقاربة تحليله للحدث مع أمانيه الخاصة والشخصية، أو يحلل الحدث بناء لمظهره في
ظرف ما وفي مكان ما.
ولأن لكل قضية
زوايا متعددة فلن نجد هناك قضية تُعتبر أحادية الزوايا إلاَّ إذا نظرنا إليها من
سطحها دون النظر إلى عمقها، حينئذ ستكون منهجية النظر لقضية ما من زاوية واحدة
عاجزة عن الوصول إلى موقف موضوعي وسليم، والسبب أن الحقيقة أو جزء منها قد تكون في
الزوايا غير المنظورة للكاتب أو السياسي. وأما منهجية النظر إليها من زوايا
متعددة، حتى لو كانت تلك الزوايا تتنافى مع عواطفنا وأمانينا، فتعمل على تحصين
الموقف ومنعه من الانحدار باتجاه الذاتية التي غالباً ما تكون كعين الحب كليلة عن
رؤية معايب الحبيب، أو تكون كعين الكره التي تتحاشى رؤية محاسن البغيض. واستناداً
إلى تلك الأسباب يمكننا أن نبدي وجهة نظرنا في تحديد أي منهج بالتحليل هو الذي
يحمل مصداقية أكثر ويكون أقرب إلى الموضوعية. ومن أهم الشروط التي نراها صالحة
لتحليل سليم، نذكر منها التالي:
لأن رؤية كل قضية
يتم من جميع الزوايا التي تحيط بها، يشكل الخبر كما يُنشر سطح القضية وليس عمقها.
ولأن تحليل الخبر، يعبر عن جزء من قضية، يُوجب
على المحلل أن يستحضر الأجزاء الأخرى، ليقوم أولاً بتمحيص صدق الخبر أو كذبه،
وبالتالي أن يكون عارفاً بالاستراتيجية التي يعتمدها صانعه، أو مصدره. وإذا كان
الخبر يشكل سطح القضية فإن الاستراتيجية التي صنعته يشكل عمقها. ولهذا إذا فُصل
تحليل الخبر عن عمقه الاستراتيجي سيكون تسطيحياً وسينهار عند أول فرصة. في مثل هذه
الحالة على المحلل الخبري أن يربط دائماً بين مظهرية الخبر السطحية وبين عمقه الاستراتيجي
لكي يصمد تحليله ويحافط على مصداقيته وموضوعيته.
واستناداً لتحديدنا
المنهج الذي نسلكه بتحليل القضايا، سنتناول بالنقد ما نعتبره خطأ يقع بعض الكتاب
فيه.
-أولاً: المساواة
بين الدورين الروسي والأميركي في الصراع الدائر في سورية.
يقع بعض الكتَّاب
في شبهة النظر إلى الدور الروسي الراهن في القضية السورية لعلاقة روسيا الإيجابية
بالنظام وبالقوى الإقليمية الحليفة للنظام السوري، التي ينظر إليها الكاتب نظرة
سلبية أو نظرة عدائية. فمن ينظر إلى حلفاء روسيا في القضية السورية بالعين السلبية
لا يرى في الدور الروسي محاسنه، ويعتبر تدخل روسيا في الشأن السوري كمثل التدخل
الأميركي فيه بما في هذا التساوي من إجحاف يتنافى مع الموضوعية التي تتعالى على
المواقف المسبقة والمواقف الذاتية. ومن هنا يبدأ التحيز بالموقف والقصور فيه.
واستناداً إلى
منهجيتنا في تظهير الموقف الموضوعي، سنحدد نقاط الخطأ التي يقع فيها البعض باعتبار
الدورين الروسي والأميركي متساويين ومتشابهين بالأهداف والأطماع.
-إذا قرأنا فلسفة
التاريخ، وليس وقائعه كأحداث فقط، بل بقراءة أحداثه وما كان لها من تأثير في صياغة
مفاهيم جديدة أصبحت قوانين فيما بعد توجِّه العلاقات بين الدول، سنجد أن علاقات
الدول تُبنى على المصالح، سيَّان كانت الأنظمة الحاكمة فيها إقطاعية أو رأسمالية
أو اشتراكية أو ملكية أو جمهورية تقدمية أم رجعية. وعن هذا كانت روسيا منذ القِدَم
تشكل الند الرئيس للغرب الأوروبي. ومن بعد غياب تأثيره انتقلت الندية إلى العلاقات
مع الولايات المتحدة الأميركية. ولهذا يمكن القول: (إن الشرق الأوروبي شرق، والغرب
الأوروبي غرب، ولن يلتقيا)، إلاَّ بسياسة التوازن بالمصالح خاصة في (المياه
الدافئة) لأقطار الوطن العربي. وإذا كنا مع تطبيق تلك القوانين على مقاسات مصالح
الأمة العربية، فما علينا إلاَّ العمل من أجل أن لا يكون توازن المصالح بين
الآخرين على حساب مصالحنا. فلا هذا يلغي ذاك، ولا ذاك يلغي هذا. لأنه عندما تتناقض
مصالح الآخرين مع مصالحنا فليس من المنطق أن نعمل لإلغاء قانون التوازن بالمصالح،
لأنه أصبح قانوناً عالمياً وثابتاً لا يمكن تغييره إلاَّ بتطبيق جمهورية أفلاطون
العالمية، بل علينا أن نناضل من أجل أن يكون شاملاً وعادلاً بين كل الدول كبيرها
وصغيرها، قويُّها وضعيفها، غنيها وفقيرها.
إن قانون التوازن
بالمصالح بين الأوروبيتين كان إنتاجاً لما اصطلح على تسميته بـ(المسألة الشرقية) التي
تحولت إلى قانون لتوازن المصالح بينهما بعد سلسلة طويلة من الحروب الدامية عُرفت
بـ(حروب القرم)، وهي انتقلت من كونها حدثاً تاريخياً إلى مبدأ سياسي يعبِّر عن
التوازن في العلاقة بين الشرق والغرب الأوروبي. وقد أثبت واقعيته وصحته كقانون
سياسي دولي منذ روسيا القيصرية، ومن بعدها الاتحاد السوفياتي، ووريثهما نظام بوتين
الحالي.
وهنا، لا بُدَّ من
الإشارة إلى أن عهد يلتسين اعتُبِر مرحلة انتقالية في العلاقات بين روسيا والغرب،
غاب فيه قانون المسألة الشرقية، لأنه كان ممالئاً للغرب وسائراً في ركابه، وربما
كان استسلام يلتسين لسياسة الغرب هي التي أغرت إدارة اليمينين الأميركيين الجدد،
برئاسة جورج بوش الإبن، للإعلان عن بدء تنفيذ مشروعهم بإقامة (قرن أميركي جديد)،
واعتبار حكم العالم بأوحدية قطبية أميركية.
بدأ المشروع
الأميركي، منذ العام 1992، بتفكيك ما تبقى من دول كانت تشكل أعضاء بالاتحاد
السوفياتي. ولما اكتملت الهيمنة الغربية بتفكيك يوغوسلافيا، وإحكام الطوق الصاروخي
حول روسيا، انتقل المشروع إلى المنطقة العربية، وكانت البداية باحتلال العراق في
ظل غياب القطبية الثانية في العالم، واستفراد أميركا بحكمه بقطبية أميركية واحدة. وظلَّت
الأوضاع الدولية على ما هي عليه إلى الوقت الذي شعرت روسيا بوتين بالخطر الداهم عليها
في العام 2011. وانطلاقاً من سورية تدخلت روسيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً لحماية
النظام العربي الوحيد الذي بقي لها بعد احتلال العراق. واستمر التدخل حتى أواخر
العام 2015، وفي أوائل العام 2016 أصبح التدخل عسكرياً لمنع إسقاطه لمصلحة الحلف
الأطلسي، وفي هذا الإسقاط ما فيه من مخاطر جمَّة تهدد ليس المصالح الروسية
الاقتصادية فحسب، بل فيه أيضاً تهديد للأمن الروسي الخارجي والداخلي معاً. إن
التدخل الروسي بكل أشكاله، وفي كل توقيتاته يجب أن لا يشكل مفاجأة، لأن المفاجأة يجب
أن تكون في عدم التدخل. ولهذا، وبمنطق مسار الأمور على الساحة السورية، يُعتبر
التدخل الروسي في سورية وسيلة دفاعية عن مصالح روسيا في مواجهة الحلف الأطلسي، لحماية
النظام الذي عقدت معه، منذ وقت طويل، اتفاقيات استراتيجية دفاعية عسكرية وأمنية
واقتصادية. ومنذ تلك اللحظة بدأ العالم يشهد وكأن هناك متغيرات جذرية في الموقف
الروسي، بينما الأمر كان بالعكس من ذلك، فلم يتغير فيه سوى الوسائل وليس مضمون
الأهداف. واستطراداً نعتبر أن قرار الانسحاب الروسي الجزئي الأخير، كان من أجل إتاحة
الفرصة لنجاح المفاوضات السياسية الجارية في جنيف، ولكن على قاعدة (إذا عدتم
عدنا)، أي في حال فشلها لن يكون من المستغرب أو المفاجئ أن تستعيد روسيا نشاطها
العسكري في سورية من جديد.
-كان التدخل الروسي
في سورية تنفيذاً لاتفاقيات معقودة سابقاً، أي أن تدخلها كان لحماية منطقة نفوذها
الوحيدة في سورية بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، واحتلال العراق، وتدمير ليبيا.
وهنا نشير إلى خطأ
تحليلي يتكرر عند بعض الكتاب، ومضمونه يتوقع حصول تواطئ روسي - أميركي على النظام السوري
لتقاسم المصالح في سورية، وهذا خطأ يتنافى مع الاستراتيجية النظرية والواقع، لأن
روسيا غير مضطرة لمشاركة أحد في سورية المحسوبة كلياً عليها إلاَّ في حالة واحدة وهي
الاختلال في موازين القوى العسكرية على الأرض بشكل تصبح فيه روسيا عاجزة عن متابعة
إسنادها للنظام. ولهذا جاء التدخل الروسي العسكري الأخير لكي يمنع وجود الاختلال
في موازين القوى العسكرية لمصلحة خصوم النظام. وهنا لا ننسى أن أولئك الخصوم ممن
أصبح معظمهم ملوَّثين بكثير من التهم، ولعلَّ أبرزها الاستنجاد بالقوى الخارجية
سياسياً وعسكرياً ومالياً.
-وبمنطق العلاقات
الدولية يحق للنظام، على الرغم من كل أخطائه في سياساته الداخلية، أن يطلب ممن
التزم معهم باتفاقيات ومعاهدات أن يطبقوها في الظروف المناسبة التي تستدعي منهم
التدخل. وما التدخل الروسي في سورية سوى تطبيقاً لمضامين المعاهدات العسكرية. وهذا
ما تلجأ إليه كل الدول في العالم. وإذا كان البعض يعتبر تطبيق المعاهدات
والاتفاقيات بين روسيا وسورية خطأ، فيعني ذلك أن الخطأ هو بمبادئ القانون الدولي.
واستطراداً، وإذا اعترفنا بهذا الخطأ، فيمكننا تسجيل الأخطاء على كل الأنظمة
العربية التي عقدت في القرن الماضي اتفاقيات صداقة ومعاهدات عسكرية وسياسية
واقتصادية مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، والتي كان تسليح الجيشين المصري والسوري في
حرب أكتوبر مثالاً لها. وإلاَّ فستكون كل التحاليل التي تدين التدخل الروسي في
سورية واقعة في ازدواجية المعايير. وإذا كان بعض المحللين يجهرون بوقوفهم بالضد من
التدخل الروسي في سورية على الرغم من مشروعيته الدولية الحالية والتاريخية، إلاَّ
أن ما يثير الاستهجان والاستغراب، أنها لم تتوَّقف عند جرائم بعض السوريين منظمات
وأفراد في التعاون مع القوى الخارجية، وتمارس معها شتى أنواع الاتصال والتنسيق
والتمويل المادي والعسكري والسياسي والأمني.
وإن الخطأ هنا يظهر
بقيام البعض بالمساواة بين التدخلين الروسي الذي يقوم بتنفيذ مضمون المعاهدات التي
وقَّعها مع النظام، والتدخل الخارجي الذي يدعم من تسمى بقوى المعارضة على الرغم من
التهم التي تُشير إليها.
-إن مصلحة الأمة
تتوفر بمنع أي تدخل خارجي بالشؤون الداخلية للدول، وهذا ما لم تلتزم به الدول
والأنظمة التي سارعت إلى دعم المعارضة السورية الداخلية، وقدمت لها كل وسائل الدعم
والرعاية. وكان من أشدها وضوحاً محاولات تمرير قرار لمجلس الأمن الدولي تحت مزاعم
حماية المدنيين السوريين، أي استصدار قرار شبيه بالقرار الذي تم تمريره لمواجهة
نظام معمر القذافي، فكان ذلك التمرير سبباً في تدمير الدولة الليبية وسيادة فلتان
الميليشيات. هذا مع العلم أن حبل التدمير والتفتيت مستمر حتى الآن، وبعد مضي خمس
سنوات على احتلال ليبيا، يسير على قدم وساق.
-من كل تلك الأدلة،
لا يجوز المساواة بين التدخلين الأميركي والروسي في سورية، لأنه في حساب المصالح
كان التدخل الروسي هو حماية مصالحها مع دولة حليفة تربطها معها مواثيق ومعاهدات معترف
بها حسب القانون الدولي، وخاصة المعاهدات العسكرية. بينما الدولة السورية لا
تربطها مع الحلف الأطلسي أية معاهدة من هذا القبيل فتدخلهم في الشأن السوري مخالف
لكل المواثيق والعهود الدولية.
-إن بعض من يعتبر
التدخل الدفاعي الروسي في سورية خطأ أو أكثر من خطأ، باعتبار النظام السوري يستعين
بالنظام الإيراني وعملائه لحماية نفسه، لكثرة جرائم نظام الملالي في كل الأقطار
العربية التي استطاع أن يتسلل إليها وأكثرها إجراماً ما يفعله في العراق، فإن هذا
البعض ينظر إلى نصف الحقيقة، إذ يعكس موقفه السلبي من نظام الملالي ليسكت عن تدمير
بنى دولة عربية، والدليل على ذلك أن هذا البعض يؤيد ضمناً من يشارك بالتدمير
الفعلي ويهاجم التدخل الروسي الذي من مصلحته إبقاء سورية موحَّدة لأنه يعتبرها
حصته ومن مصلحته أن لا يفرِِّط بشبر منها. إن نصف الحقيقة الآخر الذي يمكن العمل
على أساسه هو إدارك أن خطورة الدور الإيراني ابتدأت عندما تسلل من البوابة الشرقية
للوطن العربي، وإن الحل الجذري للوقاية من تلك الخطورة هو وضع كل الإمكانيات
لتحرير العراق وإعادة إقفال البوابة الشرقية. وعن ذلك، أعتقد بأنه بدل الهجوم على
الدور الروسي وتجريمه ومساواته بالدور الأميركي، أن نخاطب روسيا ونكشف أمامها
حقيقة دور حليفها الإيراني على مصالحها الاستراتيجية في المستقبل القريب، ونطالبها
باتخاذ الموقف السليم الإنساني والقانوني والضغط عليه من أجل ترك العراق لأهله،
واحترام حقوق الأقطار العربية ومجتمعاتها بتقرير مصيرها.
وهنا، لا نظن أن
روسيا ستصم أذنيها، وإذا لم يكن لسبب إنساني، فإنما سيكون لأسباب مصلحية
استراتيجية تعمل جاهدة للحصول عليها مع عدد من الدول العربية المتضررة من الخطر
الإيراني. وهنا، لا يفوتنا التذكير أنه لا مصلحة لروسيا بإبقاء العراق تحت هيمنة
الاحتلال الأميركي –
الإيراني، لأنهما في أحسن الأحوال لا يرضيا بأن يشاركهما أحد فيه. وإذا عدنا إلى
الموقف السعودي فلا نظن أيضاً أن روسيا سوف تتجاهل إلى الأبد أهمية علاقاتها مع
السعودية، خاصة في الوقت الذي تدرك فيه مدى فداحة الخطر الإيراني عليها.
-وأخيراً، وبمقاييس
شروط أي نظام دولي نريد؟ وإذا كنا ندرك مدى خطورة حكم العالم بقطبية أميركية
واحدة، نرى أنه لا حلَّ للخلاص من تلك الآفة الدولية إلاَّ بحكم العالم بأكثر من
قطبية دولية، وحيث إنه ليس هناك مرشح دولي آخر يحقق الغرض غير روسيا، فلماذا نظل
نعتبرها الخصم الدائم، بل لا بدَّ من النظر إليه في هذه المرحلة أنه الخصم الذي
ليس من صداقته بُدُّ.
-ثانياً: إلقاء
اللوم على أميركا بأنها لم تف بوعودها في مساندة معركة إسقاط الأسد.
إن في هذا الجانب
خطأ مبدئياً، لا يجوز لأحد من الصادقين في عروبتهم، والمناضلين من أجل مبدأ حق
الشعوب في تقرير مصيرهم، أن يقعوا فيه.
ولهذا، فإن الخطأ
المبدأي يقع عندما نطلب من رأس الاستعمار، أو حتى نسكت عنه، أن يساعد الشعب في
مواجهة النظام الرسمي. وأما السبب فيدركه اللبيب الحاذق وهو أنه إذا فتحنا أبوابنا
أمام الاستعمار فلا معنى أبداً لما نص عليه دستور حزب البعث العربي الاشتراكي، في
مادته (الثالثة)، الفقرة الأولى، وهذا نصها: (الاستعمار وكل ما يمت
إليه عمل إجرامي يكافحه العرب بجميع الوسائل الممكنة، وهم يسعون ضمن إمكانياتهم
المادية والمعنوية إلى مساعدة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها).
وهل السكوت عن الاستعانة بالاستعمار لإسقاط
الأنظمة، على الرغم من جرائمها بحق شعوبها، إلاَّ (كمن يستجير من الرمضاء بالنار)؟
أو هل يصح القول فيه: (وداوني بالتي كانت هي الداء)؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق